عُقدت يوم الخميس 24 أيلول/ سبتمبر 2020، ندوة “الديمقراطية السورية… تجربة قصيرة وضرورة للمستقبل” وهي الأولى ضمن سلسلة حوارات دورية جديدة يعمل عليها مركز حرمون للدراسات المعاصرة بعنوان “منبر حرمون“.

تحدث فيها خضر زكريا وشارك كل من تيسير رداوي وسمير سعيفان ومضر الدبس ومحمود الحسين، وأدارها عزام أمين.

تحدث خضر زكريا في محاور عدة منها مفهوم الديمقراطية تاريخيًا، والمبادئ والأسس الواجب توافرها من أجل إقامة نظام ديمقراطي، وخصائص التجربة الديمقراطية السورية في مرحلة الوحدة بين سورية ومصر، وركز تركيزًا خاصًا على نوع الديمقراطية التي يحتاج إليها السوريون.

في البداية قدّم زكريا شرحًا موجزًا لتعريف الديمقراطية ومفهومها، وتحدث عن التجربة الديمقراطية في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد في أثينا التي كانت قائمة على ثلاثة مبادئ: الأول المساواة السياسية التي تعني حق كل فرد في إدارة بلاده، والثاني المساواة الاجتماعية القائمة على مساعدة الفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع، أما المبدأ الثالث فهو حكومة الشعب التي تعني أن على كل فرد واجب القيام بإدارة شؤونه وشؤون بلاده. وأشار زكريا إلى أن صفة المواطن وحقوق المواطنة في تلك المرحلة كانت تقتصر على اليونانيين فقط، أما العبيد الذين كانوا يشكلون الأكثرية الساحقة في المجتمع اليوناني، لم يكن لهم حقوق، وكانت هذه إحدى كبرى إشكالات الديمقراطية في أثينا.

ثم انتقل إلى الحديث عن مفهوم الشورى في الإسلام وعلاقته بالديمقراطية، واصفًا إياه بالخطوة المتقدمة على النظام الديمقراطي في اليونان كونه يشمل المسلمين جميعًا، مشيرًا في الوقت ذاته إلى عدد من الإشكالات التي تشوب مبدأ الشورى، منها صعوبة تحديد الفئة التي ينبغي أن يستشيرها الحاكم، وهل الشورى ملزمة للحاكم؟

بعد ذلك، تحدث عن واقع الديمقراطية في القرون الوسطى عندما كانت الكنيسة تهيمن على مفاصل المجتمع كلها، وكانت المرجع الأساس للأحكام والقيم والقوانين، وعن المحاولات التي حدثت في عصر النهضة الأوروبية من أجل بناء مجتمع عادل خال من التراتبية الطبقية والإقطاعية ومن هيمنة الكنيسة على الحياة العقلية والروحية للمجتمع.

وتحدث عن الديمقراطية الغربية التي نشأت في العصر الحديث التي ترتكز على مبدأ سيادة الشعب الذي يشمل مواطني الدولة جميعهم من دون استثناء، وعدّه المصدر الوحيد للسلطة السياسية. ولفت زكريا إلى أن هذه الديمقراطية أكدت مبدأ فصل السلطات، والحريات التي يكفلها القانون وأهمها حرية الاعتقاد والتعبير والنشر، والحرية الاقتصادية التي تعني حماية الملكية بأشكالها كلها وحرية ممارسة النشاط الاقتصادي وحرية انتقال البضائع والأموال ضمن حدود الدولة من دون عراقيل، غير أن المساواة أمام القانون بقيت شكلية إلى حد كبير ولم تتحول إلى مساواة حقيقية.

وأوضح أن تمركز رأس المال أدّى من الناحية العملية إلى إلغاء أحد أهم مبادئ الليبرالية الاقتصادية وهو مبدأ حرية التنافس. وأضاف زكريا: “لقد تنبّه ماركس إلى هذا الأمر عندما قال إن الملكية الخاصة هي أساس الاستغلال وهيمنة الطبقة المالكة على بقية طبقات المجتمع، ورأى أنه لتحقيق الحرية الحقيقية والمساواة والديمقراطية للأفراد جميعًا، لا بد من إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وأن الطبقة التي يجب أن تلغي هذه الملكية هي الطبقة العاملة التي لا تملك شيئًا ومن ثم فإنها لن تخسر شيئًا في نضالها من أجل استلام السلطة، ولذلك دعا ماركس إلى دكتاتورية البروليتاريا التي أصبحت تسمى في ما بعد بالديمقراطية الشعبية”.

انتقل زكريا للحديث عن الممارسة العملية للديمقراطية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ اقتصر تطبيق مبادئ الديمقراطية على الدول المتقدمة فقط، مع وجود فروق كبيرة في ما بينها، أما بالنسبة إلى البلدان النامية فقد بقيت الديمقراطية بمعانيها كلها بعيدة المنال، وسلط الضوء على علاقة الولايات المتحدة بالدول النامية القائمة على المصالح، وليس على مبادئ الديمقراطية والحرية.

