ملف العدد، فيتعلق بشخصية باحث ومفكر سوري بدأ حياته بالترجمة والنقد الأدبي، ثم لم يلبث أن تحول إلى باحث ومنظر متعمق في الفكر العربي الحديث والمعاصر، وفي الثقافة والتاريخ الإسلاميين. وقد جمع هذا الباحث إلى ذلك كله ثقافة غربية معاصرة، واطلاعًا واسعًا على التاريخ السياسي والأيديولوجي، مع إلمام واسع بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، ولا سيما علم النفس، وخاصة التحليل النفسي، وبصورة أخص التحليل النفسي الفرويدي، الأمر الذي يفسر اهتمامه بترجمة كل ما كتبه فرويد إلى العربية، ولو كان ذلك عن اللغة الفرنسية.

إنه المفكر السوري الراحل (جورج طرابيشي) 1939-2016. ومن المعروف عنه أنه غادر سورية في الستينيات، على الرغم من أنه كان يشغل منصبًا رفيعًا في الإعلام السوري. وقد أقام في بيروت حتى عام 1980 مكرسًا وقته معظمه في تلك المدة للترجمة في مجال الفلسفة الوجودية والماركسية والفرويدية حتى نافت ترجماته على المئة. وابتداءً من عام 1980 رحل إلى (باريس) وأقام فيها حتى وفاته بما يشبه الإقامة الجبرية التي فرضها على نفسه في تلك المدينة التي تعج بالثقافة والفن والسياسة والفلسفة والدبلوماسية.

وقد كان المستهدف من البحث في فكر جورج طرابيشي وإسهاماته في حقول الترجمة والنقد والتحليل النفسي والمرأة وبحوثه في إطار الفكر العربي الحديث والمعاصر، ودراساته في التاريخ الإسلامي، أن يعقد (مركز حرمون ومجلة قلمون) ندوة دولية حول هذا الفكر والتعريف بأهمية الإنجازات التي حققها، وفتح باب المناقشة في هذه الإسهامات في الوقت نفسه. ولكن التعقيدات اللوجستية حالت بين الباحثين المشاركين في هذه الندوة والوصول إلى مكان عقدها لأسباب لا دور لمركز حرمون فيها.

واليوم نقدم هذه المادة العلمية المتنوعة والغنية التي تدور حول جوانب كثيرة من فكر (جورج طرابيشي)، في إهاب الملف الرئيس للعدد السادس من (مجلة قلمون)، تحت عنوان (جورج طرابيشي مفكرًا بيننا). وقد قصد بهذا العنوان الدلالة على حيوية فكره وأصالته، وتمكين الباحثين مساءلة هذا الفكر والحوار معه حول عدد من القضايا التي أسهموا في طرحها ومناقشتها، وفض كثير من مغاليقها.