بمناسبة الذكرى الـ 99 لوعد بلفور والذكرى الـ 49لاحتلال الجولان من قبل إسرائيل، عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة ندوة بعنوان: “الجولان السوري المنسي، وموقعه في سورية المستقبل” في مدينة إسطنبول خلال يومي 2 و3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016. شارك في الندوة 26 من المثقفين والأكاديميين من سورية وفلسطين ولبنان والأردن، كما كان بين المشاركين خمسة من أبناء الجولان السوري المحتل، إضافة إلى عدد من الضيوف.
افتتح الندوة الدكتور حازم نهار، المدير العام لمركز حرمون للدراسات المعاصرة، بكلمة بعنوان: “الجولان يحكم سورية”، تحدث فيها عن أهمية هذه الندوة ومبررات عقدها، حيث أكد أن من غير الممكن فهم ما يجري في سورية حاليًا من دون فهم مسألة الجولان. كما تحدث عن كون الجولان في مركز السياسة الخارجية لنظام الأسد الوظيفي، مؤكدًا في هذا السياق أن الأمور في سورية لن تنتهي ما لم يتحدد مصير الجولان. وفي تعرضه لسياسات النظام تجاه الجولان وأهله بيّن الدكتور نهار أن تلك السياسات تقوم على أربعة أعمدة هي: الظلم، والتجهيل، والتهجير، والمتاجرة بقضية الجولان. وفي حديثه عن الجولان بوصفه المحدد الرئيس للموقف الإسرائيلي- الأميركي من رحيل النظام السوري أكد أن استمرار الصراع يخدم مصالح إسرائيل التي لا تريد انهيار نظام الأسد، كما أن خسائر حزب الله في الحرب السورية تخدم تلك المصالح، فضلًا عن أن استمرار تلك الحرب ينهي أي مطالبة سورية باستعادة الجولان. وبعد أن بين زيف ادعاءات المقاومة والممانعة، سواء ادعاءات الأنظمة “القومية” أم ادعاءات فريق “اليسار” بأصنافه، اختتم الدكتور نهار كلمته بالتأكيد على المفهوم الإيجابي لشعار “سورية أولًا” كدولة وطنية ديمقراطية هي مقدمة ضرورية ولازمة من أجل فلسطين والجولان معًا.
عرض في الجلسة الافتتاحية فلم وثائقي قصير، تناول جغرافية الجولان وتاريخه، وأطماع إسرائيل فيه منذ البداية، مرورًا بالانسحاب العشوائي من القنيطرة وتسليم الجولان خلال حرب عام 1967. كما بين الفيلم وضع الجولان في ظل الاحتلال الإسرائيلي، ومواقف أهالي الجولان المؤكدة على الانتماء السوري، وتأييدهم للثورة السورية. واختتم الفيلم بعرض مشاهد من ذلك الجزء الغالي من الوطن الذي يعد “جنة الله في الأرض”. وفي ختام الجلسة استعرض المشاركون معرضًا للصور حول الجولان المحتل.
تضمنت الندوة خمس جلسات. تناولت الأولى الدور الإسرائيلي في المنطقة وتوافقه مع أدوار الأنظمة العربية، وتحدث فيها المشاركون عن دور إسرائيل الوظيفي ضمن إستراتيجية السيطرة الإمبريالية، مؤكدين في هذا السياق على أن المشروع الصهيوني يهدف في الأساس إلى منع تقدم المنطقة العربية، وأن التغييرات الجذرية تجاه الديمقراطية في المنطقة ستدخل في صدام مع الدولة الصهيونية. وأشار المتحدثون إلى الدور الأميركي المساند لإسرائيل وتأثير ذلك في موقفها من الثورة السورية، ذلك الموقف الذي يعلن النأي بالنفس عن المسألة السورية، ولكنه في الواقع يدافع عن النظام ويعمل على استمرارية الصراع، بينما تهيئ الولايات المتحدة البيئة المناسبة لتقدم إسرائيل في مختلف المجالات. وأكد المتحدثون في هذه الجلسة على أن من مصلحة إسرائيل بقاء الوضع على ما هو عليه من دون تغيير أطول فترة ممكنة، ولاسيما أن أي تغيير جذري في سورية سيعني العمل الجدي لاستعادة الجولان. وجرت خلال الجلسة مقارنة بين الاستبداد والاحتلال، ومناقشة “الديمقراطية” الإسرائيلية لمواطنيها اليهود، مع اضطهاد الشعب الفلسطيني وأبناء الجولان المحتل.
أما الجلسة الثانية فتناولت واقع الجولان المحتل وأهله، حيث بيّن المتحدثون تحولات الموقف الإسرائيلي من الثورة السورية، وكيف وظّفت إسرائيل تحولات الثورة لصالح أمنها وأغراضها، مؤكدين على أنها كانت تخشى من شعارات الحرية والكرامة التي أطلقها الثوار السوريون، بينما استفادت من التحول نحو الشعارات المتطرفة والصراع المسلح المتعدد الأطراف، إذ تستفيد إسرائيل من تحول سورية إلى دولة فاشلة، الأمر الذي يبرّر لها استمرار احتلال الجولان. وبيّن المتحدثون تطور العلاقة بين الجولان وفلسطين، حيث أشاروا إلى أزمة الهوية لدى أبناء الجولان المحتل وتقارب أوضاعهم مع أوضاع الفلسطينيين في الأرض المحتلة. وجرى استعراض العلاقة بين الاحتلال ومصادر المياه. وعرض اثنان من أبناء الجولان (لم يتمكنّا من الحضور) من خلال تسجيلين مصورين، الواقع الحالي للجولان المحتل، وأهم التحولات الإستراتيجية في السياسة الإسرائيلية تجاه سكانه.
