استضاف مركز حرمون للدراسات المعاصرة، الأربعاء 22 آذار/ مارس 2023، رائد الصالح، رئيس منظمة الدفاع المدني السوري، في ندوة حوارية بعنوان “الخوذ البيضاء.. تأسيس الأمل بأيادي السوريين“، وأدار الندوة عمر إدلبي، مدير مكتب مركز حرمون في الدوحة.

ناقشت الندوة أبرز محطات تأسيس منظمة الدفاع المدني السوري، والمهام التي تتصدى لها، والتحديات التي تواجهها، خاصة في سياق الاستجابة لتداعيات كارثة الزلزال الذي ضرب شمال سورية، في 6 شباط/ فبراير الماضي، وتطلّعات المنظمة في المستقبل.

بدأت الندوة بعرض فيلم قصير عن منظمة الدفاع المدني السوري، وعن جهودها في مجال العمل الإغاثي والإنساني منذ تأسيسها حتى الآن، خاصة بعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وسورية في 6 شباط/ فبراير الماضي.

بعد ذلك، قدّم رائد الصالح تعريفًا موجزًا بمنظمة الدفاع المدني السوري وظروف تأسيسها وأنشطتها، وأوضح أن (الخوذ البيضاء) تأسست من خلال تجمّع فرق تطوعية داخل سورية، بعد أن بدأ النظام باستخدام العنف ضد المدنيين عقب اندلاع الثورة السورية، وبروز الحاجة لوجود كوادر مُدرّبة تعمل على إنقاذ الضحايا. وأضاف أن المنظمة تضمّ سوريين من مختلف المدن، وينتمون إلى كل أطياف المجتمع السوري، وفيها الأطباء والمحامون والمزارعون وأصحاب المهن والحرف اليدوية، وفيهم منشقون من فرق الإطفاء والدفاع المدني التابعة للنظام.

وتابع الصالح أن هذه الفرق التطوعية بدأت تكتسب هيكلية واضحة في العام 2014، وقد تم عقد المؤتمر التأسيسي، واجتمع خلاله 72 من قادة هذه الفرق، من حلب ودمشق وريفها ودرعا وحمص وإدلب، ولاحقًا تم التوقيع على الميثاق التأسيسي لمنظمة الدفاع المدني السوري. وحول سبب التسمية بـ (الخوذ البيضاء)، أوضح الصالح أن هذا الاسم أُطلق عليهم من قِبل النشطاء والأهالي، بعد أن انتشر فيديو لانتشال طفل من تحت أنقاض القصف في مدينة حلب بعد 16 ساعة من العمل المتواصل، وبعدها أخذ هذا الاسم بالانتشار بين وسائل الإعلام المحلية والدولية.

سلّطت الندوة الضوء على دور الدفاع المدني في الفترة التي سبقت الزلزال، خاصة بعد تقاعس الجهات الدولية والأممية عن مساندة الشعب السوري. وبيّن الصالح أن الدفاع المدني يُقدّم العديد من الخدمات، ولديه عدة برامج ومشاريع، فإلى جانب مهامه الأساسية في مجال البحث والإنقاذ، يُقدّم الدفاع المدني السوري خدمات الإسعاف، ولديه منظومة إسعاف في الشمال السوري مؤلفة من 140 سيارة مجهزة بمعدات طبية وكوادر مدربة، وتعمل على مدار 24 ساعة. وتمتلك المنظمة أيضًا مراكز للمرأة والأسرة تقدّم خدمات توعوية للنساء والأطفال وأخرى تتعلق بالصحة الإنجابية.

ولدى المنظمة أيضًا برنامج (دعم صمود المجتمعات)، وهو مشروع لإزالة مخلّفات الحرب لحماية المدنيين خاصة النساء والأطفال والمزارعين، وأيضًا برنامج (الخدمات المدنية)، ويقدّم خدمات صيانة وإصلاح شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، والبنى التحتية للمخيمات والمشافي الميدانية، إضافة إلى برنامج (الخدمات الإنتاجية) حيث تمتلك المنظمة معملًا لإنتاج الألبسة التي يرتديها المتطوعون، ومعملًا لإنتاج الأوكسجين، وآخر لإنتاج الكمامات تم إنشاؤه خلال فترة انتشار جائحة كوفيد19، وينتج مليون ونصف كمامة شهريًا توزّع مجانًا. ولديها أيضًا برنامج لتوثيق الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها النظام السوري وروسيا بحق المدنيين، ويتم العمل والتنسيق مع الجهات الدولية ومؤسسات سورية أخرى، لمتابعة مسار آليات المحاسبة لكلّ مرتكبي الجرائم في سورية، وفي مقدّمتهم بشار الأسد.

