لم يكن حزب البعث العربي[1] يملك نظرية ناضجة لإدارة الدولة، ولم يكن له منظومة فكرية متكاملة، ولذلك بعد انقلاب 8 آذار/ مارس 1963، وصراعات البعثيين مع شركائهم في الانقلاب المذكور من ناصريين ومستقلين، واستقرار السلطة في يد البعثيين صيف 1963؛ لم يكن لدى الانقلابيين توجه وبرنامج واضح، ولم يكن لديهم خبرة في إدارة الدولة، ولا سيما أنهم أزاحوا الكادرات القيادية السياسية والإدارية والاقتصادية، وحلوا محلها. وقد كان لضباط الجيش الصغار بتوجهاتهم الراديكالية دور كبير في توجيه قرارات الدولة سياسيًا وإداريًا واقتصاديًا وعسكريًا، وقد تجلى تأثيرهم بتكليف الشيوعي السابق ياسين الحافظ (1930 – 1978) بوضع كتيب بعنوان “بعض المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي” التي أقرها المؤتمر القومي السادس، تشرين الأول/ أكتوبر 1963، واتسمت بنزعة يسارية راديكالية قوية.
كانت سياسات البعث في إدارة الدولة السورية بعد 1963 مدفوعة بعاملين اثنين؛ الأول المحافظة على السلطة، والثاني مجموعة الأفكار “الاشتراكية” التي يقوم عليها فكر حزب البعث -على الرغم من ضبابية هذا الفكر- وتحت تأثير الضباط الصغار الراديكاليين، كان النموذج السوفياتي هو النموذج الواقعي الذي يمكن تقليده آنذاك، ولكن بنسخة سورية. وقد سارعت سلطة البعث إلى السيطرة على الجيش، وطرح شعار “الجيش العقائدي”، وتضخيم حجمه، وتعزيز سلطة جهاز الأمن في الحياة العامة، وبعد انقلاب 23 شباط/ فبراير 1966 الداخلي[2]، أنشأت السلطة البعثية “جهاز أمن الدولة” بمساعدة الألمانيين الشرقيين، وقد تولى رئاسة الجهاز عبد الكريم الجندي.
قامت سلطة البعث بما سمي (الإصلاح الزراعي) تأثرًا بالنموذج السوفياتي وتقليدًا لعبد الناصر، فصودرت أراضي كبار الملاك في سورية، ووُزِّع جزء منها على الفلاحين، وبقي الجزء الآخر ملكًا للدولة، وأُمِّمت المصارف والشركات الصناعية والتجارية أيضًا، وتم كل ذلك بطريقة عشوائية، وسُمِّي مديرون جديدون للشركات المؤممة، فوُضِع على رأسها رفاق بعثيون من دون أي خبرات، ومن ثم وضعت السلطة الجديدة يدها على الاقتصاد بعد أن وضعتها على السياسة، حيث حُظِر نشاط الأحزاب جميعها، وصودرت الجرائد والمجلات، وسيطرت السلطة على النقابات، وأنشأت الاتحاد العام للفلاحين، ومنظمة للنساء “الاتحاد العام النسائي”، وأنشأت شبيبة الثورة التابعة لحزب البعث، واتحاد الطلبة، ومنعت أي نشاط طلابي خارجه. وقد جعل هذا كله مهمات إدارة الدولة واسعة ومتعددة، وألقى على موازنة الدولة أحمالًا ثقيلة تفوق قدرات الموازنة السورية والاقتصاد السوري، وقد ترافق ذلك مع غياب الخبرة. وقد كان هذا العامل الرئيس في هزيمة الخامس من حزيران/ يونيو 1967.
