أقام مركز حرمون للدراسات المعاصرة ورشة حوارية، يومي الأحد والاثنين الماضيين (1 و2 آب/ أغسطس)، في مدينة عفرين شمالي حلب، حملت عنوان “توجهات السوريات في مناطق التداخل العربي الكردي شمال سورية“، شارك فيها عشرون سيدة من الفاعلات في المجتمع، من المكونين العربي والكردي.

تأتي الندوة التي نفّذها “برنامج دعم المجتمع المدني”، في مركز حرمون، لتلبّي حاجة المجتمع السوري إلى مواجهة التحولات العميقة التي شهدها الشمال والشمال الشرقي، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وهي المنطقة الغنيّة اثنيًا ودينيًا، حيث فُرِضت عليها تغيرات كثيرة خلال عشر سنوات، أدّت إلى تصدّعات مجتمعية تُهدد السلم الأهلي، وخاصة ما يتعلق بالإشكالية الاثنية بين المكونين الرئيسين في المنطقة، وهم العرب والأكراد، ما جعلهم يعيشون مشكلات كثيرة، وقد أدّت المؤثرات الخارجية دورًا كبيرًا في توسع هذه المشكلات، وتوتر العلاقات بين السكان.

تنوعت أشكال المشكلة الاثنية، تبعًا لتباين المشهدين السياسي والديموغرافي في كل منطقة، لكن العامل الاثني أدى دورًا بارزًا في كل الحالات، ففي عفرين تغيّرت التركيبة السكانية تغيّرًا كبيرًا، حيث نزح منها كثير من أهلها، وبالمقابل لجأ إليها كثيرٌ من العرب، هربًا من قصف النظام السوري وعنفه الذي أدى إلى تهجيرهم وفقدانهم لمنازلهم، ونتج عن ذلك تباين كبير في النسبة السكانية تبعه مشكلات عديدة.

تناولت الندوة مفهوم السّلم الأهلي والعيش المشترك والأمن الاجتماعي في عفرين، واستخدمت المقارنة الاثنية بين استجابات النساء المشاركات من كلّ مكوّن، لتتوضح تصوراتهن عن ثبات السلم الأهلي أو هشاشته، وعن العوامل المؤثرة في ذلك، وعن أدوار وأداء فاعلي السلم الأهلي، مع اختلافاتها، كما تطرّقت أيضًا إلى ما يجب فعله لتعزيز حالة السلم الأهلي، وإلى مناقشة أكثر الممارسات التي يمكن أن تحظى بقبول مجتمعي ودعم محلي، ويصلح اتخاذها كأرضية لأي تدخلات محتملة.

تحدثت السيدات المشاركات في الورشة حول تحديات الواقع ونظرتهن إلى مستقبل سورية، وعلاقات السوريين في المجتمع السوري المتنوع، وذكرت غالبية المشاركات أن من أهم العوامل المؤدية إلى زعزعة السلم الأهلي غياب القانون المترافق مع انتشار الأسلحة والفوضى وانعدام الأمن الذي يهدد تماسك المجتمع على كل المستويات، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، إضافة إلى الانقسامات وحالات الاقتتال، وعدم وجود مؤسسات أو هيئات أو جمعيات تعنى بالسلم الأهلي، وضعف ثقافة حقوق الإنسان، وعدم محاسبة المسيئين بجدية، فضلًا عن ضعف الحوار بين الأطراف السورية.

أكدت السيدات سعيهن لتحقيق حالة السلم الأهلي، كلٌّ من مكانها وعملها، مع تنبيه البعض على عدم وجود اطلاع كاف على الوسائل المساعدة في تحقيق ذلك، وتم اقتراح مجموعة من الأفكار التي تُعزز ثقافة التماسك المجتمعي وإعادة الثقة بين المكونات، مثل إشراك المكونات المتنوعة في صناعة القرارات الخاصة بالحياة العامة للمدنيين، وفتح قنوات اتصال للتواصل والحوار بشكل مستمر، إضافة إلى العمل على نشر فكر المواطنة الفاعلة والهوية الوطنية.

وشدّدت النساء المشاركات في ورشة العمل على أهمية دور المراة في ترميم السلم الأهلي، وفي سياق الحديث عن الدور الذي يجب أن تقوم به منظمات المجتمع المدني للحفاظ على التماسك الاجتماعي، من منظور  السيدات، اقترح بعضهن تهيئة كوادر مهنية مُدرّبة، من فئات المجتمع المختلفة، تمَثِّل كلّ التنوع الديني والطائفي والإثني والسياسي في المنطقة، ومن شرائح عمرية مختلفة، لنشر قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والمواطنة، والعمل على محاربة أشكال التعصّب والتمييز، وبناء جسور التواصل بين السوريين، مع تأكيد أهمية إجراء لقاءات دورية مع المجتمع المدني والسلطات المحلية، لترسيخ قيم العيش المشترك، مع ضرورة استغلال نقاط الالتقاء للعمل على نزع بؤر التوتر وتوفير الأرضية الجامعة للعيش المشترك.

وأشارت السيدات إلى أهمية توظيف الإعلام المتاح ووسائل التواصل الاجتماعي، لنشر الوعي والقصص الواقعية التي تتحدث عن العيش المشترك، وتعزز الانتماء إلى سورية الجامعة لكل الاختلافات، ونبّهن إلى أهمية التشبيك بين الفعاليات الاجتماعية والوجهاء وقادة الرأي والفنانين وهيئات الإغاثة والجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية، لتعزيز ثقافة السلم الأهلي وترسيخ مفاهيم الحوار وتقبّل الآخر بعيدًا عن العنف.