ضيف مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في هذه الفسحة الحوارية، هو المعارض السوري الصحفي سمير مطر، رئيس “رابطة الصحفيين السوريين” التي تأسّست بدايات عام 2012، وأسهمت في صياغة “ميثاق الشرف الأخلاقي للصحفيين السوريين” والتزمت به، وهي عضو مشارك في “الاتحاد الدولي للصحفيين” (الفدرالية الدولية)، تمّ قبولها فيه عام 2017. وهي مرخّصة في فرنسا، وتمّ تسجيلها رسميًا حسب “قانون الجمعيات الفرنسية” في 6 تمّوز/ يوليو 2013.

ضيفنا من مواليد البادية السورية عام 1971، وهو مقيم في ألمانيا منذ عام 1990، ويُعدّ أحد الأعضاء المؤسّسين لـ“رابطة الصحفيين السوريين”، وأصبح رئيسًا لها في العام المنصرم، وكان يعمل محرّرًا ومنتجًا تلفزيونيًا في قناة “دويتشه فيله عربية”، منذ عام 2002 حتى العام 2020، وهو يعمل حاليًا في “قسم الوثائقيات” في القسم الألماني في قناة “دي دبليو”.

في حوارنا هذا مع مطر، تطرّقنا إلى دور وعمل الرابطة على حماية الصحفيين السوريين، جسديًا ومعنويًا، من خلال شبكة اتصالات دولية واسعة مع العديد من المنظمات الإعلامية. وتناول الحوار كيفية اشتغال الرابطة على تمكين دور حرّية الصحافة والتعبير عن الرأي في سورية، إضافة إلى تطوير المهارات الصحفية لجميع الأعضاء.

هنا نص حوارنا معه..

بداية، حدّثنا عن “رابطة الصحفيين السوريين”، التأسيس والغايات والأهداف

جاء تأسيس “رابطة الصحفيين السوريين”، بتقديري، استجابة واعية لمتطلّبات الانتصار لثورة الشعب السوري على الطغيان والقمع والاستبداد، لتحمل من خلال صحفييها مهمّة نقل الحقيقة إلى الرأي العامّ المحلي والإقليمي والدولي، من دون تحيّز أو أدلجة.

تأسّست “رابطة الصحفيين السوريين” ردًا على بروباغندا التشويه، وعلى الصحافة الأسدية التي تشوّه الحقيقة وتصيبها في مقتل، وتكذب حتى في النشرة الجوية، وهي لم تتأسّس كي تواجه النظام السوري من زاوية أيديولوجية أو سياسية، وبالتأكيد، ليس من زاوية عنفية، وإنما وجدت نفسها في مواجهته وبموقع مناهضته فقط، لأنها لا تنحاز إلّا للحقيقة وتصوير الوقائع والأحداث بعين محايدة حرّة ومتجرّدة، لقد أخذت مجموعة كبيرة، تشكّل جسد الرابطة الصحفي، على عاتقها الدفاعَ عن الموضوعية والمهنية، ورفضت أن تكون أداةً بيد الاستبداد، مدافعة عن الحقّ في حرّية الرأي والتعبير، بوصفها عمودًا فقريًا تبتني حوله وبه السلطة الرابعة في البلاد. وعلى هذا الأساس، بدأت الجهود لتأسيس “رابطة الصحفيين السوريين”، بدءًا من مطلع شباط/ فبراير 2012 في أوروبا.

كنّا في البداية حوالي 100 عضو. أهمّ ما كان يجول في خاطرنا هو أن نكون صوتًا عاليًا للحقيقة، ندافع عنها كما ندافع عن كلّ الصحفيات والصحفيين في سورية الذين يتعرّضون للانتهاكات. أردنا أن نؤسّس لحقبة جديدة، حقبة إيصال المعلومة لكلّ مواطن سوري، حقبة نعترف فيها باختلاف وجهات النظر، وهذه القيمة المضافة كانت ضرورية، أي أننا متفقون على حقّ رئيسي بحرّية التعبير والصحافة، وفي الوقت ذاته نعترف باحتمال تباين وجهات نظرنا ورؤيتنا لما يحدث في الشأن السوري. وجود هذا الاختلاف المحتمل منعه حزب البعث” والأفرع الأمنية التي نشأت في ظلّه منذ انقلاب 1963، من خلال تحجيم حرّية التعبير الذي كان لا بدّ أن يتوقف.

نرفض أيّ تمويل مشروط قد يفقدنا استقلاليتنا

كيف يمكن للرابطة أن تكون سندًا للثورة السورية وداعمًا لمطالب الشعب السوري بالحرّية والكرامة؟

هناك ترابط عضوي بين الثورة السورية، لا سيّما أثناء اشتعالها الأول، وبين تأسيس وتشكّل “رابطة الصحفيين السوريين”، فقد نشأت الثانية من رحم الأولى، وفي سياق محاولتها لتفكيك الاستبداد وفضح الكذب وتشويه الحقائق، كما كان يحدث في البلاد على أوسع نطاق. وقد أرادت “رابطة الصحفيين السوريين” لنفسها أن تكون وجهًا من أوجه ثورة الشعب السوري، ليس من خلال اصطفاف سياسي أو دور من أي نوع إلّا ذاك الذي يدافع عن حرّية الكلمة والتعبير، وعن الحقيقة وإظهار الواقع كما هو، من دون تزييف أو تدليس.