حافظ الأسد يطبع السلطة بطابعه
بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، كانت أولوية الأسد المطلقة المحافظة على السلطة بأي ثمن، وقد أخضع لها كافة جوانب الحياة العامة في سورية، ومن أجل ذلك، أنشأ شبكة من المؤسسات الضخمة التي تمسك بمفاصل الدولة والمجتمع، فالجيش والأمن لا يكفيان وحدهما. وعمل الأسد على مأسسة سلطته لتأخذ شكل الدولة الشمولية المستقرة، فأصدر دستورًا على مقاسه، نص فيه أن حزب البعث يقود الدولة والمجتمع ويقود جبهة وطنية تقدمية ضمت بعض الأحزاب التي وافقت على شروط الأسد، وهي منع نشاط تلك الأحزاب في الجيش وبين الطلبة، وأنشأ مجلس شعب، ومجالس إدارة محلية.
جمع حافظ الأسد بيده السلطات كافة[3]، وكان صاحب القرار الأوحد في القضايا كافة، وخاصة قضايا الجيش والأمن والسياسة الخارجية، والقرارات الكبرى في السياسة الداخلية، وقد صارت كلمة “القصر” تعني مركز السلطة المطلقة ومركز القرار الوحيد في سورية، بينما ترك لرئاسة الوزارة وللوزراء والمحافظين ودوائر الدولة تولي إدارة الشؤون العامة اليومية.
شكل القبض على السلاح الضمانة الأولى لاستمرار القبض على السلطة، فضخم حجم الجيش السوري، وحول شعار “الجيش العقائدي” الذي يتبع الحزب إلى الجيش الأسدي الذي يتبعه وحده، وضخّم أجهزة المخابرات[4]، وجعل سلطته سلطة أمنية بامتياز، فالأمن يتدخل في مفاصل الدولة كافة من دون حدود، فكانت الوظائف تتطلب موافقات أمنية، وكذلك بعثات التعليم إلى الخارج، وكان الترفيع الوظيفي يخضع للدراسة الأمنية، وكان الأمن يتدخل في القضاء، فإضافة إلى محكمة أمن الدولة التي لا يرأسها قاضٍ، كانت أجهزة الأمن تتدخل في عمل المحاكم، وتوجه القضاة في اتخاذ القرارات، أما القاضي الذي لا ينصاع، فيُبعَد.
أبقى حافظ الأسد سلطة البعث وسلطة القيادة القطرية واجهة للحكم تأتي منها الشرعية الشكلية التي أراد أن يظهر بها، وكان هو من يختار أعضاء القيادة القطرية شخصيًا، وبعد دراسة مستفيضة لهم من قبل أجهزة الأمن أو بعد ترشيحاتهم أحيانًا. وقد عمل على توسعة دائرة المنتمين لحزب البعث، وأصبحت عضوية الحزب شرطًا في دخول كثير من الوظائف، وسلّمًا للترقي الوظيفي، أما القيادة القطرية، فكانت تتدخل في كثير من الشؤون الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. جعل الأسد قيادات الشعب والفروع للحزب مركزًا لسلطة محلية تملك توزيع المنافع المادية، وموقعًا للوجاهة الاجتماعية، وكان لقيادات الفروع دور في إدارة المحافظات مشاركة مع المحافظ، ولكن كانت السلطة الفعلية للمحافظ، ولم تكن سلطة الأخير تمتد إلى أجهزة الأمن إلا شكليًا. وأحكم الأسد سيطرته على التعليم، ووجّه مناهجه، وعلى الإعلام أيضًا، ومنع السياسة، ومنع أي تنظيمات مدنية.
أبقى حافظ أسد إدارة السياسة الخارجية محصورة بيده، وكان ارتباط وزير الخارجية به مباشرة، ولم يكن لرئيس مجلس الوزراء سلطة فعلية على وزير الخارجية، ولم تكن السياسة الخارجية تناقش سواء في مجلس الوزراء او مجلس الشعب، أو في أي مكان آخر عدا القصر الجمهوري.
اتسمت السياسة الاقتصادية لسلطة البعث، بسيطرة الدولة على الصناعة، وتفتيت الزراعة، والسيطرة على التجارة الخارجية وعلى جزء كبير من التجارة الداخلية، واتباع سياسة نقد غير قابل للتحويل، ولكن من جانب آخر فُتِح الباب مواربًا للقطاع الخاص، ولكن حصرت منافعه بقرارات الدولة، ثم وُسع الباب تدريجيًا، وبقي مقيدًا بسلطة الدولة.
