ضمن سلسلة الندوات والمحاضرات التي يعقدها مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، ألقى فضل عبد الغني، مؤسس ومدير (الشبكة السورية لحقوق الإنسان)، الاثنين 4 أيار/ مايو، محاضرة بعنوان (دعوات رفع العقوبات عن نظام الأسد بذريعة كورونا… حقائق وحقوق)، وذلك في مقر المركز في الدوحة.

تناولت المحاضرة مجموعة من المواضيع المتعلقة باستجداء النظام السوري لرفع العقوبات، بذريعة عدم قدرته على مكافحة وباء كورونا في ظل العقوبات، واستعرضت رواياته الخاصة بهذا الشأن، وحملات التضليل التي يقوم بها، واستغلال روسيا دعوات الأمم المتحدة لوقف القتال في الساحات المشتعلة، من أجل التخلص من العقوبات المفروضة عليها وعلى حلفائها، وعلى رأسهم النظامان السوري والإيراني.

بدأ عبد الغني المحاضرة بالحديث عن موضوع العقوبات، وقدّم خلفية موجزة عنها قائلًا: “العقوبات هي شكل من أشكال المحاسبة السياسية العاجلة، وهي تختلف عن المسار القضائي الذي ربما يستغرق سنوات طويلة، وقرار إجراء عقوبات هو قرار سياسي، يتداخل مع المسار القضائي والاقتصادي. وعرّفت محكمة العدل الدولية العقوبات بأنها التدابير التي يتخذها مجلس الأمن وفق مواد ميثاق الأمم المتحدة. وهذا ينطبق على نظام بشار الأسد الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، منذ بداية الحراك الشعبي نحو الديمقراطية، وهذا الأمر لم يكن من وجهة نظر الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ولا منظمات حقوقية دولية مثل (هيومن رايتس ووتش) و (منظمة العفو الدولية)، فحسب، بل ورد أيضًا في أول تقرير للأمم المتحدة، صدر في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وجاء فيه أن النظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية، وهنا كان يُفترض بمجلس الأمن والأمم المتحدة أن تتخذ عقوبات ضد النظام السوري، لكن هذا الشيء، مع الأسف، لم يحصل، ونحن طالبنا مرارًا الأمم المتحدة بفرض عقوبات، لأن هذه الجرائم التي يرتكبها النظام السوري ما زالت مستمرة، وتداعياتها مستمرة أيضًا”.

وتابع: “ما حصل أخيرًا، بعد انتشار وباء كورونا في كل العالم، هو أن الروس وبعض الدول الأخرى ذات الأنظمة الشمولية، مثل الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا، وهي دول مناصرة للنظام السوري، حاولوا استغلال هذا الأمر، لإطلاق مناشدة لوقف العقوبات المفروضة على نظام بشار الأسد، الذي حاول بدوره أن ينشر فكرة أن التجويع والأمراض والأوضاع الإنسانية والاقتصادية والمعيشية السيئة في سورية، وعدم قدرته على مواجهة واحتواء انتشار فايروس كورونا، سببه هذه العقوبات. وبالفعل، قامت روسيا والصين ونيكاراغوا وفنزويلا وكوريا الشمالية بتقديم رسالة إلى الأمم المتحدة، طالبت فيها برفع العقوبات عن النظام، مع العلم أن هذه العقوبات ليست أممية، بل هي عقوبات فرضتها دول الاتحاد الأوروبي وأميركا، وهذا أمرٌ غاية في الوقاحة أن تطالب دول دولًا أخرى برفع عقوبات عن النظام، دون الالتفات إلى دوافع وأسباب هذه العقوبات، وهي ارتكاب النظام السوري جرائم ضد الإنسانية، في الوقت الذي لم يقم فيه النظام بأي خطوة تستحق رفع العقوبات عنه، فهو مثلًا لم يطلق سراح المعتقلين السياسيين، ولم يلغِ أحكام محكمتي الإرهاب والمحكمة الميدانية العسكرية، ولم يلغ القوانين التي تشرعن السطو على الممتلكات، مثل القانون رقم 10”.

وأشار عبد الغني إلى أن “النظام السوري لم يكتفِ باستغلال موجة وباء كورونا للتخلص من العقوبات، بل استمر في ارتكاب الجرائم ضد المدنيين والكوادر الطبية والمنشآت الحيوية، خلال الشهرين الماضيين اللذين تعالت فيهما أصوات حلفائه برفع العقوبات عنه، واستمر النظام في ترويج فكرة أن لوباء كورونا انعكاسات على الوضع الاقتصادي والمعيشي، متناسيًا انعكاساته على المعتقلين المهددين بفقدان أرواحهم، إذا انتشر المرض بينهم، ولم يقم باتخاذ أي خطوة تجاههم”.

