عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، السبت 30 أيار/ مايو 2020، ندوة بعنوان (أين تتجه العلاقة بين دمشق وموسكو؟)، شارك فيها من باريس الكاتب السوري المعارض ميشيل كيلو، وأدارتها الإعلامية ربا حبوش.

تحدث كيلو، في بداية الندوة، عن خلفيات وحقيقة الصراع بين رامي مخلوف وبشار الأسد، وكيف يمكن لهذه الخلافات أن تؤثر في حاضنة النظام من الطائفة العلوية، وقال: “أعتقد أن القصة تتخطى كثيرًا أسماء الأسد، كما يتم تداوله، وأن لها دلالات مهمة، وهي أن النظام لم يعد لديه أي مورد من الموارد يمكّنه من أن يمارس وظائفه كنظام، وهذا ما جعل الشعب في حالة إفلاس ومستوى معيشي مترد، مع أهمية الإشارة إلى أن موارد البلد وثرواته الطبيعية أصبحت في معظمها بيد الروس والإيرانيين، وبعضها محتجز عند الأمريكان، وهذا دفع النظام إلى البحث في دفاتره القديمة، كما يُقال، ومن هنا ظهرت مشكلة الحجز على أموال رامي مخلوف”.

وتابع: “أعتقد أن هذه نقطة مهمة كثيرًا، ولفتت أنظار المسؤولين الدوليين الذين يراقبون الوضع السوري، إلى حجم الفساد الموجود في سورية، وإلى الطريقة التي تم بها توزيع الثروات في الفترة الماضية، وهي التي أوصلت الشعب إلى التمرد والقيام بثورة. وهناك نقطة مهمة في هذا السياق، يجب التركيز عليها، وهي أن هذا أول صراع يحصل بين رأس السلطة في سورية وخصومه، ولا يكون موقف الناس والمجتمع الدولي داعمًا ومؤيدًا للنظام، وإذا عدنا تاريخيًا للوراء، إلى حقبة صراع حافظ الأسد وأخيه رفعت، وجدنا أن الناس كانت تقف مع حافظ الأسد وتؤيده، وكذلك الأمر في الصراع بين الأخير وصلاح جديد ومحمد عمران، والأمثلة كثيرة، ونلاحظ في السابق أنه عندما ينشب أي خلاف، يقف الناس والمجتمع الدولي مع رأس السلطة، لكن هذه المرة الوضع مختلف، فلا أميركا تقف مع نظام الأسد ولا تركيا، حتى إيران لديها استعداد للتلاعب بالنظام، علمًا أن هذا الصراع في المدلول العام ليس قليل الأهمية، سواء من حيث دلالاته أو انعكاساته على الشارع السوري، إضافة إلى أن هناك دلالة في غاية الأهمية، وهي تعرّض النظام لحادثة غير مسبوقة، لها علاقة بوظيفية السلطة وعجزه عن حلها دون الاستيلاء على أموال شخصيات مقربة منه، مثل رامي مخلوف، لديها القدرة على حشد الناس ضد النظام وتغيير كفة الولاء لصالحه، وقد سمعنا بالأمس عن إصدار عدد من العائلات العلوية، بيانات ضد النظام، تؤيد رامي مخلوف، وأيضًا تم توزيع 5000 منشور في مدينة جبلة تحرّض على النظام. لذا يكتسب هذا الصراع أهمية داخلية وخارجية بالنسبة إلى النظام، وربما يمكن أن يصبح له أهمية في ما يتصل بنقل هذا الخلاف من داخل الأسرة إلى داخل النظام، إلى داخل الطائفة”.

وفي سؤال حول تضحية نظام الأسد برامي مخلوف، لتبييض صورته أمام المجتمع الدولي، أجاب: “هناك رأي يقول بأن المسألة تمت في سياق محاولة الاستيلاء على أموال مخلوف ومصادرتها، كي لا تتأثر بالعقوبات عند بدء تطبيق قانون قيصر، ومحاولة النظام أن يموّه بأن هذه الأموال ملك للدولة، لكن من ناحية أخرى نجد أن الدولة نفسها فُرض عليها عقوبات، لذلك لا يستطيع النظامُ، ولا الروس والإيرانيون، التلاعب في مسألة العقوبات؛ لأن العقوبات ستكون حاسمة إلى درجة أنها ستقوم بتخفيض الدخل الوطني للنظام إلى ملياري دولار في السنة فقط، وهذا معناه أن النظام سيتعرض للإفلاس بشكل كلّي. أعتقد أن المسألة تقع عند نقطة ألم حقيقية عند النظام، وهي إفلاسه وعدم قدرته على القيام بوظائفه، خاصة أنه كان يراهن على قدراته طوال الوقت، ويقوم بدفع رواتب الموظفين، ويحاول ربط المناطق المحررة، من حيث المعاملات الإدارية به، لكن النظام حاليًا لم يعد قادرًا على أداء هذه الوظائف، وهنا تكمن مشكلته الحقيقية”.

ورأى كيلو أن النظام فقد قدرته على ممارسة مهامه، وعلى الرغم من ذلك، فإن ربط مسألة انتهائه وزواله بهذا الأمر هو مسألة أخرى تحتاج إلى جمع قرائن وأدلة خاصة بها. وأضاف: “إن شروط قرار بقاء النظام أو ذهابه أصبحت مهيأة، ولكن اتخاذ القرار في هذا الأمر مرتبط بحسابات دولية”.

