يستضيف مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في هذه الفسحة الحوارية، المعتقل السياسي السابق المعارض السياسي والناشط الحقوقي والنقابي المهندس مروان العش، أمين سر “اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات” (SCD).

ضيفنا كان “عضوًا بارزًا وفعالًا”، في “إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي”، وسبق أن اعتُقل وسُجن سنتين ونصف، بين عامي 2008 و2010، بسبب انتمائه إلى “إعلان دمشق”، ويقول لنا في هذا الحوار إنّ ما شاهده في معتقلات الأسد، قبل ثورة الحرّية والكرامة وبعدها في 2011، “مفجع ومؤلم وقاهر”. وكان عناصر أجهزة الأمن الأسدية قد قاموا بمداهمة منزل العش في بلدة أشرفية صحنايا، إحدى ضواحي دمشق العاصمة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، واعتقلوه بعد تفتيش منزله، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012.

أمين سرّ “اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات” بيّنَ في هذا الحوار أنّ ما وثّقته اللجنة، بالتعاون مع “داتا” جهات حقوقية سورية ودولية وإنسانية وأهلية في عام 2021، أظهر أنّ أعداد المعتقلين السوريين، لدى النظام السوري والجهات الداعمة له كـ“حزب الله” اللبناني، ولدى الفصائل السورية المسلّحة، و “قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد)، و“هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقًا)، يتجاوز 300 ألف معتقل ومخطوف ومختف.

وفي هذا الحوار، تفاصيل مهمة عن ماهيّة “اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات” ودورها وغايات تأسيسها، وعن كيفية دعمها لقضية المعتقلين والمختفين قسرًا والمفقودين، وعن دور أطياف وقوى المعارضة والثورة، ممثّلة بـ“الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، على الصعيد الدولي، في حلّ قضية المعتقلين، وعن الدور الروسي من تلك القضية، بعد أن انتهك نظام الأسد مواد عدة في “الدستور السوري”، ولم يفِ بالتزاماته بأيّ من المعاهدات والاتّفاقيات الدولية التي صدّق عليها، وبخاصّة “العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية”، وغير ذلك من المواضيع المتعلقة بملفّ المعتقلين والمختفين قسرًا والمفقودين السوريين.

بداية، نسألكم عن ماهيّة “اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات” (SCD)، وأهدافها وغايات تأسيسها ومجالات نشاطها، وهل لديكم إحصائيات دقيقة حول عدد المعتقلين والمختفين قسرًا والمفقودين في عشرية الثورة/ الحرب؟

“اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات” هي منظمة مستقلّة غير ربحية وغير حكومية، تعمل على حريّة المعتقلين والمعتقلات، وتوثيق حالات الاعتقال، وبيان مصير المعتقلين، ودعمهم ودعم أسرهم، وتأمين تواصل المعتقلين وعائلاتهم مع محامين متطوعين، لمتابعة أمورهم القضائية في المحاكم والسجون المدنية والعسكرية، والمشاركة مع المنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية في إعداد ملفّات الشهود لقضايا الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والخطف في سورية بعد 2011، بغية تحقيق عدالة انتقالية.

 أسّسها معتقلو رأيٍ -من الجنسين- نجَوا من معتقلات النظام السوري، بعد الثورة السورية 2011، وكان تأسيسها في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، باجتماع ناشطين من الداخل السوري وتركيا وأوروبا، أعدّوا نظامًا داخليًا ومجلس إدارة وترتيبات إدارية، تطوّعًا. وواجهت اللجنة صعوبات وعقبات، بسبب عدم وجود تمويل واعتماد ذاتي، وأطلقت منصّة خدمات واستشارات، عبر صفحات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر)، و”داتا” معلومات مشتركة، ولنا -كلجنة شراكة- عمل وتبادل معلومات، مع العديد من الجهات الحقوقية والإنسانية الدولية والعربية والسورية.

ومنذ عام 2016، بدأ التواصل مع المعتقلين الناجين والناجيات، وأهالي المعتقلين والمعتقلات والمختفين القسريين والمخطوفين، والمهتمّين بقضية الاعتقال في سورية، لدى كلّ الأطراف التي تمارس الاعتقال بأشكاله، وأولها المعتقلون لدى نظام الأسد الأمني وأجهزته وقطعات الجيش السوري والميليشيات السورية (الدفاع الوطني، كتائب البعث، اللجان المحلّية للمدن والبلدات)، ولدى حلفائه وميليشياته (“حزب الله” اللبناني، و“الحرس القومي العربي”، و“الحرس الثوري الإيراني”، وفصائله من الميليشيات الشيعية العابرة، والفصائل العراقية للحشد في سورية)، وكذلك مع معتقلي “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش)، ومعتقلي “هيئة تحرير الشام”، ومعتقلي “قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتوابعها، ومعتقلي الفصائل المسلّحة السورية بتنظيماتها المختلفة.

تربطنا علاقات عمل، ونتشارك ملفّات توثيق المعتقلين، مع جهات سورية ودولية ومنظمات حقوقية وإنسانية مهتمّة، ونُقاطع معلومات للبحث والإخبار عن حالات وقضايا التوثيق والأرشفة.

يُعدّ ملفّ تقدير أعداد المعتقلين من أصعب الملفّات، فحركة الاعتقال والخطف والإخفاء القسري مستمرّة من عام 2011، بل من قبل ذلك، وهي عملية متحركة وغامضة، ولا يعلن عنها أغلب الأوقات للناس العاديين في مساحة سورية عمومًا، ومناطق سيطرة النظام خصوصًا، وأعداد المعتقلين لدى النظام هي الأعلى والأغلب، بين كلّ جهات الاعتقال في سورية، وإن كان الجميع يرفض الاعتراف بأنّه لديه معتقلين يخفيهم قسرًا، ويظل الأمر كذلك حتّى يظهر البعض محالًا إلى محاكم النظام والقوى الأخرى، أو تظهر شهادات وفيات البعض صدفة، أو تظهر بعض المعلومات بمتابعة الأهالي للقيود المدنية (النفوس) أو شهادات الوفاة في المشافي العسكرية للنظام التي تُسلّم عبر فروع الشرطة العسكرية لإغلاق ملفّ معتقل، وفي معظم الأحوال يظل المعتقل تحت توصيف الإخفاء والاختطاف القسري، وتظل أعدادهم مهولة.

وفق متابعاتنا، منذ 15 آذار/ مارس 2011، ووفق تقاطع معلومات وإخبارات من مهتمّين ومختصّين ومعتقلين سابقين وشهود عيان، فإن النظام السوري اعتقل وخطف وأخفى ما يتجاوز مليون و300 ألف سوري على الأقل، خضعوا لفترة اعتقال أو خطف أو إخفاء قسري، أغلبهم سوريون، ومن الجنسيات الأخرى في معتقلات النظام (فلسطيني سوري، فلسطيني سلطة وغزة، أردني، عراقي، سعودي، تونسي، جزائري، كويتي، مصري، تركي، روسي، فرنسي، وجنسيات أخرى…) معظمهم من المدنيين، وقسم منهم مسلّحون. ويُقدّر العدد الباقي، وفق تلك المعطيات في عام 2021، بما يتجاوز 300 ألف معتقل ومخطوف ومختف، ما زالوا لدى النظام السوري والجهات الداعمة له، كـ “حزب الله” اللبناني، والفصائل السورية المسلّحة، و “قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد)، و“هيئة تحرير الشام”.