أُرهِقت موازنة الدولة بأعباء كبيرة لجيش ضخم وأجهزة مخابرات متضخمة ومؤسسات حكومية بيروقراطية متضخمة (حزب البعث، الشبيبة، اتحادات العمال والفلاحين والنساء والطلاب)، ووُسعت مؤسسات الدولة، فاتسعت كثيرًا قاعدة من يتلقى رواتب من الدولة، في الوقت الذي كبَحت فيه إداراتُه البيروقراطية القدرةَ الإنتاجية للاقتصاد السوري الخاص والعام، فاعتَمد على مساعدات الدول العربية المصدرة للنفط التي زادت بعد حرب تشرين/ أكتوبر 1973، ثم على إيرادات النفط التي بدأت بالارتفاع منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين.
جعل الأسد قيادات الأمن ومؤسسات الدولة ودوائرها وقيادات فرق حزب البعث وفروعه بيد أبناء الريف أو أبناء فقراء المدن، ممن كانوا محكومين من قبل الفئات السابقة التي أُزيحت بعد انقلاب آذار/ مارس 1963. فهؤلاء القيادات الجدد سيبقون مخلصين لسلطة البعث، متخوفين من عودة السلطة السابقة، وذهاب مكتسباتهم.
أنشأ الأسد مؤسسات حكومية بيروقراطية، وضخم أعداد العاملين فيها بما عرف بالتشغيل الاجتماعي، وطبق سياسات أجور منخفضة، مقابل تقديم خدمات مجانية (تعليم في مراحله جميعها، وطبابة) وسلع أساسية رخيصة (سكر، شاي، رز، زيت الطعام، كهرباء، وقود، وغيرها).
استخدم حافظ الأسد التساهل مع الفساد والإفساد، فكان الفساد الكبير لكبار موظفي دولته، ولإنتاج قطاع أعمال من صلب السلطة، وعمل على تعميم الفساد الصغير لخلق منافع للمريدين، بينما عاقب المعادين بقسوة بالغة.
آثار النظام الشمولي في سورية
أدى اتباع نظام شمولي في سورية إلى كبح القدرة الإنتاجية المادية والفكرية والثقافية للمجتمع السوري، وكانت الضربة السابقة التي وجهت إلى سورية اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا قد تمت أيام الوحدة السورية-المصرية، فجاء نموذج البعث الشمولي ليكمل على ما تبقى من قدرات سورية في مختلف الجوانب، وكانت من نتائج هذه السيطرة تراجع الأداء الاقتصادي والفكري والثقافي للمجتمع السوري.
لم تظهر عيوب هذه السياسة في سنوات السبعينيات بسبب المساعدات الخليجية التي وردت إلى سورية، وكانت بين 1.5 و2 مليار دولار سنويًا، تحت مسمى دعم دول الصمود، ولكن بعد انقطاعها بعد 1980 بسبب وقوف حافظ الأسد إلى جانب إيران في حرب الخليج الأولى، بدأت بوادر ازمة اقتصادية انفجرت كأزمة خانقة سنة 1985، واستمرت حتى سنة 1990، عندما شارك الأسد في حرب الخليج الثانية سنة 1990 تحت القيادة الأميركية لإخراج صدام حسين من الكويت، عادت المساعدات الخليجية، إلى جانب زيادة إنتاج النفط المكتشف حديثًا في دير الزور. ولم يكن الأميركيون بحاجة إلى قواته، ولكن أرادوا إشراكه كي يتجنبوا معاداته هذه الحرب، ويخففوا الحرج على دول الخليج التي تشارك الولايات المتحدة في حربها على بلد عربي شقيق، بينما تدعم احتلال إسرائيل أراضيَ عربية.
