انطلقت، اليوم السبت 15 كانون الثاني/ يناير 2022، أعمال “المؤتمر الثاني للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية”، الذي ينظّمه مركز حرمون للدراسات المعاصرة والجمعية السورية للعلوم الاجتماعية، بالاشتراك مع مجلة قلمون، تحت شعار “الحرية الأكاديمية الكاملة للباحثين الاجتماعيين”.
يشارك في المؤتمر عدد كبير من الباحثين السوريين في تخصصات العلوم الاجتماعية المختلفة، وتُقدّم فيه 34 ورقة بحثية، إضافة إلى محاضرتين رئيستين، يلقيهما كلّ من بسمة قضماني الأكاديمية والناشطة السياسية، وعمر ضاحي الأستاذ المشارك في الاقتصاد بكلية هامبشاير.
يتيح المؤتمر للباحثين السوريين ومن في حكمهم، في أي من العلوم الاجتماعية (علم الاجتماع، الفلسفة، الأنثروبولوجيا، علم السكان، الاقتصاد السياسي، العلوم السياسية والعلاقات الدولية، التاريخ، التربية، علم النفس، الإعلام، القانون، الدراسات العابرة للتخصصات)، تقديم أوراق علميّة حول الأبحاث التي ينجزونها، أو التي أنجزوها ولمّا تُنشر بعد، بغض النظر عن موضوع البحث أو التخصص الأكاديمي للباحث.
استهل سمير سعيفان الجلسة الافتتاحية بالترحيب بالباحثين المشاركين في الجلسات الأولى، وأكّد مدى الحاجة إلى الأبحاث والدراسات حول سورية، في مختلف ميادين العلوم الاجتماعية والسياسة والاقتصاد والمجتمع، وبخاصة عن فترة ما قبل انتفاضة الشعب السوري في آذار 2011، أو في المرحلة التالية وقد امتدت قرابة 11 عامًا، تلك الانتفاضة التي حوّلتها ألاعيب السياسة الدولية إلى كارثة حلّت بسورية وشعبها. وأضاف أن “هذا الوضع المعقّد والمركّب في سورية يحتاج إلى جهود بحثية كثيرة، ويحتاج إلى جهود عقول سورية النيّرة”.
وزاد قائلًا: إن “مركز حرمون أراد أن يُسهم، من خلال هذا المؤتمر الدوري، في تكوين الجماعة العلمية السورية، وهذه هي الدورة الثانية للمؤتمر الذي كانت دورته الأولى في كانون الثاني 2021، وستكون دورته الثالثة في التاريخ نفسه في 2023”. ولفت النظر إلى أن “هذا المؤتمر بلا ضفاف، بمعنى أنه لا يختص في مجال محدد أو في موضوعات محددة، وقد أردناه منبرًا مفتوحًا لكل باحث يقوم ببحث ما في مجال من مجالات العلوم الاجتماعية”.
في السياق نفسه، قال خضر زكريا، رئيس الجمعية السورية للعلوم الاجتماعية: إن “الباحثين السوريين الذين أُتيح لهم أن يتحرروا من السلطة السياسية ورقابة أجهزتها الأمنية أفادوا من مناخات الحرية التي يعيشونها في بلدان اللجوء، وواصلوا البحث في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الملحّة التي تهم سورية والسوريين”.
وأوضح زكريا أن “الأوراق البحثية المقدّمة في هذا المؤتمر تعالج عددًا من المسائل الخاصة بالثورة السورية ومآلاتها، وقضايا الهوية الوطنية، وآليات التماسك المجتمعي الذي يحتاج إليه السوريون اليوم أكثر من أي وقت مضى، والمسائل المتعلقة بالتحول الديمقراطي، ودور منظمات المجتمع المدني، ومسألة الأقليات، وحق تقرير المصير، ومن ذلك المسألة الكردية التي تتعدد بشأنها وجهات النظر، ويضاف إلى ذلك تناول بعض الأبعاد القانونية للقضية السورية وكيفية إصلاح القوانين، ومسألة إعادة الإعمار وما يرتبط بها من تحديات، وغيرها من الملفات والمسائل الأخرى”.
