عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة في فرع الدوحة، السبت 27 حزيران/ يونيو 2020، ندوة عبر البث المباشر، بعنوان “عقوبات قيصر… الآثار السياسية والاقتصادية ومخاوف التجويع“، شارك فيها د. كرم شعار، الباحث في معهد الشرق الأوسط، وفضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وأدارها عمر إدلبي، مدير فرع الدوحة لمركز حرمون.

ناقشت الندوة الأهداف الأميركية من تطبيق قانون قيصر على النظام السوري، وتأثيرها على مسار الحل السياسي في سورية، والآثار الاقتصادية للقانون على الاقتصاد السوري وتداعياتها المحتملة على الوضع المعيشي للمواطنين.

في بداية الندوة، تحدث الدكتور كرم شعار عن الواقع الاقتصادي في سورية، وعن الآلية التي أدار من خلالها بشار الأسد وحكومته اقتصادَ البلاد، خلال سنوات الثورة، وهي التي أدت إلى انكماش الناتج القومي الإجمالي في سورية، ليتحول إلى ثلث ما كان عليه في عام 2010، مشيرًا إلى أن هذا الانهيار كان متسارعًا في الفترة ما بين 2012 و2015، ليعاود بعدها النمو بشكل بطيء للغاية في عامي 2017 و2019. وأضاف: “الأهمّ هو فهم ما حدث لرأس المال، ففي عام 2019 تم تقدير رأس المال بأنه عشرون في المئة مما كان سيكون عليه، لولا الصراع الحاصل منذ عام 2011، وهذا الانهيار يُقدّر بحوالي 62 مليار دولار، وإن أكثر قطاع تضرر -عمليًا- من حيث تكوين رأس المال هو القطاع العقاري، وذلك بسبب القصف. وبالانتقال إلى الأسعار، ارتفعت الأسعار حوالي ثمانية عشر ضعفًا خلال السنوات التسع الماضية، والسبب الأساسي في ذلك هو السياسة الحكومية التي انتهجت طباعة النقد لتغطية العجز، وهذا العجز تم تقديره في موازنة عام 2020 بالثلث، أي أن ثلث الميزانية تم تمويلها من طباعة النقد. المشكلة الكبرى التي يواجهها النظام حاليًا هي سعر الصرف، وعدم توافر القطع الأجنبي”.

وتحدث شعار عن تغيّر هيكل الاقتصاد السوري الذي كان في السابق يقوم بتصدير السلع (نسيج، نفط)، ليتحول الآن إلى اقتصاد لا يُنتج سوى السلع الزراعية والحيوانية، حيث ارتفعت صادرات سورية من السلع الزراعية والحيوانية، من 20 في المئة عام 2010، إلى 60 في المئة عام 2018، منبّهًا إلى أن هذه الأرقام لا تصدرها حكومة النظام، وإنما تصدرها الدول المستوردة.

وفي الحديث عن قطاع النفط وأهميته في تمويل اقتصاد النظام، ذكر شعار أن هذا القطاع كان الأهم في الموازنة السورية، وبحسب تقرير أصدرته منظمة النقد الدولية عام 2015، أسهم النفط في تمويل ما يراوح ما بين 17 إلى 25 في المئة من إيرادات النظام السوري، لافتًا إلى انخفاض إنتاج النفط في سورية بعد عام 2011، من 385 ألف برميل، إلى حوالي 100 ألف برميل، 25 في المئة منها ينتجها النظام في المناطق المحيطة بمحافظة حمص وتدمر، والجزء الباقي -وهو الأكبر- يُستخرَج من المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، وبذلك؛ تحوّل النفط من أهم مصدر لتمويل نفقات النظام، إلى أهم مجال للإنفاق، حيث تستورد سورية نحو مليوني برميل شهريًا، غالبيتها تأتي من إيران، والباقي يتم تهريبه من مناطق “قوات سوريا الديمقراطية”، بمعدل 10 آلاف برميل يوميًا.

