أقام مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2021، ندوة حوارية بعنوان “آليات إدارة الخدمات والشؤون المعيشية في الشمال السوري“، وذلك في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي.
شارك في الندوة كل من الدكتور عبد الحكيم المصري، وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة؛ وأنس غزال، أحد رجال الأعمال في مدينة عفرين؛ وسندس فلفلة، الناشطة الحقوقية، وأدارها الناشط أمجد المالح، بحضور جمع غفير من الناشطين والإعلاميين والمدنيين.

وتناولت الندوة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المدنيون، بسبب حالة التضخم الكبيرة في السوق، وانخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، وحالة عدم ثبات الأسعار. وسلّطت الضوء على الخطط الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة المؤقتة، للحد من موضوع التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وتناولت موضوع الحوكمة، ومدى تطبيقها في الوزارات والمؤسسات العامة.
خلال الندوة، طُرحت مجموعة من الأسئلة على وزير المالية والاقتصاد، ركّزت على الوضع المادي للمواطنين وتبيان وضع الحياة الاقتصادية في الشمال السوري، وماهية الخطط الاقتصادية التي أعدّتها وزارة المالية والاقتصاد لمواجهة حالة التضخم الحاصلة في السوق. وتطرقت المحاور إلى موضوع قانونَي الأجور والاستثمار، ومعوقات عدم وجود اكتفاء ذاتي في الغذاء في المناطق المحررة، ومدى تطبيق الوزارة لنظام الحوكمة في تعاملاتها.
بيّن عبد الحكيم المصري، في سياق إجاباته، المشكلة الحقيقية التي تعانيها وزارة المالية والاقتصاد، وهي افتقارها إلى الموارد المالية الكافية لتنفيذ الخطط الاقتصادية، وعدم قدرتها على ضبط السوق ومراقبة الأسعار بسبب افتقارها إلى قوات تنفيذية قادرة على فرض الأسعار ومراقبتها.
وفي حديثة عن الوضع المالي للمواطنين، أكد المصري صعوبة الأوضاع المالية والاقتصادية التي يعانيها المواطنون في الشمال السوري، والسبب عدم وجود فرص عمل كافية وارتفاع البطالة بشكل كبير، إضافة إلى الاكتظاظ السكاني وعدم استقرار المجتمع، ووجود كثير من المشكلات المتعددة التي لا تستطيع الحكومة منفردة حلها.
وبخصوص ماهية الخطط الاقتصادية التي تعدها الوزارة لمواجهة التضخم في السوق، لفت المصري النظر إلى عدم قدرة الحكومة على تنفيذ الخطط، وذلك لأسباب عدة، أولها عدم وجود مورد مالي ثابت يكون داعمًا للحكومة لتنفيذ الخطط وحجم المشكلات التي لا تستطيع الحكومة منفردة معالجتها، وعدم وجود سيطرة فعلية لها على الأرض وخاصة منطقة عفرين وريفها، التي يكاد وجود الحكومة فيها يكون معدومًا، لصالح المجالس المحلية وغرف التجارة، التي تستحوذ على الإيرادات العامة، ولا ترجع للحكومة في التسلسل الإداري.
وأشار إلى أن هذه المجالس المحلية تقدّم خدماتها، وتعمل على تنفيذ مشاريع في منطقة عفرين آخرها مشروع جسر عفرين، بتكلفة وصلت إلى 525 ألف دولار أميركي، قدمتها الحكومة لتنفيذ مشروع الجسر المقترح.
وبالحديث عن قانون الأجور، أرجع المصري سبب عدم وجود قانون يحدد الأجور ويحدد الحد الأدنى لها، إلى ارتفاع عدد اليد العاملة وانخفاض عدد الوظائف، إضافة إلى عدم وجود آلية عمل قادرة على فرض قانون الأجور على التجار والصناعيين والمزارعين، بسبب التلاعب الذي قد يحصل بين مالك العمل والعمال، والاتفاق البيني بينهم على أجور معينة، وتقديم بيانات مغلوطة، وكل ذلك بسبب البطالة الهائلة وحاجة السكان إلى العمل. وأوضح الوزير أن السبب وراء ارتفاع السلع مرتبط بارتفاع أجور اليد العاملة، مبينًا أنه كلما ارتفعت الأجور ارتفعت السلع، لتغطية النفقات.
وفي حديثه عن موضوع قانون الاستثمار، قال المصري: “إن هناك خمس مدن صناعية، قامت الوزارة بافتتاحها في الشمال السوري، وهي منتشرة في مناطق إعزاز وجرابلس ومارع والباب والراعي، وتقوم الوزارة بتقديم جميع التسهيلات المرافقة لعملية التبادل التجاري بين سورية وتركيا”.
وذكر المصري أن هناك كثيرًا من المستثمرين خارج البلاد قاموا بالفعل بنقل استثماراتهم إلى داخل سورية، حيث يوجد في المدينة الصناعية في مدينة الراعي حوالي 82 تاجرًا تركيّ الجنسية، قاموا بإنشاء معامل وورش تصنيع، مستفيدين من انخفاض أجور اليد العاملة والتسهيلات التي تقدمها الوزارة.
وأشار المصري الى النسب المنخفضة التي تفرضها الوزارة على الحركة التجارية، وذلك لدعم الاستثمار وتشجيع المستثمرين على الاستثمار في القطاعات التجارية كافة في المنطقة المحررة.
وتطرق المصري إلى موضوع الاكتفاء الغذائي الذاتي، ورأى أن عدم القدرة على تحقيق ذلك يعود إلى معوقات كثيرة، منها موضوع الجفاف الحاصل على مستوى سورية طوال العامين الماضيين، وعدم قدرة القطاع الزراعي على تبلية الاحتياجات الغذائية، وخصوصًا المواد الاستراتيجية كالقمح.
وأوضح أن منطقة تل أبيض، وهي التي تعد الخزان الغذائي الأهم لتأمين الاحتياجات السكانية، قد تضررت كثيرًا بسبب الجفاف، ولم تستطع الكميات المنتجة تلبية حاجة السوق، فاضطرت الوزارة إلى الاستيراد بأسعار باهظة، مضيفًا أن المنطقة تشهد اكتفاء ذاتيًا بالخضار والفواكه المنتجة، ولكنها تعاني نقصًا كبيرًا في المواد الأخرى كالسكر، ولذلك تضطر الوزارة إلى استيراد المواد من الخارج.
وتعليقًا على موضوع الحوكمة، ذكر المصري أن “هذه مشكلة الحكومة بشكل كامل؛ فالمؤسسات والوزارات تعاني ضعف الارتباط فيما بينها، وكذلك المديريات والمؤسسات الفرعية تعاني عدم وجود روابط قوية بينها وبين الوزارات المعنية”، مشيرًا إلى أن هناك عملًا على إعادة صياغة المؤسسات والوزارات وتطبيق مبدأ الحوكمة بشكل فعال على كل القطاعات والتعاملات.

