في هذا العدد من (قلمون) خُصص الملف (لإسهامات السوريين الكرد في الحياة السورية خلال المئة عام الأخيرة)، تعبيرًا عن اهتمامنا بالقضية الكردية التي أثارت كثيرًا من المناقشات والمنازعات بين السياسيين والمثقفين. وكثيرًا ما كان بعضها غير مستند إلى الوقائع بقدر استناده إلى الأحكام المسبقة والمواقف القومية الشوفينية من الأطراف كلهم.
لقد سبّب الإحصاء الاستثنائي لعام (1962) جرحًا لم يندمل بعد في الحياة السورية، وليس في حياة الكرد وحدهم، ما نجم عنه من تجريد كثيرين من الجنسية السورية، فخلق لبعض السوريين الكرد ما عرف بمشكلة (أجانب الحسكة)، وما ارتبط بها من (مكتومي القيد)، وما ترتب على ذلك من مشكلات وآلام للأفراد والعائلات متعلقة بالحياة الشخصية والشؤون الصحية والتعليّمة. والأهم من ذلك كله حرمان مَنْ نُزِعَت الجنسية منهم مِنْ (حق المواطنة السورية)، وما يرتبط بها من حقوق دستورية. وستكشف قراءة الملف كثيرًا من الشكاوى والتفصيلات المتعلقة بالملكية والحزام العربي وغيرها.
لقد شارك في هذا الملف حوالى عشرين كاتبًا ومثقفًا سوريًا كرديًا. وقد توزعت إسهاماتهم بين الملف وورشة العمل التي اتخذت المرأة الكردية موضوعًا لها. وسواء تعلق الأمر بالملف أم الورشة، فقد تحدث الكتاب والمثقفون بكامل الحرية من دون قيد على فكرهم أو معقب.
لقد جاء الملف غنيًا وحافلًا بما عالجه من موضوعات واهتمامات غطت كثيرًا من الجوانب المهمة في الحياة الكردية. فقد انصبت الأبحاث الثلاثة الأولى في الملف على الوجود التاريخي للكرد في سورية، وعلى دورهم في الحياة المدنية والسياسية، بينما اضطلع البحث الثالث بتصوير منزلة الكرد في الأرشيف العثماني.
وأما الأبحاث الثلاثة التالية، فقد دارت حول اللغة الكردية -نحوًا وصرفًا- والأدب الكردي المدون باللغة الكردية والفولوكلور الكردي على التعاقب. وقد أسهب البحثان التاليان في كشف دور الكرد في الحياة الثقافية السورية. فبحث أولهما في الإسهامات الروحية في الحياة الإسلامية، في حين بحث الثاني في الحياة الروحية والثقافية للكرد الإيزيديين.
وقد انفرد كل واحد من الأبحاث الثلاثة الأخيرة، بمعالجة قضية قائمة بذاتها. رصد أولها العلاقة بين الكرد والثورة السورية، بينما انصب الثاني على دور المرأة في المجتمع الكردي في سورية. وتعرض ثالثها بالمناقشة لواحدة من أهم القضايا التي تميل المجتمعات المتعددة قوميًا وإثنيًا، إلى إخفائها والتستر عليها، ولكننا في (حرمون) و(قلمون) لا نتبنى مثل هذا المسلك. ولذا كانت مسألة (الكرد والاعتقال السياسي) مسرحًا قال فيه الباحث ما شاء من قول.