اختُتمت، أمس الأحد 22 كانون الأول/ ديسمبر 2019، في مدينة إسطنبول التركية، فعاليات الندوة الحوارية الموسّعة التي نظمها مركز حرمون للدراسات المعاصرة، حول “تجارب سورية الدستورية.. من أجل دستور ديمقراطي يضمن حرية الوطن والمواطن وكرامته”، بمشاركة عدد كبير من الباحثين والمختصين والخبراء في القانون الدستوري والقانون العام والسياسة والاجتماع والاقتصاد والإدارة.
شملت الندوة التي استمرّت على مدار يومين متتاليين، سبع جلسات، وعرضت أربع أوراق عمل في كل جلسة، وعقب كل جلسة كان هناك نقاشٌ مفتوح بين المشاركين والحضور.
تضمن اليوم الثاني ثلاث جلسات حوارية، بدأت الأولى بورقة بحثية للأستاذ سمير سعيفان، مدير مركز حرمون، عن العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الثروة قبل عام 1958 وخلال حكم البعث، وعن المأمول في المستقبل، انطلاقًا من أهمية موضوع العدالة الاجتماعية الذي قلّما تتناوله الدساتير، على الرغم من أنه ركن أساس في حياة المواطن السوري. كما استعرض سعيفان الدساتير السورية والطريقة التي أتى كل واحد منها على ذكر العدالة الاجتماعية، وظروفها وملابساتها في كل مرحلة من المراحل، ونوعية العدالة الاجتماعية التي يحتاج إليها السوريون، من منطلق أن لا وجود لديمقراطية سياسية دون وجود ديمقراطية اقتصادية. واختتم سعيفان ورقته البحثية باستعراض مبادئ العدالة الاجتماعية الدستورية وهي: مبدأ اقتصاد السوق الحرة، مبدأ أولوية تطوير قاعدة الإنتاج، مبدأ توسيع قاعدة الملكية وتعدد أشكالها، مبدأ الحق في التعليم وخدمات الصحة والسكن والعمل، مبدأ تنمية سوق عمل متوازنة وسياسة أجرية عادلة، مبدأ المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومبدأ الشركة مؤسسة اجتماعية، وأخيرًا مبدأ قوة المجتمع المدني أمام قوتي الدولة وقطاع الأعمال.
وتحدث الأستاذ أحمد مظهر سعدو، في المحور الثاني للجلسة، عن الشروط السياسية التي تسهم في تكوين مجتمع مدني قوي يضمن سيادة الدستور والقانون، فيما تحدث القاضي أنور مجني، في المحور الثالث للجلسة، عن الرقابة البرلمانية ورقابة المحكمة الدستورية، حيث استعرض فيها أهم الوسائل والإجراءات لتحقيق الرقابة البرلمانية في الدستور السوري وهي: الأسئلة البرلمانية، طلبات المناقشة، التحقيق البرلماني، بحث الشكاوى والعرائض التي ترد إلى المجلس، الاستجواب البرلماني، حجب الثقة عن الوزارة أو أحد الوزراء، الاتهام الجنائي لرئيس الجمهورية، الرقابة المالية، رقابة المحكمة الدستورية العليا. واختُتمت الجلسة بنقاش مفتوح بين المشاركين والحضور.
افتتح الدكتور نصر الحريري الجلسة الثانية التي ترأسها الدكتور سمير العبد الله، بورقة بحثية قدّم فيها تحليلًا لمسار اللجنة الدستورية، والعوامل التي أدت إلى ظهور فكرة أن الدستور مدخل للحل السياسي في سورية، والمراحل التي تدرّجت عبرها هذه الفكرة، بدءًا من طرح مسودة الدستور من قبل روسيا في أول جولة لأستانا، مرورًا بالدعوة لتشكيل لجنة دستورية في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة، اعتمادًا على المبادئ الـ 12، وصولًا إلى عقد جولتين من اجتماعات اللجنة الدستورية، انتهتا من دون أي نتيجة.
في المحور الثاني للجلسة الثانية، تحدث الأستاذ محمود الوهب عن اللجنة الدستورية ومستقبل سورية، وعن إمكانية أن تحقق هذه اللجنة ما يصبو إليه الشعب السوري، في أجواء انتقل فيها التناقض من عوامله الداخلية إلى عوامله الخارجية، وعن التصورات المطروحة عن دستور سورية القادم. واختتمت الجلسة الثانية بورقة بحثية للأستاذ نادر جبلي، تحدث فيها عن الإشكالات في بنية اللجنة الدستورية.
