عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، السبت 13/ 6/ 2020، ندوة بعنوان “سورية مملكة الصمت: الإعلام والقيود“، شارك فيها الصحافي والمحامي مازن درويش، رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وأدارتها الإعلامية ربا حبوش.

في بداية الندوة، تحدث الضيف عن انتهاكات النظام للإعلام وحرية التعبير، منذ وصول حزب البعث إلى السلطة في سورية، وكانت البداية عندما أصدر نظام البعث قرارًا بإغلاق كل الصحف والمطابع ودور النشر، على الرغم من أن سورية كانت من أوائل الدول العربية التي تمتعت بحرية الصحافة والإعلام والتعبير عن الرأي. وأضاف: “بعد عام 1970، ظهر في سورية نمطٌ آخر من الإعلام يقوم على الدعاية للسلطة الحاكمة، ولم يعد وسيلة من وسائل تنوير الرأي العام وإظهار الحقائق وكشف المعلومات. وبعد عام 2000، حدثت بعض التحولات، كان الهدف منها محاولة تجميل وجه الاستبداد، لكي يتناسب مع تطورات العصر والعولمة، لكنها ظلّت إجراءات شكلية، ولم تؤثر في جوهر وظيفة الإعلام بالمعنى العام، وأصبحنا نرى إعلامًا خاصًا، لكنه مرتبط بالقوى الاقتصادية المرتبطة بدورها بالنظام نفسه، والتي تستمد وجودها وشرعيتها من النظام، لذلك لم يشكّل منح تراخيص جديدة لعشرات الصحف تغيرًا جديدًا في بنية الإعلام السوري”.

وأشار درويش إلى أن الثورة السورية شكلت محطة فاصلة في هذا الخصوص، وبدأت تظهر متغيرات جديدة، سواء على مستوى سلوك السلطة والأجهزة الأمنية تجاه الإعلام والصحفيين، أو على مستوى ردة الفعل المجتمعية، وظهور مفهوم الناشط الإعلامي أو المواطن الصحفي، واعتماد وسائل إعلام كبرى على هؤلاء الأشخاص في نقل وتغطية الأحداث، حيث شكلت شجاعة هؤلاء علامة فارقة في الواقع الإعلامي السوري. ولفت درويش إلى أن القمع ليس مجرد أداة يستخدمها النظام، بل هو جزء من بنيته وأدوات وجوده ومن المفاهيم التي يقوم عليها. وقد تركز القمع خلال الثورة، بشكل أساسي، على الإعلاميين والأطباء، على اعتبار أنهم يشكلون خطرًا أساسيًا، سواء بنقل الحراك والمجريات والوقائع، أو بالتعامل مع هذا البطش بشكل مباشر كما في حالة الأطباء. وقال: “اختزل بشار الأسد كل هذه الممارسات في أحد خطاباته الإعلامية، في بداية الثورة، عندما قال إنه ليس مستاءً ممن يخرجون في تظاهرات، لكنه مستاء ممن يقومون بتصويرها ونشرها على الإنترنت. وهذا يدل على أن كشف ما يحدث في سورية هو مشكلة النظام الأساسية. القمع دائمًا موجود في سورية حتى قبل الثورة، لكنه زاد بسبب تطور الحراك وانتقاله من حالة نخبوية تخص مجموعة محددة من الصحفيين أو السياسيين، إلى حالة مجتمعية عامة، شارك فيها مئات آلاف الناس”.

وأكد درويش أن الإعلام والصحافة كانا مصدر قلق للنظام أكثر من حمل السلاح، على اعتبار أن الحقيقة دائمًا تُخيف الحاكم المستبد، وسيكون كل من يحاول أن يسلط الضوء أو يرفع الغطاء عن هذا الاستبداد والقمع مصدرَ خطر على النظام. واعتبر أن تجهيل الناس والاستمرار في سياسة الدعاية للنظام هما من أدوات البقاء للأنظمة المستبدة، لذلك من يحاولون أن يكشفوا الحقيقة هم ليسوا مجرد صحفيين في نظر النظام، بل هم عامل خطر يؤدي إلى تعرية النظام وكشف فساده.

وتطرقت الندوة إلى نشاط المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وما يقوم به من توثيق للانتهاكات، ومن تنسيق مع اللجنة الدستورية بما يتعلق بحقوق الإنسان، وأكد درويش أن المركز يتواصل مع مجموعة من الأعضاء في اللجنة الدستورية، ممن يمثلون المجتمع المدني ولهم تطلعات مشتركة مع المركز، ويسعى من خلال برامجه أن يقدم حلولًا واقتراحات لها علاقة بمستقبل سورية، وأن يقدم أوراق عمل تتعلق بمبادئ الحرية والحق في التعبير عن الرأي، وكل ما يتعلق بهذا الأمر.