وفي المحور الأخير، تحدث عن التجربة الديمقراطية في مرحلة الوحدة بين سورية ومصر منذ عام 1954 حتى عام 1958، واستعرض أوجه الحياة الديمقراطية بعد الاستقلال، ثم انتقل إلى الحديث عن الحكومات التي تشكلت قبل حدوث انقلاب حسني الزعيم الذي كان بمنزلة تمهيد من أجل تمرير اتفاقية “التابلاين” التي تنص على تمرير النفط من السعودية إلى البحر المتوسط عبر سورية، وأيضًا من أجل التمهيد لتوقيع اتفاقية الهدنة مع إسرائيل. وتطرق زكريا إلى المرحلة التي تلت الانقلاب الثاني لأديب الشيشكلي واستيلائه على السلطة بطريقة دكتاتورية، ما أدى إلى اندلاع عدد من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية الواسعة في المدن السورية كلها، أدت إلى تنازل الشيشكلي عن الحكم وسلّم السلطات للبرلمان السوري، وجرت انتخابات عام 1954 بالترافق مع صدور قرار بعودة الضباط جميعهم إلى ثكناتهم، وسادت أجواء ديمقراطية رائعة في أنحاء سورية كلها. وأضاف زكريا: “كان أحد شواهد عظمة الديمقراطية في تلك المرحلة امتثال الحكومة لرغبة الشعب الذي تظاهر أمام البرلمان احتجاجًا على مرور طائرة وزير خارجية أميركا في الأجواء السورية، وهذا يدل على أن الناس كانوا في تلك السنوات الأربع متعطشين ومتحمسين جدًا لممارسة الديمقراطية، بعيدًا عن التحزب، ويعيشون جميعًا في ألفة وتعاون، لذلك ليس هناك أي مخاوف من تكرار تجربة الديمقراطية كما يقول بعضهم حاليًا، لأن الناس قادرين على التكيف معها تمامًا كما حصل عام 1954”.

وختامًا، تحدث عن الديمقراطية في حكم حافظ الأسد وكيف سخّر مؤسسات الدولة من أجل تكريس دكتاتوريته، وجعل كلًا من مجلس الشعب والجبهة الوطنية التقدمية وهيئات الدولة ونقاباتها كلها أداة لتحقيق أهدافه، إضافة إلى عسكرة التعليم وكثير من الممارسات التي قضت على الديمقراطية في سورية.

في عقب ذلك، تحدث عزام أمين عن مفهوم المواطنة الذي يشير إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها، والالتزامات التي تفرضها عليه بوصفه مواطنًا، ومشاركة الفرد في إدارة شؤون وطنه. واستعرض عزام العناصر الأساسية التي تتكون منها المواطنة وهي العنصر المدني ويتضمن الحرية الفردية وحرية التعبير والاعتقاد، والعنصر السياسي ويعني حق المشاركة في الحياة السياسية، والعنصر الاجتماعي ويتضمن حق المواطن بالحصول على خدمات الرفاهية وإشباع حقوقه الاقتصادية وحق الأمان الوظيفي. واستعرض أمين المتغيرات والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عاشها السوريون في ظل نظام الأسد التي كانت تتنافى مع مبدأ المواطنة والديمقراطية.

من جانبه، تحدث مضر الدبس عن دور الديمقراطية في إعادة الثقة بين مكونات المجتمع السوري، وعن دور الثقة بين السوريين في تشكيل الديمقراطية، وعن كيفية مقاربة مكونات المجتمع السوري وفق ذهنية ديمقراطية. وتطرق الدبس إلى أهمية إعادة إنتاج مفهوم المواطن الفرد الذي جرى تهميشه في أثناء حكم نظام الأسد القائم على مفهوم “العصبوية”، وإلى أهمية مفهوم الثقة الذي سينتج بدوره رأسمال اجتماعي سيؤدي إلى مفهوم الإرادة العامة. واختتم بالحديث عن الشروط المطلوبة لصناعة الديمقراطية في سورية على أساس الثقة، وعن كيفية دمج مكونات الشعب السوري جميعها ضمن سياسة وطنية واحدة.

بدوره، تحدث محمود الحسين عن كيفية تعزيز مفهوم الديمقراطية من خلال الممارسة والتطبيق خصوصًا في ظل المرحلة الراهنة، واستعرض ممارسات النظام الاستبدادية التي أدت إلى حدوث انقسامات في المجتمع السوري في مستوى الهويات الفرعية، وعن مساهمتها في ظهور التنظيمات المتطرفة التي حاربت الديمقراطية، وهو ما يريده النظام السوري. وتحدث الحسين أيضًا عن الأسباب الخارجية التي تحول دون ممارسة الديمقراطية في سورية، وأهمها الموقع الجغرافي لسورية القريب من إسرائيل التي لن تسمح بحدوث أي عملية تحول ديمقراطي محافظة على أمن حدودها ومصالحها، إضافة إلى التدخل الإيراني في سورية الذي أحدث خللًا في مؤسسات المجتمع السوري ونسيجه، وعزز الشروخ الاجتماعية والطائفية التي تتعارض مع مبادئ المواطنة والمساواة التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية. واختتم حديثه بتأكيد أهمية التغيير السياسي وضرورته بوصفه وسيلة أساسية لتعزيز مفهوم الديمقراطية.

