“الدولة الوطنية والعقد الاجتماعي”
في شهر آذار/ مارس المقبل 2021م، يحتفل السوريون بالذكرى العاشرة لثورتهم – ثورة الحرية والكرامة- التي خرجت فيها الجموع منددة بالاستبداد وسلطته، وبالفساد ودولته، مطالبة بدولة القانون، وداعية إلى إقامة حكم رشيد يستمد صلاحياته من مؤسسات ديموقراطية منتخبة، بديلًا من دولة التوريث والطائفة والعائلة، ولسلطة القهر والتغلب التي سلبت الإنسان السوري حقه في المواطنة، وأقصته عن المشاركة في تقرير شكل الحكم وأساليبه في تدبير شؤون البلاد حاضرًا ومستقبلًا، ودفع مئات الآلاف من الشباب السوري حياتهم في المواجهات مع الجيش الذي كان من واجبه أن يحميهم، ولكنه حمى الظالم والطاغية.
لهذا، ارتأينا (في مجلة قلمون) أن يتجسد احتفالنا بالثورة بعمل يجمع بين السياسة والثقافة، نُحَلِّل فيه واحدًا من أهم المطالب التي لم تكف الثورة عن التطلع إليها. ونعني بذلك (الدولة الوطنية والعقد الاجتماعي)، وهو قاعدة الانطلاق في الفهم النظري لبنية هذه الدولة من ناحية، ولترجمة المفاهيم النظرية – المتضمنة في نصوص هذا العقد- إلى (دستور) يضبط حياة المواطنين على أسس من العدل والمساواة بين الجميع من ناحية أخرى. وهذا يعني أن حل مشكلة (الدولة) هو العنصر الأهم الذي ما يزال مطروحًا على جدول أعمال الثورة، والذي لا بد من إنجازه، تعبيرًا عن انتصار الثورة، واستكمالًا لرسالتها. ونحن مدينون بطريقة التفكير هذه (في الدولة والعقد والدستور) إلى الثورة السورية التي برهنت أن (الفكرة الجامعة) – فكرة البعث – التي استندت إليها سلطة الاستبداد في الحكم لنصف قرن من الزمن قد شاخت وماتت، وأن (فكرةً جامعةً جديدةً) قد أخذت في البروز إلى الوجود بفعل الثورة السورية، تتمثل في العنصر (السوري) بوصفه مُؤسِسًّا لفكرة جامعةٍ جديدةٍ.
ومن كل ما تقدم يتضح أن أهم مشكلات السوريين تكمن في شكل الدولة التي حكمتهم لعقود عدة، وإخلالها بما يفترض أنه عقد اجتماعي ضمني يضمن حقوق الناس والمصالح الوطنية العليا. بل إن الثورة السورية قامت أساسًا، ضد هذه الدولة بكل فسادها وظلمها ولاوطنتيها، ثورة سعت وتسعى لبناء دولة وطنية يحلم بها السوريون منذ عقود، دولة تلتزم بعقد اجتماعي يحترم إنسانيتهم، ونظام حكم يحمي مؤسساتهم ومصالح المواطنين.
وبعد تلك المسارات الصعبة والمدمرة التي مر بها السوريون لا يبدو أن ثمة بديلًا يمضون فيه خير من الانخراط الجدي – على مستوى الفكر والواقع في حدود الممكن – في صياغة مشروع الدولة الوطنية، والتوافق على عقد اجتماعي يضمن مستقبلهم ومستقبل أولادهم، عقد قائم على مبدأ المساواة الكاملة بين المواطنين جميعهم من دون تمييز. فمن شأن النجاح في صياغة مشروع كهذا، يلقى إجماع السوريين أو أكثريتهم، المساعدة في إنقاذ البلاد، وتبديد المخاوف، واستعادة الدولة، وبناء كيان سياسي قادر على احتواء التناقضات السياسية والإثنية والطائفية والدينية، والارتقاء بهذا الكيان إلى مستوى (الدولة الوطنية). وهل يمكن للدولة الوطنية إلا أن تكون دولة ديمقراطية وتعددية وعلمانية، دولة تحترم حقوق الإنسان، ويستشعر كل سوري أنها تمثله.
وعلى الرغم من كل التضحيات الجسام التي قدمها السوريون إلا أن الفكر السياسي السوري يفتقر افتقارًا فعليًا إلى بلورة نظرية حول العقد الاجتماعي الذي يمكن للسوريين أن يتوافقوا عليه، نظرية تدخل في تفاصيل التفاصيل، وتتعامل مع كل المخاوف والحساسيات الموجودة بين السوريين، نظرية تنجح في إخراج الدولة من جيب السلطة، هذه السلطة التي ابتلعت الدولة وحولتها إلى مجرد حبر على ورق.