من جهته، سلّط أنس غزال، وهو أحد تجار المنطقة، الضوء على الواقع التجاري والصعوبات التي يعانيها التجار في المنطقة، وعلى حجم القطاعات التجارية والصناعية والزراعية في المنطقة المحررة، ومدى تطبيق الخطط التي تحدث عنها وزير الاقتصاد (عبد الحكيم المصري) على الحياة الاقتصادية، ومعوقات عدم وجود اكتفاء ذاتي، من وجهة نظر التجار، ومدى التعاون بين التجار وبين غرف التجارة بشكل خاص.
ورأى غزال أن القطاعات الاقتصادية تعاني وطأة البيروقراطية الحكومية، وعدم وجود خطط فعّالة، وعدم وجود دعم حكومي لها بشكل يضمن تطويرها. وتحدث عن مدى تغلغل القوى الفاعلة على الأرض بالحياة الاقتصادية، وتأثير ذلك على التجار المدنيين، وتطرق إلى مسألة انعدام التنافس بين التجار، بسبب استحواذ بعض التجار واحتكارهم العمل في قطاعات محددة، إضافة إلى الحديث عن قضية الأجور وانخفاضها، وأثر ذلك على القدرة الشرائية وتحريك السوق.
وفي ما يخص العلاقة بين التجار وغرف التجارة، بيّن غزال أن هناك علاقة مضطربة بينهم وبين غرف التجارة، نظرًا للضرائب المرتفعة وعدم وجود تسهيلات كاملة تضمن عملهم بشكل طبيعي.
بدورها، أجابت الناشطة سندس فلفلة عن الأسئلة المتعلقة بموضوع الأثر الاجتماعي الحاصل بسبب الأوضاع الاقتصادية، مبينةً أن المجتمع يعاني وطأة المشكلات الاقتصادية، الأمر الذي انعكس على المجتمع بشكل كبير، وعلى الأسر والأفراد بشكل خاص، وأدى بدوره إلى بروز العديد من المشكلات التي ضغطت على الأسر، وولّدت مشكلات اجتماعية كبيرة، منها عمالة الأطفال، وارتفاع نسب الطلاق، وارتفاع نسب التخلي عن الأطفال، وارتفاع نسب العنوسة، وكل ذلك نتيجة الواقع الاقتصادي السيئ الذي تعيشه المنطقة. وأشارت فلفلة إلى أثر الوضع الغذائي المتدني على المجتمع، حيث ازدادت حالات سوء التغذية بين الأطفال، وازدادت الأمراض المرتبطة بالغذاء بشكل كبير، ما انعكس بدوره على الجانب الصحي العام والمؤسسات العاملة في الشأن الصحي في المنطقة المحررة. وأعربت فلفلة عن مخاوفها من بقاء الوضع على ما هو عليه، وأثر ذلك على ازدياد المشكلات الاجتماعية وصعوبة حلّها مستقبلًا.

وفي نهاية الندوة، شارك الحاضرون في طرح الأسئلة، وبخاصة على وزير الاقتصاد عبد الحكيم المصري، حول مدى قدرة الحكومة على إيجاد الحلول للواقع الاقتصادي والمعيشي في الشمال السوري، مطالبين في الوقت ذاته الحكومة السورية المؤقتة بالعمل على تلبية احتياجات النازحين والمهجّرين، إضافة إلى تلبية احتياجات سكان المنطقة الأصليين.
