في هذا العدد (السابع) الذي نحاول أن نستكشف فيه بعض ملامح السينما السورية – وهي الملف الرئيس في هذا العدد – من الضروري أن نبين أن السينما هي الفن السابع الذي ينظر إليه كثير من الفلاسفة والنقاد والفنانين بوصفه خلاصة كل ما سبقه من فنون، أو على أنه قمة لها. وإذا كانت لغة المسرح هي الكلمة والحركة والفكرة، فإن السينما قد شكلت، بصفة عامة، لنفسها لغة مبتكره ومستحدثة وغير مسبوقة. فالسينما وريثة الفنون التشكيلية كلها، وهي وريثة المسرح من حيث إن الجهد الذي يبذله المتفرج في صالات العرض يتمثل في التقاط الفكرة المجردة التي ينطوي عليها العرض عبر فصوله المتتالية، فإن السينما، من خلال الصورة، تحيل الفكرة المسرحية المجردة إلى عناصر عينية يتم فضها عبر الصور الفنية التي تكون البنية التشكيلية الجمالية للفيلم السينمائي. وإذا لم يكن في المستطاع الاستغناء عن اللغة في المسرح، إلا في حالات قليلة ومحدودة، فإن السينما، من خلال الصورة، بوسعها التعبير عن الفكرة من خلال وسيط جمالي عيني مكون من سلسلة من الصور يبدعها كل مخرج بأسلوبه الخاص، عبر الاستخدام العبقري للكاميرا، وفي هذه النقطة على وجه التحديد يتركز إبداع المخرج وتفرده في آن معًا. وإذا كانت السينما تنقسم – ولو على سبيل التبسيط – إلى سينما روائية وأخرى وثائقية، وتنقسم السينما الوثائقية لدى بعضهم إلى وثائقية خالصة أو نقية وإلى سينما تسجيلية – على الرغم من الصعوبات التي تكتنف التمييز بين ما هو تسجيلي وبين ما هو وثائقي – فإن السينما السورية لم تترك فرعًا من فروع السينما إلا خاض فيه بعض مخرجيها.

ومن المهم أن نبين أنه ليس لأحد أن ينسب لنفسه فضل إنشاء السينما السورية أو إطلاقها، ذلك لأن الجمهور السوري قد استمتع في مدينتي دمشق وحلب بأول عرض يمكن أن يطلق عليه مجازًا اسم عرض (شبه سينمائي) في عام 1908 ، بفضل سوريين لم يسجل لنا التاريخ أسماءهم كانوا على صلة بالبلدان الأوروبية، وجلبوا آلة عرض بدائية. أما أول فيلم سوري صامت، فقد أنتج في دمشق عام 1928 تحت عنوان (المتهم البريء). وتواصل اهتمام السوريين بالسينما عبر طموح المثقفين وطمع المستثمرين إلى أن صدر مرسوم حكومي بإنشاء المؤسسة العامة للسينما عام 1963.

وقد احتوى الملف على مجموعة من الدراسات القيّمة التي نفخر بأن العدد الأكبر من كُتّابها ينتسب إلى جيل الشباب. ولكن الملف أيضًا يحتوي على عدد من الدراسات القيمة أيضًا التي كتبها جيل مخضرمين من الأساتذة الباحثين.