وبالتعاون مع “داتا” جهات حقوقية أخرى؛ وثّقنا أعداد من تصل إلينا معلوماتهم، ووثّقت الجهات السورية والدولية الحقوقية والإنسانية والأهلية إجمالًا ما يُقدّر بـ 150 ألف معتقل، بمعلومات جزئية أو كلّية، وفق استمارات مختلفة، أعلاها استمارة لجنة المعتقلين بالأمم المتّحدة 19 معلومة مطلوبة ووثائق، ومنها استمارات بنماذج متنوّعة تصل إلى 13 معلومة عن المعتقل، ومنها ما هو أقل من ذلك، كلّ هذه المعلومات مطلوبة لتوثيق حالة اعتقال، وقد وثّق أهالي وأصدقاء ومعارف بعض المعتقلين والمختفين قسرًا معلوماتهم كاملة أو جزئية. ونحن ننتظر من أهالي المعتقلين وأصدقائهم ومعارفهم أن يساعدونا في توثيق العدد الباقي لحالات الاعتقال والإخفاء القسري والخطف، التي يعلمون أو يسمعون بها، ونعدّ ذلك واجبًا وطنيًا وإنسانيًا لحفظ وتوثيق كلّ حالات الاعتقال، لدى كلّ الأطراف على الأراضي السورية، لمتابعة حالاتهم والمطالبة بمعرفة مصيرهم وإطلاق حرّيتهم.

مروان العش مشاركًا إلى جانب عدد من النشطاء والحقوقيين السوريين في مؤتمر المعتقلين في العاصمة الإسبانية مدريد (أرشيف 2018)

روسيا إلى اليوم شريك للنظام في مأساة السوريين

لم يفِ نظام الأسد -كما تعلمون- بالتزاماته بأيّ من المعاهدات والاتّفاقيات الدولية التي صدّق عليها، وبخاصّة “العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية”، كما أنّه انتهك موادّ عدة في الدستور السوري نفسه، إذ استمرّ في توقيف مئات آلاف المعتقلين دون مذكرة اعتقال سنوات طويلة، ودون توجيه تهم إليهم، وحظر عليهم توكيل محام، ومنع الزيارات العائلية، وحوّل قرابة 65% من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرًا. بتقديركم؛ هل يمكن في الظروف الحالية، من دون انتقال ديمقراطي في سورية، حدوث أي تقدّم جدّي في معالجة ملفّ المعتقلين والمختفين قسرًا، خاصّة مع الصمت الدولي وغياب ضغوط دولية حقيقية على النظام أو الروس لحلّ هذا الملفّ؟

وقّع النظام السوري العديد من الاتّفاقيات الدولية والعهود، بفترات مختلفة، بعد عام 1970 وقبل ذلك، ومنها “العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية” الذي وقّعته سورية بتاريخ 21 نيسان/ أبريل 1969، وصادقت عليه في شهر آذار/ مارس 1976، واتّفاقية حماية الطفل، واتّفاقية منع التعذيب، والعديد من الاتّفاقيات والبروتوكولات، وتحفّظ على العديد من المواد، لأسباب مختلفة سياسية ومجتمعية وأمنية.

ومع الأسف، نكص النظام عن الالتزام بتنفيذ معظم مواد وبنود ما وقّع عليه، بمبرّرات وحجج واهية وغير مقنعة لأطراف الاتّفاقيات والجهات المؤتمنة على التنفيذ وإدارات منظمة الأمم المتّحدة المختلفة. وازدادت خروقات النظام لكلّ العهود والمواثيق الدولية التي وقّع عليها، خصوصًا بعد قيام ثورة السوريين في آذار/ مارس 2011، وظهر للعالم نمط جديد من التوثيقات وشهود العيان ووسائل التواصل الاجتماعي، ممّا ساهم في توفير مئات الآلاف من الصور والفيديوهات والصوتيات لحالات الاعتقال والتعذيب والقتل والحرق والإعدام الميداني، وسوء المعاملة الممنهج للمدنيين السوريين، داخل معتقلات وإدارات النظام السوري، والفصائل المسلّحة، و “قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ومناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” شمال وشرق سورية، إضافة إلى جرائم “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش) الموثّقة والمعلنة والمنشورة للعامّة، ممّا أفجع كثيرين من مشاهد ذكّرت بالحرب العالمية الثانية وفظائعها، وهو ما يجري في سورية بشكلٍ متطوّر ومحدّث.

وضع ملفّ المعتقلين على الطاولة، وفي ضمير كلّ سوري، من أول شهر للثورة السورية 2011، ووثّق أولًا بأول، بشهود عيان وبإخباريات وبالتصوير أحيانًا، أمام البعثات الدولية ومبعوثي الأمين العامّ للأمم المتّحدة لسورية ومنظمات ولجان تحقيق عربية ودولية و“مؤتمر جنيف” (واحد واثنان) وما بعده الخاصّ بمفاوضات قوى الثورة والمعارضة مع النظام وحلفائه، وكان هناك في معظم الأحيان بندٌ رئيسي يتمّ تجاوزه والقفز عليه، إلى قضايا راهنة بوقتها وتجاذبات سياسية سورية ودولية.

لم تُفلح كلّ الجهود في رفع مستوى قضية المعتقلين إلى أن يكون ملفًّا “فوق تفاوضي”، إنسانيًا أولًا، ثمّ حقوقيًا، وتلاعب النظام السوري وحلفاؤه بهذه القضية، بعبارات وصيغ مطاطة، بالرغم من وضوح القضية ومأساة المعتقلين وتضخم أعدادهم بكلّ الأوقات، وبقي الملفّ مستمرًّا ونشطًا لاستمرار نهج النظام في سياسة الاعتقال الممنهج والعشوائي، ولا شك في أن عدم إيجاد حلّ لملفّ المعتقلين أمرٌ شائن ومخز لكلّ الجهات الدولية وأطراف الصراع في سورية.

يربط النظام حلّ قضية المعتقلين شكلًا بالحلّ السياسي الذي يمارسه عبر الخداع واللامبالاة، لوجود فيتو روسي وصيني، يبعد عنه العقوبات والتدخّل الدولي تحت البند السابع، ولا يشعر كلّ هؤلاء بعمق الجريمة والمأساة وبمعاناة المعتقلين وأهاليهم وأحبائهم. وسيبقى ملفّ المعتقلين والاعتقال في سورية مفتوحًا ومتابعًا، برأينا، حتّى تطبيق القرار الدولي 2254، ووجود إرادة دولية لحلّ سياسي دائم ومستدام في سورية، وتحقيق بنوده بالتسلسل، وأعلاها إطلاق سراح المعتقلين، ومحاسبة من اعتقلهم، وتعويضهم ومعالجتهم، وهو ما لم يحصل إلى الآن. ويتهرّب النظام من هذا الملفّ واستحقاقاته، كي لا يصل إلى اللحظة التي يكشف النقاب فيها عن أفظع وأشنع جريمة ضدّ الإنسانية، بالأعداد والأرقام، وإلى كشف مصير مئات الآلاف من السوريين وغيرهم ممن اعتقلهم وخطفهم النظام، وقد غيّب كثيرًا منهم تعذيبًا وإخفاءً وقتلًا.