ما التحدّيات والمشكلات التي تواجهها الرابطة بعد مرور تسع سنوات على تأسيسها؟ وهل لديكم -كرئاسة ومكتب تنفيذي- خطة لتخطّي هذه التحدّيات والعمل على تغيير واقع الحال إلى الأفضل؟

الرابطة هي جسمٌ نقابي ما يزال حديث التكوين، حتى بعد مضيّ تسع سنوات على تأسيسه. ولذلك فمرحلة البناء مستمرّة منذ التأسيس إلى الآن. هيكلة الرابطة -تنظيميًا ومؤسّساتيًا- هي عمل تراكمي، أي كلّ إدارة تبني على ما بنته الإدارات السابقة، وهنا تكمن قوة رابطتنا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، بالرغم من وجود العديد من الإكراهات وكثير من الإغراءات، فإنّ “رابطة الصحفيين السوريين” نجحت في الحفاظ على استقلاليتها، لم تلتفت إلى الكلف الباهظة التالية على قرارها المستقلّ، ولم تساوم قطّ على هذا الصعيد، لكنّي لا أخفيكم أننا واجهنا تحدّيات صعبة إضافية داخلية البعد هذه المرّة؛ كانت لها علاقة بالتبعات والآثار التي تركتها حقبة الأسدية على الشخصية السورية، من جهة قدرتها على العمل الجماعي والمنظم، هذه التبعات أصابتنا جميعًا نحن أعضاء الرابطة، وكان علينا جميعًا إيجاد مساحات التجاوز المناسبة، نجحنا في أغلب الأحيان، ولم ننجح في بعضها القليل، إلّا أننا، بسبب توفّر الإرادة والوعي بضرورة وأهمّية إنجاح الرابطة وإنجازها مهمّتها على أكمل وجه، مصمّمون أكثر من أي وقت مضى على التقدّم إلى الأمام، وعلى أن تتجاوز الرابطة كلّ عقبة تنظيمية أو مشكلة ذات طبيعة تفاعلية بينية من أجل تحقيق أهداف الرابطة التي وجدت لأجلها، وأتصوّر أننا ننجح في ذلك، وأننا نسير على الطريق الصحيح.

إنني أزعم أنّ مواجهة الرابطة للعديد من المشاكل ووقوعها في أزمات مختلفة هو أمرٌ طبيعي، وربما يكون صحيًا في مناسبات معينة، وبالتأكيد، لن يقف ذلك عائقًا أمام إيجاد أبنية إدارية داخل الرابطة يمكن إدارتها وتسيير أعمالها، بغض النظر عمن يدير الرابطة من رئاسة ومكتب تنفيذي، إلّا أنني لا أخفي أنّ التحدي الكبير الذي يعترض الرابطة منذ تأسيسها، وما يزال مستمرًا، هو غياب الأسس المادّية التي يجب أن تستند إليها، كي تكمل دائرة المأسسة وشروطها في الاستمرار والإنجاز، فالرابطة من دون أيّ تمويل، ومعضلة التمويل المستقلّ ليست سهلة الحلّ، وليست مستحيلة بالطبع، ونحن نعتمد منذ فترة وجيزة فقط على اشتراكات الأعضاء بشكل رئيسي، من أجل تغطية التكاليف الأساسية للرابطة، ولا تزال أجهزة الرابطة الإدارية والتنفيذية تعمل بشكل تطوّعي، الأمر الذي يزيد من تعقيد وصعوبة عملية المأسسة الصلبة/ المرنة والمستدامة، وعلى الرغم من كلّ تلك التحدّيات التي تمثّلها أمامنا هذه المعضلة، فإننا نرفض أي تمويل مشروط قد يُفقدنا استقلاليتنا، وهذا ما لا نقبل التفاوض عليه أبدًا.

ماذا عن المنح والدعم الذي يقدّم للرابطة؟ من هم المموّلون الأساسيون لمشاريع الرابطة، خصوصًا بعد أزمة جائحة كورونا المستمرّة منذ مطلع العام 2020؟

كما ذكرت آنفًا، لا تحصل الرابطة على أيّ مساعدات حاليًا، ويقوم أعضاء المكتب التنفيذي بمهامّهم بشكل تطوّعي. لكن الرابطة حصلت، في الأعوام السابقة، على دعم من منظمات عدّة، منها “فري برس أنليميتيد، ساعدتها في بناء أسس هيكلية وحسب، لكن هذا الأمر غير كاف، كما أشرتُ في البداية، لأنّ العمل المؤسّساتي الناجح يحتاج إلى موظفين متفرغين لمتابعة نشاطات ومسارات عمل وتفاعل الرابطة في الحيّز الصحفي ذي الصلة بالشأن السوري، إلّا أننا لم نتوقف يومًا عند هذه التحدّيات، وكأنها معوّقات يمكن أن توقفنا، وعلى الرغم مما ذكرت عن صعوبات العمل التطوّعي، في ظلّ الأوضاع المادّية الصعبة وفقدان الحدود الدنيا من الدخل المادّي لدى الأغلبية الساحقة من أعضاء الرابطة، فإننا عملنا على توسيع جسم الرابطة وتعظيم مساحة تماساتها مع الحقول التي يجب أن تنشط فيها الرابطة، إذ قام المكتب التنفيذي بتأسيس جمعيتين رديفتين للرابطة؛ واحدة في مدينة برلين وأخرى في مدينة إسطنبول، واستحدثنا مكتبًا ومركزًا للتدريب في مدينة إدلب داخل سورية. وقد سهّل هذا الوجود الجغرافي عملية لقاء الأعضاء، كما سهّل إمكانيات تنظيمهم جغرافيًا.