ودعا زكريا كل من لم ينتسب بعد إلى الجمعية السورية للعلوم الاجتماعية، إلى المبادرة بالانتساب إلى عضوية الجمعية “التي تؤكد رسالتها على النهوض بالعلوم الاجتماعية، والإسهام في تطوير المعرفة العلمية، وتدعيم البحث وإنتاج المعرفة في مجالات العلوم الاجتماعية المختلفة، وترسيخ مبادئ السجال الفكري الحر حول التحديات المصيرية التي تواجه سورية وبلدان المنطقة العربية، مع التأكيد على تعزيز دور العلوم الاجتماعية المختلفة في الحياة العامة في سورية والمنطقة، وفي رسم السياسات العامة لها”.
بدوره، أعرب يوسف سلامة، رئيس تحرير مجلة قلمون، عن أمله في “أن يتقدم الإنتاج العلمي، وأن يتحول رويدًا رويدًا من الإنتاج الأيديولوجي إلى الإنتاج المعرفي الصرف، وذلك لأن المعرفة تقدّم لنا معرفة دقيقة بالواقع لا يستغنى عنها، في حين أن الأحكام الجاهزة والمسبقة المنطلقة من الأيديولوجيات أو من كل الانحيازات المسبقة غالبًا ما تُشوه الواقع، وبالتالي نحن اليوم في سورية أحوج ما نكون إلى أن نصف الظواهر وصفًا دقيقًا، وأن نجد تفسيرًا علميًا لها، وأن نتنبّأ بمجرياتها تنبّؤًا يسمح بأن نرسم خططًا متناسبة مع المتطلبات الراهنة والمستجدة للمجتمع السوري، سواء في الداخل أو المهجر”.
وفي السياق ذاته، دعا ساري حنفي، رئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، جميع المشاركين في هذا المؤتمر إلى “الاطلاع على نشاطات الجمعية الدولية لعلم الاجتماع التي تنظّم بين الفترة والأخرى مؤتمرات مرتبطة بـ 55 مجموعة بحثية معينة، لذا من المهم جدًا المشاركة في هذه النشاطات”.
وركّز حنفي على مسألة “تدويل البحث الاجتماعي”، مؤكدًا أن “هذا التدويل مسألة مهمّة جدًا، وأن كل بحث يجب أن يكون لديه حوار مع أكثر من طرف، سواء أكان جمعية علمية محلية أم الجماعة العلمية الدولية”. وأشاد حنفي بمركز حرمون للدراسات المعاصرة، وبالجمعية السورية للعلوم الاجتماعية، وبـ “الدور الرائد الذي يقومان به من خلال النقاشات الأسبوعية حول مواضيع حيوية بأصوات مختلفة”.
تضمّن جدول أعمال اليوم الأول لمؤتمر الباحثين محاضرةً رئيسيةً، بعنوان “تجربتي التفاوضية في الثورة السورية”، للدكتورة بسمة قضماني.
وركّزت قضماني على موضوع المفاوضات مع النظام السوري، والتي رعتها الأمم المتحدة، وعلى مسألة الجلسات التحضيرية لجولة المفاوضات منذ العام 2016، بحضور الخبراء الدوليين الذين كانوا يشرحون ما هي نظريات التفاوض، وما هي قواعد واستراتيجيات التفاوض الجيدة، مبينة أن جميع هذه المعلومات مفيدة إلى حد ما، “ولكن عندما نأتي إلى مرحلة التطبيق، نجد أنها لا تتناسب مع واقعنا، ولا أعتقد أن الحالة السورية هي الوحيدة في هذا المجال، وأزعم أنه ليس هناك إمكانية لبناء نظريات حول التفاوض، ولا شك في أن هناك ضرورة لتوسعة المعرفة في هذا المجال، بالاطلاع على حالات مفاوضات في نزاعات أخرى في العالم”.
وأضافت: “بالنسبة للقضية السورية بشكل خاص، نحن استفدنا كثيرًا من مفاوضات أخرى، ومن مسارات سياسية ودبلوماسية، نجحت أم فشلت، وربما تكون فائدة دراسة التجارب التي فشلت أكثر من التي نجحت، وهنا تكمن الخبرة الحقيقية حول موضوع التفاوض، وبالتالي الدخول في تفاصيل مفاوضات جرت في بعض البلدان، على سبيل المثال (البوسنة، كولومبيا، الكونغو..)”.
وتابعت: “من الضروري تدوين المفاوضات حول سورية، علمًا أنه لا توجد مفاوضات جدّية في جنيف، وهو مسار التفاوض الذي أطلقته الأمم المتحدة، باتفاق جميع دول العالم المهمة وأعضاء مجلس الأمن بشكل خاص، وخرجت بقرارات من المفترض أن نستند إليها وأن تكون مرجعيتنا، وهي قرارات تبني أسس التفاوض بين المعارضة والنظام”.
