ترجمة: فارس جاسم
أجرت صحيفة “Independent Türkçe” الإندبندنت التركية، لقاء مع سمير سعيفان، مدير مركز حرمون للدراسات المعاصرة، تناول خلاله الصراع في سورية، وقضية اللاجئين السوريين في تركيا، وقد نُشر اللقاء يوم الجمعة الماضي 24 حزيران/ يونيو 2022.
نص الحوار كاملًا:
بصفتك مديرًا لمركز أبحاث يقوم بدراسات حول القضية السورية، كيف ترى ما يحدث في وطنكم؟
للأسف أن المسألة السورية خلال أكثر من 11 عامًا أصبحت واحدة من أكثر مشكلات العالم تعقيدًا في الوقت الحالي، وقد يكون من الصعب أن نضع تصورًا، ثم نكون واثقين من التصور، وأن هذا ما سيحدث، وذلك بسبب التعقيدات التي مرت بها سورية، ونتيجة المتدخلين الكثر في الشأن السوري.
سورية اليوم مقسمة إلى أربع مناطق سيطرة فيها أربع حكومات تفتقد كل منها للشرعية الحقيقية والشعبية، بمعنى أنها حكومات ليست منتخبة تمثل الشعب. هناك منطقة النظام ويسيطر على نحو أكثر من 60% من أراضي سورية ويقيم هناك نحو 12 مليون سوري، وهناك منطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها قوات PYD الكردية بشكل أساسي وهي فرع من الـ PKK التركي، يقطنها نحو 3 ملايين سوري، أمّا منطقة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام أو النصرة سابقًا التي كانت فرع من القاعدة، يعيش فيها نحو 3 ملايين، إضافة إلى وجود ثلاث مناطق تحت سيطرة الجيش الوطني بدعم تركي: درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، يوجد نحو 1,7 مليون سوري.
وبينما يعيش نحو 20 مليون شخص داخل سورية، تأوي تركيا نحو 3.5 مليون سوري. أما في لبنان والأردن والعراق، فيوجد نحو 2 مليون و300 ألف سوري. هذا بالإضافة إلى السوريين المتواجدين في أوروبا وأمريكا بأعداد كبيرة.
لقد أجريتم تقييمًا للسيطرة في تلك المناطق حاليًا، هل سورية مقسمة فعلاً إلى 4 مناطق؟ هل صار ذلك مقبول الآن؟
كما ذكرت، أصبحت سورية كيانًا مجزأً يسيطر عليه قوى مختلفة. فبالإضافة إلى العناصر المحلية الموجودة، يوجد في البلاد قوات روسية وأمريكية وإيرانية وتركية أيضًا.
لقد تحولت المسألة السورية إلى قضية عالمية. والسوريون لم يغادروا وطنهم طوعًا وبإرادتهم. أولئك الذين هاجروا إلى تركيا ولبنان والأردن والعراق هاجروا قسرًا وطلبًا للمأوى الآمن.
الشعب السوري لن ينسى كرم الضيافة التركي. نحن نتفهم أن التدفق السريع للهجرة بأعداد كبيرة يسبب مشاكل في المجتمعات المضيفة. لكن في المقابل، لا يمكن دحض حقيقة أن السوريين يشكلون قيمة مضافة للبلدان التي يذهبون إليها. لن يكون لهذه الهجرة آثار سلبية فقط، بل لها أيضًا نتائج إيجابية. نحن على يقين بأن الغالبية العظمى من السوريين في تركيا ولبنان والأردن سيعودون إلى وطنهم في حال عودة الظروف إلى طبيعتها، وهم يريدون العودة.
عندما تكون هناك مثل هذه التصريحات، يسأل الجميع بطبيعة الحال “لماذا لا يذهبون”.
البيئة الحالية ليست مناسبة للعودة. على العكس من ذلك، الظروف طاردة والناس لا يشعرون بالأمان. لا يوفر النظام القائم حالياً بيئة ملائمة للعيش، اقتصادياً وأمنياً.
أعلنت السلطات الرسمية في تركيا عن عودة جزء من اللاجئين السوريين. ففي أي أوضاع يمكن أن يعود البقية إلى بلادهم؟
أنا شخصيًا لست لاجئًا في تركيا، ولو أصبحت الظروف في بلادي ملائمة للعودة، لكنت قد عدت دون الحاجة إلى التفكير.
