على مدار يومين، وتحت عنوان “رؤية مشتركة لمستقبل أفضل“، عُقد في مدينة إسطنبول في تركيا (الملتقى الأول للإعلام التركي – السوري) الذي نظّمه كل من (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) و(تلفزيون سوريا) و(مركز دراسات الشرق الأوسط – أورسام) وحضره أكثر من مئتي شخصية من الصحفيين والإعلاميين السوريين والأتراك، إلى جانب العديد من الشخصيات السياسية التركية الرفيعة، وعدد كبير من المختصين والباحثين في مراكز أبحاث ودراسات.

بحث الملتقى الذي يعدّ الأول من نوعه وحجمه في تركيا، في سبع جلسات، العديد من المواضيع التي تُساهم في قيام وسائل الإعلام والإعلاميين بالدور المطلوب، على الصعيدين الإنساني والمهني في آن، وتُساعد في حلّ مشكلة سوء الفهم والتقدير، وفي ردم الفجوة بين المجتَمَعين السوري والتركي، وزيادة التشبيك بين المؤسسات الإعلامية السورية والتركية.

وهدف الملتقى إلى زيادة سبل التواصل بين العاملين في الإعلام التركي وزملائهم السوريين، على المستوى المؤسساتي والفردي، والبحث عن عوامل التشبيك الإيجابي والفعال، ودراسة إمكانات العمل المشترك الذي يساهم في تصحيح الصورة النمطية السلبية لدى جزء من المجتمع التركي، وفهم وتقريب وجهات النظر بين الإعلامين التركي والسوري.

في الافتتاح، تحدّث الدكتور فخر الدين ألتون، مدير دائرة الاتصالات برئاسة الجمهورية التركية، عن الوضع الذي تعيشه سورية حاليًا، وعن موقف الحكومة التركية الداعم لتطلعات الشعب السوري بالحرية والديمقراطية والكرامة، مؤكدًا أنه لا يمكن تحقيق هذه الغايات دون إسقاط النظام السوري. وأضاف أن “سورية الآن تعيش أسوأ كارثة إنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن، وذلك وفقًا لتقارير أوردتها الأمم المتحدة، وتسعى الحكومة التركية دومًا للوقوف بجانب الشعب السوري، ضد النظام الذي قتل مئات الآلاف من السوريين. ونحن في دائرة الإعلام نسعى دومًا لدعم الصحفيين، ولأن نحمي الشعب من الأخبار الكاذبة، ونرحب بالصحفيين السوريين العاملين في تركيا، وأبوابنا مفتوحة لهم دائمًا”. واختتم ألتون كلمته بالتأكيد أنه “لا يمكن تقريب وجهات النظر والوصول إلى الحقيقة الخالية من المعلومات المغلوطة، من دون الصحفيين النزيهين الذي يكافحون لإيصال الصورة الحقيقية دون تزييف”.

وقال سمير سعيفان، مدير مركز حرمون للدراسات المعاصرة، إن “الوجود السوري في تركيا هو قضيتنا جميعًا، ومع الأسف ساهمت أعمال العنف المستمرة حتى الآن في سورية، في استمرار وجود السوريين في تركيا، ومعالجة قضايا أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري في تركيا ليست بالأمر السهل، لذا فإن بحث دور الإعلام السوري والتركي لهذه القضية سوف يؤدي إلى معالجة أعمق، سواء للسوريين أو الحكومة والشعب التركي، وسيلعب الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في هذا المجال”. واختتم سعيفان كلمته بالتعبير عن سروره بمشاركة عدد من الشخصيات التركية المرموقة في هذا الملتقى، قائلًا: “إن ذلك يعكس الاهتمام التركي بالوجود السوري”.

وقال مالك داغستاني، مدير تلفزيون سوريا: “بهذه المناسبة، أود أن أشير إلى نقطة مهمّة وهي أن اللجوء السوري كان حالة قدرية ولم يكن خيارًا، وقدر تركيا -عبر التاريخ- أن تكون مستقرًا وممرَّ عبور لكثير من الهجرات، ونحن جزء من هذه السلسة التي نتمنى أن تنتهي يومًا ما. وأتمنى أن يكون هذا الملتقى انطلاقة جديدة تقرّب بيننا وبين الإخوة الأتراك، وتخلق حالة من الفهم المتبادل بيننا وبينهم، بعيدًا عن الأفكار الخاطئة المسبقة”.

