أقام مركز حرمون للدراسات المعاصرة عبر البث المباشر، الثلاثاء 21 تموز/ يوليو 2020، ندوة بعنوان “حقوق السوريات بين سلطات الدين والمجتمع والسياسة“، شارك فيها من بيروت السيدة لمى قنوت، الباحثة والسياسية والناشطة النسوية المستقلة، وأدارها باسل العودات، مدير الإعلام في مركز حرمون للدراسات المعاصرة.
ناقشت الندوة قضية تحالف السلطتين السياسية والدينية في ما يتعلق بقضايا النساء، وكيف تتكرس الانتهاكات في المجتمع، وتأثير عسكرة الثورة على دور النساء، ودور المنظمات غير الحكومية وسياسات التمويل في تلك القضايا، وضعف حضور المرأة السورية في الحقل السياسي ودائرة صنع القرار، وكذلك دور المرأة في صناعة سلام مستدام.
في البداية، تحدثت السيدة لمى قنوت عن كيفية مساهمة تحالف السلطتين الدينية والسياسية في انتهاك حقوق النساء، وكيف تعمل الأنظمة السياسية الاستبدادية على إخضاع النساء في الحيّز العام، فيما تقوم السلطة الدينية بإخضاع النساء في الحيّز الخاص. ونبّهت قنوت إلى عدم مشاركة النساء في مناقشة التعديلات التي جرت سابقًا على قانون الأحوال الشخصية، وآخرها كان عام 2019، في حين تمت دعوة رجال الدين لمناقشتها. وأضافت: “التعديلات التي طرأت على قانون الأحوال الشخصية عام 2019 كانت طفيفة جدًا، حيث إنها أبقت على جوهر وفكر قانون الأحوال الشخصية المتمثل بالوصاية على النساء، إضافة إلى أن التمثيل النسائي في الوزارات ومجلس الشعب ليس مؤشرًا حقيقيًا على ديمقراطية النظام، إذ إن الأنظمة الاستبدادية لن يضيرها وجود النساء، ما دامت تستأثر بحقوقهن”.
وتحدثت قنوت عن العنف المجتمعي الممارس ضد النساء، بسبب غياب القوانين التي تحميهن وتضمن حقوقهن، خاصة في ظل سيطرة الأعراف والعادات على المجتمعات التقليدية التي تلعب -بمساندة الأنظمة المستبدة- دورًا رقابيًا على حريات النساء، وتقلص دور المرأة وتقصره على الإنجاب، وهذه النظرة تنسجم مع روح قانون الأحوال الشخصية الذي ينظر إلى النساء من الزاوية نفسها، الأمر الذي يؤدي إلى إفراز خطاب مجتمعي يعادي المرأة وينتهك حقوقها. وتتجسد هذه الانتهاكات، بحسب قنوت، في قضية المعتقلات اللواتي خرجن من المعتقلات وعانين اضطهاد المجتمع الذي حوّل تجربة الاعتقال إلى ما يشبه الندبة على أجسادهن، في حين يُنظر إلى الاعتقال في حالة الرجل على أنه وسام شرف وبطولة، إضافة إلى فقد كثير من المعتقلات لشبكة الأمان العائلي والمجتمعي، بسبب رفض المجتمع الأهل والمجتمع لهن. وأضافت قنوت: “المجتمعات التي تعدّ أكثر تقدمًا لم تكن بأفضل من نظيرتها التقليدية، لأنها لا تُظهر خطاب العنف ضد المرأة بشكل علني، ولكنها تمارس الاضطهاد على أرض الواقع، بشكل معاكس لخطابها المعلن الذي يدّعي مناصرة المرأة واحترام حقوقها”.