دورات تدريبية تنظمها الرابطة لتطوير المهارات الصحفية

صفعة قوية لـ“اتحاد الصحفيين السوريين”

ماذا عن علاقات الرابطة بالاتحادات والمنظمات الصحفية والإعلامية والحقوقية العربية والإقليمية والدولية بشكل عامّ، والأوروبية على وجه الخصوص، ولا سيّما الألمانية والفرنسية بحكم ترخيصها الفرنسي، ووجود جمعيات مرخّصة لها في كلّ من تركيا وألمانيا؟

إن “رابطة الصحفيين السوريين”، كما تعلم، منتظم نقابي سوري يجب أن يكون مقرّه الرئيسي في مدينة دمشق، ولكنّ عملنا ونشاطنا هناك غيرُ ممكن حاليًا؛ بسبب التهديدات التي يواجهها الصحفيون في دمشق، في ظلّ سيطرة الأجهزة الأمنية على جميع مفاصل الحياة وعلى جميع أجهزة العمل المؤسّسي الحكومي والمدني، في مؤسّسات الدولة والجمعيات الأهلية كافة، لكن ترخيص الرابطة الفرنسي، لحسن الحظ، مكننا من التعاون مع النقابات الفرنسية، وإنّ ترخيص الجمعيتين الرديفتين للرابطة في برلين وإسطنبول ساعد الرابطة في تنظيم نشاطات مشتركة مع صحفيين وجمعيات في هذين البلدين، الرابطة تظلّ في سعي محموم لتكثيف النشاطات، في هذه الحيّزات وفي كلّ حيّز وأفق ممكن، إلّا أنّ الظروف الحالية، وخاصّة في ظلّ جائحة كورونا، لم تسمح لنشاط الرابطة بأن يكون فعالًا على النحو الذي يرضي تطلّعات وإرادة أعضائها. لكن ما سبق لم يحدّ من طموح الرابطة إلى القيام بفعاليات مشتركة مع نقابات صحفية، تنتمي إلى بلدان يقيم فيها صحفيون سوريون من أعضاء الرابطة، ولم يقلّل من جهودها في العمل من أجل تشبيك عمل ونشاط الصحفيين السوريين المقيمين في تلك الدول، لتسهيل عملهم وتوسيع نشاطهم الإعلامي، وقد قامت جمعية الرابطة في برلين، على الرغم من حداثة تأسيسها الزمني، بنشاطات عدة، ودعَت أكثر من مرّة صحفيين سوريين مقيمين في ألمانيا إلى فعاليات تضمّهم، إضافة إلى آخرين من الألمان المهتمّين بالشأن السوري، من أجل خلق أرضية من التعارف الضروري لإيجاد صيغ تفاعل مشتركة تفيد النشاط الصحفي لأعضاء الرابطة في المساحات المتاحة أمامهم في ألمانيا.

ماذا عنى لكم أن تكون الرابطة بصفة “عضو مشارك” في “الاتحاد الدولي للصحفيين” (الفدرالية الدولية) بعد قبولها في عام 2017؟ وما أهمّية ذلك على صعيد عملكم النقابي؟

كان هذا التطوّر ذروة ما عملت عليه الإدارات الأولى، منذ التأسيس حتى عام 2017، وقد كان هذا القبول/ الاعتراف بالرابطة صفعةً قويةً لـ“اتحاد الصحفيين السوريين” الذي تتحكّم فيه مخابرات النظام السوري، لا سيّما أنه كان يجاهد دائمًا لربط رابطة الصحفيين السوريين” بالإرهاب، ولم تتوقّف الرابطة عند هذا التطوّر المهمّ، بل أضافت مكسبًا جديدًا ذا دلالة وأهمّية، إذ حصلت أخيرًا على موقع أعلى في سلّم تصنيف الرابطة في “الاتحاد الدولي للصحفيين”، نتيجة مثابرتها ومحافظتها على استقلاليتها، ونظرًا لجهودها الحثيثة في حماية الصحفيين السوريين والدفاع عنهم وعن مصالحهم وأوضاعهم، أينما وُجدوا.

في الواقع، نحن حريصون على المواظبة والتقدّم بشكل مطّرد وبإيقاع مثابر، من أجل أن تصبح الرابطة عضوًا أساسيًا في “الاتحاد الدولي للصحفيين”، فهذا حقّ لنا، يستند إلى عوامل المصداقية والاستمرارية ونجاعة الأداء وسلامة التفاعل الصحفي مع مختلف المناسبات والأحداث، ولأنّ الرابطة تقوم بعملها النقابي على أحسن وجه، وتقف في وجه كلّ المحاولات الساعية لزعزعة استقرارها وجرّها إلى تكتلات سياسية أو إعطائها وجهات أيديولوجية قد تخلّ بحياديتها ومهنيتها، فضلًا عن أنّ الرابطة لم تدّخر جهدًا في رصد الانتهاكات التي تحدث على الساحة السورية، وقامت بدورها على أكمل وجه، كما يليق بها وبدورها الذي أرادته لنفسها. واسمحوا لي في هذه المناسبة أن أشيد بتفاعل أعضاء الرابطة المسؤول مع كلّ شؤونها، خصوصًا أنهم نجحوا في صدّ كلّ المحاولات التي استهدفت استقلالية الرابطة وحياديتها إزاء التدخل السياسي في شؤونها، وكانوا في كلّ المناسبات على قدر المسؤولية، وتحمّلوا على خلفية ذلك فقدان مزايا متوفّرة أو محتملة، من دون أن يقدّموا أي تنازلات من أي نوع.

