تمهيد

(قلمون) مجلة فصلية أكاديمية محكّمة، تصدر أربع مرات في السنة. وعددها الأول -هذا- يتوافق صدوره والذكرى الأولى لإعلان انطلاق مركز (حرمون للدراسات المعاصرة)، قبل عام تمامًا.
و(حرمون للدراسات المعاصرة) مركز لتبادل الأفكار والحوار حول القضية السورية، وما يكتنفها من متغيرات سياسية وإنسانية واجتماعية واقتصادية. وتمتد هذه الحوارات، وتلك المناقشات؛ لتشمل التأثيرات الإقليمية والدولية، وردّات الفعل عليها من الأطراف السورية المختلفة، سلطة ومعارضة، مع الرصد الدائم لأدوار الحلفاء الإقليمين والدوليين للفرقاء السوريين، والتقييم المستمر لتطور تلك الأدوار ودرجة فاعليتها في المشهد السوري؛ وإن اكتشف المحللون في (حرمون) جدوى الانخراط في حوار، مع هذا الطرف أو ذاك، بادروا إلى خلق البيئة اللازمة لمثل هذا الحوار.

و(حرمون) -أيضًا- مركز للأبحاث قد أنشأ عددًا من المنصات البحثية والتدريبية والإعلامية والأكاديمية، وما مجلة (قلمون) سوى واحدة من تلك المنصات التي يتكامل جهدها وما تنهض به المنصات الأخرى من مهمات في سبيل شرح القضية السورية، والدفاع عنها، وإبراز عدالتها المتمثلة -أساسًا- بالمبدأ البدهي في الحياة السياسية للشعوب المتمدنة، وهو أن الشعب مصدر لجميع السلطات. وانطلاقًا من هذا المبدأ، وما يرتبط به من سياقات سياسية، يتطلع مركز (حرمون) إلى أداء دور مهم في الدعوة إلى أن تكون الديمقراطية هي أداة الحكم في سورية المستقبل.

وعلى الرغم من أن معظم ما ينتجه الأكاديميون والباحثون الاجتماعيون، والمحللون في مجال السياسة والاقتصاد والإعلام، العاملون في المركز منشور في موقعه الإلكتروني، إلا أن ثمة حرصًا بالغًا من القائمين عليه على أن يُنشر بعض هذا الإنتاج نشرًا ورقيًا؛ كي يتمكن كثير من السوريين الذين فرض عليهم النظام السوري النزوح القسري، من الاطلاع على بعض هذا الإنتاج الذي يركّز، في كثير من جوانبه، على تحليل المآل والمسارات المتوقعة للقضية السورية.

وإدراكًا من مركز (حرمون) لهذه الحاجة الجوهرية، أسس دارًا للنشر باسم (ميسلون)، ولا يخفى ما لهذا الاسم من دلالات سياسية وروحية ورمزية بالنسبة إلى جميع السوريين. ومن بين مهمات هذه الدار نشر الإنتاج الأكاديمي والإبداعي باللغات التي يتحدث بها السوريّون كالعربية والكردية.

لقد سمحنا لأنفسنا، في هذه الافتتاحية، بهذا الاستطراد، حول مركز (حرمون) والمنصات التي يحاول أن يشرح رسالته من خلالها، و(قلمون) إحداها؛ لنبين للقارئ، والمحاور أيضًا، أن ثمة رؤية جديدة، أو تصورًا غير مألوف في التفكير السياسي لدى السوريين، ويعمل مركز حرمون لتحويله إلى ركيزة لتنظيم العلاقات السياسية مستقبلًا في سورية. هذه العلاقات التي يفترض أن تكون حصيلةً لأوسع توافق ممكن بين السوريين، على اختلاف ثفاقاتهم واثنياتهم ولغاتهم وأنماط عيشهم التي ينبغي أن تكون محترمة من الجميع.

ويمكننا القول: إن “الفكرة الموجهة” لنشاط المركز، وتصوره للمستقبل السوري، هي ما يمكن أن نسميه بـ “الجامعة السورية”؛ وهي مفهوم، أو فكرة سياسية يمكن أن تكون نقطة انطلاق لجميع السوريين مستقبلًا، ذلك؛ لأن هذه الفكرة تنطلق -أساسًا- من احترام الجميع، وإيمانهم بوحدة الأرض، وسيادة دولة سورية الواحدة عليها. وهذه الفكرة، من ناحية أخرى، تنطوي على الاعتراف بالتنوع الثقافي والديني والاثني، بوصف التنوع سمة أصيلة من سمات النسيج السوري.

والمبدأ الحاكم والموجه للاعتراف بالتنوع، بأشكاله وصوره، هو المساواة المنطلقة من مبدأ المواطنة وحيادية الدولة، وهذه الفكرة الجامعة تعترف بحق كل سوري في ممارسة شعائره الدينية على ألا تكون هناك أي صلة بين هذه الممارسات، وبين أي نشاط ديني ذي طبيعة سياسية.

والأمر الذي لا شك فيه هو أن مجلة (قلمون) ستكون شريكًا فاعلًا في حمل مفهوم “الجامعة السورية”، ونشره عبر أعدادها المتتالية، من خلال ما يمكن أن تعقده من ورشات عمل، أو من خلال ما قد يتقدم به المهتمون من مواد فكرية، يمكن أن تنشر في صفحات (قلمون) المقبلة. ولكن الشروع في ذلك مرهون باستكمال الاستعدادات التي لا تعني سوى ترتيب العلاقات، وتنظيمها، مع المثقفين السوريين أولًا، ومع الساسة ثانيًا. والمأمول أن تكون فكرة “الجامعة السورية” قادرة على أن تحتل مكانها الملائم، في مقابل الأيديولوجيات العتيقة التي قد يرى بعض السوريين أنها ما تزال صالحة لترتيب أوضاع البلاد والعباد.

 ولأنّ (قلمون) مجلة محكّمة، فإن ما ينشر فيها من مواد يُعرض على محكّمين متخصصين، يقررون صلاحية المواد المعروضة عليهم للنشر، أو تعديلها، أو رفضها. وما يركز عليه المحكمون في تقاريرهم هو التماسك المنطقي والصرامة المنهجية. أما الآراء