تضمنت الجلسة الثالثة والأخيرة التي ترأسها القاضي خالد الحلو ورقتين بحثيتين: الأولى للدكتور عبدالرحمن الحاج تحدث فيها عن مآلات اللجنة الدستورية، واستعرض خلال هذه الورقة العقبات التي تعترض عمل تشكيل اللجنة الدستورية والتي ستقلل من فاعليتها اعتمادًا على السياق الذي تشكلت من خلاله، والخبرة بالنظام السوري وحلفائه على امتداد سنوات الثورة التسع، والأهداف التي تسعى إليها اللجنة، ومصير خارطة الطريق للحل السياسي في القرارات الدولية، واستشراف مستقبل عمل اللجنة، في إطار تضارب مصالح القوى الدولية المتورطة في سورية، وتأثير ذلك في تغيير الدور الفعلي للجنة في إطار العملية السياسية، وتقدير ما يمكن أن ينتهي إليه عمل اللجنة الدستورية، وما هي طبيعة مخرجاتها المحتملة.
اختتم الأستاذ حسن نيفي الجلسة الثالثة، بورقة بحثية بعنوان (خارطتا طريق ولجنة الدستور)، تناول خلالها الجدل المثار حول أهمية تشكيل لجنة دستورية، وكيفية فهم كل طرف لمسألة اللجنة الدستورية، كما تناول المراد من وراء التركيز على موضوع كتابة الدستور، وكيف استثمرت روسيا هذه المسألة، في عملية الالتفاف والتنصّل من مجمل القرارات الأممية.
وكان برنامج اليوم الأول للندوة قد تضمن أربع جلسات حوارية: الأولى كانت برئاسة الأستاذ محمود الوهب، تحدث القاضي خالد الحلو في محورها الأول عن تجربة سورية الدستورية منذ دستور عام 1920 حتى الآن، وعن الدساتير الدائمة في الجمهورية العربية السورية، وكذلك الدساتير المؤقتة وحالات تعديل الدساتير، منذ تأسيس الدولة السورية بمفهومها الحديث عام 1918 حتى اليوم، بهدف تحليل الحالة الدستورية والظروف السياسية التي رافقت ذلك، وأثرها في المضامين الدستورية، وصولًا إلى الظروف التي فرضت وضع دستور جديد للبلاد اليوم.
وتحدث الأستاذ نادر جبلي في المحور الثاني، عن المبادئ الوطنية فوق الدستورية ومفهومها وقواعدها، من منطلق ضرورة إيجاد حلول يقبلها الجميع، سواء في اختيار فريق المشرِّعين الدستوريين (الهيئة التأسيسية)، وأهمية تمثيل جميع الفئات من دون استثناء، من أجل خلق فرص للتعايش والتعاون وانتقال السلطة بسلاسة، إضافة إلى استعراض نماذج من بعض المبادئ فوق الدستورية العالمية.
واختُتمت الجلسة الأولى بورقة بحثية للأستاذ ياسر الفرحان، بعنوان (الحياة السياسية في سورية بين الدستور والواقع)، استعرض فيها تاريخ سورية المعاصر، على فترات زمنية تتماشى مع الدساتير المتعاقبة، لكل من مراحلها، بدءًا من فترة دستور 1920 في عهد الملك فيصل، مرورًا بمرحلة تعطيل العمل بالدستور، خلال فترة الاحتلال الفرنسي، لتليها مرحلة دستور عام 1930 وبعدها دستور عام 1950، وتطرق أيضًا إلى الحديث عن الحياة السياسية في ظل الواقع الراهن في مناطق النظام والمعارضة. وتلا الجلسة نقاش مفتوح بين المشاركين والحضور.
وتضمنت الجلسة الثانية التي ترأسها الدكتور عبد الرحمن الحاج محورَين، تحدث الدكتور سمير العبد الله في المحور الأول عن النظام الأفضل لسورية: أهو البرلماني أم الرئاسي؟ من منطلق ضرورة تحديد أنواع الأنظمة الموجودة في نظم الحكم، لأن نظام الحكم هو المحدد الأساس للعلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية، واستعرض الفروقات بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي، ومزايا وعيوب كل واحد منهم، فيما تحدث الأستاذ بسام قوتلي في المحور الثاني عن شكل المركزية واللامركزية الذي تحتاج إليه سورية، وتبع الجلسة نقاش مفتوح مع الحضور.