في سياق آخر، تحدث الصالح عن استجابة الدفاع المدني السوري للزلزال الذي ضرب سورية وجنوب تركيا، 6 شباط/ فبراير الماضي، واعتبر أن هذه الكارثة من أبرز وأصعب التحديات التي واجهتهم، منذ تأسيس المنظمة حتى الآن. وأضاف أن المنظمة أعلنت حالة الطوارئ بعد حدوث الزلزال مباشرة، وتم تبليغ جميع المتطوعين من أجل الالتحاق مباشرة بأقرب مركز للعمل، وبزمن قياسي جدًا، كان هناك 60 فريقًا تطوعيًا منتشرين في كافة المناطق، وبدأت بعد ذلك مرحلة استكشاف المناطق التي تعرضت للضرر من أجل توجيه فرق الإنقاذ إليها.

وتابع الصالح أنه بعد ساعتين من الزلزال اتضح حجم الكارثة بشكل أكبر، وتم فتح كافة المستودعات وإرسال جميع الآليات إلى المناطق المنكوبة. وبعد 10 ساعات من وقوع الزلزال، أطلق الدفاع المدني السوري نداءات استغاثة، لاستقدام الآليات والدعم وفرق الإنقاذ من الخارج، لأن احتياطات المنظمة من الديزل لا تكفي أكثر من 24 ساعة، إضافة إلى عدم وجود معدات بحث وآليات حديثة.

خذلان دولي

أكد رائد الصالح أن الدفاع المدني السوري تُرك وحيدًا في مواجهة كارثة بهذا الحجم، ولم تستجب أي جهة دولية وأممية لهم، لكن اللافت هو حالة التضامن والتكافل التي أظهرها السوريون، بالإضافة إلى الشركات الخاصة التي لعبت دورًا مهمًا، إذ شكّلوا مجموعات للدعم ووضعوا آلياتهم تحت تصرف الدفاع المدني.

وأضاف أن الأمم المتحدة لا تمتلك أي رغبة في دعم (الخوذ البيضاء)، وهذا الأمر ليس جديدًا، فخلال 10 سنوات، لم تُقدّم الأمم المتحدة أيّ دعم للدفاع المدني السوري، مع أنه من أبرز المنظمات الفاعلة على الأرض، وكان بإمكانها عقب حدوث الزلزال إصدار نداء استغاثة وإعلان حالة الطوارئ في الشمال السوري، أو توجيه رسالة عن طريق منظمة INSARAG المعنية بالبحث والإنقاذ، لتقوم بتوجيه نداء إلى جميع فرق الإنقاذ في الدول المجاورة، من أجل التوجه إلى الشمال السوري.

يرى الصالح أن هناك سببين لتقاعس الأمم المتحدة عن الاستجابة الإنسانية الطارئة لكارثة الزلزال في شمال سورية، الأول هو المعايير المزدوجة، فهي تتعامل مع ميليشيات الحوثي في اليمن، رغم أنها ليست سلطة شرعية، وتقدم الدعم لهذه المناطق، ولها مكاتب في صنعاء دون الحصول على موافقة الحكومة الشرعية في اليمن، أو قرار من مجلس الأمن. أما في سورية، فتتعامل الأمم المتحدة بشكل مختلف تمامًا، وتبرّر تقاعسها بالحاجة إلى قرار من مجلس الأمن، وهي ليست بحاجة إلى هذا القرار كي تقوم بعملها في سورية.

والسبب الآخر هو البيروقراطية الموجودة في الأمم المتحدة، وعدم اعتراف مسؤوليها بأخطائهم، باستثناء اعتراف مارتن غريفيث مسؤول المساعدات بفشل آليات المنظمة وخذلان الشعب السوري. ودعا الصالح إلى فتح تحقيق، لمحاسبة الأفراد المسؤولين عن هذا التقصير في الأمم المتحدة، لتسببهم بإزهاق أرواح السوريين.

في سياق آخر، أكد الصالح أن المرأة تؤدي دورًا حقيقيًا في عمل الدفاع المدني السوري، وهناك احتياج حقيقي للنساء ضمن كوادر المنظمة، لأن 70 بالمئة من المستفيدين من خدمات المنظمة هم من النساء والأطفال، ومن هنا تبرز أهمية الدور الذي تلعبه النساء، خاصة أثناء عمليات الإنقاذ وانتشال النساء من تحت الأنقاض.

تطرّقت الندوة إلى العديد من المحاور الأخرى، منها ملف إعادة تدوير أنقاض الزلزال والاستفادة منها في بناء مراكز إيواء للمتضررين، ومدى إمكانية توسع نطاق انتشار الدفاع المدني السوري ليشمل مناطق جديدة شرقي سورية، وغيرها. وفي الختام، دار نقاش بين الحضور والضيف، أجاب فيه الضيف عن الأسئلة والمداخلات.

التسجيل الكامل للندوة متاحٌ على منصّات التواصل الاجتماعي التابعة لمركز حرمون للدراسات المعاصرة.

فيسبوك facebook.com/HarmoonCenter

تويتر twitter.com/HarmoonCenter

يوتيوب youtube.com/HarmoonOrg