عقد “مركز حرمون للدراسات المعاصرة“، عبر البث المباشر، الجمعة 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، ندوةً بعنوان “الدبلوماسيون السوريون المنشقون… بين المعارضة والنظام“، شارك فيها بشار الحاج علي، الدبلوماسي السوري المنشق، وأحمد طعمة، الرئيس الأسبق للحكومة السورية المؤقتة، وعمر كوش، الكاتب والمحلل السياسي، وأدارتها الإعلامية السورية هنادي الخطيب.

سلّطت الندوة الضوء على واقع الدبلوماسيين السوريين المنشقين، وأسباب قلّة عدد المنشقين، وضعف تأثير المنشقين منهم، وآلية اختيار النظام لدبلوماسييه، وتعامل الدول معهم بعد انشقاقهم، والاتهامات للمعارضة السورية بتهميشهم، وعدم الاستفادة من خبراتهم وعلاقاتهم الدولية، وأسباب القطيعة بينهم وبين الدبلوماسيين الأجانب والمنظمات الدولية، وغيرها من القضايا المتعلقة بهذا الملف المهم.

في بداية الندوة، تحدث بشار الحاج علي عن واقع الدبلوماسيين المنشقين عن النظام السوري، وأشار إلى أن الدبلوماسيين هم من “أبناء النظام”، ومعظمهم تم اختيارهم عن طريق “الواسطة والمحسوبيات”، ولفت النظر إلى أن مجموع الدبلوماسيين المنشقين عن النظام السوري بحدود 45 دبلوماسيًا.

وتطرقت الندوة إلى الأسباب التي تقف وراء غياب أي دور للدبلوماسيين المنشقين، على مدى السنوات الماضية (من عمر الثورة السورية)، وفي هذا الصدد، أشار عمر كوش إلى أن “تشكيلات المعارضة تعاملت في البداية مع المنشقين بريبة، كونهم أبناء النظام، وكان من السهل إطلاق صفة أنهم إما استخبارات أو مقربون من النظام، لذلك تم الابتعاد عنهم والتعامل معهم بهامشية”. وأضاف كوش أن “الانشقاقات التي حصلت، خاصة على المستوى الدبلوماسي، كانت قليلة، ومعظمهم آثر الصمت، ولم يربط انشقاقه بالعمل من أجل الثورة السورية، لاعتبارات عديدة أهمّها الخوف على أسرته وأقاربه، وهذا كان الهمّ الأبرز لكل إنسان يفكر في الانشقاق عن النظام السوري”.

في السياق ذاته، أوضح بشار الحاج علي أن “البعض عدّنا فلولًا، كما درجت هذه الكلمة في الثورة المصرية، وأيضًا لم يكن هناك أي تشجيع، لا من مؤسسات المعارضة ولا حتى من الدول الإقليمية التي لم تكن مرحبّة”، وأكد أن أسباب انشقاقه، كدبلوماسي، كانت أخلاقية في المرتبة الأولى، وليست سياسية، وأن ذلك يأتي من باب الانخراط في ثورة الشعب والانحياز إليها.

وتناولت الندوة شكل العلاقة بين المعارضة السورية والمنشقين الدبلوماسيين، وطرحت سؤالًا بخصوص المعارضة: هل استفادت بالفعل من هؤلاء المنشقين أم لا؟ وذكر أحمد طعمة أن المعارضة لم تستفد كثيرًا منهم، وأن جزءًا من الأسباب يتعلق بالمنشقين، والجزء الآخر يتعلق بطبيعة المعارضة نفسها، وأوضح: “في بداية الثورة، لم تكن هناك ثقة على الإطلاق ما بين المعارضة والمنشقين من الدبلوماسين، ذلك أن التصنيف الذي كان لدينا -وقد لا يكون صحيحًا- كان يعدّ الذين انشقوا أنهم من بقايا النظام، أو أنهم ينبغي أن يتم اختبارهم سنوات طويلة، حتى يثبت فعلًا أن ولاءهم للثورة”.

وأضاف طعمة أن “انعدام الثقة، وأن هؤلاء المنشقين لا يزالون مرتبطين بالنظام، كانا عاملًا مهمًا في عدم الاستفادة منهم، وكان يُفترض -على اعتبار أن المعارضة السورية ينقصها كثير من معرفة بنية النظام- أن يقوم الدبلوماسيون المنشقون بإخبار المعارضة عن التفاصيل الدقيقة في بنية النظام، وكانت المعارضة السورية تتوقع أن يقوم الدبلوماسيون المنشقون بشرح تفاصيل عن النظام: كيف بُني، وكيف هي بنيته الداخلية، وكيف يمكن أن تستفيد المعارضة من معلوماتهم الداخلية عن النظام؟ ولكن هذا لم يحصل، وكان يفترض بهؤلاء الدبلوماسيين المنشقين أن ينخرطوا أكثر في الثورة السورية، وأن يتعمّقوا أكثر مع الناس، وأن يقدموا محاضرات تفصيلية يمكن من خلالها بناء مزيد من الثقة، لكنّ هذا لم يحصل”.

