اختتم مركز حرمون للدراسات المعاصرة جلسات “المؤتمر السنوي الثالث للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية“، بمشاركة نخبة من الباحثات والباحثين.

وفي ختام المؤتمر، ألقى كلٌّ من سمير سعيفان (مدير مركز حرمون)، ورهف الدغلي (مديرة قسم الدراسات في مركز حرمون)، كلمة الختام، ووجّهوا الشكر فيها إلى الباحثات والباحثين الذين شاركوا في المؤتمر.

وقال سعيفان إنه “من دواعي سرور المركز أنّ حصاد ما زرعناه خلال المؤتمر كان وافرًا، وقد خرجنا بالكثير من المقترحات والأفكار التي قُدّمت في هذا الملتقى”.

وأكدت الدغلي أنّ “هذا الملتقى أتاح الفرصة للسوريين، باحثين وباحثات، لطرح مواضيع لم يكن من المفروض أن تكون جدلية بالسياقات الطبيعية، إنما تنبثق إشكاليتها من الظرف والسياق السياسي العام، الذي أدى إلى صعود الاستقطابات والتشرذمات التي أصبحت في بعض الأحيان متصلبة ومتقولبة بفعل الحرب”.

وأعلنت الدغلي للباحثين المشاركين استعداد مركز حرمون “لنشر أوراقهم البحثية في كتاب أكاديمي، بالتعاقد مع دار نشر غربية وعربية في نفس الوقت، حيث سيُنشر الكتاب باللغتين العربية والإنكليزية”. وبيّنت أن الغرض من الكتاب هو “استكشاف إنتاج المعرفة في سورية، من خلال إبراز أهمية التفكير في مكانة الباحث عند إجراء البحث”.

ويهدف الكتاب إلى توظيف مفهوم فوكو عن “المعارف المقهورة” (جاكسون، 2012)، لإلقاء الضوء على أشكال المعرفة التي تمّ قمعها وإسكاتها في مجال الدراسات السورية، ويشمل ذلك: أصوات النساء في المناطق المحاصرة، وروايات ناشطات المجتمع المدني، وحكايات السكان المحليين في المناطق الريفية، والتاريخ الشفهي من مواقع التراث العالمي، والأصوات التي كثيرًا ما يتم استبعادها بدعوى أنها أدنى أو أقلّ من المستوى العلمي المطلوب، حسب جاكسون. ولذلك سيحرر المساهمون، في فصولهم الخاصة، بعض المعارف المقهورة المهمة المذكورة أعلاه، ويوفرون نموذجًا مهمًّا محتملًا لإجراء البحوث حول سورية.

وأوضحت الدغلي أن الكتاب سيسعى إلى طرح الأسئلة التالية: ما هو الدور الذي لعبته مكانتهم كأكاديميين يدرسون الصراع السوري؟ وكيف استخدموا مكانتهم في أماكن مختلفة؟ وكيف أثرت مكانتهم في التفاعلات التي أجروها مع المشاركين؟.

جلسات اليوم الثالث

واختُتم اليوم الثالث والأخير بثلاث جلسات، أدارها كلٌ من: سمير سعيفان، وأحمد جاسم الحسين، وعبد الرحمن الحاج، إضافة إلى محاضرة عامة أدارها ساري حنفي، وقدمتها إليزابيت لونغنس.

وركّزت الجلسات الثلاث على محاور وقضايا عدة، من أبرزها: إعادة الإعمار، ودور التمكين الاقتصادي بدعم مشاركة المرأة في التعافي، وهشاشة الدولة والمجتمع، إضافة إلى محور بعنوان (تجليات الطائفية والقبلية في الجزيرة السورية)، كما تناولت الجلسات ملف الديناميات الجيواستراتيجية في الحرب السورية.

وفي ورقته البحثية التي تحمل عنوان “ديناميكيات العلاقات بين الدولة والاقتصاد في ظل نظامي الأسد”، قال الباحث جمال منصور: إن “الاستقلالية هي قدرة القطاعات على القيام بدورها وأعمالها على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي”.

أمّا الباحث يونس الكريم، فحملت ورقته البحثية عنوان “إعادة الإعمار ودور أمراء الحرب (رواد الأعمال المجرمون)”، وقال فيها: إن “السلام يتطلب أكثر من إنهاء القتال، إنه يتطلب إعادة إعمار المجتمع بعملية متكاملة من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.

وفي ورقتها المعنونة “دور التمكين الاقتصادي بمشاركة المرأة في التعافي”، تساءلت الباحثة ثريا حجازي: “هل ما يُقدّم للنساء هو تمكين اقتصادي حقيقي؟ وهل يمتلكن فعلًا موارد لذلك ويستطعن إدارتها؟”.