ومن أجل الوصول إلى الدولة الوطنية الجامعة الملموسة المستدامة في واقعنا السوري، خاصة بعد أن أصبحت سورية ساحة مفتوحة أمام الجيوش الأجنبية والميليشيات والجماعات المتطرفة بكل ألوانها وانتماءاتها ومشروعاتها العابرة للحدود، وما أدى إليه ذلك من خسائر لا تحصى في الأرواح والممتلكات والإمكانيات العامة والخاصة؛ لا بد من حوار وطني معمق بين القوى السياسية والمجتمعية والفعاليات الفكرية والثقافية السورية من الانتماءات والمناطق جميعها، حوار يمهد الطريق أمام مصالحة وطنية شاملة حقيقية على قاعدة طمأنة الجميع، وتعويض المتضررين، ومحاسبة المتسببين. ويؤسس لتوافقات وطنية تُثبّت في مواد دستورية ملزمة، أو فوق دستورية؛ وتكون هذه المواد المحور الذي تتمفصل حوله المواد الأخرى الخاصة بتحديد شكل الدولة، وطبيعة النظام السياسي في الدستور الذي لا بد أن يُكتب من قبل السوريين المنتخبين، ويعرض على الاستفتاء العام لتستند الدولة الوطنية إلى الشرعية الشعبية التي تعبر عن إرادة المواطنين الأحرار.
ولهذا السبب يبقى سؤال الدولة الوطنية والعقد الاجتماعي السوري المؤسس لها، سؤالًا ملحًا يتعين على المفكرين والساسة ورجال القانون وعلماء الاقتصاد والاجتماع وسائر المهتمين بالمصير السوري العمل على عقلنة هذا السؤال واستكشاف كل الممكنات التي تسمح بإنتاج إجابة متناسبة مع حقائق الوضع السوري بظرفياته وخصوصياته التي لا بد من احترامها، وإلا لن تكون هذه الإجابة قابلة للتداول ومطروحة على بساط البحث من جانب سائر المكونات السورية من دون استثناء.
ومن جانبنا نرى أن هناك مبدأين مُؤسّسين لمفهوم الدولة الوطنية. وبعبارة أخرى، إن هذين المبدأين يشكلان الأساس الفلسفي والأخلاقي لمثل هذه الدولة:
أولهما، (الجامعة السورية): ونعني بهذه الجامعة أن تكون صفة (السوري) أو (السورية) هي القاعدة التي ينعقد حولها الإجماع الوطني. فيكون الوصف الذي يمكن إطلاقه على السوريين جميعهم هو: (سوري عربي) أو (سوري كردي) وهكذا دواليك.
وأما المبدأ الثاني، فهو مبدأ (المواطنة المتساوية) بين السوريين جميعهم، مع تجنب كل أشكال التمييز مهما كان مصدرها. ولجعل المناقشة ممكنة لهذا المبدأ، فقد يكون من شأن تعريفه إجرائيًا – ولو بصورة مؤقتة – الكشف عن بعض معالمه التي قد تكون خفية. فبمقتضى هذا التعريف تكون (الجمهورية السورية وحدة من الناحية السياسية، وإدارتها لامركزية، وهي متنوعة من الناحية الثقافية). ومهمة الدستور الأساسية تتمثل في تقديم شرح مفصل لهذين المبدأين إذا ما تم التوافق حولهما.
وعند هذا الحد، من حق المهتمين بهذه الورقة أن نؤكد لهم بأن كل ماورد فيها هو افكار أولية قابلة للمناقشة والحوار والتعديل، فضلًا على الحق في تقديم مقترحات بديلة أو مكملة يمكن أن تكون موضوعًا للكتابة بالتشاور مع هيئة التحرير، وليس هذا بالأمر الجديد على مجلتنا.
وأخيرًا ينبغي أن نؤكد أن موضوع هذه الورقة هو (العقد الاجتماعي) الذي قد يتوافق فيه السوريون على أهم المبادئ والأفكار التي يمكن أن يقيموا عليها دولتهم الوطنية. ويكون ذلك من خلال مؤتمر وطني، أو عبر صيغة تمثيلية متفق عليها من قِبَل المشاركين. وتتمثل الخطوة الأخيرة في تخويل المشرعين والاختصاصيين تحويل بنود هذا (العقد وإجماعاته) إلى صيغ قانونية لا تتمتع بأي إلزام – من حيث هي دستور – إلا بعد عرضها على الاستفتاء الشعبي، لأن الشعب السوري لا بد أن يكون هو المصدر الوحيد (للسلطة) في دولته.