هل لديكم نيّة لتحديث وتطوير النظام الداخلي للرابطة بما يخدم الأعضاء المنتمين إليها؟

النظام الداخلي هو قانون الرابطة الأساسي ومنظّم علائقها وحياتها الداخلية، وقد عملت لجنةٌ انتخبت لهذا الغرض على تحديثه في العام الفائت، وتمّ إقرار هذا التعديل أصولًا، إلّا أنّنا واجهنا في أثناء عملنا ظروفًا وإشكاليات مختلفة، ولاحظنا أنّ بعض مواده لم تزل بحاجة إلى تعديل، وها نحن نقوم بجمع التصوّرات عن ذلك التعديل من الزملاء، لطرحها لاحقًا على الجمعية العامّة من أجل مناقشتها والشروع في إقرارها، لكنّ هذا الأمر لا يحظى بأولوية قصوى لدينا، على الرغم من أننا نعمل عليه، فالنظام الداخلي الحالي يفي بغرضه من حيث المبدأ.

في الرابطة حاليًا نحو 450 صحفيًا وناشطًا إعلاميًا، في الداخل السوري والخارج، هل لديكم خطة لتحفيز الإعلاميين والصحفيين السوريين المعارضين لنظام الإجرام الأسدي من الموجودين خارج الرابطة للانضمام إليها؟

“رابطة الصحفيين السوريين” تهدف منذ تأسيسها إلى خدمة كل الصحفيات والصحفيين في القطاع الإعلامي السوري، سواء أكانوا أعضاء فيها أم لا. ولم تتوانَ الرابطة عن دعم أي صحفي وصحفية وتبنّي وضعهم ومواقفهم، سواء كانوا أعضاء فيها أم لا، وهناك حالات عديدة تصلح أن تكون أمثلة حيّة على ذلك. وتأسيسًا على ذلك المنطق، سعت الرابطة لكي تكون بوابةً وجسرًا لكلّ صحفي سوري يحتاج إلى خدماتها ودعمها، ويستطيع كلّ إعلامي سوري -على سبيل المثال لا الحصر- أن يتقدّم بطلب للحصول على البطاقة الصحفية الدولية عبر الرابطة.

بالعودة إلى سؤالكم، أقول: نعم، تسعى الرابطة إلى لمّ شمل أكبر عدد ممكن من الإعلاميين السوريين ضمن صفوفها، واضعة خطة عمل محكمة وشاملة من أجل التواصل مع كلّ الصحفيات والصحفيين السوريين، مقدّمة لإيجاد صيغة لضمّهم أو العمل والتنسيق معهم، خدمة للمشهد الصحفي الحرّ الذي تسعى الرابطة إلى تشييده وتكريسه في بلادنا، وأعتقد أنّ مثل هذه الخطوة ستكون أسهل، بما لا يقاس، لو أنّ الرابطة تستطيع العمل من داخل سورية.

ذكرت أنّ للرابطة فرعًا في الداخل السوري المحرّر، فما الدور المنوط به؟

استطاعت الإدارة الحالية، بإمكانات ذاتيّة قدّمها بعض أعضائها، افتتاح مكتب لها في مدينة إدلب، من أجل تقديم دعم مباشر لزملائنا في الداخل من عين المكان الذي يسبب مصاعب كثيرة في أغلب الأحيان، وقام المكتب التنفيذي بتنظيم دورات تدريبية، بالتنسيق مع لجنة التدريب في الرابطة من أجل النهوض بالواقع الصحفي في هذه المدينة. مع الأسف، يعاني كل الصحفيات والصحفيين في الداخل السوري مضايقات، من سلطات الأمر الواقع، الأمر الذي يعوق عمل مكتبنا في الداخل، ولكن تنسيقنا مع باقي الأجسام الصحفية هناك بدأ يُسهم -ولو بشكل محدود- في تحسين ظروف الصحفيين والعمل الصحفي. ومع ذلك، الرابطة غير مكتفية بهذا النشاط، وهي تسعى دومًا إلى إيجاد قاعدة تضمن توسيع نشاطات مكتبها في إدلب، وإلى توفير كلّ الأسس التي تفيد في ذلك.