تحت تأثير انهيار الاتحاد السوفياتي أصدر الأسد سنة 1991 قانون الاستثمار رقم 10، فبدأ القطاع الخاص بالانتعاش، وفي سنة 1992 بدأت مفاوضات السلام مع إسرائيل في مدريد، وكانت الآمال كبيرة بمدة من السلام والازدهار، ولكن الأسد لم يتخذ أي إجراءات انفتاح اقتصادي مكملة[5]، ولم تنتج المفاوضات مع إسرائيل شيئًا، وكانت هذه إرادة الأسد[6] وإرادة المتطرفين من الإسرائيليين، فعاد الركود الاقتصادي والاجتماعي ليخيم على سورية خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، ولا سيما أن المرض قد اشتد على حافظ الأسد. وقد تجمد كل شيء بانتظار موته وتولي ولده السلطة من بعده. وكان الأسد قد أجل مجموعة من خطوات الانفتاح الجزئي الاقتصادي والاجتماعي كي يقوم بها وريثه لتكون بمنزلة رشوات صغيرة للسوريين ليقبلوا ذاك التحول إلى النظام الوراثي. وتوفي حافظ الأسد في العاشر من حزيران/ يونيو 2000.
الإصلاح الإداري والإصلاح الاقتصادي
افتتح بشار الأسد مدته الرئاسية الأولى بخطاب قسم ضمنه وعودًا غامضةً بالانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكان بشار الأسد قد بدأ سنة 1999 أولى خطوات “الإصلاح الإداري” بإطلاق برنامج “الإدارة بالأهداف” من أجل إصلاح القطاع العام الصناعي، وانتهى المشروع بالفشل، وبعد توليه الرئاسة في 17 تموز/ يوليو 2000، انطلقت وسائل الإعلام وندوة الثلاثاء الاقتصادي بمناقشة موضوعات الإصلاح الاقتصادي والإداري لخلق انطباع أن مرحلة بشار الأسد مرحلة إصلاح. وتشكلت لجان عدة على مدى سنوات لوضع دراسات للإصلاح الاقتصادي والإداري، وقد وضعت تقارير اللجان جميعها في الأدراج. ولقيت تقارير الخبراء الفرنسيين في الإصلاح الإداري والقضائي وإصلاح السجون طريقها الى الأدراج أيضًا.
لم يستمر الأمل الكاذب الذي أراده السوريون حين تولي بشار الأسد الرئاسة، ففي أيلول/ سبتمبر 2001 قُبِض على عشرة من الناشطين وأودِعوا السجون لأنهم طالبوا بالتغيير، وأسهموا في تأسيس منتديات دمشق، وبما عرف يومها بـ (ربيع دمشق)، وأغلِقت المنتديات التي انتشرت على نطاق واسع خلال سنتي 2000 و2001، وتغير خطاب الإعلام من الحديث عن التغيير إلى الحديث عن الإصلاح، وبعد حين استبدلت بكلمة الإصلاح كلمتا التطوير والتحديث، ثم اختفى هذا المصطلح، ولم يستعمل أي مصطلح آخر.
كلمة أخيرة
كان انفجار سورية في ربيع 2011 نتيجة حتمية لتراكمات عدة على مدى خمسة عقود منذ 1963 حتى 2010.
ولم تكن سلطة العسكر التي قامت في سورية بعد الانقلاب العسكري في 8 آذار/ مارس 1963، وتحولت إلى سلطة الأسد بعد انقلاب تشرين الثاني/ نوفمبر 1970 استثناءً، سواء لمجيئها بانقلاب عسكري قام به ضباط من أصول ريفية فقيرة، أم للمناهج التي انتهجتها في إدارة الدول والمجتمعات التي حكمتها، فقد سبقتها مصر 1952، ثم العراق 1958، ثم العراق ثانية في 8 شباط/ فبراير 1963، وتبعها اليمن الجنوبي 1968، ثم ليبيا 1969، فاليمن الشمالي 1978، والسودان في أكثر من انقلاب كان آخرها انقلاب البشير والترابي 1989. ولا تختلف الجزائر بطبيعتها عن هذه الأنظمة، على الرغم من أن سلطتها جاءت بعد ثورة شعبية مسلحة قدمت تضحيات كبيرة. وقد كان من اللافت أن البلدان العربية التي حكمتها أنظمة عسكرية هي التي انفجرت في موجتي الربيع العربي الأولى والثانية.