بقي أن نبين أن هذا الملف يتكون من محورين متكاملين: أولهما (تاريخي) يضطلع بشرح الأوضاع والملابسات التي أحاطت بنشأة (الدولة السورية)، وبمساراتها ومصائرها، وما آلت إليه من الوقوع في قبضة العسكر، ولما تزل كذلك.
وثانيهما يتمحور حول محاولة لاستكشاف العناصر (الجامعة) التي يمكن الانطلاق منها لبناء (عقد اجتماعي سوري) تنبني عليه (الدولة الوطنية الجامعة).
محاور البحث
المحور الأول: الدولة السورية / النشأة والمصالح الدولية
- المعاهدات والمصالح الاستعمارية التي وقفت خلف نشوء الدولة السورية، وأثرها في شكل الدولة وأزماتها. خاصة سايكس بيكو 1916م، وسيفر 1920م، ولوزان 1923م.
- الدولة السورية: من الانتداب إلى إحباط العسكر للحقبة الليبرالية.
- الدولة السورية: من إحباط الليبرالية إلى تأسيس العسكر للسلطة الاستبدادية 1970م، الفشل في بناء الدولة، قطرية كانت أو قومية.
- الثورة السورية (2011م) وبزوغ مفهوم (الدولة الوطنية).
المحور الثاني: المبادئ الأساسية للعقد الاجتماعي
- الدولة الوطنية محايدة دينيًا وأيديولوجيًا وقوميًا.
- نظام الحكم: هل هو مركزي أو فدرالي؟
- النظام الإداري: هل هو مركزي أو لامركزي؟
- الإثنيات ومكانتها في الدولة الوطنية: كيانات قومية أم بنيات ثقافية.
- النظام الإقتصادي وإدارته الاجتماعية في الدولة الوطنية والموقف من الملكية الخاصة وقضية العدالة الاجتماعية.
- التكامل بين حرية الإعلام والحريات الإنسانية الأخرى في الدولة الوطنية.
- حق المرأة المطلق في المشاركة في أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كلها في الدولة الوطنية على قدم المساواة مع الرجل، حق في العقد الاجتماعي يضمنه الدستور لاحقًا.
- المجتمع المدني ومكانته في الدولة الوطنية.
- التناول العصري لبعض المواد التعليمية في الدولة الوطنية: المواد الاجتماعية، اللغات الوطنية.
- 10. التربية على الديمقراطية والقيم الكونية والإنسانية.
- إعادة بناء العلاقة بين الجيش والأجهزة الأمنية مع الدولة الوطنية.
- مقومات الاستقرار الوطني وإجراءات تعزيز الثقة بين الأطراف السورية والاتفاق على آلية لفض المنازعات.
للمشاركة في ملف العدد:
1. إرسال ملخص مقترح بحثي لا يتجاوز عدد كلماته 500 كلمة، وذلك حتى موعد أقصاه 12 كانون الثاني/ يناير 2021، على أن تستكمل البحوث (حوالى 3000 كلمة) في موعد أقصاه 22 شباط/ فبراير 2021.
2. للباحثين حرية الكتابة في أي من موضوعات المحورين أعلاه، والتعبير عن رؤيتهم بما يرونه مناسبًا. وسترد عليهم هيئة التحرير خلال أسبوعين من تسلم المقترحات بالموافقة أو الرفض.
3. ترسل المقترحات البحثية إلى الإيميل: youssef.salamah@harmoon.org

إدارة تحرير مجلة قلمون ترحب بكل المشاركات التي تخدم هذا الملف دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين وغيرها، وننتظر مشاركتك ببحث تقدم فيه وجهة نظرك المختلفة على الايميل الموجود في الورقة الخلفية أعلاه
شكراً لهذه الفرصة الممتازة لتحفيز العقول وإطلاق الأفكار والمبادرات الوطنية.
مع ملاحظة:
أن الورقة أعلاه تتبنى وجهة نظر واحدة لشكل الدولة الوطنية، دون مراعاة لوجهات النظر الأخرى، ودون مراعاة للخصوصيات الاجتماعية والثقافية للشعب السوري، مثال:
علمانية الدولة. (عدم مراعاة خصوصية المجتمع ذو الأغلبية المتدينة بطبيعتها التاريخية -سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو غيرها-، وحرمان فئات كبيرة من المشاركة السياسية لمجرد الانتماء الديني).
اسم الدولة: الجمهورية السورية. (عدم مراعاة وجود حلول أخرى على المستوى الدولي للدول المتنوعة ثقافياً)، وتبني وجهة نظر أقليات قومية (حريصة على قوميتها) على حساب الأغلبية السكانية التاريخية والجغرافية.
شكراً لكم، على سعة صدركم.