لسنا مؤسّسة من مؤسّسات المعارضة بالمعنى التقليدي

ما الذي يمكن أن تقدّمه الرابطة، كتنظيم نقابي، للصحفيين السوريين المنتمين إليها من حماية، في حال تعرّضهم للاعتقال أو لأي أذى -من أي نوع كان- سواء في الداخل السوري الممزّق الخاضع لسلطات الأمر الواقع، أم في أي بلد عربي أو إقليمي أو غربي؟

لا بدّ أنكم تعرفون أنّ الوضع في كل المناطق السورية يشكّل خطرًا على الصحفيين، من أجل ذلك تسعى الرابطة إلى نقل هذه الصورة إلى المنظمات الدولية المختصّة وإلى شركائنا الدوليين، إضافة إلى أنّ “المركز السوري للحرّيات الصحفية”، في “رابطة الصحفيين السوريين”، لم يتأخر قط عن توثيق الانتهاكات بحقّ الصحفيين السوريين على الأراضي السورية وخارجها، وقد اعتُمدت تقاريره نتيجة المصداقية العالية التي حقّقتها رابطتنا، كمصدر موثوق للمنظمات الدولية المهتمّة بحماية الصحفيين. ومن أجل توسيع مجال حماية الصحفيين، ولتحقيق بعض من طموحاتنا في هذا الاتجاه؛ قامت الرابطة بتوقيع مذكرات تفاهم مع العديد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية والقانونية في سورية وتركيا، بهدف التنسيق والتعاون في توفير الدعم لزملائنا المحتاجين للمساعدة القانونية.

وبالرغم من ذلك، لا نزال غير راضين عما تقدّمه الرابطة في هذا الشأن، لأنه بالفعل غير كاف، ربما يحتاج الأمر إلى إسهامات إضافية، لكن الإمكانيات المحدودة لدى الرابطة هي المسؤولة عن هذه المحدودية في متابعة ورصد وتحسين أوضاع الصحفيين السوريين الذين يعانون كأهلهم السوريين تبعات الحدث السوري وقمع النظام المستبدّ الذي فاق كلّ خيال.

من النقد الذي يُوجّه إلى الرابطة في الأوساط الإعلامية السورية، أنها من مؤسّسات المعارضة التي “أثبتت فشلها، لأنها بالأساس بُنيت على أسس هشّة، بما فيها افتقارها إلى معايير الديمقراطية المنضبطة”. كيف تعلّقون على هذا؟

أجمل نجاح حقّقته الرابطة أنها كانت وما زالت نقابة مستقلّة غير مرتبطة بأي جسم معارض، أو أي دولة أو طرف عربي إقليمي أو دولي، وهذا -بتقديري- يمكن عده أوضح مؤشّر على نجاح “رابطة الصحفيين السوريين”، لكني لا أذيع سرًا حين أقول: إنّ رابطتنا لم تزل تعبر صيرورة تكريسها لذاتها، كجسم صحافي مستقرّ ومرن، مكتمل العوامل بما يكفي ليكون ذا تصنيف صحفي من الدرجة الأولى، وفقًا لمعايير أهمّ المؤسّسات الصحافية الدولية.

وبالعودة إلى سؤالكم، دعني أصحح -بشكل مباشر- التباسًا حاولت في إجاباتي السابقة تصحيحه والتطرّق إليه، إن “رابطة الصحفيين السوريين” ليست مؤسّسة من مؤسّسات المعارضة، بالمعنى التقليدي، إنها مؤسّسة صحفية مهنية محترفة، مستقلّة ومحايدة سياسيًا، وهي موضوعية، لكن النظام يضعها في خانة المعارضة، لأنه لا يستطيع التحكّم فيها وتطويعها لمصلحة تحويلها إلى جهاز بروباغندا تابع له، ولأنها لا تقبل إلّا أن تقدّم الحقيقة، وأن تسلّط الضوء على الأحداث وأن تقرأها في سياق علاقتها بثقافة حقوق الإنسان، وتبني موقفًا تبعًا لذلك، هذه الصفات -بكلّ تأكيد- تجعلها تبدو وكأنها مؤسّسة معارضة للنظام وذات أجندات سياسية بالمعنى التقني للكلمة، وهي ليست كذلك أبدًا، ولم تقل ذلك عن نفسها إلّا بالمعنى الذي أشرت إليه، فأن تكون حرًّا ومستقلًّا وأمينًا في نقل الحدث وتصويره وتقديمه، وأن تنتصر لمعايير وثقافة حقوق الإنسان، فهذا بالتأكيد يضعك في موقع معارضة النظام، أو لأكون أدق، هذا يضع النظام في موقع العداء منك، ومن أي حالة يمكن أن تمثّلها.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إذا كنت تشير إلى ما تعرّضت إليه “رابطة الصحفيين السوريين” من مشاكل تنظيمية، ومن ثمّ أحلْتَ ذلك مقارِنًا بين الرابطة وبين فشل المعارضة السورية؛ فما يمكنني قوله: إنّ ما حدث في أروقة الرابطة من مشاكل تنظيمية وتعارضات بين أعضائها وصلت إلى متناول الأوساط خارج الرابطة، ودعني أزعم أنّ ذلك أمر طبيعي، بل ربما هو أمر صحي وضروري كي تتمكّن من تحديد البنية الأكثر مواءمة لجسدها التنظيمي بما يؤهلها لنشاط وتفاعل أكثر كفاءة مع الواقع الصعب، في أثناء احترامها والتزامها بالمعايير الصحفية التي تجهد لتلبي متطلّبات الالتزام بها والانجذاب إليها.

