يواصل “المؤتمر الثاني للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية“، الذي ينظمه مركز حرمون للدراسات المعاصرة والجمعية السورية للعلوم الاجتماعية، بالاشتراك مع مجلة قلمون، تحت شعار “الحرية الأكاديمية الكاملة للباحثين الاجتماعيين“، أعماله الأسبوع القادم يومي 22 – 23 كانون الثاني الجاري.
وكان جدول أعمال اليوم الثاني من المؤتمر، في جلستيه الثالثة والرابعة، الأحد 16 كانون الثاني/ يناير الجاري، ناقش عدد من الدراسات التي طرحت قضايا عدة، قدّمها عددٌ من الباحثين والأكاديميين المشاركين في المؤتمر.
وجاءت الجلسة الثالثة التي أدارتها علا الجبر، تحت عنوان “الدين والعلمانية”، في حين حملت الجلسة الرابعة التي أدارها الباحث عبد الله تركماني، عنوان “الأبعاد القانونية للقضية السورية”.
وفي الدراسة المعنونة “لعبة الدين والسياسة؟ حد الردة بين الفقه القرآني والدين الموازي أنموذجًا“، أوضح الباحث أحمد الرمح أنّ “البحث يطرح مسألة الحرية كحق ثابت للإنسان في الدين الحنيف، أكّده الخالق -عزّ وجلّ- في قرآنه، من خلال بيان بطلان النصوص المزيفة التي ابتدعها كهنة الدين الموازي لفِرية حدّ الردة، فجعلوها مُسَلَّمَة دينية، ويحلّل البحث الأحداث التاريخية التي يستند إليها هؤلاء السدنة سياسيًا؛ ليوضح مدى التحريف الذي قاموا به في تلك المسألة، وأثر ذلك على حقوق الإنسان، ودوره في شرعنة الاستبداد”.
وأضاف أن “البحث يعتمد المنهج التاريخي في التأكيد على مبدأ الحرية، كحق من حقوق الإنسان، يتقدم على قضية الإيمان ذاتها، وعلى بيان الأسباب السياسية لابتداع هذا الحدّ بالتعاون بين سدنة الدين الموازي والسلطة، من خلال مناقشة قرآنية تاريخية عقلانية لتلك المسألة، معتمدين المنهج التاريخي في تفنيد أدلة سدنة الدين الموازي ومظهرين تهافتها، لإبطال هذه الفِرية، فنتناول النصوص المنسوبة إلى النبوة ونبين زيفها وبطلانها، بالمنهج ذاته الذي وضعه فقهاء ومحدثو الدين الموازي أنفسهم”.
من جهته، قدّم الباحث محمد نور النمر، دراسة بعنوان “تجربة الإسلام السياسي التركي المعاصر من العلمانية الصُلبة إلى العلمانية الليّنة“، ذكر فيها أن “مقصد البحث سيكون التعرّف إلى نشأة العلمانية الأتاتوركية الصُلبة، ومبادئها، والقيم التي كرّستها في الحياة التركية على المستويات كافة، فضلًا عن تبيين دور العلمانية الصُلبة في نشوء العلمانية الليّنة، والقيم الجديدة التي انفردت بها الأخيرة عن سابقتها”.
ويستهدف البحث، حسب مُعدّ الدراسة، “مناقشة طبيعة العلمانية الليّنة التي ميّزت تجربة الإسلام السياسي التركي المعاصر عن غيرها من التجارب الأخرى في العالم الإسلامي، لا في التعامل مع الأفكار الإسلامية السياسية فحسب، بل في كيفية تعامله مع العلمانية الصُلبة أيضًا، بوصفها إحدى الركائز الأساسية للحياة السياسية التركية”.
وأعرب النمر عن اعتقاده أنه “يمكن الاستفادة من بعض القيم التي أرستها التجربة التركية المعاصرة، ولعل أهمّها: التصالُح مع القيم العصرية الإنسانية، وأهمّها: التداول السلمي للسلطة والنهج الديمقراطي، حيادية الدولة، من الهوية الأيديولوجية إلى الخدمات، وحرية التعبير”.