يرى مختصّون حقوقيون أنّ ملفّ المعتقلين والمختفين قسرًا والمفقودين لا يمكن له أن يُحلّ إلّا ضمن معايير وشروط معيّنة يحدّدها بوضوح القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. فهل لكم إطلاعنا على هذه المعايير والشروط؟ وما السبل إلى نتائج إيجابية على أرض الواقع، مع نظامٍ عُرف عنه الإجرام وعدم الامتثال لأي تشريعات أو أي منظومة قانونية، سواء أكانت دولية أم سورية؟

حدّد القانون الدولي والمعاهدات الدولية والاتّفاقيات بشكلٍ واضح الموقفَ القانوني الدولي من الاعتقال والاعتقال خارج القانون والخطف والإخفاء القسري والحالات المشابهة، ووضع أسسًا ونواظم إجرائية لكلّ حالة وتوصيفها، ونظم إحالات ودرجات وعقوبات قضائية معلنة لكلّ حالة، وفق القوانين الوطنية أو مبادئ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والعهود الدولية الأخرى. وجاءت المادة التاسعة من “العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية” لتبيّن حقوق وواجبات الدول تجاه الاعتقال القضائي، وهو الأصل والباقي استثناء غير مقبول. وبيّنت ضرورة التزام الحكومة السورية باحترام الحقّ في حرّية تكوين الجمعيات وما يستتبعه من حقوق في حرّية التعبير والتجمع، كلّها حقوق قائمة ومستقرّة في القانون الدولي. وسورية ملزمة، بموجب معاهدات دولية عدّة، بالحفاظ على هذه الحقوق، ومن هذه المعاهدات “العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية”، و”العهد الدولي الخاصّ بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية”. وقد صادقت سورية على “العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية”، في 23 آذار/ مارس 1976، وعلى “العهد الدولي الخاصّ بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية” في 3 يناير/ كانون الثاني 1976.

ونصّ “العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”: الجزء الأول – المادة 9:

1- كلّ فرد له حقّ في الحرّية وفي الأمان على شخصه ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفًا، ولا يجوز حرمان أحد من حرّيته إلّا لأسباب ينصّ عليها القانون وطبقًا للإجراء المقرّر فيه.

2- يتوجّب إبلاغ أي شخص يتمّ توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه، كما يتوجّب إبلاغه سريعًا بأية تهمة توجّه إليه.

3- يقدّم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعًا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخوّلين قانونًا مباشرةَ وظائف قضائية، ويكون من حقّه أن يحاكم خلال مهلة معقولة، أو أن يفرج عنه، ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامّة، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء.

4- لكلّ شخص حُرم من حرّيته بالتوقيف أو الاعتقال حقّ الرجوع إلى محكمة، لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني.

5- كلّ شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني له الحقّ في الحصول على تعويض.

ونصّ “العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”: الجزء الأول – المادة 14:

1- الناس جميعًا سواء أمام القضاء. ومن حقّ كلّ فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجّه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محلّ نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصّة مستقلّة حيادية، منشأة بحكم القانون. ويجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمة كلّها أو بعضها، لدواعي الآداب العامّة أو النظام العامّ أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصّة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخلّ بمصلحة العدالة، إلّا أنّ أي حكم في قضية جزائية أو دعوى مدنية يجب أن يصدر بصورة علنية، إلّا إذا كان الأمر يتّصل بأحداث تقتضي مصلحتهم خلاف ذلك أو كانت الدعوى تتناول خلافات بين زوجين أو تتعلق بالوصاية على أطفال.

2- من حقّ كلّ متّهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئًا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونًا.

3- لكلّ متّهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامّة، بالضمانات الدنيا التالية:

– أن يتمّ إعلامه سريعًا وبالتفصيل، وفي لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجّهة إليه وأسبابها.

– أن يُعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتّصال بمحام يختاره بنفسه.

– أن يحاكم دون تأخير لا مبرّر له.

– أن يحاكم حضوريًا، وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام من اختياره، وأن يخطر بحقّه في وجود من يدافع عنه إذا لم يكن له من يدافع عنه، وأن تزوده المحكمة حكمًا، كلّما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، بمحام يدافع عنه، دون تحميله أجرًا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر.

– أن يناقش شهود الاتّهام، بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بذات الشروط المطبّقة في حالة شهود الاتّهام.

– أن يُزود مجانًا بترجمان، إذا كان لا يفهم أو لا يتكلم اللغة المستخدمة في المحكمة.

– ألّا يُكره على الشهادة ضدّ نفسه أو على الاعتراف بذنب.

4- في حالة الأحداث، يراعى جعل الإجراءات مناسبة لسنّهم ومواتية لضرورة العمل على إعادة تأهيلهم.

5- لكلّ شخص أدين بجريمة حقّ اللجوء، وفقًا للقانون، إلى محكمة أعلى، كي ما تعيد النظر في قرار إدانته وفي العقاب الذي حكم به عليه.

6- حين يكون قد صدر على شخص ما حكم نهائي يدينه بجريمة، ثم أُبطل هذا الحكم أو صدر عفو خاصّ عنه على أساس واقعة جديدة، أو واقعة حديثة الاكتشاف تحمل الدليل القاطع على وقوع خطأ قضائي، يتوجّب تعويض الشخص الذي أنزل به العقاب نتيجة تلك الإدانة، وفقًا للقانون، ما لم يثبت أنّه يتحمّل، كلّيًا أو جزئيًا، المسؤولية عن عدم إفشاء الواقعة المجهولة في الوقت المناسب.

 7- لا يجوز تعريض أحد مجددًا للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو بُرّئ منها بحكم نهائي وفقًا للقانون وللإجراءات الجنائية في كلّ بلد.

كلّ هذا بقي حبرًا على ورق، ولم تلتزم الحكومة السورية -معظم الأوقات- بالمعايير والأسس الناظمة للاعتقال بمذكرات قضائية ومحاكم مدنية معلنة، ممّا يستوجب من المجتمع الدولي والأطراف الموقعة اتّخاذ إجراءات وموجبات ضرورية لأهمّية الالتزام بالعهود والمواثيق، أو فرض عقوبات أممية، وفق ما نصّت عليه موجبات التوقيع والتصديق.

والسبيل المطلوب دوليًا لمواجهة انتهاكات النظام هو العمل على إجبار الحكومة السورية على تنفيذ متطلّبات المعاهدة، وفي حال عدم القدرة على ذلك، يجب التوجّه نحو تعليق أو فصل الحكومة السورية من المعاهدة، وملاحقة الجرائم الموصوفة الواقعة بعد 15 آذار/ مارس 2011، وإحالتها إلى محكمة دولية خاصّة بالجرائم الواقعة في سورية تقرّها الجهات صاحبة الولاية، بالرغم من معرفتنا بالفيتو الروسي والصيني في مجالس وهيئات الأمم المتّحدة والتي يمكن تجاوزها في بعض الحالات، عبر الجمعية العمومية وتطبيق المادة 101 التي استخدمت سابقًا دوليًا، مرات عدة.