وإذا أردت أن أكون أكثر تفصيلًا، فسأقول: إنّ كثيرًا من المشكلات والأزمات التي حصلت في أروقة الرابطة إنما حصلت بسبب تفشي ثقافة لدى عدد ضئيل من الأعضاء لا تعترف بنجاحات آخرين، ما لم يكونوا جزءًا منها، صحيح أنّ هذه السمة قد تكون سمة أقرب لأن تكون أنثروبولوجية متعلّقة بالطبيعة البشرية، ولكنها عادة ما تظهر للعيان إبان الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمرّ بها المجتمعات، وإني أزعم أنّ معظم من يتقوّل على الرابطة ويجهد لتشويه صورتها هم من هذه الفئة الصغيرة، لكننا بتقديري، نحن أعضاء المكتب التنفيذي ورئاسة الرابطة، استطعنا تجاوز خلافات كانت قد حدثت في العامين السابقين، وحقّقنا تقدّمًا ملحوظًا بمساعدة وتكاتف أعضاء كثر آخرين، لم يتأخروا عن الالتزام بمصلحة الرابطة، وقد حقّقت الرابطة نتيجة لذلك هذه النجاحات التي أشرت إليها في إجابتي عن سؤال سابق، إضافة إلى نجاح جديد تمثّل بتوقيعنا أخيرًا مذكرة تفاهم مع أقدم معهد لتعليم الصحافة في العالم، وأعني “المدرسة العليا للصحافة والتواصل” في باريس، بما يعني أنّ عضو الرابطة سيستطيع متابعة التحصيل العلمي الصحفي ويحسن من مؤهلاته الأكاديمية، في ظلّ شروط مالية مخفضة خصّيصًا من أجله. الكلّ يعلم أنّ النظام منع كلّ الصحفيين، ممن يؤمنون بحرّية الرأي والتعبير وممن لا يمكن أن يحيدوا عن المعايير المهنية الصحفية، منعهم من مواصلة دراستهم في الجامعات السورية بعد اشتعال الثورة ضدّه.

بتقديرك، إلى أيّ مدًى أسهمت الثورة في فعل التغيير في المشهد الإعلامي البديل؟ وهل ترى أنّ الصحفيين والكتّاب السوريين استطاعوا تقديم قضيتهم على الصعيد العالمي، بخاصّة في دول أوروبا، بالشكل المطلوب؟ ماذا تنصح في هذا الصدد؟

شكّل انطلاق الثورة السورية في عام 2011 بداية جديدة للمشهد الإعلامي الحرّ، كان حامله طبعًا مئات الإعلاميين والكتّاب السوريين الذين وضعوا حدًّا لحالة الخوف التي زرعها النظام السوري في وعيهم على مدى عقود. لكن، كما هو طبيعي قياسًا على أي مرحلة تحوّل، يواجه المشهد الإعلامي العديد من التحدّيات والأسئلة، منها ما يتعلّق بالاستقلالية وكيفية تحصيلها وتكريسها والدفاع عنها، ومنها الحفاظ على سلامة الصحفيين وحمايتهم، في ظلّ شرط استهدافهم الذي لم يتخلّف النظام المستبدّ عنه في أي مرحلة، ومنها، وهو ليس أقلّ أهمّية مما سبق، موضوع الأسس المادّية وقضايا التمويل الذي لا يمسّ بنزاهة وفعالية واستقلال ومهنية “رابطة الصحفيين السوريين”. لقد تعرّضت الرابطة وتعرّض بعض من أعضائها لحملات قمع واستهداف بلغت حدّ الاغتيال، وعانى زملاء آخرون انتهاكات شتّى، وجهد “المركز السوري للحرّيات الصحفية” التابع للرابطة في القيام بواجبه، وما نزال نبحث عن آليات عملية لحماية الصحافيين والدفاع عن مصالحهم ورعايتهم، وفقًا لكلّ وسيلة لا تخلُّ بالتزاماتنا واستقلاليتنا.

وكي أغلق التعليق على سؤالكم وإشارتكم إلى مصاعب وخلافات الرابطة، أقول: إنّ البعض من الصحفيين الذين حرصنا على زمالتهم وصداقتهم حتى آخر لحظة حرصوا هم على نشر خطاب كراهية وتشويه بحقّ الرابطة وأعضائها ممن لم يقفوا في صفهم، هؤلاء خلطوا بشكل مرير بين أن تكون ديمقراطيًا وبين أن تتمسّك بمواقفك إلى درجة قد تصل إلى تجميد الرابطة ودخولها في حالة استعصاء ورفض الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية، كآلية حلّ وفض لتلك النزاعات. بكلّ الأحوال، كلّ ذلك أصبح من الماضي، وأكرّر أنّ ما حصل كان طبيعيًا وربما ضروريًا وقد صبّ في مصلحة الرابطة في المحصلة.