في السياق ذاته، قدّم الباحث حمّود عمر حمّود دراسة بعنوان “منهجية تنقيحيّة أم عبثيّة أرثوذكسيّة؟ في بعض الإشكالات المنهجية في دراسة الإسلام الباكر“، تناول فيها بالنقد “بعض الاتجاهات البحثية الغربية التي تتظلل، أو تحسب نفسها كذلك، تحت مظلة المناهج المابعدية الاستشراقية والتفكيكية، والتي اصطلح عليها البعض بـ (التنقيحية الجديدة)”. وأوضح أن “هناك ثلاث نقاط رئيسة، تلخص هذا الاتجاه البحثي: أولًا، اعتبار المصادر الإسلامية زائفة وغير موثوقة، وينبغي رفضها والاستفادة، بدلًا من ذلك، من المصادر غير الإسلامية في دراسة الإسلام الباكر؛ ثانيًا، فرضية أن المصادر الإسلامية لا تجسد مصادر تاريخية، بل آدابًا إسلامية (بالمعنى الضيق للكلمة) تتحدث عن المسلمين أنفسهم الذين كتبوها أكثر مما تنطق تاريخًا يتناول الإسلام الباكر؛ ثالثًا، عدم البحث عن أصول الإسلام في شبه الجزيرة العربية، بل خارجها، وتحديدًا وسط المجتمعات الطائفية اليهودية والمسيحية (مثلًا في سورية أو بلاد ما بين النهرين أو حتى آسيا الوسطى، القوقاز)”.
وفي دراسةٍ بعنوان “تحليل مضمون لخطاب بعض منظمات المجتمع المدني النسوية“، أوضح الباحث صفوان قسّام أن هذه الدراسة “تهدف إلى إظهار واقع هذه المظاهر، من خلال تحليل مضمون محتويات الخطاب النسوي لدى عينة من منظمات المجتمع المدني النسوية السورية العاملة في غازي عنتاب التركية، والتعرف إلى واقع وجود الخلفية النظرية لهذه المنظمات، ونسبها إلى إحداها إن أمكن”.
وعمل الباحث على “تحليل المضمون، بعد الاطلاع على المنظمات العاملة، وأخذ عيّنة معيارية بناء على توافر معطيات معينة في عملها، كنوع الخدمة، ومجال العمل، والعمر الزمني للمنظمة، والخلفية الأيديولوجية إن وجدت، ومحاولة التنويع بهذه العينة”. وحاول في دراسته “وضع ما يشبه المقياس: مجموعة من النقاط توضح العلامات الأساسية لأهم النظريات النسوية، ومحاولة إسناد تحليل المضمون الناتج إلى هذه النظريات، من خلال مقارنة توافر هذه العلامات في خطاب المنظمات؛ لدراسة مدى اقتراب عمل المنظمات وخطاباتها من النظريات النسوية أو ابتعادها عنها”.
وناقشت الجلسة الرابعة من المؤتمر دراسات عدة، هي: الهوية الوطنية في الدساتير السورية – أثر القضية السورية على تطور القانون الدولي – الخلاص الوطني السوري من زاوية حقوقية – و قانون الجمعيات في سوريا ورؤية للإصلاح وفق المعايير الدولية.
في الدراسة الأولى “الهوية الوطنية في الدساتير السورية“، سعى الباحث زيدون الزعبي إلى الإجابة على أسئلة عدة أهمها: “ما هي أبعاد الهوية الدستورية؟ وما هي السياقات والسياسات التي فرضت نفسها عليها؟ وكيف تعاملت الدساتير الأساسية السورية المتعاقبة مع الهوية الوطنية؟”. واعتبر أن “التمييز بين الهوية الوطنية والهوية الدستورية مسألة حيوية في سياق الدراسة المذكورة”، وفي هذا الصدد هناك أسئلة عدة: “أهما متطابقتان أم متباينتان؟ وكيف تتأثران ببعضهما البعض إن كانتا متمايزتين؟ وأيّهما أسبق؟ ومن يفرض هذه الهوية؟”.
وبيّن الزعبي في دراسته كيف مرّت الهوية الدستورية السورية بمراحل أساسية: “مرحلة الأمة المكتملة، واستمرّت من تاريخ أول دستور سوري، بعد الانفصال عن السلطنة العثمانية في العام 1920، وقد استمر إبان الانتداب الفرنسي عبر دستور 1930 لغاية الاستقلال عن فرنسا في العام 1946 وتطبيق دستور 1950، وقد شكّل الأخير بروز الهوية العربية الإسلامية، بفعل تصاعد تيارات أكثر قربًا من الشارع، لتبرز هوية عربية إسلامية لم تستمر إلا بضع سنوات، وتحديدًا حتى زمن الوحدة وتاريخ إقرار الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة، لتعود الهوية الإسلامية إلى مرتبة ثانية مع تراجع حاد للهويّة السورية، ليست سورية فيها إلا قطرًا، وليس الشعب فيها إلا جزءًا من الأمة العربية، وحدود دولتها مؤقتة بانتظار توحيد البلدان العربية”.