صورة من فعالية تضامنية مع المعتقلين السوريين في بروكسل (أرشيف 2018)

برأيكم، لماذا لا تسعى روسيا إلى الضغط على النظام للبدء بإخراج المعتقلين السياسيين، وخصوصًا من لم يحمل السلاح، وهم داخل السجون منذ أكثر من عشر سنوات؟

روسيا إلى اليوم شريكٌ للنظام في مأساة السوريين، والوضع القانوني للوجود الروسي في سورية هو “قوّات مساعدة”، ولكن حقيقة الأمر أنّ روسيا تُشرف على كلّ العمليات العسكرية والسياسية واللوجستية على الأرض، خصوصًا تنفيذ مقرّرات “مؤتمر سوتشي” ومخرجات اجتماعات آستانا، فضلًا عن مشاركة الروس في تنفيذ عمل “مناطق خفض التصعيد” التي أدّت إلى دخول قوّات النظام مناطق عديدة كانت خارج سيطرته، وتنفيذ اتّفاقيات مصالحة شكليّة للتلاعب بالوقت، نتج عنها تسويات غير مضمونة للفصائل المسلّحة والمدنيين، وكان من نتائجها اعتقال وتوقيف وإعدام كثير من الأشخاص الذين أجروا تسويات في دمشق وريفها وحمص وريفها ومدينة حلب ودرعا.

كلّ هذا يشير إلى أنّ الروسي غير موثوق في سياسته وتعهداته، وملفّ المعتقلين الذي طرح في “سوتشي” 2018 وفي “آستانا” 2017 ما كان إلّا خداعًا ومماطلة روسية، لتمكين النظام من استرداد الأرض، بمختلف الأشكال والأدوات العنيفة، وبخداع المواطنين في المناطق التي سيطر عليها بعد عام 2016.

لا يعوّل على الدور الروسي منفردًا في ملفّ المعتقلين، فهو يتهرّب من استحقاقات وعد بها مقابل مصالحات بعض المناطق بضمانة قوّاته، و“مركز عمليات القوّات الروسية في سورية” في مطار حميميم، وغيره عبر “مركز التنسيق الروسي بدمشق”. ولم يحاول الروس حتى الآن التدخّل الجدّي في ملفّ المعتقلين، بادّعاءات واهية أنّه ملفّ وطني يخصّ الدولة السورية، وأنه خارج اتّفاق التعاون العسكري المبرم بين الحكومتين الروسية والسورية في عام 2015.

فشلت المعارضة السياسية في حلّ ملفّ المعتقلين

يتحدّث أهالي المعتقلين والمختفين قسرًا والمفقودين، عن استنكاف رسميي المعارضة، من إعلاميين ومثقفين وسياسيين، عن بذل الجهود الكافية من أجل المطالبة بإطلاق سراحهم، أو الكشف عن مصيرهم، ماذا فعل هؤلاء من أجل هذه القضية، وغيرها من القضايا المشابهة؟

خلال سنوات الثورة العشرة الماضية 2011/ 2021، وُضع ملفّ المعتقلين، نظرًا لحساسيته وأهمّيته الإنسانية والاجتماعية، في برامج عمل ونشاط الجهات السياسية للثورة، في محطات كثيرة منها، “المجلس الوطني السوري” ولجانه، و“الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” ولجنته القانونية، ولجنة المعتقلين ضمن “الائتلاف” و“الهيئة العليا للمفاوضات” وملفّ المعتقلين فيها، وخلال جميع المؤتمرات التي حضرتها هذه الواجهة السياسية للثورة والمعارضة، كانت المطالبُ بالإفراج عن المعتقلين ومعرفة مصير المفقودين بندًا رئيسيًا، وقد حضر ممثّلو وأعضاء هذه الواجهات السياسية مؤتمراتٍ دورية وعادية لمجالس حقوق الإنسان وهيئة الأمم المتّحدة ومنظماتها، وصرفوا وقتًا كثيرًا ومهمًّا في لحظات فارقة، ولكن من دون طائل، ومع الأسف، فإن تعنّت النظام والروس في المحافل الدولية، وعدم الاعتراف بهول الكارثة، وتلاعب النظام الإعلامي والبروباغاندا المخابراتية السورية بأنّه يعتقل إرهابيين ومسلّحين وخارجين عن القانون، ويحيلهم إلى محاكم شكليّة، وينفذ أحكام قانون العقوبات السوري، بينما هو يستخدم القانون 22 محكمة قضايا الإرهاب 2012 (بديلًا لمحاكم أمن الدولة سيئة الذكر بالثمانينيات)، وقانون المحاكم العسكرية الاستثنائي على المدنيين لعام 1967، ضد الذين ثاروا على النظام الاستبدادي في سورية في 2011.

مع الأسف، فشل “المجلس الوطني السوري” و“الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” و“الهيئة العليا للمفاوضات” في إنجاز أي خطوة إيجابية للأمام في ملفّ المعتقلين، وفشلوا في إخراج معتقل واحد أو معتقلة واحدة، مع الأسف، وكذلك كلّ “اجتماعات آستانا” لم تنجح في إطلاق أي معتقل أو معتقلة، وكلّ هذا مفهوم ضمن سياق تعنّت النظام الأمني الدكتاتوري، وإبقاء ملفّ المعتقلين والمعتقلات للمساومة والبازار الدولي لحظة الحلّ السياسي أو الضغط الدولي الفاعل الذي لم يحصل إلى اليوم.

أمّا من يُطلق سراحهم من معتقلات النظام، فهم إمّا انتهت أحكامهم، بأن شملتهم مراسيم العفو من النظام بربع المدّة، أو عبر صفقات التبادل بين الفصائل المسلّحة المتنوّعة ووسطاء من النظام والروس عبر منظمة “الهلال الأحمر السوري”، أو عبر إخلاءات سبيل لبعض المعتقلين الجدد، في مناسبات ودعايات النظام بالمصالحات والمناسبات الإعلامية.

عمليات الاعتقال لا تزال مستمرّة بالوتيرة ذاتها، وتستهدف الآن المناطق التي استعاد النظام والروس السيطرة عليها، في وقتٍ يعتمد فيه الأسد وحلفاؤه إستراتيجية تهدف إلى إخراج ملفّ المعتقلين، وأية ملفّات أخرى تتعلق بالجرائم التي ارتكبوها، من إطار أيّ عملية تفاوضية أو مسار سياسي، وتمرير اتّفاقات لمنح عفو عامّ عن مرتكبي تلك الجرائم والانتهاكات. ما هي مخاوفكم في هذا السياق، خاصّة أننا نشهد، يومًا بعد يوم، تفريط الهيئة العليا للمفاوضات بحقوق السوريين السياسية والقانونية؟

النظام السوري، منذ عام 1963، قائم على الاستبداد والقمع بمختلف صوره وأشكاله، وتحصّن خلال تلك المدة بحزمة قوانين ومراسيم تشريعية تخالف في مضمونها الدساتير السورية، ويعتمد مبدأ الاعتقال كمنهجية لإسكات وإرعاب الآخر الموالي والمعارض، وقامت وتطوّرت الأجهزة الأمنية السورية لتضع كلّ قطاعات وفعاليات المجتمع تحت مراقبتها وفي حيّز سلطتها القمعية أساسًا، التي تقوم على الاعتقال العشوائي والممنهج من دون أدنى مراجعة أو محاسبة أو رقابة، وتطوّرت الأمور خصوصًا بعد عام 2000، وصولًا إلى انطلاقة الثورة في 2011 ، ومنح الأجهزة الأمنية صفة المحقّق العدلي، واعتماد الضبط الأمني لدى أجهزة الدولة، كوثيقة رئيسية للاتّهام والملاحقة والإحالة إلى القضاء المدني والعسكري، ومن يعارض هذا التغوّل يُبعد ويتّهم ويُسرّح. الاعتقال زمن الثورة، كما الاعتقال في السابق، يتم تعسّفيًا، وأصبح الاعتقال يتم على الهوية (من المناطق الثائرة: داريّا وحرستا ودوما وبابا عمرو وصلاح الدين…)، إضافة إلى الاعتقال العشوائي على الحواجز وبالمداهمات والعمليات العسكرية في المدن والقرى، بلا سبب واضح للاعتقال، ومن لا يُعتقل ربّما حالفه الحظ أو غير ذلك.