وتطرقت الندوة إلى فاعلية الحركات النسوية، وإلى مدى النجاح في تقديم أجندة نسوية متكاملة، ورأت قنوت أن المنظمات النسائية والمدافعة عن حقوق المرأة لم تستطع أن تبني حركة اجتماعية نسوية. وعلى الرغم من أن الثورة أتاحت مناقشة قضايا النساء على الفضاء العام، وفسحت المجال لوجود العديد من الناشطات النسويات والمنظمات التي تدافع عن بعض حقوق المرأة، لكن غلب عليها طابع العدد أكثر من الفاعلية، وقد ساهم ذلك في محدودية أجندة الحركة النسائية التي غاب عنها كثير من الملفات المتعلقة بالمرأة. ولفتت قنوت النظر إلى وجود تركيز كبير على موضوع التمكين السياسي للمرأة بإيعاز من الجهات الداعمة، وهذا أدى إلى خلق هاجس المشاركة في جلسات المفاوضات، لدى معظم الناشطات المشاركات في ورشات العمل النسائية التي عقدت في لبنان وتركيا، وعلى الرغم من أن هذا الأمر يبدو جيدًا، فإن هذا الهاجس ساهم في إغفال جوانب أخرى من قضايا المرأة وحقوقها، وهناك العديد من الملفات المهمة التي لم تعمل عليها المنظمات النسوية. وأضافت: “ساهم التمويل إلى حد كبير في فشل المنظمات النسائية في تقديم أجندة متكاملة، وعلى سبيل المثال، كان موضوع العدالة الانتقالية أحد الأمور التي شهدت مدًا وجزرًا، وفيما بعد رُفع شعار العدالة للجميع، بدلًا من العدالة الانتقالية، وهذا شعار غير دقيق، لأن العدالة لها شروطها ومحدداتها، وفي الآونة الأخيرة، بدأ موضوع العدالة الانتقالية يعود إلى دائرة الضوء، وهذا يؤكد الدور الذي تلعبه الجهات الداعمة في التركيز على قضايا وملفات معينة دون غيرها”.
وتطرقت الندوة إلى موضوع عسكرة الثورة، وإلى آثاره السلبية على دور النساء، وسلطت قنوت الضوء على الدور الذي لعبته النساء في المجال العسكري، سواء عبر المشاركة المباشرة في القتال، كـ “وحدات حماية المرأة” والمقاتلات الكرديات، أو كتيبة خولة بنت الأزور التي تشكلت في درعا عام 2012، أو من خلال المشاركة في توزيع الأسلحة والمراقبة. في المقابل، حاول نظام الأسد أن يروّج للعمل العسكري النسائي، لكن الإعلام الغربي لم يهتم بتسليط الضوء على هذا الجانب، وانصب اهتمامه على المقاتلات الكرديات، وجعل منهن أيقونة لمشاركة المرأة في العمل العسكري، بالرغم من حديث كثير من المنظمات الحقوقية عن الانتهاكات التي حدثت للنساء، كالخطف والتجنيد الإجباري من قبل “وحدات حماية الشعب” الكردية. وأشارت قنوت إلى أن موضوع عسكرة الثورة قوّض دور المرأة وأثّر على مشاركتها السياسية في المجالس المحلية، وذلك بسبب العنف العسكري الذي مارسه النظام، وسيطرة الكتائب المتشددة على بعض المناطق، كمحافظة إدلب في الشمال السوري وريف حلب الشرقي.
وعرجت الندوة على موضوع التمثيل السياسي المحدود للمرأة في مؤسسات المعارضة، بالرغم من المطالب الأممية بأن يكون للنساء دور في كل الحلول السياسية، وأشارت قنوت إلى مسألة تمثيل النساء في (غرفة المجتمع المدني) برعاية المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بنسبة 30 بالمئة، ورأت أن هناك تساؤلات حول الطريقة التي تمت بها الدعوات، وماذا يدور في أورقة هذه الغرفة، وما هي المعايير التي تُدعى على أساسها منظمات المجتمع المدني؟ ثم أردفت قائلة: إن ذلك النجاح الذي حققه دي ميستورا، من خلال تأسيس هذه الدوائر والمجموعات، لا فائدة له، بسبب فشل العملية السياسية منذ عام 2014 حتى الآن.
ولفتت قنوت إلى أن موضوع المشاركة السياسية للمرأة كان في ذيل أولويات واهتمامات المعارضة السورية، وأن كثيرًا من الممارسات كانت تعوق وجود النساء في مؤسسات المعارضة، وهذا الأمر شكّل حالة من النفور لدى الناشطات السياسات من هذه الهيئات، مؤكدة أنه لولا الضغط الدولي والأممي لما كان هناك وجود للنساء، وإن كان قليلًا، في جميع مؤسسات وهيئات المعارضة السورية.
لمى قنوت: باحثة، سياسية مستقلة ونسوية، لها ثلاثة كتب: “المشاركة السياسية للمرأة السورية بين المتن والهامش”، “العدالة الانتقالية الحساسة للجندر في سورية”، “كي لا أكون على الهامش – الذاكرة الشفوية لناجيات سوريات من الاعتقال”، إضافة إلى عدد من الأبحاث.