وتطرّق درويش إلى نشاط المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، في موضوع العدالة الانتقالية، كونها واحدة من أهم المفاهيم الأساسية التي يجب مناقشتها عند الحديث عن مستقبل سورية. وقال: “منذ أن تأسس المركز عام 2004، كانت العدالة واحدة من برامجه الأساسية الثلاثة، التي تتضمن توثيق الانتهاكات وحفظ الحقوق بالمعنى العام. وفي بداية عام 2016، أسسنا مشروع التقاضي الاستراتيجي، للعمل على مجموعة من الدعاوى والمحاكمات القائمة في دول أوروبية، ولاحقًا في عام 2017 كان لدينا مشروع يتعلق بعائلات الضحايا بشكل أساسي، وهذه هي المنظومة العامة التي نتحرك بها، وكل مشروع من هذه المشاريع يغطي زاوية واحتياجًا معينًا. وعلى الرغم من أننا شركاء مع مؤسسات سورية وأوروبية بأكثر من إحدى عشرة دعوى، فإننا مع الأسف ما زلنا نعتمد -حتى الآن- على العدالة الجنائية، لا على العدالة الانتقالية، لكون العدالة الانتقالية تتطلب أن يكون هناك انتقال سياسي، وهذا غير متوفر حاليًا في سورية، فالعدالة الانتقالية ليست رفاهية، بالنسبة إلينا، أو مجرد عمل يتمحور حول حقوق ضحايا، إنما هي وسيلة للوصول إلى سلام مستدام في سورية، ومن دون العدالة الانتقالية، بكل مضامينها كالمحاسبة والتعويض وضمان عدم التكرار والمصالحة الوطنية؛ أخشى أن نكون أمام حالة وقف إطلاق نار فقط، بغض النظر عن أي اتفاق سياسي أو تقاسم للمصالح بين أمراء الحرب والأطراف الإقليمية والدولية”.

ويرى درويش أن الحديث عن العدالة الانتقالية يتداخل مع ملف محاربة الإرهاب والتطرف بشكل حقيقي، وليس فقط بشكل دعائي سلطوي، ونبّه إلى أن أسوأ ما قد تواجهه سورية هو وجود آلاف الشباب والشابات الذين يشعرون بالغضب بسبب ضياع حقوقهم، بعد الانتهاكات التي تعرضوا لها، وأن يفقد هؤلاء ثقتهم بالقانون وآليات العدالة، ما قد يشكل جانبًا أساسيًا من جوانب التطرف القائم على الإحساس بالظلم والاضطهاد، سواء أكان هذا التطرف دينيًا أم عسكريًا أم عرقيًا، معتبرًا أن هذه مشكلة خطيرة جدًا بالنسبة إلى مستقبل سورية.

وأضاف: “عندما نتحدث عن موضوع العدالة، فهذا يقودنا إلى قضية اللاجئين والمهاجرين السوريين، ومع الأسف، الغرب المسكون بهاجس أو فكرة عودة اللاجئين، لا يرى الرابط بين مسألة العدالة والمحاسبة، ومسألة عودة اللاجئين، وأنا واحد من هؤلاء اللاجئين وقد اضطررت إلى مغادرة سورية عام 2015، وأعتقد أنه من غير المنصف وغير المقبول أن يقوم أي طرف بإجبار اللاجئ على العودة إلى سورية، في ظل وجود النظام والأجهزة الأمنية التي كانت سببًا في هروب اللاجئ خارج سورية كي ينجو بنفسه، فالأمر يشبه منح النظام فرصة ثانية لقتل السوريين الذين نجوا من بطشه في المرة الأولى”.

وتحدث درويش عن تأثير خطاب الكراهية، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، في بناء سورية وعقد اجتماعي جديد، معتبرًا أنه سلاح خطير يوازي خطورة ما يتعرض له السوريون من أنواع أخرى من الانتهاكات، وأنه يلعب دورًا في تعزيز انقسام السوريين، سواء على أرضية طائفية أو عرقية أو مناطقية، لافتًا النظر إلى ضرورة تكاتف الجميع، كإعلاميين وسياسيين أو مجتمع مدني، للتصدي لخطاب الكراهية، ورفض الانصياع له. وقال: “إن وسائل التواصل الاجتماعي تُسهم في خلق خطاب كراهية بشكل شعبوي، لذلك من الضروري أن نكون متوازنين، وأن نضبط خطابنا، وعلينا ألا نتداول أي شيء يتضمن خطاب كراهية، لكيلا يتحول إلى حالة شعبوية قد تؤدي إلى الإضرار بنا جميعًا كسوريين”.

وفي ختام الندوة، تم التطرق إلى موضوع الحراك الثوري الذي تشهده مدينة السويداء حاليًا، واستمرار النظام في استخدام أساليب القمع والاعتقال ذاتها التي استخدمها في بداية الثورة، ورأى درويش أن النظام يكرر فشله في التصدي لتطلعات السوريين، ويستمر في اتباع أساليب القمع والتخوين وتمزيق المجتمع السوري، ما قد يثير القلق من أن يحوّل النظام هذا الحراك إلى حالة اقتتال داخلي، وأكد أن ما يُعوّل عليه هو إيماننا، كسوريين من كل الأطياف، بأننا سنصل يومًا ما إلى دولة تحفظ كرامتنا وتحترم حقوقنا. وفي نهاية الندوة، جرى حوار مفتوح، أجاب الضيف من خلاله على أسئلة المتابعين وتعليقاتهم.

يشار إلى أن هذه الندوة تأتي في إطار الحملة الإعلامية الشهرية التي يقوم بها مركز حرمون للدراسات المعاصرة، والتي تحمل عنوان #إعلام_بلا_قيود.