ولفتت النظر إلى أن “كل قرارات مجلس الأمن حول القضية السورية جاءت تحت ما يسمى الفصل السادس، أي أن تطبيقها يأتي من خلال التفاوض ورضى الأطراف المختلفة، إذًا نحن لدينا لاعب اسمه الأمم المتحدة، لا يستطيع أن يفرض أي شيء، ونحن نخضع في كل لحظة لموازين القوى على الأرض وبين الدول الراعية أو المتدخلة أو النافذة في القضية السورية”. وأشارت إلى أن “الصعوبة الكبرى التي واجهناها وتواجهها كل عمليات التفاوض هي عندما يكون هناك مسار سياسي، وهناك عنف ميداني، أي عندما تكون الحرب مستمرة على الأرض، وفي الوقت ذاته تتم دعوة الأطراف إلى التفاوض”.
وفي سياق حديثها، قالت قضماني: “وجدنا أن الغياب عن جنيف هو أكثر ضررًا علينا من الذهاب، وبالتالي مهما كان الوضع الميداني كان لا بدّ من الذهاب إلى جنيف، لأنه بإمكاننا أن نخاطب بشكل مباشر وفود الدول، كي تصل الصرخة السورية إلى هؤلاء بشكل مباشر وننقل لهم الواقع على الأرض، فأصعب شيء في عملية التفاوض هو نقل ما يأتي من الميدان لكي نوصله إلى الأطراف في جنيف وفي المسار السياسي، ولذلك تبيّن أن الغياب عن جنيف أكثر ضررًا من عدم الذهاب، احتجاجًا على العمليات العسكرية على الأرض”.
وقالت قضماني أيضًا: “نحن الطرف الضعيف في النهاية في هذه المفاوضات، وبالنسبة إلى من ينتظر ما يأتي من جنيف، فقد كانت نتائج جولات جنيف محبطة جدًا، وكان الغضب على الوفد المفاوض كبيرًا جدًا، وما زلنا إلى هذا اليوم نواجه هذا العتب وهذا الهجوم وهذا النقد، حول سبب ذهابنا إلى جنيف”.
وأضافت أن “الذهاب إلى جنيف -باعتقادي- لا يُعطي شرعية إضافية للنظام السوري، بل يضعه تحت الضغط وتحت المجهر، ويجعل الدول تشعر بضرورة معالجة المسألة السورية بشكل عاجل، فما يهددنا اليوم هو عدم اهتمام الدول، وعدم وجود مسار سياسي، وعدم التعامل مع القضية السورية بجدية وعدم وجودها على أجندة الدول، لأن هذا الأمر يُثبت أمرًا واقعًا على الأرض اتضح أنه لصالح النظام”.
وخلال الجلسة الأولى التي حملت عنوان “مقدمات منهجية“، والتي أدارها ساري حنفي، تمت مناقشة العديد من الدراسات، ومن بينها دراسة بعنوان “أي بحث اجتماعي يحتاج السوريون اليوم“، ركّز فيها خضر زكريا على أهم المشكلات التي يعانيها البحث العلمي في القضايا الاجتماعية، خلال نصف القرن الماضي، إضافة إلى تسليطه الضوء على الأسس التي يُبنى عليها البحث الاجتماعي المنشود في سورية.
ورأى زكريا أن “الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم، سواء في المناطق السورية المختلفة أم في بلدان الشتات، يستدعي من الباحثين الاجتماعيين الفهم العميق لأوضاعهم ومشكلاتهم، وليس مجرد وصفها، وأن يكونوا قادرين على اجتراح الحلول لتلك المشكلات. ولهذا نرى أن الجامعات ومراكز البحث العلمي، السورية أو المعنية بالشأن السوري، يجب أن تسعى إلى تكوين مفكرين في شؤون المجتمع السوري، أو بالأحرى شؤون المجتمعات السورية في المناطق السورية المختلفة، وفي بلدان الشتات، ليكونوا قادرين على فهم معمق للمشكلات التي تعانيها تلك المجتمعات، واقتراح الحلول الناجعة له”. وأكد زكريا أن “على الباحث الاجتماعي أن يكون مسلّحًا بنظرية، أو بعدد من المقولات ذات الطابع النظري، لمساعدته في فهم الواقع الاجتماعي. لكن عليه أن لا يُسلّم بالمقولات النظرية المعروفة أو الشائعة، وأن يضع في اعتباره أن أبحاثه يمكن أن تُفضي إلى استخلاص مقولات نظرية جديدة”.