وقدّم خالد أبو صلاح ورقة بحثية، بعنوان “سورية.. ما الذي تبقّى من الدولة (الهشاشة في ضوء العلاقة بين الدولة والمجتمع)”، قال فيها إن “سورية تُعدّ في مرحلة متقدّمة من مراحل الهشاشة، بل إن بعض سمات الدولة المفككة والمنهارة باتت حاضرة في السياق السوري”.

وسبق الجلسة الثانية محاضرة عامة، قدّمتها إليزابيت لونغنس، بعنوان “مراجعة نقدية في مسار علم الاجتماع”، قالت فيها: “في العديد من البلاد الخاضعة للنظم الاستبدادية، لا ينجو سوى علم الاجتماع الزائف والقائم على عدد قليل من الدراسات غير النقدية، وذلك نتيجةً للمراقبة الأمنية المكثفة المفروضة على الباحثين”.

وفي الجلسة الثانية، قال الباحث حمدان العكلة، في ورقته التي عنوانها “الهجرات والتحولات الكبرى في منطقة الجزيرة السورية (دوافعها السياسية وآثارها الاجتماعية)”، قال: “كان للمسيحيين في الجزيرة السورية قبل عهد البعث أثرٌ ثقافي واجتماعي واضح المعالم، وقد عمل حزب البعث على تقييده بعد وصوله إلى السلطة”.

وكانت الورقة البحثية الثانية بعنوان “تفاعل قبائل الجزيرة السورية مع الثورة وتطوراتها”، للباحث أحمد الشمام، وقال فيها: “الدول العربية لم تُشكّل بناءً على رغبة قوة مجتمعية فاعلة، إنما هي كيانات هشّة بنتها السلطات الاستعمارية قبل خروجها”.

وحملت الورقة الثالثة عنوان “سياسات النظام الأسدي التعليمية في الجزيرة السورية”، للباحث محمد نور النمر، وقال فيها: “حاول النظام تجهيل الجزيرة السورية عبر ضرب جودة التعليم، وذلك بتقليصه لعدد المدارس والمعلمين، وأدى ذلك إلى تراجع جودة التعليم وازدياد نسبة الأمية”.

وتم خلال الجلسة الثالثة مناقشة ثلاث ورقات بحثية، حملت الأولى عنوان “الدين والمحسوبية والزبائنية: القوة الناعمة لروسيا وشبكات النفوذ في سورية”، للباحث محمد حسان الأشمر، وقال فيها: “عبر المساعدات الإنسانية والإغاثية والعلاقات الدينية، تمكنت منظمات (قلديروف) الشيشانية من بناء علاقات مع السوريين السنّة، ممثلة ذراعًا ناعمةً لروسيا”.

وكانت الورقة الثانية بعنوان “حروب روسيا الخارجية من وجهة نظر القانون الدولي: سورية-أوكرانيا نموذجًا”، للباحث عبد الرزاق الحسيني، وقال فيها: “الحكومة الروسية انتهكت القوانين الدولية بإشعالها الحروب خارج أراضيها دون أي عدوان عليها”.

وحملت الورقة الثالثة، للباحث نزار أيوب، عنوان “الجولان السوري، واقع الحال بعد 55 عامًا من الاحتلال”، قال فيها: “أضحت سورية بلدًا ضعيفًا ومقسّمًا، يحكمها نظام ضعيف بقي في سلطته بناءً على إرادة أطراف خارجية، وتحديدًا إسرائيل التي تهتم ببقائه في السلطة”.

وتهدف سلسلة المؤتمرات السنوية التي ينظّمها مركز حرمون إلى بناء مجموعة علمية سورية، وإلى إفساح المجال أمام الباحثين السوريين للالتقاء ومناقشة أبحاثهم، في مناخ من الحرية الفكرية وروح النقد والتحليل، لمناقشة مختلف جوانب الحياة العامة في سورية من قبل ومن بعد، وهو الأمر الذي كان السوريون قد حُرموا منه طوال عقود، في ظل أنظمة قمعية تخشى الفكر الحر.

وكانت أعمال المؤتمر السنوي الثالث للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية قد انطلقت، صباح السبت 29 نيسان/ أبريل 2023، واستمر المؤتمر حتى مساء 1 أيار/ مايو 2023.