أود أن أعطي مثالًا لفهم النهج الذي يتبعه النظام في دمشق بخصوص عودة السوريين. مثلًا، يعيش اليوم ما يقرب من مليون سوري في لبنان. وحكومة لبنان صديقة للنظام في دمشق وتريد أن تعيد اللاجئين السوريين، وملك الأردن أيضًا يريد عودتهم، رغم المحاولات والإجراءات العديدة من قبل حكومتي لبنان والأردن، لم يحققا أي نتائج تتعلق بعودة اللاجئين السوريين. وقد جرب بضعة آلاف العودة، غير أن النظام اعتقلهم كي يمنع الآخرين من العودة. والنظام في دمشق لم يقل أبدًا “عودوا”. لذلك ما تقوله الأحزاب السياسية التركية حول إعادة السوريين عبر اتفاق مع الأسد هو في الواقع وهم. من الوهم أن تتوصل الأحزاب السياسية إلى اتفاق مع النظام في دمشق حول هذا الأمر. وهناك أيضًا ما يقرب من 250 ألف سوري من أصل كردي في العراق. الأكراد يريدون العودة إلى أراضيهم. لكن PYD (حزب الاتحاد الديمقراطي) لا يسمح بذلك.
لماذا لا يقبل النظام في دمشق بالعودة، وما هو هدف إدارة دمشق من ذلك؟
السبب أن أولئك الذين اضطروا إلى اللجوء هم بطبيعة الحال معادون لحكومة دمشق بسبب ما عانوه. ويرى النظام أن عودتهم تشكل تهديدًا له. وعلى الرغم من عدم وجود حرب وقصف في سورية، بالوتيرة التي كانت عليها في الماضي، غير أن هناك مشكلة أخرى. وهي الانهيار الاقتصادي. حيث لا يوجد وقود في البلاد ولا تتوفر الكهرباء سوى لمدة ساعة واحدة في اليوم والفقر والبطالة، والناس هناك يكافحون من أجل البقاء تحت خط الفقر. إن النظام في دمشق، الذي يتصارع مع هذه المشاكل، يرى أن الذين سيعودون سيزيدون أعباءه بشكل كبير، و سيزداد الضغط على الحكومة. وقد لا يتمكن النظام حينها من الوقوف على قدميه. ولهذه أيضًا جوانب سياسية. كما أن النظام يريد إبقاء قضية اللاجئين قائمة. كي يستخدمها كأداة للضغط إذ تربط عودتهم “بشرعنته” دوليًا ورفع العقوبات عنه.
إن ظنّت بعض الأحزاب السياسية في تركيا بأنها تستطيع إعادة اللاجئين السوريين عبر إجراء حوار مع الأسد، فهم واهمون. ثم كيف يمكن للذين استطاعوا الهروب ونجوا بحياتهم أن يرغبوا في العودة، بينما من يعيش في سورية اليوم يخطط للهروب منها؟.
هل النقاشات التي تدور في تركيا حول مسألة إعادة اللاجئين، يتم تداولها في لبنان والأردن والعراق أيضًا؟
هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الشعب السوري والأردني واللبناني. فبينهم صلة قرابة. هم من نفس العرق. لهم اللغة والثقافة نفسها. سياسياً، لا توجد ديمقراطية سليمة في الأردن ولبنان. المعارضة هناك لا تملك القوة والحرية لخلق أجندة واضحة، للضغط على الحكومات اللبنانية والأردنية والعراقية والتسبب في التحريض. لكن الصورة مختلفة في تركيا. الثقافات مختلفة وعدد اللاجئين هنا أعلى من البلدان الأخرى. لهذا السبب، قامت بعض التشكيلات السياسية في تركيا بجمع الأصوات من خلال مشكلة اللاجئين. من بين هؤلاء، هناك من يثيرون باستمرار مسألة الهجرة. بينما يتم طمس الآثار الإيجابية المهمة التي أضافها الوجود السوري في تركيا. ويتم تضخيم الآثار السلبية فقط. وهي أمور طبيعية ومفهومة، لكن للأسف، السوريون من يدفع الثمن.