وختم بالإشارة إلى أنه “ليس لدى الباحثين الاجتماعيين السوريين اليوم وقت يضيعونه. فالواقع الاجتماعي الذي يعيشه السوريون في مختلف أماكن وجودهم يستدعي كثيرًا من الجهود البحثية الجادة، سواء من حيث موضوعات البحث أم من حيث مناهجه وأدواته، أم من حيث استنتاجاته واستخلاصاته التي يمكن أن تشكل إضافات مهمة للنظريات الاجتماعية”.
وناقشت الجلسة أيضًا دراسةً بعنوان “المنهجين الكمي والنوعي والظواهر المجتمعية (سورية) عوامل القصور الذاتي، المقارنة، الجمع المنهجي” للباحث جمال الشوفي.
وسلّط الشوفي الضوءَ على على أبرز الصفات والخصائص لكلا المنهجين (الكمّي والنوعي)، والمقارنة بينهما، مع إظهار الشروط والمعايير العلمية التي تتيح استخدام أحدهما خلاف الآخر، وذلك من خلال دراسة نقاط القوة وعوامل القصور الذاتي في كل منهما. وركّز الشوفي في دراسته على “ضرورات استخدام المنهج المختلط ومعاييره العلمية، أهمّها قياس خط الاستقرار Stability Line، لتخلص بالنتيجة إلى التوصية بضرورة العودة لقراءة وتقييم النتائج البحثية، لكثير من العناوين والدراسات الاجتماعية في واقعنا الراهن، ومثالها الأوضح حاليًا المسألة السورية”.
ورأى الشوفي أن “الدراسة الحالية تتوقع إمكانية الوصول إلى منهج كمي ونوعي بآن، يعتمد الدلالة الرقمية الإحصائية وعدم الاكتفاء بالصرامة الرقمية الكمية فيها من جهة، والمنهجية النوعية بتحليلها الذاتي، وعلاج النتائج الإحصائية للمسح الاستبياني بشروطها الزمنية ومتغيراتها الرقمية من جهة أخرى. وهذا ما قد يتيح قراءة متغيرة للنتائج وأدوات التطبيق والعمل المتوازي في المجتمعات غير المستقرة، كميًا ونوعيًا بآن، كسورية، إذا ما أخذ بمعيارية التغير الزمني والأهداف النوعية المرحلية والنهائية في الدراسات الاجتماعية”.
وقدّم طلال المصطفى، الباحث في مركز حرمون، دراسة بعنوان “الاستبعاد الاجتماعي في سورية: مؤشرات سوسيولوجية“. وأوضح المصطفى أن الدراسة تهدف إلى “تعرّف مؤشرات الاستبعاد الاجتماعي في أنساق المجتمع السوري كافة، في مرحلة حكم حزب البعث (1963- 2021) خاصة في الأنساق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية الثقافية، وبالتركيز على السنوات العشرة الأخيرة، إثر الثورة السورية سنة 2011 وما تلتها من حرب مركبة اجتاحت المدن السورية كافة إلى حد ما، وكذلك تقديم بعض المقترحات الإجرائية لعلاج آثار الاستبعاد الاجتماعي في سورية المستقبل”.
وذكر المصطفى أن “الدراسة توصلت إلى مجموعة من النتائج التي تُظهر ممارسة الاستبعاد الاجتماعي في المجال السياسي بالحرمان من المشاركة السياسية وغياب حقوق الإنسان، وبالتالي عدم المشاركة في صنع القرار على المستوى المحلي والوطني. وكذلك في المجال الاقتصادي في عدم المشاركة الفعالة في الأنشطة الاقتصادية، وكذلك في القطاع التعليمي، من خلال تطويع واستغلال التعليم وعملياته وأهدافه ومخرجاته لصالح توجّهات عقائدية وأيديولوجية خاصة بالنظام السوري”.
وحسب دراسة المصطفى، فقد “ظهرت الآثار الاجتماعية للاستبعاد الاجتماعي في تمزق النسيج الاجتماعي، وغياب التضامن الاجتماعي حتى الأسري، وضعف الحماية الاجتماعية، والتضامن والتكافل على المستوى المحلي والوطني، كما ظهرت في الشرخ الاجتماعي والهشاشة في العلاقات الاجتماعية، والقلق الاجتماعي النفسي المتصاعد، لدى السوريين كافة”.