تطرّق عبد الغني إلى موضوع المساعدات، وكيف تصرفت روسيا والدول الداعمة للنظام بهذا الخصوص، خاصة أن روسيا متورطة مع النظام في عشرات من جرائم الحرب، وكيف عرقل النظام على مدى سنوات وصول المساعدات إلى المدن السورية لفترات قد تصل إلى بضعة أشهر، حيث كان النظام يشترط وصول المساعدات إلى دمشق أولًا، ومن ثم يقوم بإرسالها إلى الحسكة أو حلب أو إدلب، ما اضطر الأمم المتحدة إلى إصدار قرار المساعدات العابرة للحدود، في تموز/ يوليو 2015، وقال: “الروس اليوم يريدون أن يكرروا النهج السابق في تحكم النظام في دخول المساعدات، وهو ما حصل في الجزيرة السورية، بعد أن نجح الروس في إغلاق معبر اليعربية الحدودي، حيث قامت روسيا والصين باستخدام حق النقض ( الفيتو) ضد قرار تمديد المساعدات الأممية العابرة للحدود، في كانون الأول/ ديسمبر 2019، والآن يطالبون برفع العقوبات عن النظام، وهم الذين كانوا قبل أشهر يعرقلون دخول المساعدات إلى سورية، وقاموا بعملية ابتزاز، وقلّصوا عدد المعابر من أربعة إلى اثنين فقط، أحدها معبر اليعربية، وأدى ذلك إلى تحكم النظام في المساعدات التي تصل إلى الجزيرة السورية في الشمال الشرقي”.

وتحدث عبد الغني عن دور الدول الداعمة للنظام، والتي تسعى لرفع العقوبات عنه لكنها في الوقت ذاته لم تقدم أي مساعدات له، على الرغم من أنها دول غنية، وطالبت دولَ الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات عنه، مكتفين بالاستثمار العسكري في سورية دون الالتفاف للجانب الإنساني. وقال: “النظام السوري يستطيع شراء الأجهزة الطبية من الصين وروسيا أو من دول أخرى، بالرغم من وجود بعض الصعوبات، فهناك 150 دولة لم تفرض عقوبات على النظام، ويستطيع توريد المعدات الطبية منها، لكنه يسخّر موارد سورية لعمليات القتل والقمع، ويبحث عن جهة أخرى تموّل موضوع المساعدات، وهذه هي المشكلة الأساسية في أنه استنزف خزينة الدولة في العمليات العسكرية، وما زال يخصص أغلب موارد الدولة في هذا الإطار تحديدًا كي يحافظ على السلطة”.

وشرح عبد الغني لماذا لا يجب أن توزع المساعدات عن طريق النظام السوري، وقال: “النقطة الأولى هي أن النظام السوري هو من استهدف الكوادر الطبية والدفاع المدني، واعتقل الآلاف منهم، ولم يفرج عنهم حتى الآن، بالرغم من أن الظرف الحالي يستدعي وجودهم، ففي الوقت الذي نرى فيه بقية الدول تستدعي وتستنفر كل كوادرها الطبية لتواجه الوباء، نجد أن النظام اعتقل الآلاف من الأطباء والمسعفين، فضلًا على استهداف المراكز الطبية، حيث استهدف 70 مركزًا طبيًا، في حملته العسكرية الأخيرة على محافظة إدلب وما حولها. النقطة الثانية تتمثل في طريقة تعامل النظام السوري مع المساعدات وكيفية تحكمه في كميتها وتأخير دخولها، وابتزازه للمنظمات الدولية، وفرض تعاملهم مع الشركاء المحليين الذين يختارهم هو فقط”.

في ختام محاضرته، استعرض عبدالغني توصيات واستنتاجات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لمواجهة وباء كورونا في ظل العقوبات، وهي أن النظام هو المسؤول عن الوضع الاقتصادي الحالي، والعقوبات ليست وحدها سبب معاناة السوريين في الداخل، وأن السبب الأساس هو تسخير موارد الدولة والاحتياطي النقدي في العمليات العسكرية، وتمويل الأجهزة الأمنية، وتشريد 13 مليون سوري، وهذا من شأنه أن يكسر عجلة الاقتصاد، إضافة إلى تدمير مدن بكاملها بما تحويه من معامل ومصانع، وشبكة المافيات والفساد الذي تجلّى أخيرًا في فيديوهات رامي مخلوف. إضافة إلى أنه لا يمكن رفع العقوبات، طالما استمرت الانتهاكات، ولم يحصل تقدم جدي على صعيد حقوق الإنسان الأساسية، والإفراج عن المعتقلين وإلغاء المحاكم الاستثنائية، والبدء بعملية انتقال سياسي نحو الديمقراطية، تضمن الاستقرار والعودة الآمنة والطوعية للنازحين واللاجئين.