ستكون موضوعات سياسات البعث/ الأسد في إدارة الدولة السورية من 1963 إلى 2010، ودرسها، وتحليلها، ونقدها موضوعيًا، العنوانَ العريض لملف مجلة قلمون في عددها الخامس والعشرين، وذلك في ضوء المحاور العامة أدناه، وتترك للباحثين حرية اختيار الموضوعات التي سيكتبون فيها.
المحاور العامة للملف
- مصادر فلسفة إدارة الدولة في فكر البعث، وأثرها في مناهج الدولة السورية بعد 8 آذار/ مارس 1963 وحتى 2010.
- دور أولوية القبض على السلطة في تحديد التنظيم العام للدولة ومؤسساتها وأدوارها (أسس تنظيم الدولة) للإمساك بالسلطة.
- دور أدوات العنف (الجيش والشرطة والأمن) في إدارة الدولة والمجتمع في سورية.
- آليات اتخاذ القرار في سورية وأدوار المؤسسات، سواء القرارات في المستوى الاستراتيجي أم القرارات التنفيذية على مستوى مركزي أم محلي.
- إدارة السياسة الخارجية في خدمة القبض على السلطة.
- السمات العامة للإدارة على مستوى القطاعات في سورية، إدارة القطاعات الإدارية الاقتصادية والخدمية، وإدارة العمل العام وآليات عملها.
- إدارة سياسات الدولة تجاه القطاع الخاص، وأدواره، والعلاقة معه، والعوامل المؤثرة في هذه الإدارة وأثرها في الاستثمار.
- إدارة الموارد البشرية (التعليم، التدريب، سياسات الرواتب والأجور).
- تجارب الإصلاح الإداري والاقتصادي والمالي في سورية ونتائجها.
- الفساد والإفساد أداتان رئيستان في إدارة الدولة (للأفراد ولقطاع الأعمال).
- إدارة المؤسسات الدينية والمذهبية، ودور الدولة في التدخل فيها.
- تشابه إدارة الأسد الابن بإدارة الأسد الأب، وتمايزها عنها.
- مقارنات الإدارة السورية في المدة المبحوثة بالأنظمة العسكرية العربية الأخرى، التشابه والاختلاف.
يمكن للراغبات والراغبين المشاركة في الملف بإرسال مقترح بحثي لا يتجاوز 500 كلمة، مع مخطط للبحث إلى إيميل رئيس التحرير يوسف سلامة youssef.salamah@harmoon.org، وذلك حتى 31.08.2023، على أن تستكمل البحوث في موعد أقصاه 15.10.2023.
يرجى من الباحثات والباحثين مراعاة سياسة تحرير مجلة قلمون في المقترحات والبحوث، أدناه رابط سياسة التحرير في مجلة قلمون: https://cutt.us/BoiHU
[1]أُسِّس حزب البعث العربي في 7 نيسان/ أبريل 1947، وكان المؤسسون الأوائل من أبناء الطبقات الوسطى المستنيرة من القوميين الإصلاحيين، ممن تلقوا تعليمًا جامعيًا في الخارج غالبًا، وكانوا متأثرين بالفكر القومي الاجتماعي، وبأفكار ساطع الحصري وزكي الأرسوزي، وكانت كتيّبات المؤسس ميشيل عفلق (1910 – 1989) وخطاباته تنضم إلى مصادر الحزب. ومع اتحاد البعث العربي، الحزب الاشتراكي العربي ذي الشعبية الفلاحية (أكرم الحوراني) أواخر 1952، والداعي القوي للإصلاح الزراعي؛ تشكل حزب البعث العربي الاشتراكي، وقد نمت الميول اًلمعادية لرأس المال في صفوف الحزب في الخمسينيات، ولا سيما بين الحزبيين من أبناء الفئات الفقيرة من المتعلمين، متأثرين بنوع من الفكر الاشتراكي وبتجربة عبد الناصر، كما كان بعض مثقفيهم متأثرًا بالفكر الماركسي الذي بدأ بالانتشار في المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الثانية.