وعن تعيين موسكو سفيرها في سورية أليكسندر يميوف ممثلًا شخصيًا لبوتين، في ما يبدو وكأن سورية دخلت في حالة انتداب روسي عليها، علّق قائلًا: “في الواقع إن التواجد الروسي في سورية هو احتلال وليس انتدابًا. ففي 28 أيلول/ سبتمبر عام 2015، قبل أن يصل الروس إلى قاعدة حميميم العسكرية، أُجريت مناورات عسكرية في موسكو حضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتم استعراض قوة الأسلحة الروسية وقدرتها على التدمير، وفي نهايتها قال بوتين في خطاب علني: أنتم ذاهبون إلى سورية لإنقاذ بشار الأسد، وبعدها بأيام جاء تصريح آخر لسيرغي لافروف، قال فيه إن النظام كان سيسقط في غضون أسابيع، لولا تدخل روسيا. لذا نجد أن التواجد الروسي في سورية هو استعمار حقيقي بكل معنى الكلمة، وأعتقد أن مسألة تعيين السفير أليكسندر يميفوف مرتبطة بعوامل مهمة، أولها المشادّات الكلامية التي جرت بين روسيا والنظام أخيرًا، وتصريح شخصيات محسوبة على النظام، مثل خالد عبود، بأن النظام قادر على طرد روسيا من قاعدة حميميم خلال نصف ساعة، لا بل من كل المناطق السورية أيضًا، لذا جاء رد الفعل الروسي بتعزيز وجودهم في سورية أكثر من قبل. الأمر الثاني المرتبط بتعيين يميوف، هو أن بشار الأسد، في الفترة الأخيرة، تورط في مسألة عبثه باللجنة الدستورية ورفضه لها، ورفضه أيضًا الانتقال السياسي وإجراء انتخابات، وهي تمثل التعهدات الثلاث التي قدمها الروس للأمريكان بموجب القرار 2254، وهذا دفع روسيا إلى إيصال رسالة للنظام، بأنها لن تسمح له بالعبث والتلاعب وبأن يقرر ما يريده، خاصة إذا كانت هذه القرارات ضد تعهدات روسيا والتزاماتها، لذا قامت روسيا بتعيين شخص يملك صلاحيات الرئيس الروسي، كي يراقب تحركات النظام”.

تطرق الضيف كذلك خلال الندوة إلى حقيقة الخلاف الروسي – الإيراني: أهو خلاف على المصالح والمكاسب، في ضوء اختلاف السياسات التي تنتهجها كل من موسكو وطهران في سورية، أم لا، وقال: “لدى إيران مشروع قديم في سورية بدأ عام 1979، عندما حدثت الثورة في إيران ووقف حافظ الأسد معها ضد العراق، ومن ثم دخل الأسد الأب في حرب مع العراق من أجل إيران، وذلك خلال الحرب العراقية – الإيرانية، وقام بإرسال وحدة صواريخ سكود إلى إيران كي تقصف العراق، وسمح بدخول وحدات عسكرية إلى سورية لقصف مناطق غرب العراق. وبعد ذلك، بدأت حالة من الاندماج والتعايش بين نظام الأسد وإيران، وكان ذلك على حساب اندماج سورية في النظام أو الكيان العربي، حيث عمل النظام منذ ذلك الوقت على تنفيذ المخطط الإيراني المتمثل بإقامة محور شيعي، من مزار الشريف في باكستان وصولًا إلى جنوب لبنان، وهذا المشروع هو مشروع قومي واستراتيجي بالنسبة إلى إيران”. وتابع: “أما المشروع الروسي في سورية، فهو قائم على استخدام سورية كمنصة توطد روسيا أوضاعها فيها، كي تستعيد نفوذ وحضور الاتحاد السوفييتي في العالم العربي. ونلاحظ أن كلا المشروعين الروسي والإيراني متناقضان جذريًا، وهناك خلاف كبير بين هذين المشروعين اللذين يتنافسان على نفس المنطقة، أي سورية، وهذا ينفي الآراء التي تقول إن الخلاف الروسي – الإيراني هو خلاف مصالح، بل هو خلاف بين دولتين لكل منها مشروع لا يتحقق بوجود الأخرى”.

وعرّجت الندوة إلى مسألة الاتفاق الروسي – التركي، بخصوص منطقة شمال غرب سورية، المتعلق بخفض التصعيد العسكري: أسيصمد الاتفاق أم سيتلاشى مع الوقت، وحول طبيعة العلاقات التركية – الروسية. وحول هذه المسألة، قال كيلو: “أعتقد أن تركيا تحظى بأهمية كبيرة بالنسبة إلى الروس أكثر من أهمية نظام الأسد، ونستطيع أن نلاحظ أنه خلال العشرين سنة الأخيرة من حكم روسيا، وقد سيطر خلالها بوتين على السلطة، لم يستطع بوتين أن يحقق أي إنجاز على صعيد السياسة الخارجية، باستثناء تركيا على المستوى الاستراتيجي، وسورية على المستوى التكتيكي، فالإنجاز الأكبر له هو علاقته مع تركيا التي لعب دورًا كبيرًا في إبعادها عن الأطلسي، ولم ينجح في ذلك، كما لعب دورًا في محاولة ربط اقتصاد تركيا باقتصاد روسيا، عن طريق فتح الأسواق الروسية أمامها، إضافة إلى علاقاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي أدت إلى وقف الحرب في إدلب، وليس ذلك هدنة، في رأيي الشخصي. وأعتقد أن الوضع في إدلب سيبقى مستقرًا إلى حين التوصل إلى حل سياسي، تعود بموجبه إدلب إلى سورية”.

وفي نهاية الندوة، أجاب الضيف على أسئلة المتابعين وتعليقاتهم.