لا يأبه النظام ومعه الروس بأيّ حلّ جدّي أو بادرة حسن نية تجاه الشعب في ملفّ المعتقلين وغيره، ولا حتّى مبادلة جنوده المأسورين لدى فصائل سورية بمعتقلين، وهناك حالات نادرة تمّت فيها المبادلة بين معتقلين وجنود النظام (صفقة تبادل). بينما يهتمّ الحرس الثوري الإيراني” وميليشياته و“حزب الله” اللبناني بأسراهم لدى فصائل المعارضة، ويُجبرون النظام على إطلاق سراح معتقلين تمّت المفاوضة عليهم مقابل أسرى إيرانيين أو من عناصر ميليشاوية.

تصدر مراسيم العفو -على قلّتها- لأسباب إعلامية وديماغوجية، لخلط الأوراق وبعض المناسبات، ونادرًا ما تشمل معتقلي الثورة، وتحدد بمواد المرسوم استثناءات، لكيلا يشمل مضمون هذه المراسيم معتقلي الثورة والرأي والضمير، وهي مخصّصة لأصحاب الجرائم الجنائية أصلًا، من لصوص وفاسدين ومغتصبين، ويستفيد معتقلو الثورة فقط من مواد منح ربع المدّة، أو تخفيض بعض الأحكام المؤبدة إلى أشغال شاقة، وأغلب مواد أحكام محكمة قضايا الإرهاب لا تُشمل بمراسيم العفو.

وللعلم، معظم المحالين على القانون 22 لعام 2012 (قانون محاكم الإرهاب) تمّت إحالتهم وفق ضبوط أمنية بفروع المخابرات والأجهزة الأمنية السورية المختلفة، تفتقر إلى أدنى المعايير والشروط لأصول التحقيق والإحالة والمحاكمة العادلة، وهي وريثة محكمة أمن الدولة العليا بالثمانينيات، التي تتميّز بالمزاجية وروح الانتقام والثأرية ضدّ المجتمع، وكلّ عاقل أو مفكر أو حر.

ولا يعوّل حاليًا، في هذه الظروف التي وصلت إليها القضية السورية، على حلّ لملفّ المعتقلين، وهو أهم ملفّ في المسار السياسي، ويجب أن يكون ملفًّا “فوق تفاوضي”، وذلك لانغلاق سبل التفاوض، وتعنت نظام الأسد وداعمه الروسي بعدم تطبيق 2254 و“بيان جنيف1” لعام 2012.

تمّ تأسيس لجنة للمعتقلين والمختفين قسرًا والمفقودين في “الهيئة العليا للمفاوضات” منذ “جنيف 3″، لخدمة قضية المعتقلين، هل لديكم تواصل مع هذه اللجنة؟ وهل تعرفون إلى أين وصلت في عملها؟ وكيف يمكن لها أن تؤثّر في ملفّ المعتقلين مع تعثر المفاوضات السياسية مع نظام الأسد؟

طُرح ملفّ المعتقلين والمعتقلات منذ جنيف 1 لعام 2012، وقبل أي قرارات، وتلاعب النظام والروس منذ تلك اللحظة بعدم الاعتراف بوجود معتقلي رأي وضمير وحرّية، بل اعتبرهم (إرهابيين) تطالهم القوانين السورية النافذة، ولم يحدث أي تقدّم في ملفّ المعتقلين منذ جنيف1و2و3و4، بالرغم من تقديم قوائم اسمية متوفّرة مع لجان التفاوض، و”داتا” سُلّمت إلى مبعوثي الأمم المتّحدة لسورية، ولم تستفد -مع الأسف- اللجان المفاوضة من تلك اللحظة التاريخية، برفض الدخول إلى أي قاعة مفاوضات قبل إطلاق سراح معتقلي الثورة، وهم بمئات الآلاف وتتوفّر قوائم كاملة المعلومات لعددٍ يفوق مئة ألف معتقل، منذ عام 2011 حتّى اليوم.

مع الأسف، الواجهة السياسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” و“الهيئة العليا للمفاوضات” تلاعبت بالملفّ أيضًا، ولم يكن عندها أولوية، وكان إثبات حسن النية بالحضور أمام المجتمع الدولي، كي لا يُتّهموا بالعرقلة، أهمّ من أولويات ملفّ المعتقلين الفوق تفاوضي أصلًا، بالقرار 2254 وبيان جنيف1” لعام 2012، ولم ينسحبوا أو يهدّدوا بالانسحاب، إذا لم يستجب رعاة المؤتمر (الأمريكان والروس والقوى الغربية) لإطلاق سراح المعتقلين من معتقلات النظام وسجونه المدنية والعسكرية. ولا دور مؤثرًا وفعالًا للجنة المعتقلين في “الهيئة العليا للمفاوضات” إلّا حضور المؤتمرات ورفع التوصيات والسفريات -مع الأسف- لرئيسة اللجنة منذ عام 2015 إلى اليوم.

مروان العش أثناء مشاركته في أحد المؤتمرات الخاصّة بملفّ المعتقلين (أرشيف)

ما أوراق الضغط لدى المعارضة السورية في قضية المعتقلين، إذا ما تجاهلها النظام وداعموه الروس في أيّ تسوية سياسية قادمة؟

من وجهة نظرنا، حقّنا مشروع -قانونًا وعرفًا- في إطلاق سراح معتقلي ومعتقلات الثورة السورية، وهم معتقلو رأي وضمير، ويجب ضمان محاكمتهم في محاكم مدنية، وفق قانون العقوبات السوري، وضمان حقّهم بالدفاع والاستئناف وحضور محاميهم وممثّلي الهيئات الدولية الحقوقية والإنسانية، ولكن هذا لم يحدث إلى اليوم، رؤيتنا تقوم على وقف أي عملية لقاء دولي، خصوصًا مع الروس ودول أوروبا، وعدم حضور أي جلسة تفاوض قادمة حول الملفّ السوري سياسيًا، قبل الضغط لإطلاق من بقي من المعتقلين منذ 2011، ومعرفة مصير باقي المعتقلين والمختفيين قسرًا والمخطوفين، في معتقلات ومناطق سيطرة النظام، وينطبق ذلك على قوى الأمر الواقع ومناطق سيطرته، وهي “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، و“هيئة تحرير الشام” بمحافظة إدلب وجوارها، وبقية الفصائل السورية التي تعتقل وتحتفظ بمعتقلين أو مخطوفين قسرًا، والضغط الدولي يمكن أن يفيد بذراعه الاقتصادي والسياسي على كلّ هذه القوى المفروضة على السوريين.