وفي الدراسة التي تحمل عنوان “أثر القضية السورية على تطور القانون الدولي“، ذكر الباحث سليم سنديان، أنه “بين نهاية عام 2010 وبداية عام 2011، أصبحت دول عدة من دول العالم العربي مسرحًا لحركات احتجاجية واسعة، سعت إلى إنهاء عدم احترام حقوق الإنسان والفساد والظلم من جهة، وسوء توزيع الثروة وغياب سيادة القانون والحكم الرشيد والشفافية من جهة أخرى”. وأضاف الباحث: “مع عجز مجلس الأمن عن اتخاذ أي قرار لإيقاف الحرب الدائرة في سورية أو تحويل المسؤولين عن الفظائع أمام المحكمة الدولية، فإننا نتساءل عن أثر هذا التباين على تطور القانون الدولي، وخصوصًا في ما يتعلق بمفاهيم العدالة الدولية والشرعية الديمقراطية ومفهوم المسؤولية عن حماية المدنيين، التي تشكل المحاور الثلاث لهذه الدراسة”. وأكد الباحث في دراسته أن “تعزيز هذه المفاهيم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بضرورة إصلاح هيئات الأمم المتحدة، خصوصًا في ما يتعلق ببنيتها وطريقة عملها، بحيث تصبح أكثر تمثيلًا وتصبح قراراتها معللة.
وناقشت الجلسة الرابعة دراسة للقاضي حسين حمادة، بعنوان “الخلاص الوطني السوري من زاوية حقوقية”، أشار فيها إلى أن “الحديث عن الخلاص الوطني السوري له أكثر من جانب، بمعنى أنه لا يمكن النظر إليه بأنه صراع ما بين موالاة ومعارضة، وإنما هو صراع وطني له جوانب عدة، على رأسها الجانب الحقوقي، وهذا يعني بالضرورة أن المشروع السياسي بمفرده لا يستطيع أن يعالج الأزمة الوطنية التي تعانيها سورية الآن، سواء في جانبها القانوني أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وإنما تحتاج إلى مشروع وطني يكون فيه الجانب القانوني الحاضر الأبرز”.
وأكد حمادة أهمية تشكيل “منظومة حقوقية” لرؤية الدولة المستقبلية، سواء في المرحلة الانتقالية أو المرحلة ما بعد الانتقالية، والتي تؤسس لهيئات ومجالس ومؤسسات بلغة سياسية قانونية احترافية. وأشار إلى أن سورية تفتقر إلى “مشروع وطني سياسي ذي جانب حقوقي، يمكن له أن يؤسس لإعادة بناء الدولة، ويؤسس لأن تكون سورية الجديدة دولة مدنية ديمقراطية تعددية”.
وكانت الدراسة المعنونة “قانون الجمعيات في سورية، ورؤية للإصلاح وفق المعايير الدولية“، للباحث أحمد صوان، الدراسة الأخيرة على جدول أعمال الجلسة الرابعة. وأوضح فيها الباحثأن “فكرة البحث تنطلق من أن قانون الجمعيات في سورية، إضافة إلى القوانين الاستثنائية السارية في سورية، حرم المجتمع السوري طوال العقود الماضية من حق إنشاء الجمعيات، وهو حق منصوص عليه في الميثاق الدولي لحقوق الإنسان”.
واستعرض صوان في دراسته “المواد القانونية التي تخالف المعايير الدولية وتصادر حرية الجمعيات بقراراتها وممارسة نشاطها”. وأشار إلى “مجموعة توصيات، مفادها وجوب إلغاء عدد من مواد هذا القانون، وتعديل مواد أخرى، ليصبح القانون منسجمًا مع التوجه العالمي، ويواكب القوانين المتطورة بخصوص الجمعيات”.
وكانت أعمال “المؤتمر الثاني للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية” قد انطلقت، السبت 15 كانون الثاني/ يناير 2022، والتي ستستكمل يومي 22 – 23 كانون الثاني الجاري، بجلستين رئيسيتين أيضًا، إضافة إلى عدد من الدراسات لأكاديميين وعدد من الباحثين الاجتماعيين السوريين.