من جانب آخر، قال أحمد أويصال، مدير (مركز دراسات الشرق الأوسط – أورسام): إن “هدف القائمين على هذا الملتقى هو تقريب وجهات النظر، وتجاوز العقبات والفهم الخاطئ بين السوريين والأتراك”، وتحدث أيضًا عن العلاقات التاريخية المشتركة بين سورية وتركيا، وقال: “سورية وتركيا تربطهما علاقات جوار وقرابة، وهناك كثير من اللاجئين السوريين يعملون في تركيا، ولا يلتفتون إلى المساعدات ولا يشكلون عبئًا على المجتمع التركي، واستقبال تركيا للسوريين هو واجب وحق من حقوق الجوار، وقد يكون هناك بعض من حالات سوء التفاهم، بسبب حاجز اللغة، وأتمنى أن يكون هذا الملتقى فرصة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين”.

طُرحت في الملتقى قضايا عديدة يمكن أن تُساهم في تحويل التعاون الإعلامي التركي – السوري الراهن غير الواضح، إلى تعاون مُنظّم ومدروس، وأن تؤسس لعمل مستقر ندّي متّزن وفعّال، يفيد كل الأطراف، على مستوى المؤسسات الإعلامية التركية والسورية، وعلى مستوى الإعلاميين الأتراك والسوريين، كما طّرحت أفكار عديدة، نظرية وعملية، من شأنها تحسين التعاون والتشبيك والتنسيق بين كل هذه الأطراف، بما يعود بالفائدة الكبيرة على المجتمع التركي والسوري، والمؤسسات الإعلامية السورية والتركية، وطبعًا على إعلاميي كلا البلدين، ليتابعوا رسالتهم الإعلامية المهمة والخطيرة، بمهنية وجدّية ومسؤولية وإنسانية.

وفي ختام الافتتاح، قام كل من سمير سعيفان، ومالك داغستاني، وأحمد أويصال، بتقديم هدية للدكتور فخر الدين آلتون، مدير دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية التركية.

في الجلسة الأولى التي حملت عنوان “العلاقات التاريخية بين الشعبين”، وأدارها أ.د عاكف كيراججي، عضو مجلس العلاقات الخارجية برئاسة الجمهورية، قدّم إبراهيم إرن: المدير العام لـ  TRT ورقة بعنوان “نظرة الإعلام التركي للقضية السورية”، ثم قدّم أوغوز جليك كول، السفير السابق في سورية والأكاديمي في جامعة كولتر ورقةً بعنوان “نظرة تاريخية على العلاقات السورية التركية”، ثم قدّم مالك داغستاني، مدير تلفزيون سوريا، ورقة بعنوان “تجربة الإعلام السوري في تركيا”، تلاه بورا بيرقدار، من جامعة كولتر و(تي آر تي وورد) بورقة عن “دور الإعلام في تعزيز التعايش المشترك بين المجتمعين السوري والتركي” وأخيرًا قدّم يحيى العريضي، عميد كلية الإعلام سابقًا في جامعة دمشق، ورقة بعنوان “معالجة الإعلام التركي للقضايا السورية بعيون سورية”، وتلا الجلسة نقاش مفتوح وغنيّ بين المحاضرين والضيوف الحضور.

في الجلسة الثانية، التي حملت عنوان “واقع الإعلام السوري في تركيا”، وأدارها أ. د أحمد أويصال، تحدّث هلال قبلان: من جريدة (صباح) عن “الجذور الاجتماعية للنظرة السلبية تجاه السوريين في تركيا”، تلاه محمد شاهين، من أكاديمية الشرطة وهو مختص بشؤون الشرق الأوسط، بورقة حملت عنوان “أهم القضايا السلبية التي يطرحها الإعلام التركي حول السوريين”، بعدها قدّم عمر الشيخ إبراهيم، رئيس رابطة الصحفيين السوريين في تركيا، ورقة بعنوان “العقبات التي تواجه الإعلام السوري في تركيا”، ثم قدّمت ميرفت شبنام أوروج، الصحفية في جريدة ديلي صباح، ورقة بعنوان “إشكالية القطيعة بين الإعلامين التركي والسوري”، وتلت الجلسة نقاشات واسعة بين الحضور والمحاضرين.