في مثل هذه الظروف من سيغادر تركيا من اللاجئين؟
بدايةً، إذا استمرت الضغوط فإن من هم مثلي سيغادرون، كما سيغادر الأطباء والمهندسون والمستثمرون، ورجال الأعمال، والأكاديميون، سيغادر الذين لديهم الإمكانية والفرصة للمغادرة، سيتركون كل شيء ويغادرون، وسيبقى الأقل كفاءة وقدرة لعدم تمكنهم من المغادرة، وهذا ليس في صالح تركيا. لذلك أقول: بالتأكيد ليست من مصلحة تركيا التحريض ضد السوريين وتضخيم القصص وافتعالها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد بدأت هذه الأجواء تخلق خوفًا وقلقًا عند السوريين لم يكن موجود في الماضي، وهو ليس بالخوف والقلق الكبير جدًا حتى الآن ولكن يجب ألاَّ يكبر.
ماهي الأمور التي تسبب القلق؟
مقارنة بالماضي، أصبح استئجار المنازل بالنسبة للسوريين أكثر صعوبة. وصارت ظروف العمل صعبة. وبالنسبة للبعض بات التنقل بين الولايات شبه مستحيل بسبب بطاقات الحماية المؤقتة. ويُجبر السوريون على العمل حتى دون الحد الأدنى للأجور. وبالإضافة إلى ذلك، شائعات الإعادة تثير القلق.
أعلنت تركيا أنها تعمل على ضمان “العودة الطوعية والكريمة” لمليون سوري من خلال بناء منازل إسمنتية في شمال البلاد. كيف تنظرون إلى هذا الوضع؟
نظرتنا تجاه العودة الطوعية إيجابية. لكن يجب ألاَّ تخل بالوضع الديموغرافي. فعلى سبيل المثال، يتم إسكان السوريين الذين يعيشون هنا في بعض الأماكن في الشمال السوري. نحن نرى أن هذه الخطوة صحيحة على أن يتم إعادة سكان الشمال المقيمين في تركيا الى بيوتهم كأن يعود سكان مدينة الباب إلى الباب، وسكان إدلب إلى إدلب، وسكان عفرين إلى عفرين. وقد أعادت تركيا نحو نصف مليون سوري تقريبًا، لكن العودة وتأمين المساكن لا تكفي بل يجب تأمين فرص العمل في الأماكن التي سيذهبوا إليها. وتهيئة الظروف الملائمة للبقاء هناك. وتنفيذ استراتيجية تنموية اقتصادية ومجتمعية وتنظيمية وإدارية. لقد طرحنا فكرة إجراء دراسة بالتعاون مع مركز دراسات تركي لوضع خريطة طريق لتنمية مناطق سيطرة الجيش الوطني الثلاث وتشجيع قيام استثمارات صناعية وزراعية وخدمية وتجارية وتنظيميه. وتقوم الحكومة التركية الآن بمشروعات كثيرة في هذه المناطق وهذا أمر جيد ولكن يجب استكماله بتنظيم الحياة العامة وتحقيق الاستقرار والأمن أيضًا مما يشجع على العودة الطوعية. وتحقيق ذلك يتطلب دعمًا دوليًا.
ما هو الحل لهذه المشكلة؟
بالطبع، لن تُحل المشكلة بعودة نصف أو مليون شخص. الحل يتطلب إرادة دولية لطرح موقف واضح من سورية. يمكن أن يكون هذا ممكنًا في ظل انتقال سياسي تحت إشراف دولي. عندها يمكن لمعظم السوريين في تركيا العودة إلى بلادهم. لا أستطيع أن أقول كل السوريين. لأن جزء من السوريين في تركيا قد اندمجوا بالمجتمع التركي، وهناك من حصل على الجنسية. وأطفال ولدوا هنا وطلاب في المدارس والجامعات. ربما لا يرغب من هم في هذا الوضع في العودة بغض النظر عما يمكن أن يحدث في سورية. ولكني أقدر أنه إذا تم التوصل قريبًا إلى حل تحت رعاية المجتمع الدولي، فإن معظم السوريين في تركيا سيعودون، وكلما طال الزمن تصبح نسبة العائدين أقل.
