عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة عبر البث المباشر، الثلاثاء 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، ندوة بعنوان: “الكاريكاتير والثورة“، قدمها سعد حاجو، الفنان ورسام الكاريكاتير السوري، وأدارتها الإعلامية نسرين طرابلسي.
ناقشت الندوة أهمية فن الكاريكاتير، ودوره السياسي والاجتماعي والإنساني، والرقابة والأنظمة الشمولية العربية، ومسارات فن الكاريكاتير في العالم العربي ما قبل الثورات وبعدها، والهجرة وأثرها في الفن، ومعالم الهوية الجديدة لفن الكاريكاتير السوري خصوصًا والعربي بشكل عام.
وفي البداية، قدّم الضيف نبذة عن فن الكاريكاتير وأهم مدارسه وسماته، وعرّفه بأنه فن النقد الساخر عن طريق الصورة، وتضخيم الحدث أو تصغيره من أجل إيصال رسالة معينة. وأشار حاجو إلى أن فن الكاريكاتير مرتبط بالصحافة، وعلى رسام الكاريكاتير أن يقوم بدور الصحفي في متابعة الحدث وتحليله ومن ثم نقده، مبيّنًا في الوقت ذاته بأن السوشيال ميديا أتاحت لكل شخص أن يمتلك أدواته الخاصة في النقد والسخرية، وهذا يحتّم على رسام الكاريكاتير أن يكون أكثر جدية في عمله.
وتحدث حاجو عن تجربته في مجال الرسوم المتحركة (الكاريكاتير المتحرك)، وذكر أن فكرة المشروع جاءت من التغيرات التي طرقت على فن الكاريكاتير في ظل الاعلام الرقمي، التي حولت المكان في الصحافة الورقية إلى زمان في الصحافة الالكترونية، وأوضح أن صعوبة هذا العمل تكمن في تحويل الرسوم التي تتضمن لقطة واحدة إلى سيناريو يتألف من ثلاث حركات تتضمن بداية ومشكلة وخاتمة، خلال مدة زمنية لا تتجاوز الدقيقة. وأضاف: “استطعت حتى الآن أن أنشر 300 عمل لرسومات كاريكاتيرية متحركة، ثم أطلقت قناة جديدة على اليوتيوب حملت اسم (حاجو بقى)، تتضمن سلسلة من الرسوم المتحركة التي ستنشر تباعًا”.
من جانب آخر، تحدث حاجو عن كتابه (بلاد العنف أوطاني) الذي صدر عام 2009، وجمع كل رسوماته التي تم نشرها في جريدة السفير اللبنانية، والتي غلب الطابع السياسي على معظمها إلى جانب الرسوم الكاريكاتيرية الفنية والاجتماعية. وفي حديثه عن تجربته إصدار هذا الكتاب، قال حاجو: “تسمية الكتاب جاءت من كمية العنف غير المسبوقة التي ترتكبها الأنظمة العربية بحق مواطنيها، وشعرت بأنه لم يعد من المجدي استخدام الكناية للنقد والتعبير عن الرأي بدلًا من تسمية الأشياء بمسمياتها بشكل مباشر، وهذا ما دفعني إلى رسم صور كاريكاتيرية لجميع رؤساء الأنظمة العربية، ورؤساء العالم”.
أشار حاجو إلى أن بعض الرسوم الكاريكاتيرية ليس لها عمرًا زمنيًا محددًا، خاصة تلك الرسوم المجردة من الشخصنة، وغير المرتبطة بحدث آني، والبعض الآخر تلعب دورًا في توثيق أحداث مرحلة معينة، كالرسوم الكاريكاتيرية التي تناولت أحداث الثورة السورية.
سلطت الندوة الضوء على الفروقات بين معايير وضوابط فن الكاريكاتير في الدولة العربية التي لا تمتلك أي هامش من الحرية، وبين الدول الأوروبية، وذكر حاجو أن الكاريكاتير في الدول العربية ينشط ويزهر خلال الأزمات السياسية والمعيشية، فيما يعتمد في الدول الغربية على حدث أو فكرة مرتبطة بالثقافة السائدة للبلد، وبالتالي تكون نوعية الخطوط الحمراء مختلفة عن تلك الموجودة في البلدان العربية.