وقدّم الباحث عقيل المرعي دراسة بعنوان “دور مجامع اللغة العربية في تعريب مصطلحات العلوم الاجتماعية“، استعرض فيها أهمّ المعاجم التي تناولت العلوم الاجتماعية (علم النفس والاجتماع والإناسة والفلسفة تحديدًا)، وطريقة مقاربتها للمفاهيم، ومن بينها “معجم مصطلحات الأنثروبولجيا، ومعجم مصطلحات العلوم التربوية والنفسية، منشورات مجمع اللغة العربية في دمشق، سنة 2021، والمعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا، ومعجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، نشره المركز القومي للترجمة في القاهرة، سنة 2010.
وأعرب المرعي عن اعتقاده بأن “منهج الدكتور جميل صليبا هو الأفضل، وهو الذي يُسهم حقيقة في نشوء وعي معرفي عربي قار بالعلوم الاجتماعية، من خلاله اطلاعه الكثيف على التراث العربي، وكذلك تمكنه من العربية ومن اللغات الأجنبية، إذ كان يقوم بشرح المفاهيم، وتأثيلها ليقوم بتكريسها وجعلها مفاهيم قارة”.
وكانت الجلسة الثانية من اليوم الأول للمؤتمر بعنوان “عن الثورة السورية ومآلاتها“، وشارك فيها عدد من الباحثين الذين قدّموا دراسات شملت مواضيع متعددة، وأدارها يوسف سلامة.
وناقشت الجلسة دراسة بعنوان “السلطة والثورة، الاعتماد المتبادل“، وذكر الكاتب والباحث السوري راتب شعبو أن “الافتتان العربي بكلمة الثورة جاء من رسوخ وثبات السلطات التي تستعمر الدولة، والتي أثبتت قدرتها على الاستمرار في وجه مجتمع استطاعت أن تتغلغل فيه وتحاصر عناصره الحيوية، فالسلطة هنا لا تسيطر على الدولة فقط، بل تسيطر على المجتمع أيضًا. بكلام آخر: إن شيوع كلمة الثورة ينبع من اليأس أكثر مما ينبع من الأمل”.
وأشار إلى أن “المشكلة الأساسية في بلداننا لا تكمن في السلطة فقط، بل في العلاقة المكرسة بين السلطة والمجتمع. لذلك فإن تغيير السلطات، وهو أمرٌ كان وافرًا في تاريخنا، لم يحل المشكلة. كان تغيير السلطة انقلابيًا وبعيدًا عن الفاعلية الشعبية، ولم ينتج عنه بالتالي أي تغيير يذكر في العلاقة بين السلطة والمجتمع. على العكس، مالت هذه العلاقة إلى السوء على يد انقلابات عسكرية خنقت المجتمع، باسم الشعب والأفكار التقدمية”.
وتناولت الجلسة دراسة بعنوان “سورية والعدمية المعاصرة“، للكاتب ماهر مسعود، وتنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة أقسام منفصلة ومتصلة في آن واحد؛ “إذ يبدأ القسم الأول في تناول العدمية فلسفيًا، وشرح معاني العدمية وتوضيح أصلها وفصلها الجينالوجي، ونقاش الالتباسات القائمة فلسفيًا في فهمها وصياغتها ودلالاتها، ثم ينتقل القسم الثاني من الفلسفة إلى السياسة، حيث يناقش العدمية السياسية في سورية، استنادًا إلى علاقتها بالتوتاليتارية التي مثلها نظام الأسد عبر نصف قرن من حكمه، ثم يختم القسم الأخير بسؤال العدمية المعاصرة في الغرب السياسي والاجتماعي، وأثره على مصير سورية كبلد، أو مصير السوريين كشعب منقسم ومشتت في الداخل والخارج”، بحسب مسعود.
من جهته، سلّط الناشط السياسي السوري خالد أبو صلاح، في دراسةٍ بعنوان “وساطة الجامعة العربية في النزاع السوري، تحركٌ مبكّر وجهدٌ لم يثمر“، الضوءَ على “مفهوم الوساطة في النزاعات، ومبادرة الجامعة العربية لحلّ النزاع السوري، وأسباب فشل هذه المحاولة في الوساطة للتوصل إلى حلّ، رغم أنها جاءت في وقت مبكر من عمر النزاع”.