وأعرب طعمة عن أسفه لعدم تمكن المعارضة السورية من الاستفادة من الدبلوماسيين المنشقين، وقال: “يؤسفني القول إننا -كمعارضة- كنّا نستسهل الأمر، ونعتقد أن سقوط النظام سيتم بين ليلة وأخرى، وأن الظروف الدولية مناسبة لرحيله، ولم نكترث كثيرًا بمجموعة من العوامل التي كان يمكن أن تساعدنا، ومنها عاملُ الدبلوماسيين المنشقين، ولا أستطيع القول بشكل عام إننا قد فوتنا الفرصة أو أن الأوان قد فات، ولكن بالتأكيد، باعتقادي، كان من الممكن الاستفادة بشكل أكبر مما جرى”.

وفي السياق، أشار بشار الحاج علي إلى أنه -كدبلوماسي منشق- كان يأمل من مؤسسات المعارضة، وخاصة الائتلاف الوطني السوري، أن تستفيد من خبرات الدبلوماسيين المنشقين الذين لا يسعون إلى أي منصب، وأضاف أنه على الرغم من محاولات الإبعاد لأسباب مختلفة، فإن التواصل ما يزال مستمرًا مع أجسام المعارضة.

حاولت الندوة تسليط الضوء على الأسباب التي أدت إلى إضعاف عدد المنشقين من الدبلوماسيين، وعلى دور المعارضة السورية في ذلك، وقال كوش: إن “دور المعارضة السورية وتشكيلاتها أصبح شبه معدوم، والهيئات الأخرى كانت لديها فرص كبيرة في البدايات، لكي تعمل على مستوى المنشقين أو على المستوى الداخلي، وكان بإمكان كل هذه المؤسسات الاستفادة من خبرات كل المنشقين، على المستوى الدبلوماسي، السياسي، الإعلامي، حتى على مستوى آلاف الضباط المنشقين، لكن ما كان يهمّها هو نفسها، والتمسّك بهذا التشكيل السياسي، سواء أكان فاعلًا أو غير فاعل، ومع الأسف، فوتت فرصًا كبيرة جدًا، وتعاملت مع السوريين ومع إمكاناتهم باستخفاف”.

من جهة أخرى، في ما يتعلق بحجم التواصل بين الدبلوماسيين المنشقين وممثلي الدول الغربية أو شخصيات سياسية غربية بارزة بما يخدم الملف السوري، قال بشار الحاج علي: “نحن -كدبلوماسيين منشقين- حاولْنا إيصال الفكرة، ولكننا لسنا مؤسسة، في حين أن الائتلاف الوطني السوري معترفٌ به كمؤسسة للمعارضة وأنه ممثل للشعب السوري، وجميع الدول تتواصل مع الائتلاف، أما نحن -الأشخاص- فلنا تواصل مع سفراء ووزراء خارجية ورؤساء دول، ولكن كعلاقات عامة لا كمواقف رسمية”.

وأضاف الحاج علي أن الدول الغربية بطبيعة الحال لا تنظر إلى الأفراد، إنما إلى الأجسام والمؤسسات، وأن الدول تواصلت مع الدبلوماسيين المنشقين، كنوع من المجاملة وكنوع من استطلاع الرأي فقط، دون أن يكون هناك أي تشجيع على الانشقاق من الدول التي تقول إنها داعمة للشعب السوري، ولم يكن هناك أي تدخل حتى من أي دول أخرى بهذا الموضوع.

في ختام الندوة، أكّد المشاركون ضرورة الاستفادة من الدبلوماسيين المنشقين في مؤسسات المعارضة، لأنّ تواصلهم مع المجتمع الدولي ربّما يكون أكبر من غيرهم، مقارنة ببعض الأشخاص الذين ثبت أن أخطاءً كثيرة شابت عملهم خلال السنوات الماضية، كما أكدوا أهميّة أن تكون هناك مساعٍ حقيقة للاستفادة من خبرات وقدرات الدبلوماسيين المنشقين وغيرهم من المنشقين، وأن تكون هناك مؤسسة تحتضن هذا المشروع.