كيف تقرأ راهن الصحفيات والإعلاميات السوريات في الداخل الممزّق الرازح تحت سلطات الأمر الواقع، وكذلك في بلدان اللجوء والشتات؟ وهل استطعنَ أن يُوصلنَ صوتهنّ ومعاناتهنّ إلى العالم؟

شكّلت الثورة السورية -بتقديري- نقلة مهمّة في أوضاع الإعلاميات السوريات اللواتي برزن بقوة على الساحة الإعلامية منذ عام 2011، لقد عطلت هذه الثورة العظيمة أحد وجهي القمع المركب الذي تعانيه المرأة السورية بشكل عامّ والصحفيات السوريات على وجه الخصوص، أقصد القمع السياسي الذي زجه النظام في حياتنا على الجميع رجالًا ونساءً، وعلى مدى عقود، إلّا أنّ وجه القمع الآخر الأكثر تجذرًا في البنية الثقافية والمعرفية السورية ذاك الذي يتمثّل بالذكورية المتطرّفة للمجتمع، فهذا لا يزال يشكّل العقبة الكأداء أمام زميلاتنا الصحفيات، ويمنعهنّ عن ممارسة العمل الصحفي بحرّية وثقة، ويعرّضهنّ للتمييز والإقصاء الذكوري في كلّ مناسبة. مع ذلك، واظبت الرابطة على المضي قدمًا في الانتصار لقيم المساواة بين الرجل والمرأة في صفوفها، ولم تدخر أسلوبًا أو مسلكًا يفيد في تحسين مشاركة المرأة في صفوفها إلّا اتبعته، ونجحنا في تحقيق نسبة حضور وعضوية ومشاركة جيدة للزميلات الصحفيات في الرابطة، بلغت الربع تقريبًا، ونأمل أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى مستوى يعكس كون المرأة نصف المجتمع، وأن ليس ثمّة فارق في الحقّ والواجب، في الطاقة والسوية والإمكانات، بين الرجل والمرأة أبدًا.

العمل على تحسين مشاركة الإعلاميات السوريات في صفوف الرابطة

قوى الأمر الواقع والنظام شركاء في معاداتهم لتطلّعات السوريين

هل ترى أنّ وسائط التواصل الاجتماعي تفرض اليوم نمطًا ما على المشتغلين في قطاع الصحافة والإعلام؟ أم أنها جزء من بيئة تواصلية أوسع أعطت الصحفيين/ات والإعلاميين/ات مساحة أكبر لنشر الأفكار أيًا كانت؟

ما أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي في الحياة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية وحتى الرمزية في حياتنا أشبه بثورة شاملة غيّرت، إن لم تكن قلبت، كثيرًا من الأوضاع. كما أحدثت تغييرًا في كثير من أشكال التعاطي والأدوات على مختلف الصعد، ولم تختلف الصورة ولا أنماط تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في العمل الصحفي عن سواها، إن لم تكن أكثر وضوحًا، ولا سيّما أنّ الصحافة -بوصفها منبرًا وأداة لنقل وتبادل المعلومات والآراء- هي سلطة رابعة تمارس الرقابة والنقد ونشر المواقف والآراء وبناء علاقة مع الوعي العامّ، هي الأكثر تأثرًا وتفاعلًا مع الأدوات الجديدة التي وفّرتها وسائل التواصل الاجتماعي لكلّ هذه الصفات والمهامّ، إلى درجة أنّ الأخيرة مكّنت كلّ فرد أو جماعة أو جهة من أن يقوم / تقوم بدور بثّ ونقل وتبادل المعلومة والتحليل والموقف، هذا بالتأكيد تطوّر ثوري غير مسبوق، وبالرغم من السمة الإيجابية لذلك فإنه يشكّل في الوقت ذاته تحدّيًا كبيرًا لمجمل العمل الصحفي، من زاوية حقول التخصّص والمهنية والتفرّد والقدرة على التأثير.

في الحقيقة، الإجابة علن هذا السؤال تستدعي جهودًا بحثية طويلة ودراسات متخصّصة، إلّا أنني أميل، بضغط إيماني بقدرة البشر على التدخل وبتلقائية عمليات الانتخاب، إلى ما هو مفيد أو ضار في كلّ ما يخصّ حياتنا وأشكال تفاعلاتنا وتعاطينا في كلّ تلك الحقول، أميل إلى القول بحذر: إنّ الوقت كفيل بتعظيم إيجابيات حضور وسائل التواصل في العمل الصحفي، والتقليل من السلبيات إلى حدّ بعيد، وعلى الصعيد السوري، أقول بشكل مكثف: إنّ السوريين الذين عانوا آثار سيطرة الاستبداد لعقود من الزمن، على كل نواصي حياتهم ووعيهم، هم بحاجة أكثر من سواهم من المجتمعات إلى رفع مستوى الوعي لحوكمة استخدام هذه الإمكانيات الجبارة في العالم الافتراضي، سواء في الحيّز الصحفي أو في حيّزات أخرى عديدة ومتنوّعة.

هل هناك مشاريع إعلامية سورية خاصّة في بلدان الشتات والمنافي لفتت نظرك؟ ولماذا؟

أنا واثق من أنّ الموزاييك السوري، بدفتيه الإثنية والدينية، ترك إيجابيات كثيرة لدى السوريين لجهة التأقلم مع الآخر والمختلف. ويكفي ما أراه عيانيًا في ألمانيا وأوروبا من نجاحات في كلّ المجالات وأصحابها سوريون، حتى أسند قراءتي بآيات ووثائق لا تقبل الطعن، حتى بخصوص الإعلام والمشهد الإعلامي السوري في الخارج، الذي قد يبدو تائهًا، وأحيانًا فوضويًا، إلّا أنه نجح أيضًا في خلق مساحة كبيرة من فرص العمل أفاد منها المئات من الزملاء الصحفيين. ولم يقصّر في أداء مهامه الصحفية، وفقًا للممكنات والأدوات المتوفّرة لديه، وهذا نجاح لا يستهان به، كما أتصوّر.