ملفّ المعتقلين بند “فوق تفاوضي” في أي حلّ سياسي

أمام إنكار أجهزة النظام الأمنية قيامها بعمليات الاعتقال التعسفيّ، وتحوّل معظم المعتقلين إلى مختفين قسرًا؛ ما الذي يمكن أن تفعله الهيئات والمنظمات والمراكز الحقوقية، السورية: كـ اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات و“الشبكة السورية لحقوق الإنسان” و“المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية” و“المركز السوري للإعلام وحرّية التعبير”، والدولية: كـ “فريق العمل الأممي المعني بالاختفاء القسري” و“اللجنة الدولية للعدل والمحاسبة” و“اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، وغير ذلك من المنظمات السورية والدولية التي تعمل في مجال توثيق حالات الاعتقال والاختفاء القسري؟ 

في القانون الدولي لحقوق الإنسان، يحدث الاختفاء القسري عندما يتمّ اختطاف شخص ما أو سجنه من قبل دولة، أو منظمة سياسية، أو من قبل طرف ثالث بتفويض أو دعم أو موافقة من دولة أو منظمة سياسية، ويتبع ذلك رفض الاعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده، بقصد وضع الضحية خارج نطاق حماية القانون، وهذا ما يجري في سورية منذ زمن طويل، وخصوصًا بعد قيام الثورة منتصف شهر آذار/ مارس 2011.

وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيّز التنفيذ في 1 تموز/ يوليو 2002 ، عندما يرتكب “الإخفاء القسري”، كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضدّ أي سكان مدنيين، فإنّه يعدّ جريمة ضدّ الإنسانية، ولذلك لا يخضع لقانون التقادم، وتمارس السلطات الأمنية وقوى الأمر الواقع على الأرض السورية مختلف أشكال الاعتقال التعسفي، وتُخفي المعتقلين ولا تصرّح بوجودهم، فيتحوّلون إلى مختفين قسريين، وفق العرف الدولي، وتقوم المنظمات واللجان والجمعيات السورية الناشطة في مجال الاعتقال وشؤونه بعمل مستمرّ مضنٍ ومؤثّر عبر توثيق حالات الاعتقال المختلفة، عبر الإعلان بوسائل التواصل الاجتماعي للتصريح عن حالات الاعتقال والإخفاء القسري والخطف، وهذا العمل مهمّ جدًا كي لا يفقد المعتقل حقّه ويضيع ويصبح رقمًا لدى الأجهزة الأمنية السورية والفصائل السورية و“قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و“هيئة تحرير الشام” وغيرها، ولا ننسى معتقلي “تنظيم الدولة” (داعش) الذين اختفت آثارهم قبل عام 2018، ونشدد على أهمّية المتابعة الدولية مع معتقلي (داعش) للوصول إلى معرفة مصير المعتقلين الذين كانوا في سجونهم.

تبذل المنظمات السورية المهتمّة بشؤون المعتقلين، ونحن في “اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات”، جهودًا لإبقاء ملفّ المعتقلين والمختفين قسريًا في سورية حيًّا وجاهزًا على طاولة المفاوضات، وجعله بندًا “فوق تفاوضي” في أيّ حلّ سياسي. ونتواصل مع المنظمات الدولية: (“هيومن رايتس ووتش”، “منظمة العفو الدولية” (آمنيستي)، “مجلس حقوق الإنسان”، “اللجنة الدولية الخاصّة بسورية”، “محكمة الجنايات الدولية”، و“الصليب الأحمر الدولي”، ومنظمات أهلية ومدنية في العالم، كـ“غرونيكا 37” الحقوقية الدولية وغيرها…) لمتابعة الملفّ وإضافة التحديثات وإعداد شكاوى، في الدول التي تسمح أنظمتها وفق “بروتوكول الولاية العالمية للقضاء” بمحاكمة جرائم التعذيب والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب وغيرها، حيث شرعنت دولٌ عدة عبر قضائها المحلّي قبول دعاوى ضدّ أفراد وجماعات خارج أراضيها (القضاء الألماني والسويدي والفرنسي والنمساوي والهولندي والإسباني..)، وقد سمحت هذه الدول بإقامة دعاوى من سوريين مقيمين فوق أراضيها ضدّ أركان وضباط وأفراد النظام السوري، وضدّ المتّهمين من فصائل المعارضة العسكرية و “قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد) و“هيئة تحرير الشام”، وغيرها من قوى الأمر الواقع في سورية. وهناك جهود مع بعض القوى العسكرية على الأرض السورية لفرض أسماء معتقلات ومعتقلين أثناء عمليات التبادل على الأسرى مع النظام.

ماذا عن أطراف الصراع السوري – السوري الأخرى (قوّات سوريا الديمقراطية، وهيئة تحرير الشام، والمعارضة المسلّحة / الجيش الوطني)، التي ارتكبت انتهاكات واسعة عبر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري في المناطق الخاضعة لسيطرتها، والتي يفترض أن تكون جميعها ملزمة بتطبيق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان؟

تمارس قوى ومخابرات النظام السوري، وقوى الأمر الواقع الفصائلية، و“قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد)، و“هيئة تحرير الشام”، أعمالًا خارج القانون الدولي والسوري، من حيث الاعتقال والإخفاء القسري والخطف، وأحيانًا القتل خارج القانون أو بمحاكم تفتقر إلى أدنى معايير القضاء العادل، نتابع في “اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات”حالات خطف أطفال وقصّر، لاستخدامهم مقاتلين لدى “قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ووردتنا شكاوى وقضايا تخصّ ملفّ الأطفال والقصّر، وكذلك تقوم بعض الفصائل بضمّ شباب يافعين دون سنّ 18 عامًا كمقاتلين لصفوفها، ووثّقنا حالات لدى بعض الفصائل العسكرية المعارضة، ولا ننسى ما قام به “تنظيم الدولة” إذ زجّ الأطفال الصغار في صفوفه وغسل أدمغتهم واستخدمهم قنابل موقوتة، وما زال كثير من هؤلاء الأطفال والشباب دون 18 سنة معتقلين لدى “قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وبإشراف “التحالف الدولي شمال شرق سورية”، ولا حلّ لمشكلة أغلبهم حتى الآن.

وإضافة إلى ذلك، هناك حالات اعتقال وخطف للإعلاميين والصحفيين المدنيين والناشطين الثوريين في مناطق نفوذهم، وقد حكمت بعض محاكمهم الصورية بأحكام مختلفة، بحقّ الناشطين والإعلاميين، تصل إلى الإعدام أحيانًا، غير أننا لم نوثّق أيّ حالة إعدام، حتى تاريخ اليوم، في مناطق قوى الأمر الواقع.

وكذلك حال الفصائل العسكرية و“الجيش الوطني” وشرطته العسكرية والمدنية، في شمال غرب سورية ومناطق “درع الفرات” و“غصن الزيتون”، حيث تقوم باعتقالات مختلفة قضائية وعشوائية أحيانًا، ولديهم مختفون قسريون، كما ظهر في أحد معتقلاتهم في عفرين (ظهور نساء معتقلات لدى الشرطة العسكرية للفصائل). ووردت معلومات عن حالات اعتقال بواسطة الفصائل، تمّ تسليمها إلى الأجهزة الأمنية في تركيا، ولم يُعرف مصيرهم، ولم نعلم هل تمّت إحالتهم إلى القضاء التركي أم لا، ولا نعرف مدى ولاية القضاء التركي على السوريين فوق الأراضي السورية في شمال البلد، وهؤلاء أيضًا أصبحوا في عداد المختفين حتى تاريخ اليوم.

ونحن في “اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات” والمنظمات الأخرى نوثّق الحالات التي تصل إلينا، ونبحث عن خيوط تتعلق بقضية الاعتقال والإخفاء القسري لدى كلّ القوى العسكرية وشبه العسكرية، ونرفع تقارير للجهات المهتمّة، ونتابع تحديث المعلومات.