في الجلسة الثالثة قدم الدكتور محمد الزعبي، وزير الإعلام إبان حرب حزيران/ يونيو 1967، من خلال تسجيل مصور، شهادته عن البلاغ 66 الذي أعلن فيه حافظ الأسد احتلال إسرائيل للقنيطرة قبل أن تقترب منها القوات الإسرائيلية، وكذلك شهادته حول بعض القضايا الأخرى المتعلقة باحتلال الجولان. كما عرض اثنان من أبناء الجولان المحتل، من خلال تسجيل مصوّر أيضًا، شهادتهما حول ظروف سجنهما في السجون الإسرائيلية وما حدث بعد الخروج منها. وتحدث أحد أهالي الجولان المحتل عن تركيبة سكانه وتشابه تلاوينها مع مثيلاتها في بقية أنحاء سورية، وأثر ذلك على مواقفهم من الثورة السورية. بينما عرض أحد المتحدثين في الجلسة لأوضاع أهالي الجولان النازحين ومشاركتهم الفعالة في الثورة منذ بدايتها.
وخصصت الجلسة الرابعة للحديث عن استغلال النظام السوري قضيتي الجولان وفلسطين وطبيعة “خطاب المقاومة والممانعة” الذي أنتجه النظام. حيث جرى استعراض لتاريخ العلاقات الإقليمية لنظام حافظ الأسد بدءًا من علاقته بعبد الناصر والمزاودة بينهما حول القضية الفلسطينية ثم دخول لبنان، حيث طويت صفحة الصراع مع إسرائيل وفتحت صفحة الصراع مع العرب، ثم هزيمة 1967 وتسليم الجولان، ثم الموقف من الحرب العراقية الإيرانية. كما تم التأكيد على ان حرب 1973 لم تكن حرب تحرير بل حرب تحريك، حيث خاض النظام الحرب من دون أن يكون لديه أي إستراتيجية وطنية. وخلصت المناقشات الى أن نظام الأسد نظام معاد للمجتمع كله وليس لفئات معينة، وأن اهتمامه انصب على الجيش الذي هو بالنسبة إليه أهم من الوطن، بل هو وسيلته لاستمرار السيطرة على المجتمع. كما ان انتحال النظام قضية فلسطين جلب له شرعية محدودة الكلفة، وبهذا انتقلت القضية العربية العامة، قضية فلسطين ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إلى أدوات في خدمة حكم خاص أقلي يسعى لبقائه الأبدي. وليست شعارات الصمود والمواجهة والممانعة إلّا غطاء أيديولوجي لبنية النظام الحقيقية.
ودار موضوع الجلسة الخامسة والأخيرة حول علاقة الجولان بالقانون الدولي، حيث تناولت الأوراق الجولان المنسي في القانون الدولي، والنقاش المقترح حول المفاوضات مع إسرائيل، والوضع القانوني للجولان تحت الاحتلال وسياسة إسرائيل في نظر القانون الدولي، وقد تطرقت أوراق ومناقشات الجلسة لأعمال إسرائيل تجاه الجولان وممارستها التهجير القسري في 1967، ومن ثم الاستيلاء على الأرض بدعوى أنها “متروكة” وأملاك غائبين أو أنها “أملاك حكومية”، فاستولت إسرائيل على مصادر المياه، وأقامت مستوطنات في الجولان يبلغ عددها حاليًا 34، مستوطنة منتشرة من جنوبه حتى شماله، ويقطنها أكثر من 24000 مستوطن. وتسعى إسرائيل لفرض الجنسية الإسرائيلية على العرب السوريين. وعلى الرغم من أن القانون الدولي ينص على “مبدأ عدم جواز اكتساب الأرض بالقوة العسكرية”. ويحظر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها لاكتساب أراضي الغير، فإن إسرائيل لا تبالي بالقانون الدولي، طالما أنها تحظى برعاية ودعم مطلق من الولايات المتحدة، وليس القرار 242، الذي مر على 49 عامًا حتى الآن، سوى مثالٍ على أن إسرائيل دولة فوق القانون.
تناول أحد المتحدثين في هذه الجلسة مفاوضات النظام مع إسرائيل من أجل استرجاع الجولان، والتي عقد آخرها في عهد الأسد الأب في جنيف في آذار/ مارس 2000، حيث جرى نقاش حول ما سمي بالعرض الذي كان يحمله كلينتون بحضور إيهود باراك ورفض الأسد القبول به كي يستمر الدور الوظيفي لاحتلال الجولان، وتستمر حالة اللاحرب واللاسلم مع إسرائيل، كما تطرقت المناقشات إلى موقف الأسد الأب من انسحاب إسرائيل من لبنان صيف عام 2000، وأن النظام لم يكن راغبًا في هذا الانسحاب لأنه يفقده الدور الوظيفي في استمرار لعبة المقاومة التي ستغدو بلا معنى في حال انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان. ودارت نقاشات حول المفاوضات السرية بين النظام وإسرائيل عامي 2007 و2008 في تركيا، والتي لم تسفر عن أي نتيجة، وبقي الجولان محتلًا ينتظر انتصار إرادة شعبية سورية وطنية حقيقية تعمل بإخلاص لتحريره.
ساد الندوة جو من الشفافية والصراحة والتبادل الحر للآراء، من موقع الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه هذه القضية الجوهرية من قضايا الشعب السوري.