بدأت الجلسة الثالثة التي ترأسها الأستاذ أنور مجني، بورقة بحثية تحدث العميد أحمد رحال في محورها الأول عن الحياد التام للجيش وقوى الأمن، وعن النصوص المنظمة لعمل مؤسسة الجيش والقوات المسلحة في الدستور السوري، واصفًا إياها بـ “المقتضبة”، حيث اكتفت بذكر عناوين عامة من دون بيان أي تفصيل آخر، تاركة الأمر لرئيس الجمهورية، بصفته القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، لإصدار القرارات اللازمة، الأمر الذي ترك الجيش عمليًا خارج أي سلطة مراقبة دستورية. كذلك تطرق رحال إلى النقاط التي أتى دستور عام 2012 على ذكر الجيش فيها وهي: المادة 12 التي نصت على أن الجيش والقوات المسلحة مؤسسة وطنية مسؤولة عن الدفاع عن سلامة أرض الوطن وسيادته الإقليمية، وهي في خدمة مصالح الشعب وحماية أهدافه وأمنه الوطني، والمادة 102 تحدثت عن حالة الحرب والتعبئة العامة وعقد الصلح، والمادة 105 التي نصت على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وهو الذي يصدر جميع القرارات والأوامر اللازمة لممارسة هذه السلطة، وله التفويض ببعضها.
تلتها ورقة بحثية للأستاذ محمود محيي الدين، تحدث فيها عن دور الدين في الدولة، وجدل فصل الدين عن الدولة، وجدل مصادر التشريع “الجانب المتعلق بالتشريع وعلاقة الدستور بالدين”، وعن أثر ذلك في الواقع. فيما تحدث القاضي حسام الشحنة في المحور الثالث، عن سيادة القانون والقضاء المستقل النزيه والكفء قبل عام 1958، وخلال حكم البعث، والمأمول في المستقبل. واختتمت الجلسة بحوار مفتوح مع الحضور.
واختُتم اليوم الأول من أعمال الندوة، بالجلسة الرابعة والأخيرة التي ترأسها الأستاذ سمير سعيفان، وقدّم الأستاذ أحمد رمضان في محورها الأول ورقة بحثية بعنوان (اللجنة الدستورية.. واقع وسيناريوهات)، تحدث فيها عن ظروف تشكّل اللجنة الدستورية والسيناريوهات المتوقعة في تحليل عملها وهي: سيناريو الإنجاز، سيناريو المماطلة والتسويف، سيناريو التعطيل، سيناريو البدائل، إضافة إلى خيارات قوى الثورة والمعارضة وهي: خيار العمل داخل اللجنة، خيار العمل الموازي.
وتحدث الدكتور عدنان مامو، في المحور الثاني، عن الهوية والمواطنة السورية، وتجربة سورية قبل عام 1958، في موضوع الهوية والمواطنة المتساوية وبدء تبلورها مع قيام سورية الحديثة منذ عام 1918، والهوية والمواطنة في الدستور السوري، وإشكالية الهوية خلال حكم حزب البعث. واختتمت الجلسة الرابعة مع الدكتور سعد وفائي، وقد تحدث عن مبدأ فصل السلطات في الدستور وفي الواقع، وتلا الجلسة حوار مفتوح مع الحضور.
تأتي أهمية هذه الندوة الحوارية انطلاقًا من أهمية مسألة الدستور، بالنسبة إلى مستقبل الدولة السورية المنشودة، إذ قلّما حظي الدستور السوري باهتمام السوريين، في ظلّ نظام البعث الذي ظل يعمل منذ 1963 على تعتيم الدستور، وتعطيل القانون، وتغييب إرادة الناس، حتى بات معظم السوريين لا يعرفون شيئًا عن الدستور السوري والأحكام الدستورية والمحكمة الدستورية. ويسعى المركز، من خلال هذا الحوار، إلى وضع مسألة الدستور في صدارة اهتمام السوريين، بصفته العقد الاجتماعي الأساس بين قوى المجتمع ومكوناته، والعمود الفقري والهيكل التنظيمي للنظام السياسي والإداري، وللحياة السياسية والعامة، لأي دولة ومجتمع.
مركز حرمون للدراسات المعاصرة هو مؤسسة بحثية ثقافية تُعنى بشكل رئيس بإنتاج الدراسات والبحوث المتعلقة بالمنطقة العربية، خصوصًا الواقع السوري، وتهتمّ بالتنمية الاجتماعية والثقافية، والتطوير الإعلامي وتعزيز أداء المجتمع المدني، واستنهاض الطاقات البشرية السورية وتمكينها، ونشر الوعي الديمقراطي، وتعميم قيم الحوار واحترام حقوق الإنسان.