في أوائل العام 2018، سلّم النظام السوري أهالي معتقلين وثائق تفيد بوفاة أبنائهم، وقد بلغت أعدادهم أرقامًا مخيفة، في الوقت الذي كانت فيه قوّاته العسكرية إلى جانب حلفائه يحقّقون “الانتصارات العسكرية” على الأرض، ما اعتُبر -حينذاك- وضعًا جديدًا بالنسبة إلى إستراتيجيات الاعتقال والقتل التي تتبعها الأجهزة الأمنية السورية -برعاية روسية- في محاولات لتغيير الطابع القانوني والحقوقي لهذا الملفّ الخطير. وفي هذا السياق، رأت جهات حقوقية أنّ من المهمّ أن تتابع منظمات وجمعيات المجتمع المدني السوري والجهات الدولية المعنية تعاملها مع الأمر كحالات اختفاء قسري، وعدم التسليم بمزاعم النظام إلّا في الحالات الفردية التي تقتنع فيها عائلة المختفي بالوفاة، وتختار عدم مقاربة الموضوع كحالة اختفاء. ما تعليقكم؟

يسعى النظام السوري بشكلٍ أساسي لطمس وإخفاء قضية المعتقلين ومصيرهم، ويتصرف بإجراءات ملموسة لطمس هوية المعتقلين، عبر إصدار شهادات وفيات من المشافي العسكرية والمدنية تسلّم إلى الأهالي عبر الشرطة العسكرية عند السؤال عن معتقل ما، أو عبر إرسالها إلى مديرية الأحوال المدنية (النفوس) وإصدار شهادة وفاة للمعتقل واعتبار وفاته طبيعية لأسباب مرضية، خلافًا للواقع والحقيقة التي شاهدناها في أثناء فترة اعتقالنا في جهاز “المخابرات الجوية”، في عامي 2012 و2013، حيث قُتل تحت التعذيب زملاءٌ لنا، وكذلك توفي كثير من المعتقلين من جراء إصابتهم بأمراض تلت تعذيبهم، وظهرت صورهم في ملفّ قيصر (قبل تاريخ 13/08/2013)، وهو تاريخ آخر صورة لقيصر قبل انشقاقه، وظهرت للبعض شهادات وفيات في الأحوال المدنية بأماكن إقامتهم، وكذلك هناك شهادات من معتقلين وأهال وناشطين، شاهدوا حالات اعتقال وقتل وإخفاء، ووصلت شهادات وفيات لهم.

يهدف النظام عبر ذلك إلى إغلاق ملفّ هؤلاء بموت طبيعي أو مرضي بأية أسباب مزورة، كي تتوقّف المطالبات بهؤلاء المعتقلين، نتابع ونتقصى ونظنّ أنّ شهادات الوفيات أغلبها حقيقية، مع الأسف، ولم يظهر أو يفرج عن أي معتقل ظهرت له شهادة وفاة، وهي مسألة حساسة في مجتمعنا الشرقي، من حيث الأسرة والزواج والإرث والحقوق والأطفال ومصير كلّ ذلك. ولن نسلم بمزاعم النظام، حتّى تسلم أو يعلم عن مكان الدفن موثّقًا وعيّنات (دي إن آ) للمعتقلين المتوفين تطابق عينات العائلة، وهذه مهمّة مستقبلية كبيرة، حضّرنا ندوة دولية بجنيف تتابع هذا الموضوع، علميًا وإداريًا، مع ناشطين بمختلف المناطق السورية.

الثمن الأغلى يدفعه المدنيّون والسكان المحلّيون

يومًا بعد يوم، نشهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سورية من كلّ أطراف الصراع، ليس آخرها القصف الذي استهدف مستشفًى مدنيًا في مدينة عفرين (شمال سورية). هل تعتقد أنّه يمكن للمنظمات الحقوقية السورية بمساعدة المجموعة الدولية فعل أي شيء لمحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات؟

تتابع المقتلة السورية فصولها من قوى النظام وحلفائه وقوى الأمر الواقع الأخرى، والخاسر الأكبر هو المواطن المدني وأسرته ومحيطه، من قصف مناطق المدنيين بمختلف الأسلحة، وتهجير من بقي منهم، واعتقال من يبقى في بيته عند دخول قوّات النظام للمدن التي يستردّها، وما حصل في مدن ريف حمص الشمالي وسراقب ومعرة النعمان وخان شيخون ودرعا وشرق حلب يؤكّد بالشواهد أنّ الثمن الأغلى يدفعه المدنيون والسكان المحلّيون قرب محاور العمليات القتالية وفيها، تدمّر البيوت والأرزاق وسبل العيش، وتدمّر الخدمات الصحية والأساسية (مياه وكهرباء..)، وكلّ ذلك موثّق بالصورة والفيديوهات، ويُقدّم إلى الجهات الدولية المختصّة بالشأن السوري. معاناة المدنيين مستمرّة، ومتابعتنا لأسماء منفذي العمليات القتالية ضدّ المدنيين متواصلة، وذلك بتتبع سلسلة الأوامر التي تصل إلى مسؤولي الدولة السورية كافّة، من عسكريين ومدنيين ممن هم في مواقع اتّخاذ القرار في النظام، ووثّقنا الكثير من هذا. ونحن نتابع عملنا حتّى يتمكّن السوريون من الوصول إلى محكمة خاصّة لجرائم الحرب في سورية، على شاكلة محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا ورواندا وكمبوديا وغيرها، والتي جلبت القادة العسكريين والسياسيين للمحاكم، وحاكمتهم على إجرامهم بحقّ شعوبهم.

تبعًا للسؤال السابق؛ ما هي السبل الكفيلة بإنشاء آليّة دولية محايدة ومستقلّة خاصّة بموضوع المختفين قسرًا والمفقودين في سورية، تُناط بها مسؤولية معالجة هذه القضية، لتمكين أهالي المعتقلين والمغيبين قسرًا من حقّهم في محاسبة المسؤولين في نظام الأسد، وكل سلطات الأمر الواقع في الأراضي السورية، عن جرائم الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والإعدام خارج نطاق القانون، وكذلك حقّهم في جبر الأضرار الجسدية والنفسية والمعنوية والمادّية التي لحقت بهم، وحقّهم في الحصول على ضمانات عدم تكرار هذه الجرائم؟

نعوّل على إقامة محكمة جنايات دولية خاصّة بجرائم الحرب التي وقعت في سورية بعد اندلاع الثورة، وستكون لدى هذه المحكمة فرصة للعمل الجاد، لما يحتويه الملفّ السوري من توثيقات عديدة لم تصل إليها أي محكمة سابقة دوليًا، وذلك بسبب تفاعل الناشطين السوريين لتوثيق كلّ الجرائم والمجازر والاعتقالات والإعدامات، وأرشيف الأجهزة الأمنية الذي استولى عليه بعض الناشطين في عام 2013 وصل إلى أوروبا، وهو محفوظ في مكان آمن لتسليمه إلى تلك المحكمة المعوّل عليها.