من منظورك، ما هو دور الإعلام البديل/ المعارض (أفرادًا ومؤسّسات) في توثيق الجرائم المرتكبة في الجغرافيا السورية الممزّقة، في ظلّ تمدّد نفوذ القوى الإقليمية والدولية المحتلّة للبلاد؟

الإعلام البديل يجب أن يقوم بالدور الذي طمح إليه السوريون، عندما أطلقوا الثورة السورية، إعلام يبحث عن الحقيقة، ويغطي كلّ ما يحدث على الأرض السورية بشقيه المفرح والمحزن. ليس من السهل نشر ثقافة الإعلام الإنساني، بعد عقود من الاستبداد والقمع وسيادة إعلام غوبلزي فاسد ومشوّه. الديمقراطية ممارسة، ولها صيرورتها ومسارها الطويل، وكذلك هو العمل الإعلامي الحرّ ممارسة تحتاج إلى تأصيل وترسيخ عبر مسار طويل وصعب، ولتحقيق ذلك هناك ضرورة لتوافر شروط عديدة، فعلى سبيل المثال، كلّما استطاع الإعلاميون تغطية الأخبار السورية باستقلالية تامّة عن المموّل والداعم أو المسيطر؛ اقتربنا من نشر إعلام جديد قائم على معايير وقيم حقوق الإنسان. وتحقيق ذلك صعب للغاية، في ظلّ غياب المموّل الذي لا يتدخّل ولا يسعى لتطوير الإعلام والصحافة لإرادته ومصالحه، وهو صعب جدًا في ظلّ استبدال سلطة النظام المستبدّ بسلطات أمر واقع تكره الصحافة، وتمقت الرأي الحرّ، ولم تختبر الممارسة الديمقراطية، بل إن بعضها يقف ضدّ الديمقراطية، عمليًا ونظريًا، إلى حدّ تجريمها وربطها بالكفر والإلحاد! والأخطر من كلّ ما سبق هو ما يختزنه مجتمعُنا من صفات تقف بالضدّ من القيم التي تنهض عليها حرّية الصحافة ولا تتحقّق من دونها، كالسمة الذكورية واتّساع مساحات التابو/ المحظور فيه. كلّ هذه المعوقات البنيوية منها والمتجذّرة أو العميقة تقف خلف ما نراه من استهداف الصحفيين وتضييق على العمل الصحفي، وصل حدوده إلى الاغتيال والتصفية، أو الملاحقة والاعتقال والأذى المعنوي، أو التهديد والوعيد في أحسن الأحوال.. لكن ذلك لن يحدّ من إرادتنا على بذل كلّ ما يمكننا بذله من أجل المضي قدمًا في مهمّتنا وتحقيق أهداف الرابطة وتعظيم دور العمل الصحفي كسلطة رابعة في المجتمع.

إلى أيّ مدى لمست جدّية في قوى المعارضة السياسية ومراهنتها على العمل الإعلامي البديل ودعمه ليحقّق أهدافه المرسومة من أجل سورية الجديدة؟

لم ألمس أي جدية في دعم المعارضة، سواء للصحافة والإعلام التقليدي أو للإعلام البديل وصيغ الصحافة الجديدة، بل أقول: إذا كان ثمّة جدّية لدى المعارضة على هذا الصعيد، فهي تلك التي تسم محاولات التأثير على استقلال الصحافة والعمل الصحفي المعني بالشأن السوري لمصلحتها، بل إنّ بعض الأطراف المحسوبة على المعارضة من قوى الأمر الواقع تُظهر عداءها السافر للصحافة بنوعيها، التقليدي والبديل، وإنّ ملاحقة قوى الأمر الواقع في كل الأراضي السورية لكلّ من ينتقد سلطتها يؤكًد أنّ هذه القوى لا تزال بعيدة عن أن تمثّل رهانات الثورة السورية في الحرّية والكرامة والعدالة الاجتماعية. الموجع والصادم لنا، بعد كلّ التضحيات التي قدّمها الشعب السوري من أجل حرّيته، أن يتفق أطراف الحدث السوري المشكلون لمعادلات القوة على الأرض، على استعداء الصحافة وحرّية الرأي والتعبير، وأن يكونوا على قدم المساواة مع النظام في معاداتهم لتطلّعات السوريين صوب مستقبل حرّ وكريم وعادل خال من الخوف والاستبداد والقسر.

أخيرًا، ما الذي تنتظره كصحفي وكرئيس لـ“رابطة الصحفيين السوريين” من المؤسّسات والهيئات والمنابر السورية الجديدة؟

أدعوها إلى تجسيد القيم الإنسانية الديمقراطية في مختلف أنشطتها وممارستها، وأن تعطي لثقافة حقوق الإنسان مكانة المركز، في كلّ أبنيتها وعلاقاتها وتفاعلاتها، مع كلّ شأن وكلّ مساحة؛ إذ لا حياة لمجتمع ولا تحقّق لأفراده وإنسانه، دون الالتزام بشرعة حقوق الإنسان، ودون أن تكون ثقافة الاعتراف بالآخر وحرّية الرأي والتعبير وقيم العيش المشترك من أهمّ المحدّدات التي تنشط وفقها مؤسّساته ومنظماته، ودون أن نلتزم بذلك، لن نكون أوفياء لأولئك السوريات والسوريين الذين ضحّوا بحياتهم في هذه الثورة العظيمة.