[2] بعيد استقرار السلطة بيد البعثيين، بدأت الصراعات تبرز في صفوفهم، خاصة وأن الضباط الصغار الذين دبروا الانقلاب كان لهم تنظيمهم الخاص، وكانت نواته “اللجنة العسكرية”، وكان أعضاؤها من أبناء الريف، ومن الأقليات، ومن ذوي التوجهات الراديكالية. وقد انتهت الصراعات بأن قام هؤلاء الضباط بانقلاب 23 شباط/ فبراير 1966، وأطاحوا بالقادة التاريخيين لحزب البعث وبقيادة الدولة، وأبعدوهم عن السلطة، ومنهم ميشيل عفلق وصلاح البيطار وشبلي العيسمي ومنيف الرزاز وأمين الحافظ وغيرهم، وبرز صلاح جديد وسليم حاطوم وعبد الكريم الجندي وغيرهم.
[3] بحسب الدستور الذي أصدره حافظ أسد 13 آذار 1973، فقد كان رئيس الدولة “هو” رأس السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وهو القائد العام للجيش والقوات المسلحة، والأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي يقود جبهة وطنية تقدمية. وقد كان الاحتجاج على إصدار مشروع الدستور سنة 1972 أول احتجاج واسع قاده الإخوان المسلمون على نحو غير معلن، بسبب عدم نص مشروع الدستور على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام، وجرت احتجاجات وخطب في أيام الجمعة وتظاهرات في مدن عدة، ما اضطر الأسد إلى تعديل المادة والنص على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام. بينما لم يحتج أحد على وأد حريات التعبير وحريات التنظيم ووأد الحياة السياسية، ولا على حصر الصلاحيات كافة بيد رئيس الجمهورية.
[4] عزز الأسد أجهزة المخابرات، وباتت الأجهزة الرئيسة أربعة: 1- إدارة المخابرات العامة التي تتبع القيادة القطرية لحزب البعث، 2-الأمن السياسي الذي يتبع شكليًا لوزير الداخلية، 3- شعبة الأمن العسكري، 4- مخابرات القوى الجوية، وتتبعان شكليًا لوزير الدفاع، وفعليًا لحافظ أسد شخصيًا، فوسعها وزاد عدد أفرعها ومكاتبها ومنتسبيها وتدخلاتها في مفاصل الدولة وفي حياة الناس.
[5]كانت سورية بحاجة إلى برنامج متكامل من الإصلاح الاقتصادي، لا محض قانون واحد، فكانت بحاجة إلى فتح قطاعات اقتصادية أمام استثمارات القطاع الخاص، وإلى تشريعات جديدة للنقد، وتشريعات جديدة للتجارة الخارجية، وقانون جديد للضرائب، وإجراءات فعالة وشفافة للتحكيم، وتشريعات عمل جديدة، وتعديل قانون تأجير العقارات، وتعديل قانون العلاقات الزراعية، وقضاء نزيه وكفي، ومكافحة الفساد وغيرها كثير.
[6]استخدم الأسد وجود إسرائيل عدوًا خارجي، وحالة اللاسلم واللاحرب معها شماعة لتبرير الاحتفاظ بجيش وجهاز أمن كبيرين، وكي يستمر بتطبيق حالة الطوارئ التي أعلنت صبيحة 8 آذار/ مارس 1963، والتي استمرت من دون رفع حتى 2011، ليحل محلها قانون أسوأ، وهو قانون مكافحة الإرهاب رقم (19) لعام 2012.