حاليًا، لا يتوفّر بين أيدينا -السوريين- إلّا الوصول إلى قضاء بعض الدول التي تعمل بـ“مبدأ الولاية القضائية العالمية” للقضاء المحلّي، كألمانيا وهولندا وفرنسا وغيرها، ورفع دعاوى قوية ومتينة الوثائق والشهود والوقائع، كالقضية المرفوعة في محكمة (كوبلنز) الألمانية، حيث تجري محاكمة المتّهم أنور رسلان (رئيس قسم التحقيق بالفرع 251 المخابرات العامّة السورية)، وقضية المتّهم الطبيب علاء موسى، في ولاية فرانكفورت ألمانيا، وهناك قضايا عدة في هولندا وفرنسا والسويد والنمسا، تتابع وتسيّر قضائيًا لمتّهمين موقوفين أو ما زالوا في سورية، وصدرت بحقّ بعضهم مذكرات توقيف دولية (الإنتربول الدولي)، مثل ضباط النظام المسؤولين عن المخابرات والمعتقلات، ووثّقت بحقّهم قضايا وشهادات مقبولة بالقضاء في تلك الدول.

في هذا السياق، كيف تنظرون إلى الدعاوى القضائية التي تُقدّم أمام المحاكم الأوروبية؟ وما مدى أهميتها، خاصّة أنّ حقوقيين سوريين يرون أنّ هذه الدعاوى التي ترفعها مراكز ومنظمات حقوقية سورية في أوروبا ضدّ نظام الأسد لا تتجاوز الـ ”شو الإعلامي”، داعين إلى التوقّف عن التضخيم الإعلامي لهذه الدعاوى؟

عدد من أعضاء “اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات” شاركوا في تقديم شهادات في بعض هذه المحاكمات عن فترات اعتقالهم، ضدّ ممارسات أجهزة المخابرات السورية العديدة، كما شارك بعض من نعرفهم من خارج اللجنة في شهادات، وتقدّم البعض بدعاوى للقضاء الألماني والفرنسي والسويدي والنمساوي وغيرها، والذي يرفع هذه الدعاوى منظمات ومؤسسات حقوقية أوروبية، وليست سورية، ولا يوجد إلّا محامٍ سوري واحد تقدّم بدعوى بصفته (لاجئ) لا (محام). أمّا باقي الدعاوى، فتتبناها -كما بيّنت- منظمات وهيئات حقوقية ألمانية وفرنسية وإسبانية، على حدّ علمي، لثلاث حالات أعرفها، وقد يوجد غيرها لا أعرفه، يساعدهم محامون سوريون بخبراتهم ومتابعاتهم، كونهم الأقدر على فهم وتقييم شهادات الشهود وظروفها ومصداقيتها.

مهمّ جدًا، في هذه الفرصة الطيّبة للسوريين المعتقلين والمعتقلات، استخدام “مبدأ الولاية القضائية العالمية” كإحدى الأدوات الأساسية لضمان منع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنسانية وتجريم مرتكبيها وقمعها، ومن أجل منع وقوع انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، وضمان تنفيذ آليّات مناسبة لفرض الجزاءات على المستوى المحلّي، مع التشديد على الولاية القضائية العالمية.

وينصّ نظام “المخالفات الجسيمة”، على النحو المبيّن في اتّفاقيات جنيف الأربع والوارد بشكلٍ موسّع في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، على أنّ الدول الأطراف ملزمة بالبحث عن الأشخاص الذين يُدعى ارتكابهم، أو إصدارهم أوامر بارتكاب، انتهاكات لاتّفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولها الأول، والتي تعتبر مخالفات جسيمة، وبمحاكمة هؤلاء الأشخاص، بصرف النظر عن جنسيتهم، أمام محاكمها، أو تسليمهم إلى دولة طرف معنية أخرى كي تحاكمهم.

إنّ الدول تتحمّل المسؤولية الرئيسية عن التحقيق مع الأشخاص الذين يدّعى ارتكابهم لانتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني ومحاكمتهم. وعندما لا تّتخذ الدول إجراءات قانونية ضدّ المشتبه في ارتكابهم هذه الجرائم، بناء على أسس أخرى للولاية القضائية، فإنّ استخدام الولاية القضائية العالمية يمكن أن يشكّل آليّة فعّالة لضمان المساءلة والحدّ من الإفلات من العقاب. وأمّا ما يجري أحيانًا من اهتمام إعلامي، فهو حقّ مشروع لخطوة بسيطة كمحاكمة متّهم أو أكثر موجودين على الأراضي الأوروبية، وهو أمرٌ مهمّ، لأنّه مؤشّر على أنّ العدالة تأخذ مجراها، ولو بخطوات خجولة، أمام هول الكارثة والمقتلة السورية.

أخيرًا؛ ماذا تقول لأهالي المعتقلين والمغيبين قسرًا، ولكلّ السوريين، بعد عَقد من الجحيم الأرضي السوري؟ 

تُعدّ قضية الاعتقال في سورية ممارسةً طبيعيةً لسلطات النظام وأجهزته الأمنية، وجريمة ممنهجة وسلوكًا يوميًا في مواجهة المجتمع عامّة، وأصحاب الرأي والفكر والحرّية خاصّة، وقد تحصّن النظام السوري منذ 1970 حتى اليوم، بسياسة الاعتقال، لشلّ حركة الخصوم وتقييد مطالب المجتمع، سياسيًا ومدنيًا واجتماعيًا، وتطوّر الأمر بعد تطلّع السوريين إلى الربيع العربي وانطلاق ثورتهم، وازدادت شراسة وعنف وإجرام أجهزة النظام السوري تجاه المدنيين المنتفضين والثوار، وطبّق أقسى الإجراءات والجرائم بحقّ المعتقلين والمعتقلات، بدءًا من لحظة الاعتقال الأولى، وطوال سنوات الاعتقال المريرة، لمن بقي حيًا ونجا من القتل، أو لمن مات بسبب التعذيب وفواجع الاعتقال وشجونه.

تعامل السجانون والمحقّقون ورؤساؤهم بوصفهم كائنات ليست بشرية ولا تحمل روح البشر ولا عقولهم، وتعامل المعتقلون مع ناس غرباء عن مجتمعهم، كشفوا لثام شذوذهم وساديتهم كمجرمين محترفين أمام الدم والصراخ والموت، لم يرحموا طفلًا أو شيخًا أو امرأة أو مريضًا، ساموا المعتقلين أشدّ العذاب والقهر والجوع والمرض، والسجان والمحقّق يدخن السيجار، ويشرب الويسكي، ويدردش مع زوجته وأطفاله، وكأنّ المعتقلين كائنات صماء لا بشر. مفجع ومؤلم وقاهر ما شاهدتُه في المعتقلات، قبل الثورة وبعدها، وكأنّ السوري كُتب عليه الموت قهرًا في معتقله، ولكن يصمد ويصمد، وينجو من ينجو، ويُقتل من يقتل.. لن ننسى ولن نسامح. نطالب من موقعنا بعدالة انتقالية وبمحاكم دولية لمجرمي الحرب والاعتقال في سورية. ولن نتوقف عن التوثيق والتدقيق وتعداد المعتقلين يوميًا وتحديث بياناتهم، ورفع الدعاوى القضائية العالمية حتّى يصل المجرم إلى محكمة تقتص منه من دون أن تعذّبه، كما عذب المعتقلين تحت سلطته. سنبقى نتظاهر ونتذكر معتقلينا كلّ يوم ومناسبة؛ لأنّ أمهاتهم وإخوتهم وزوجاتهم وأطفالهم وأحبتهم بانتظارهم، حتّى معرفة مصير كلّ معتقل سوري، وإطلاق حريّة كلّ المعتقلين من كل سجون الاستبداد في الجغرافيا السورية الممزّقة.