في سياق آخر، تحدث حاجو عن مشاركته في لجنة تحكيم مسابقة “world press cartoon” في البرتغال، والتي تعد أهم مسابقة عالمية للكاريكاتير، وعن تجارب السوريين المشاركين في المسابقة، ووصف هذه التجربة بأنها خطوة مهمة في مسيرته المهنية، وفرصة أبرزت ملامح الإبداع السوري الذي كان حاضرًا في المسابقة بقوة وبأوجه متعددة، سواء في التحكيم أو المشاركة، أو الموضوعات المطروحة المتعلقة بالشأن السوري.
تطرقت الندوة إلى سياسات النظام السوري اتجاه فن الكاريكاتير، والقيود التي فرضت على حرية التعبير، والانتهاكات التي تعرض لها رسامي الكاريكاتير قبل وبعد الثورة. وأشار حاجو إلى أن فن الكاريكاتير شهد تراجعًا كبيرًا خلال العقود الخمسة الماضية مقارنة بالوضع الذي كان عليه خلال فترة الستينيات، حين كان عدد الصحف الساخرة في سورية آنذاك يفوق تلك الموجودة في لبنان. وأضاف: “من اللافت أن موضوعات الرسوم الكاريكاتيرية في صحف النظام الرسمية لم يتغير منذ السبعينيات حتى الآن، ومازالت تتناول قضايا الفساد والأزمات المعيشية ذاتها، وتتجاهل تمامًا ما حصل في السنوات العشرة الأخيرة، وكأن هذه المرحلة غير موجودة، وذلك بسبب القيود التي مازالت تقيد الحريات في سورية وتكم الأفواه، وقد رأينا ما حصل مع الفنان علي فرزات عندما حاول أن يكون صريحًا في التعبير عن رأيه، والفنان أكرم رسلان الذي استشهد تحت التعذيب في معتقلات النظام”.
عرجت الندوة على موضوع التحولات التي طرأت على فن الكاريكاتير وأدواته بعد ثورات الربيع العربي، وأوضح حاجو أن أحد أهم التغييرات هي طرح الفكرة بشكل مباشر، دون القيام بمحاولات تضليل رقابة الأنظمة الحاكمة عن طريق التعبير بشكل رمزي، وبيّن أن الكاريكاتير السوري استطاع أن يحافظ على براعة الجمع بين البلاغة والفصاحة في طرح الفكرة، ما أدى إلى خلق أساليب إبداعية جديدة في النقد التصويري الساخر. من جانب آخر، تحدث حاجو عن تأثره بفن الغرافيتي أو ما يسمى بـ (فن الشارع) الذي ازدهر خلال الثوة السورية، ووصفه بفن الثقافة المضادة التي تعبر عن نبض الشارع، دون أي قيود أو املاءات.
وفي الختام، أجاب حاجو عن أسئلة المتابعين الواردة على صفحة مركز حرمون على فيسبوك، وفي رده على سؤال حول موقفه من رسومات صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية التي تخدش المقدسات الدينية وتحرض على التفكير في المسلمات، قال حاجو إن حرية التعبير لا يجب أن تكون مبررًا للسخرية والإساءة لمفاهيم ومعتقدات الآخرين، دون أن يكون هناك وعي وفهم كافيين لهذه المعتقدات، وعبّر في الوقت ذاته عن رفضه للعنف الحاصل اتجاه هذه الممارسات. وأجاب على سؤال آخر حول الصعوبات التي تواجهه في إيصال رسائله إلى المجتمع السويدي عن طريق الكاريكاتير، بسبب اختلاف الثقافة ونمط التفكير، باستثناء الموضوعات المتعلقة باللجوء والسوريين.