ناقشت الندوة أسباب انهيار الاقتصاد السوري بشكل كبير، خلال الشهر الذي سبق تطبيق قانون قيصر. ويقدّر شعار أن هناك أربعة أسباب أدت إلى تدهور الاقتصاد السوري منذ بداية عام 2020، وأول هذه الأسباب وأهمّها هو ما حدث في إيران، باعتبارها مصدرًا مهمًا لتمويل النظام السوري بمبلغ تجاوز 30 مليار دولار، حيث أدت إعادة فرض العقوبات على إيران إلى تدهور وضعها الاقتصادي بشكل كبير، إضافة إلى مشكلة انخفاض أسعار النفط وتبعات جائحة كورونا. أما السبب الثاني فهو ما حدث في لبنان وأزمة البنوك التي عصفت بالبلاد، وما نتج عنها من رفض البنوك تسليم المودعين أموالهم، حيث يتم تقدير حجم الودائع المالية السورية في النظام المصرفي اللبناني بما يتجاوز 40 مليار دولار، وهذا أثر بشكل مباشر في تمويل النظام، وبالدرجة الأولى أثر في مقدرته على استيراد السلع من بلدان أخرى. وعزا شعّار السبب الثالث إلى ما حدث في سورية بسبب أزمة كورونا، على الرغم من أن النظام السوري لم يتعامل مع الفيروس كما يجب، لكنه كذلك فرض حظرًا للتجول والسفر بين المحافظات، وقد أثّر هذا في الوضع الاقتصادي. أما السبب الرابع فهو الخلاف بين بشار الأسد وابن خاله رجل الأعمال رامي مخلوف، ويعتقد شعار أن هذا السبب ليس شديد الأهمية، مقارنة بالأسباب السابقة، مشيرًا إلى أن رامي مخلوف يسعى إلى تهويل حجم أهميته في الاقتصاد السوري. وأضاف: “هذه العوامل الأربعة هي فقط الأسباب المباشرة، بمعنى أنها الشعرة التي قصمت ظهر البعير، لكن السبب الأساسي هو سوء الإدارة في سورية”.

وحول قدرة النظام على ضبط سعر الصرف والتحكم فيه، ذكر شعار أن النظام غير قادر على ذلك، بدليل ما حدث خلال السنوات التسع الماضية، مشيرًا إلى أن النظام قد يكون قادرًا على إحداث بعض التأثير، لكنه لن يستطيع أن يكبح انهيار سعر الصرف، مرجعًا السبب في ذلك إلى تغيّر بنية الاقتصاد وتحوّل سورية، من بلدٍ مصدّر، إلى بلد يقدّر العجز في ميزانه التجاري سنويًا ما بين 4 إلى 5 مليارات دولار.

ويرى شعار، في ضوء المتغيرات التي يشهدها اقتصاد الدول الداعمة للنظام وعلى رأسها إيران، أن إيران قد لا تكون قادرة على تقديم دعم مستدام للنظام، لافتًا إلى أنه لا بديل عن هذه العقوبات، من أجل إضعاف قدرة داعمي النظام، ما سيؤدي في النهاية إلى انهيار النظام أيضًا.

وتطرقت الندوة إلى مدى قدرة هذه العقوبات على التأثير في الوضع المعيشي للسوريين، وبيّن شعار أن التخوّف الحقيقي هو ألا يتنازل النظام السوري في المرحلة الأولى، وذلك لأن العقوبات تؤثر بشكل مباشر على المدنيين، لافتًا إلى أن أحد أشكال التأثير هو أن العقوبات ستؤثر في سعر الصرف، وهذا بدوره سيؤثر في أسعار المواد المستوردة، ومن ضمنها المواد الطبية، ومن ثم سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الدواء، لأن 60 في المئة من المواد المستخدمة في صناعة الأدوية مستوردة. وأشار شعار إلى أن هناك مشكلة في التعامل مع الاستثناءات التي حددها قانون قيصر، وقال: “العقوبات تستثني تمامًا أي شيء يرتبط بالسلع الغذائية أو الأدوية، ولكن في المقابل ارتفعت كلفة الشحن إلى سورية بمقدار الثلث، منذ بدء تطبيق العقوبات، بسبب تخوف الشركات من تبعات التعامل مع نظام فُرض عليه عقوبات، إضافة إلى وجود تكاليف تتعلق بإثبات أن هذه الشركات لم تخرق العقوبات، وبالتالي سيكون التعامل مع الاستثناءات كما يجب مكلفًا”.

