عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، السبت 2 أيار/ مايو 2020، ندوة بعنوان (سورية في أيام كورونا)، شارك فيها كل من عمر إدلبي، مدير مكتب مركز حرمون في الدوحة، ومن الداخل السوري عمر حاج أحمد، الناشط والإعلامي، وأدارتها الإعلامية ربا حبوش.
ناقشت الندوة أوضاع الداخل السوري، في ظل جائحة فيروس كورونا، سواء في المناطق التي يسيطر عليها النظام أو في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب وشرق الفرات، وسياسات نظام الأسد في مواجهة هذا الوباء، ومدى جدوى الإجراءات التي قام بها لمواجهته، كما ناقشت وضع المرافق والخدمات في مناطق سيطرة النظام، وضعف القطاعات الصحية عمومًا، وصعوبات الوضع المعيشي، وطريقة تعاطي إعلام النظام مع هذه الأوضاع.
وناقش الضيفان مساعي النظام السوري لاستغلال وباء كورونا، بهدف رفع العقوبات الأميركية عنه، والوضع الراهن للمعتقلين في السجون، والأخطار التي تهددهم من هذا الفيروس، وإجراءات العزل وإقفال الحدود في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وإمكانية أن يدفع هذا التحدي المجتمعَ الدولي إلى اتباع آلية جديدة في الملف السوري، تفضي إلى اتفاق أو انتقال سياسي.
وفي سؤال حول كيفية تعامل النظام مع جائحة كورونا، أجاب عمر إدلبي: “نظام الأسد معتاد على الكذب في كل شيء، وهو يمارس سياسة الإنكار على كل الأصعدة، وقد كان الإعلان عن أول إصابة بفيروس كورونا في سورية في 22 آذار/ مارس الماضي، وذلك بعد أن تم تداول العديد من الأنباء من مصادر مطلعة في الداخل السوري، عن أن هناك عشرات -وربما مئات- الإصابات التي سُجّلت في مختلف المناطق السورية، ولا سيّما في المناطق التي فيها تماس بين مواطنين سوريين، سواء كانوا عسكريين أم مدنيين، وبين عناصر ميليشيات تدعمها إيران قدموا من لبنان والعراق، أو من إيران ذاتها، على اعتبار أن ايران كانت في منتصف آذار/ مارس واحدة من أكثر دول العالم التي انتشر فيها فيروس كورونا انتشارًا واسعًا، وتسبب في وفاة عدد كبير من المصابين، وكانت نسبة الإصابات فيها الثانية عالميًا، آنذاك”.
وتابع: “سياسة الإنكار التي مارسها النظام بدايةً قوبلت بقلق وخوف شديدين من قبل السوريين، سواء في الداخل السوري الذي يقع تحت سيطرة قوات نظام الأسد وحلفائه أم في المناطق الخارجة عن سيطرته، على اعتبار أن عمليات تبادل البضائع كانت مستمرة، قبيل الإعلان عن إيقاف العمل في معابر عدة، سواء في ريف حلب أم في جنوب إدلب وشمال حماة، وهذه السياسة ساعدت النظام إلى حد ما، ربّما في البدايات، لكنه غيّر سياسته فجأة، وتحوّل بشكل دراماتيكي إلى الإعلان عن وجود إصابات في سورية، وقام بتوجيه نداءات لرفع العقوبات الاقتصادية وطلب المساعدات، حتى إنه وصل إلى درجة اتخاذ إجراءات احترازية كانت في غاية التشدد، في الوقت الذي كان فيه قبل أيام قليلة يتحدث عن عدم وجود إصابات”.
في المقابل، تحدث عمر حاج أحمد عن آليات تعامل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة مع جائحة كورونا، وعن الإجراءات التي اتُّخذت هناك، وقال: “مع الأسف، المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أصبحت مشتتة وتخضع لجهات عدة، في إدلب أُجري الاختبار لـ 295 حالة، وكانت النتائج كلها سلبية، ولم تُسجل أيّ إصابة. أما بالنسبة إلى مناطق شرق الفرات الخاضعة لـ (قوات سوريا الديمقراطية) فقد تم تسجيل إصابتين حتى الآن، وفق التصريحات الرسمية، إضافة إلى تسجيل حالة وفاة واحدة منذ عدة أيام. وبشكل عام تم تجهيز أكثر من 30 نقطة أو وحدة طبية، في محافظة إدلب أو في مناطق الشمال الغربي في عفرين وريف حلب الشمالي، منها 4 مشاف، إضافة إلى 28 وحدة دعم لوجستي مسؤولة عن تحويل الحالات إلى المشافي”.
وأضاف حاج أحمد: “خلال السنوات العشر الأخيرة، دمّر النظام البنى التحتية والقطاع الصحي في إدلب وعموم مناطق سورية، وفي العام الماضي وحده تم تدمير أكثر 70 وحدة طبية، ولذلك كانت البنية التحتية للمشافي منهارة قبل انتشار فيروس كورونا. ولكن النقطة الإيجابية الوحيدة هي حالة التكاتف بين المنظمات المدنية والإنسانية، وتشكيل خلية أزمة لعبت دورًا كبيرًا في التوعية المجتمعية والطبية”.