لقد ذكرت السوريين الذين ساهموا في تركيا. لكن الصورة عند الأتراك مختلفة. فقد ورد أن أولئك الذين يأتون هم عبء، أكثر من كونهم مساهمين. كم عدد السوريين الذين يساهمون وما هي نوع إسهاماتهم؟
في تركيا 3.5 مليون سوري وأما القادرون على العمل ويعملون فهم قرابة 1.2 مليون، لكن أقل من 10 في المئة فقط لديهم تصاريح عمل. بالتالي يعمل معظمهم بشكل غير رسمي وبأجور أدنى وشروط عمل صعبة. وبالنتيجة هم يساهمون في الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، هناك 15 الف شركة لسوريين أو يشارك بها سوريون ويوفرون فرص عمل لسوريين وأتراك. وعلاوة على ذلك، هناك الآلاف من أصحاب المشاريع الصغيرة. كانت حلب عاصمة التجارة السورية. ومع اندلاع الثورة السورية، جاء الآلاف من رجال الأعمال من حلب إلى تركيا بكل ما لديهم من إمكانات وعلاقات وخبرات. هؤلاء استقروا في غازي عنتاب وأنطاكيا وكلس وساهموا في تنمية هذه المدن.
ما هو سبب التركيز الشديد على عمالة السوريين غير المسجلين؟
عدم وجود تصريح عمل يؤدي للعمل بأجور متدنية وشروط أصعب، لذلك قد يعارض رجال الأعمال الأتراك إعادة السوريين إلى سورية. وتوفير أذون عمل للسوريين سيخلق فرص عمل متكافئة مع الأتراك، وحينها سيتخلى رجل الأعمال التركي عن تفضيل العمالة السورية عندما يصبح الأجر والشروط متساويان. أحاول أن أعبر عن هذا في كل مناسبة، طلبي من الحكومة التركية هو منح السوريين تصاريح عمل. لأنهم يحتاجون أن يكون وجودهم قانوني في عملهم. هذه قضية مهمة لكلا الطرفين.
هناك تصريحات تفيد بصرف 40 مليار دولار على اللاجئين السوريين في تركيا.
بعض تصريحات المسؤولين تكون موجهة للخارج إلى الرأي العام الدولي والاتحاد الأوروبي والدول المتقدمة، وبعضها توجه رسائل للرأي العام المحلي. وتركيا محقة في إيصال هذه الرسالة إلى المجتمع الدولي. فهي تريد أن تقول للعالم، “لا يمكننا تحمل هذا العبء الكبير بمفردنا. لذا يمكن المبالغة في هذا العبء”. والغرض من هذا الخطاب سياسي أيضًا. بالطبع، هذا له تأثير في الداخل. ينتقد الناس ويرددون “حكومتنا تضخ أموالنا للأجانب، في الوقت الذي يحتاج مواطنونا إليها”. هذه قضية قابلة للنقاش. ولكن بلا شك ان الدولة التركية تتحمل نفقات التعليم بشكل خاص وهذا استثمار للمستقبل، ولكن الحكومة التركية لا تقدم رواتب للسوريين كما يشيع البعض هي فقط تنقل دعم المؤسسات الدولية للسوريين عبر المنظمات التركية.
تم الإعلان رسميًا عن 200 ألف سوري حصلوا على الجنسية التركية. هل حصلت على الجنسية أو تنوي أن تصبح مواطنًا؟
أنا لم أحصل على الجنسية ولم أتقدم للحصول عليها. حاليًا ليس لدي مشكلة في السفر الدولي. لدي حرية التنقل، لكن بالطبع، إذا حصلت على الجنسية التركية، فسوف أشعر بارتياح أكبر لأنني أنا وجميع السوريين نعاني من موضوع جواز السفر السوري. بالطبع، يحق للسوريين المقيمين في تركيا منذ 11 عامًا أن يصبحوا مواطنين أتراك. مسألة منح الجنسية أم لا هي مسألة تخص الشؤون الداخلية لتركيا. لا أريد التعليق على هذا.
هل ستحل الأزمة في سورية في المدى القريب؟
لا أرى حلًا للقضية السورية في المستقبل القريب. فاللاعبون أصبحوا كثر، ولا حل بدون توافق دولي بين اللاعبين، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا، ولتركيا دور أساسي فسوريا على حدودها الطويلة، ولها تواجد على الأرض السورية وهي تقف بين روسيا وأمريكا، وهي عضو في حلف الناتو، ولكن في أجواء الحرب الأوكرانية فإن فرص التوافق بعيدة.
منذ متى وأنت بعيد عن وطنك؟ إلى ماذا تشتاق في بلدك؟
منذ 11 عامًا لم أتمكن من زيارة بلدي أبدًا، أتذكر بيتي وقد كان لدي بيت كبير، وقد تركت ورائي ذكرياتي
أتذكر بلدتي، أتذكر منطقة الغاب التي أنا منها، أتذكر تلك السهول، ولو استطعت لعدت اليوم.