وعرّجت الندوة إلى سبل مساعدة السوريين في الداخل، في ظل التأثيرات الكبيرة التي ستطال أوضاعهم المعيشية، بسبب العقوبات المفروضة، ورأى شعار أن الطريقة الأفضل والأكثر نجاعة هي مطالبة مؤسسات الأمم المتحدة بتوزيع المساعدات من خلال أفرعها، لا عبر تمريرها من خلال مؤسسات النظام. وأوضح شعار أهمية هذه المساعدات للنظام السوري، حيث ساهمت بنسبة، من 20 إلى 30 في المئة، من الناتج القومي الإجمالي، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن مكتب تنسيق الإغاثة في الأمم المتحدة، وراوحت قيمة هذه المساعدات ما بين 35 إلى 40 مليار دولار، وبالتالي تحولت هذه المساعدات إلى شريان حياة للنظام الذي يقول إنه ضد الغرب، لكنه ما كان ليصمد لولا هذه المساعدات.

في الشق السياسي من الندوة، تحدث فضل عبد الغني عن تفاصيل العقوبات المفروضة على النظام منذ عام 2011، والفرق بين عقوبات قانون قيصر والعقوبات التي فُرضت سابقًا على النظام من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي وحوالي 50 دولة أخرى حول العالم، وقال: “إن قانون قيصر يفرض عقوبات على أربعة قطاعات أساسية وهي: النفط، الغاز الطبيعي، الطائرات العسكرية، البناء والهندسة، إضافة إلى البنك المركزي السوري. وهناك عقوبات أميركية سابقة، فُرضت على النظام منذ عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وأبرزها الأمر التنفيذي 13582 الذي صدر عام 2011”.

وبحسب عبد الغني، هناك ثلاثة أسباب تميّز قانون قيصر عن غيره من العقوبات، وأول وأهم ميزاته أن هذا القانون متعدّ، ولا يقصر فرض العقوبات على النظام فقط، كما في العقوبات السابقة، بل يستهدف الدول والمؤسسات والأفراد الذين يتعاملون مع النظام، وحتى من يتعامل مع جهات تتعامل مع النظام. الميزة الثانية لقانون قيصر هو أنه تم إقراره من قِبل الكونغرس الأميركي، لا عبر مراسيم رئاسية، كما في العقوبات السابقة، وبالتالي سيكون من الصعب إبطاله أو إيقافه. أما النقطة الثالثة، وهي التي ستشكل ضغطًا على روسيا، فهي مسألة إعادة الإعمار. ويضيف عبد الغني: “من خلال هذه الميزات، يختلف قانون قيصر من الناحية السياسية عن العقوبات السابقة، وبالتالي يمكن توظيف هذه الاختلافات في الضغط على روسيا وإيران في العملية السياسية وعملية إعادة الإعمار، بمعنى أن روسيا لم تعُد قادرة على الاستفراد في العملية السياسية إلى حد كبير، بالرغم من الانتصارات العسكرية التي حققتها مع النظام”.

وأشار عبد الغني إلى أن أميركا تعمل على حشد حلفاء لها، من أجل تبنّي قانون قيصر، وكانت هناك دعوات من قبل أميركا، على هامش مؤتمر بروكسل، لكل من بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، في هذا الخصوص، لافتًا إلى أن وجود إيطاليا ضمن هذه الدول يدعو إلى التفاؤل، كونها ترتبط بعلاقات أمنية واسعة مع نظام الأسد.

في المقابل، انتقد عبد الغني قانون قيصر، كونه لا يتضمن بندًا لاستخدام القوة العسكرية، كأحد أساليب الضغط على النظام، وعدم تحديده جدولًا زمنيًا للانتقال السياسي، ما قد يطيل معاناة السوريين المتضررين من هذه القانون، إذا لم يتحقق الحل السياسي، ولم تُرفع هذه العقوبات.

وناقشت الندوة أيضًا مدى قناعة روسيا وإيران، بضرورة الانتقال للحل السياسي في سورية بموجب قانون قيصر، ورأى عبد الغني أن إيران هي الطرف الأكثر خبرة في الالتفاف على العقوبات، ومن هنا تأتي أهمية الاستمرار في تطبيق هذا القانون، لأنه يحمل في طياته بعدًا سياسيًا، وليس فقط فرض عقوبات، إضافة إلى أن هذه العقوبات ستزيد عزلة النظام، وبالتالي قد تساعد في رضوخ روسيا وإيران، لأنه من غير المتوقع أن تكونا قادرتين على تقديم دعم مستدام للنظام.

وفي نهاية الندوة، أجاب الضيفان على أسئلة المتابعين وتعليقاتهم.