وحول تقييم الوضع الصحي في مناطق سيطرة النظام، ومقارنته بنظيره في مناطق المعارضة، قال إدلبي: “لا يمكن المقارنة جديًا إلا من نواح معينة، تتعلق بإمكانات المشافي وتوفر الكوادر الطبية والنقاط الطبية المخصصة لإجراء التحاليل والاختبارات. والمعلومات الواردة من مناطق سيطرة الأسد، حول إدارة أزمة كورونا، شحيحة جدًا، حيث إن النظام أحال ملف إدارة كورونا إلى 4 أطباء من كبار الأطباء الموجودين في وزارة الصحة، ومن ثَمّ، لا يمكن التعامل مع حالات الإصابة في مناطقه إلا من خلال هؤلاء الأطباء والمعلومات التي تحتفظ بها وزارة الصحة، إضافة إلى عدم إمكانية إجراء الاختبار في مناطق أخرى. أما على صعيد القطاع الطبي عمومًا، فالنظام الصحي في مناطق سيطرة النظام قديمٌ ومتهالك، ويحتاج إلى كثير من العمل كي يستعيد كفاءته. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، تحتاج سورية إلى ما يعادل 72 مليون دولار، لتمويل إجراءات مكافحة انتشار وباء كورونا، لا يتوفر منها لدى النظام إلا 3 ملايين، حصل عليها عن طريق منظمة الصحة العالمية. في المقابل لم تحصل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشمال السوري على أي مساعدة جدية، إلا من الجانب التركي الذي قدّم المواد المعقمة والكمامات وغيرها، ومساعدات محدودة من منظمة الصحة العالمية لا تُقارن نهائيًا بكمية المساعدات التي قُدّمت للنظام”.
وأضاف: “تمتلك مناطق النظام أكثر من 80 منشأة لإنتاج الأدوية، فيما لا تمتلك مناطق المعارضة أي منشأة على الإطلاق، وتعتمد تلك المناطق بالكامل على تهريب الأدوية من مناطق سيطرة النظام، خاصة من مدينة حلب، إضافة إلى الأدوية القادمة من تركيا. أما بالنسبة إلى مركز الحجر أو الاحتجاز في حالة انتشار الوباء، فقد تم تجهيز 3 مراكز على عجل، بإمكانات متواضعة، وهي جيدة جدًا، بالمقارنة مع مراكز الاحتجاز في منطقة الدوير في ريف دمشق”.
ناقشت الندوة أيضًا الإجراءات التي قامت بها الحكومة المؤقتة، والإدارة الذاتية التابعة لـ “قوات سوريا الديمقراطية” في الشمال الشرقي من سورية، وإلى أي مدًى نجحت في تجنب انتشار الوباء على نطاق واسع، خاصة بعد قيام الحكومة المؤقتة بإغلاق المعابر وتقييد حركة العبور بين المناطق، وإغلاق المدارس ودور العبادة ومنع التجمعات.
وأضاءت الندوة على وضع المعتقلين في ظل أزمة فيروس كورونا، والتخوف من انتشار الوباء في سجون النظام، ومخاوف من أن يتعمد النظام نشر الوباء بين المعتقلين ليتخلص منهم، وكيف تعامل المجتمع الدولي مع هذا الأمر. وحول هذا الأمر، قال عمر إدلبي: “لم تكن قضية المعتقلين في أي وقت من الأوقات شغلًا شاغلًا، لا للمنظمات الدولية الحقوقية ولا للجهات والأطراف الفاعلة في الملف السوري، على الرغم من أن الاهتمام بقضية المعتقلين والمفقودين كان أحد مهام مسار أستانة، لكن النظام لم يكن متعاونًا على هذا الصعيد، وروسيا بدورها لم تضغط عليه، وهنا لا أستطيع أن أتفهم موقف قيادات ومؤسسات المعارضة التي تجاوبت مع تهرب النظام من ملف المعتقلين، وتقاعست عن المطالبة بالإفراج عنهم. وهناك معاناة شديدة تكبدتها مؤسسات مدنية في المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وإعادة إحياء هذا الملف، خاصة في ظل انتشار وباء كورونا”.
وشدد إدلبي على أهمية إيلاء ملف المعتقلين أهمية حقيقية من قبل المعارضة السورية، وعلى ضرورة عدم فتح أي ملف من الملفات المتعلقة بالمفاوضات والحل السياسي أو الحديث عن موضوع اللجنة الدستورية والدخول فيه؛ ما لم يكن هناك تحرك جاد على صعيد إطلاق سراح المعتقلين، لأن “حياتهم أهم من كل العملية السياسية”، على حد تعبيره.
وأجاب عمر حاج أحمد عن سؤال أحد المتابعين، حول وجود مخاوف لدى المدنيين في شمال سورية من قيام النظام بتسهيل انتشار فيروس كورونا، وقال: “في الحقيقة هناك مخاوف كبيرة، وشهدنا ذلك من خلال تهديدات بعض الميليشيات الإيرانية الموجودة في ريف حلب الغربي، بتسهيل انتشار الوباء. ونحن نطالب الجهات المعنية، سواء في إدلب أو ريف حلب الشمالي، بالتشديد على إغلاق المعابر، ومنع التعامل مع التجار والمهربين. وشهدنا في الأيام القليلة الماضية العديد من التظاهرات التي تطالب (هيئة تحرير الشام) والجيش الوطني، بإغلاق المعابر خوفًا من انتشار وباء كورونا”.
واختتمت الندوة بمناقشة تأثير أزمة كورونا والتحديات الجديدة التي تواجهها جميع الأطراف الفاعلة في الملف السوري، وإمكانية فتح أفق لحل سياسي في سورية، والصراع الروسي الأميركي في شمال شرق سورية، والتحركات الروسية الجديدة في هذه المنطقة، ومحاولة تشكيل كيان عسكري جديد.
تأتي هذه الندوة ضمن حزمة من الندوات التي تتناول آثار فيروس كورونا على السياسة العربية والعالمية والاقتصاد والمجتمع، على اعتبار أن هذا الوباء غدا الشاغل الأساس في المرحلة الراهنة، على مستوى العالم، والمحرّك لكثير من القضايا المحلية والدولية، وستركز كل ندوة على جانب من جوانب هذه الآفة، وتداعياتها وآثارها الكارثية.