وذكر أبو صلاح أن “فشل الوساطة العربية فاقمَ من تعقيد النزاع السوري، حيث تصاعد العنف وزادت معاناة الشعب السوري الذي أصبح نصفه نازحًا ولاجئًا، وتحوّل النزاع السوري إلى نزاع مركب، تداخل فيه البعد المحلي بالإقليمي والدولي، وأدى هذا الفشل العربي إلى فتح باب تدويل النزاع على مصراعيه، ومنح المجال للقوى الكبرى، كروسيا وأميركا، بالتدخل في دولة عربية تُعدّ من مؤسسي الجامعة العربية، وكذلك أعطى المجال لكل من إيران وتركيا لتلعبا دورًا جوهريًا في النزاع”.
أمّا الباحثة أليساندرا بيرسيشيتي، فقد قدمت دراسة بعنوان “المسألة الديمقراطية في سورية والمشرق”، ذكرت فيها أن “مشكلة الديمقراطية في العالم العربي تُعزى إلى السؤال الأكثر عمومية، حول الخيار بين نموذجين في المجتمع: من ناحية، هناك النموذج الشمولي القائم على فكرة الفضيلة، أي على تزامن الأخلاق والسياسة، وضرورة عدم استبعاد أخلاقيات المجتمع من السياسة؛ من ناحية أخرى، هناك النموذج الفردي الذي تميل فيه الأخلاق عمومًا إلى التطابق مع مفهوم القانون الطبيعي للحقوق الطبيعية للفرد. وتختلف مفاهيم الحرية أيضًا في نوعي المجتمع: هناك أولوية الحرية، كقيمة عليا، في المجتمعات الفردية، بينما تُمنح الأهمية النسبية فقط للحرية الفردية في المجتمعات الشمولية، حيث يوجد تعايش مختلف مع معاني الحرية (من الروحانية إلى العشائرية، إلخ). بعبارات ملموسة، تتميز المجتمعات العربية ما بعد القبلية المعاصرة بديناميكيات مشتقة من القوى المتعارضة: تأكيد الأيديولوجية الفردية من ناحية، والميول المتجذرة المناهضة للفردانية، من ناحية أخرى”.
وفي ختام أعمال اليوم الأول من المؤتمر، تم عقد جلسة خاصة للشباب والباحثين المهتمين، تضمنت أيضًا “ورشة عمل حول الكتابة الأكاديمية“، أدارها الباحث ساري حنفي.
وتستمر غدًا، الأحد، فعاليات اليوم الثاني من المؤتمر، بجلستين رئيسيتين: الأولى بعنوان “الدين والعلمانية”، والثانية بعنوان “الأبعاد القانونية للقضية السورية”. يتم خلالهما مناقشة عدد من الدراسات: “لعبة الدين والسياسة؟ حدّ الردة بين الفقه القرآني والدين الموازي أنموذجًا”، للباحث أحمد الرمح؛ و”تجربة الإسلام السياسي التركي المعاصر من العلمانية الصُلبة إلى العلمانية الليّنة”، للباحث محمد نور النمر؛ و”منهجية تنقيحيّة أم عبثيّة أرثوذكسيّة؟ في بعض الإشكالات المنهجية في دراسة الإسلام الباكر”، للباحث حمود حمود؛ و”تحليل مضمون لخطاب بعض منظمات المجتمع المدني النسوية”، للباحث صفوان قسّام؛ و”الهوية الوطنية في الدساتير السورية”، للباحث زيدون الزعبي؛ و”أثر القضية السورية على تطور القانون الدولي”، للباحث سليم سنديان؛ و”الخلاص الوطني السوري من زاوية حقوقية”، للحقوقي حسين حمادة؛ و”قانون الجمعيات في سورية، ورؤية للإصلاح وفق المعايير الدولية”، للباحث أحمد صوان.
ويستكمل المؤتمر أعماله يومي 22 – 23 كانون الثاني/ يناير 2022، بجلستين رئيسيتين أيضًا، إضافة إلى عدد من الدراسات لأكاديمين وعدد من الباحثين الاجتماعيين السوريين.
يسعى مركز حرمون للدراسات المعاصرة، والجمعية السورية للعلوم الاجتماعية، بالإضافة إلى مجلة قلمون، لتحويل المؤتمر إلى تقليد سنوي، يجمع الباحثين السوريين المشتتين في أنحاء العالم، ولتحقيق رسالتهما بإتاحة الحرية الأكاديمية لجميع الباحثين في العلوم الاجتماعية، والتبادل الحر للآراء ووجهات النظر، ولا سيّما في ما يخص تطلع السوريين إلى الخلاص من الاستبداد والفساد والاحتلال الأجنبي وبناء دولتهم المدنية الديمقراطية.