جلسات اليوم الأول

وفي اليوم الأول، افتتح سمير سعيفان، مدير مركز حرمون للدراسات المعاصرة، المؤتمر بكلمةٍ قال فيها إن “الغاية من هذه المؤتمرات البحثية هي المساهمة في إنتاج الجماعة العلمية السورية، وغايتنا من هذا المؤتمر إتاحة التلاقي بين الباحثين، مما يتيح التعارف الأعمق فيما بينهم”، مؤكدًا أن “شراكة العقول هي خير شراكة”.

وتضّمن اليوم الأول من المؤتمر أربع جلسات: الأولى بعنوان “الثقافة السياسية والأيديولوجية”، أدارتها إليزابيت كساب؛ الثانية بعنوان “الدولة بين التنظير والتطبيق”، أدارها خضر زكريا؛ الثالثة بعنوان “تجليات وسياقات العسكرة في الحرب السورية”، أدارها حمزة المصطفى؛ والجلسة الرابعة والأخيرة بعنوان “أثر الحوكمة على الحراك المجتمعي”، أدارتها ليلى الرفاعي.

جلسات اليوم الثاني

وعقدت في اليوم الثاني من المؤتمر أربع جلسات: الأولى بعنوان “أفق التسوية السياسية وفق مضامين القانون الدولي، أدارتها الباحثة ماسة الموصلي؛ والثانية بعنوان “النسوية بين السرد والتمثيل في السياق السوري”، أدارها الباحث عزام القصير؛ والثالثة بعنوان “إشكالية الهوية في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي”، أدارتها نور الهدى مراد؛ والرابعة بعنوان “إشكاليات التحليل في الفلسفة وعلم النفس واللغة”، أدارها الباحث حسام السعد.

وتخلل الجلسات محاضرة عامة للكاتب السوري ياسين الحاج صالح، بعنوان “سورية ومفهوم الجينوسايد”، أدارها يوسف سلامة، رئيس تحرير مجلة قلمون. وقال الحاج صالح: إن “مفهوم الإبادة أخذ يدرج في كتابات سورية في السنوات الأخيرة، دون أن يكون واضحًا كفاية المقصود به. المفردة العربية تعطي انطباعًا باستئصال تام أو واسع النطاق لمجموعة من البشر. وكان تعبير (أبيدوا عن بكرة أبيهم) أشيع في أطوار سابقة من الكتابة العربية”.

وأضاف أن “هذه المناقشة تسلّط الضوء على مفهوم (الجينوسايد) الذي يترجم إلى العربية بعبارة غير موفقة: (الإبادة الجماعية). وهذا حشو، لأن مفردة الإبادة العربية تتضمن دلالة جمعية، وأهم من ذلك أن المقصود بالجينوسايد ليس تدمير مجموعة من البشر لا على التعيين، بل جماعة معروفة بهوية تميزها، فتكون الترجمة الأنسب الإبادة على الهوية، أو القتل الجمعي على الهوية”.

وذكر أن “الأمم المتحدة اعتبرت الجينوسايد (الإبادة الجماعية) الشرَّ الأكبر حتى بداية الثورة السورية، حيث حلّ الإرهاب مكانها، وهو ما وفّر لنظام الأسد أرضية ليخفي مجازره الجينوسايدية بحق الشعب السوري”. وأشار إلى أن “ما يجمع إسرائيل بقوة مع الحكم الأسدي في سورية هو نموذج الإبادة السياسية: الحجْر السياسي على السوريين، وحرمانهم من تشكيل منظمات سياسية أو اجتماعية مستقلة، وسحق تمرداتهم ولو بالاستعانة بقوى أجنبية. فلسطنة السوريين على هذا النحو يفترض أن تقرب بينهم وبين الفلسطينيين”.

ولاقى “المؤتمر الثالث للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية” صدًى واسعًا وإقبالًا كبيرًا عند المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، ومن عدد من وسائل الإعلام العربية والسورية، وقد بدا ذلك واضحًا، من خلال المشاركة الفعّالة والمتابعة عبر البث المباشر أو عبر التسجيلات اللاحقة، إضافة إلى طرح الأسئلة من قبل المتابعين للباحثين والمفكرين المشاركين في المؤتمر.

يشار إلى أن مركز حرمون للدراسات المعاصرة هو مؤسسة بحثية مستقلة، مختصة بإنتاج الأبحاث والدراسات المتعلقة بالشأن السوري والصراع الدائر في سورية وآفاق تطوره.

يمكن متابعة جلسات المؤتمر كاملة على معرّفات مركز حرمون على الروابط التالية:

-فيسبوك: https://www.facebook.com/HarmoonCenter

-تويتر: https://twitter.com/HarmoonCenter

-يوتيوب https://www.youtube.com/@HarmoonOrg/streams