ثم تحدث تيسير رداوي عن معوقات التنمية في سورية في ظل غياب الديمقراطية، وكيف يمكن أن تكون الديمقراطية محركًا للتنمية والتطور، وأيهما يجب أن يتحقق أولًا، الديمقراطية أم التنمية، واستعرض التجربة الديمقراطية في كل من سنغافورة وماليزيا، مبيّنًا كيف استغل التكنوقراط الهامش البسيط للديمقراطية من أجل تحقيق التنمية. واختتم بالحديث عن التناقض البنيوي بين مفهوم الجيش ومفهوم الديمقراطية.

وفي ختام الندوة، تحدث سمير سعيفان عن دور الاقتصاد في الديمقراطية، وعن الديمقراطية الاقتصادية التي تعبر عن الجانب الاقتصادي للعدالة الاجتماعية التي يحتاج إليها السوريون. وأشار سعيفان إلى أن أصحاب رأس المال والمؤمنين بالنظام الرأسمالي من باحثين وأكاديميين وحتى رجال دين، يحرصون على حصر الديمقراطية بجانب أحادي هو الديمقراطية السياسية، ويختزلونها بصندوق الانتخابات الذي يذهبون إليه كل أربع سنوات أو أكثر للإدلاء بأصواتهم وهم تحت تأثيرات مختلفة مصدرها وسائل الإعلام والبيئة المحلية والجامعات وأماكن العمل والمؤسسات الدينية التي يملكها جميعها ويسيطر عليها رجال أعمال يعملون على صناعة مواطن يؤمن بأنه السيد وصاحب القرار في هذه اللعبة الديمقراطية، وهذا ما يمكن تسميته بديمقراطية اليوم الواحد كل بضع سنوات. وتحدث سعيفان عن المنظومة السوفياتية وكيف شوهت مفهوم الديمقراطية والاشتراكية، وتطرق إلى تجربة النظام الصيني سياسيًا واقتصاديًا، واختتم بتأكيد ضرورة الجمع بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية والديمقراطية الاقتصادية، كي تتضافر مع بعضها من أجل خلق مجتمع منسجم يتطلع إليه السوريون جميعهم.

استمرت الندوة قرابة الساعتين وكان الجزء الأخير منها مخصصًا للإجابة عن أسئلة المتابعين وتعليقاتهم.

وعقّب خضر زكريا بأنه يجب الانتهاء من الاستبداد والفساد اللذين يمنعا التنمية وأننا نحتاج بداية إلى حد أدنى من الممارسة الديمقراطية ومن دون إنهاء الاستبداد لا يوجد تنمية ولا ديمقراطية.

ثم أخيرًا أشار سعيفان إلى أنه يوجد خطأ يتكرر وهو أن التجربة الديمقراطية السورية لا تنحصر بالسنوات الأربع وإنما هي نتاج لزراعة بذرة لما قبل ذلك وقد بدأت من عشرينيات القرن الماضي عندما تحول المجتمع من مجتمع عثماني إلى مجتمع حديث نسبيًا حيث بدأت الأحزاب بالتنظيم والتعبير وحرية الإعلام تدريجيًا وبدأت الجمعيات والمقابلات والمدارس الحديثة والسينما وهذا كله شكل من أشكال ممارسة الديمقراطية،  الديمقراطية ليست صندوق انتخاب فحسب؛ بل ذلك كله ممارسة لها وكانت تجربة غنية ونحن السوريين لا نخشى العودة إلى الديمقراطية ثانية.

وأجاب عزام أمين عن سؤال يقول لا يمكن أن تسمح إسرائيل بأن يظهر نظام ديمقراطي في سورية؛ بأن نعم بعض الدول لا تريد نظامًا ديمقراطيًا في سورية وأولها إسرائيل وذكر قولًا لإيميل حبيبي “من يعتقد أن إسرائيل تريد السيطرة العسكرية من النيل إلى الفرات فهو مخطئ وواهم وإنما إسرائيل تريد السيطرة الاقتصادية والعلمية ومن مصلحتها وجود نظام استبدادي في سورية والمنطقة لأن مجرد حصول المواطن السوري على حقوقه فسوف يفكر فورا بحرية الشعب الفلسطيني وهذا ما لا تريده إسرائيل”.

بينما رأى مضر الدبس أنه يجب أن نسأل أنفسنا سؤالًا وهو: هل بدأنا حقًا بمشروع ديمقراطي ثم جاء من دمر لنا هذا المشروع من الدول الأخرى؟  لقد دمرها النظام لذلك علينا أن ننطلق من الذات لأن هذا أكثر جدوى ولنترك السؤال مفتوحا.

وانتهت الندوة بكلام سمير سعيفان أن باب الديمقراطية موصد بسبب وجود هذا النظام العسكري وهذا ما يجب أن يزول كي يفتح الباب للمستقبل لوجود الديمقراطية فإذا زال النظام سيجد السوريون طريقهم وكلنا أمل أننا سنستطيع ذلك.