أما الجلسة الثالثة في اليوم الأول، فحملت عنوان “الإعلام التركي والوجود السوري في تركيا”، وأدارتها نور الهدى مراد ، وقدّم فيها محمد عاكف أرصوي (من خبر تورك) ورقة بعنوان “تجربة الإعلام السوري في تركيا بعيون تركية”، ثمّ قدّم عمر إدلبي، مدير مكتب حرمون في الدوحة، ورقة بعنوان “أهم القضايا السلبية التي يطرحها الإعلام التركي حول السوريين”، تلاه بشير البكر، رئيس تحرير تلفزيون سوريا، بورقة حملت عنوان “التقصير الإعلامي المتبادل سوريًا وتركيًا”، وختامًا قدّم حسام السعد، الباحث في مركز حرمون، ورقة بعنوان “النتائج المباشرة لنظرة الإعلام السلبية على السوريين في تركيا”.

في الجلسة الأولى من اليوم الثاني من الملتقى، والتي أدارتها هنادي الخطيب، وحملت عنوان “الإعلام والأثر الاقتصادي للوجود السوري في تركيا”، قدّم عبد الناصر الجاسم: أستاذ الاقتصاد في جامعة ماردين، ورقة بعنوان “اندماج السوريين في المجتمع التركي من خلال النشاط الاقتصادي”، تلاه سمير سعيفان، مدير مركز حرمون، بورقة حملت عنوان “الأثر الاقتصادي للجوء السوري في تركيا”، ثمّ قدّم أوغور يلدرم، رئيس اتحاد جمعيات اللاجئين في تركيا، ورقة بعنوان “مساعدات الدولة التركية ونظرة الإعلام التركي لها”، وأخيرًا قدّم ممثل عن منظمة رجال الأعمال الموسياد، ورقة بعنوان “الأثر الاقتصادي للجوء السوري في تركيا”.

وفي الجلسة الثانية التي حملت عنوان “تعزيز التعاون بين الإعلامَين التركي والسوري”، وأدارها إسماعيل نعمان تلجي، تحدّث توران كشلقجي، رئيس جمعية بيت الإعلاميين العرب، عن “أهمية توطيد العلاقات بين وسائل الإعلام السورية والدوائر الحكومية التركية”، ثمّ قدّم خليل الآغا، مدير تلفزيون حلب، ورقة بعنوان “أهمية التشبيك والتعاون بين الإعلام التركي والسوري”، تلاه أورهان سالي، مدير الأخبار في مجموعة تركواز الإعلامية التركية، بورقة حملت عنوان “الأشكال الممكنة للتعاون بين الإعلام السوري والإعلام التركي”، وأخيرًا قدّم باسل العودات، مدير الإعلام في مركز حرمون للدراسات، ورقة بعنوان “مقترحات عملية للتشبيك بين وسائل الإعلام التركية والسورية”.

وفي الجلسة الثالثة والأخيرة من اليوم الثاني، والتي حملت عنوان “وسائل التواصل الاجتماعي بين التأثر الإيجابي والسلبي”، وأدارها سمير العبد الله من مركز أورسام، تحدّثت الإعلامية نور حداد عن “مقترحات حول دور اليوتيوب في مواجهة حملات التحريض”، تلاها محمد طه كركرأوغلو، رئيس اتحاد الأمن المعلوماتي، بورقة حملت عنوان “دور الإعلام الإلكتروني في تأجيج العداء -كيف يمكن مكافحة الجريمة الإلكترونية والخطاب التحريضي عبر السوشال ميديا”، وتحدّث الـ (يوتيوبر) يوسف الملا، عن “وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحريض والتلفيق”، فيما كان عنوان ورقة الكاتب الصحفي راغب صويلو “كيفية مواجهة الدور السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي”، وأخيرًا تحدث الصحفي مشعل العدوي عن “تجربته في اليوتيوب.

وحظي الملتقى باهتمام إعلامي كبير من قبل وسائل الإعلام التركية والسورية والعربية، وجرى على هامشه اجتماعات ومشاورات بين الأطراف المعنية للوصول إلى أفضل صيغ عملية قابلة للتنفيذ، يمكن أن تفيد في تطبيق مخرجات نقاشات هذا الملتقى، مع وعود بأن يكون هذا الملتقى بداية لسلسلة ملتقيات، بين الإعلامين التركي والسوري، والتركي والعربي أيضًا، ونقطة انطلاق لمجموعات عمل إعلامية ومجموعات استشارية إعلامية، لضمان المتابعة والتنسيق.