عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، الثلاثاء 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، ندوة بعنوان “مسار الثورة في اليمن وسورية… الانتكاسات والصراعات والتقاطعات“، شارك فيها موسى علاية، أستاذ التنمية الدولية وبناء السلام في معهد الدوحة للدراسات العليا، وأدارتها الإعلامية السورية ناديا كمال الدين.

ناقشت الندوة واقع الثورتَين اليمنية والسورية من خلال المرور تاريخيًا على طبيعة نظامي الحكم في كلا البلدين، وكيف سارت مسألة توريث الحكم في الجمهوريتين اليمنية والسورية. وحلّلت المآلات والظروف والتقاطعات التي مرّت بها الثورتان، وسلطت الضوء على خارطة القوى المتصارعة، من خلال استعراض اللاعبين الإقليمين والدوليين، والدور الذي تلعبه إيران عبر ميليشياتها في كلا البلدين، وعلاقة نظام الأسد بالحوثيين.

في البداية، تحدّث الضيف عن أوجه التشابه والاختلاف بين نظامي الحكم في كلّ من سورية واليمن، والتقاطعات بين الثورتين اليمنية والسورية، وانعكاسات ذلك على مسار كل منهما، ووصف علاية نظامي الحكم في البلدين بالاستبداد والدكتاتورية، مشيرًا إلى أن الدكتاتورية في سورية كانت تُمارس تحت مظلة حزب البعث، باعتباره مسيطرًا على الدولة والمجتمع في آن واحد، وكانت الأيديولوجية البعثية التسلطية مسيطرة على كل مفاصل الحكم في سورية، وأخذت البعد الطائفي في تكوينها بوضوح، وامتزجت بالعقيدة الدينية من أجل الحشد السياسي والعسكري والطائفي. وفي الجانب اليمني، أوضح علاية أن الوضع في اليمن كان مشابهًا لسورية، من حيث سيطرة حزب المؤتمر الشعبي العام (الذي ترأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح) على كل مفاصل الدولة اليمنية، وكانت اللجنة العامة للحزب تضم معظم رؤساء وأعضاء الحكومة وقيادات الأجهزة الأمنية، كما هي الحال في سورية، مع فارق واحد هو وجود حيز للأحزاب الأخرى التي نشأت عند إعادة توحيد اليمن عام 1990، وتم منح أعضاء هذه الأحزاب مناصب معينة، لكن في ظل وجود تحالفات سياسية خفية، لافتًا إلى أن ما يميز اليمن هو وجود مؤسسات ديمقراطية، لكنها كانت مسيّرة من قبل شبكات وجِهات دكتاتورية غير رسمية. وأضاف: “في بداية عام 2001، عمل الرئيس السابق علي عبد الله صالح على تهيئة نجله ليكون خلفًا له في الحكم، حيث بدأ ابنُه تكوين شبكة علاقاته الخاصة، وهنا بدأت الصراعات الداخلية بين صفوف الشبكات الدكتاتورية، وكان ذلك مرحلة المخاض الأولى التي استمرت حتى نهاية عام 2010، ومن ثم دخلت اليمن في خضم الربيع العربي وما تلاه من صراعات وحروب وتدخلات دولية وإقليمية بائسة، لكن في المقابل، استفاد الحوثيون من هذه الظروف، وبدؤوا تشكيل هيكلهم العسكري وزيادة ارتباطاتهم الخارجية مع إيران، من أجل الانقضاض على الحكم”.

وناقشت الندوة أسباب تحوّل الثورة اليمنية عن مسارها السلمي، وتحوّلها إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وفي هذا الشأن، ذكر علاية أن الثورة في اليمن اتخذت شكل الانتفاضة الشعبية في البداية، حالها حال بقية الثورات في دول الربيع العربي، لكن الشبكات الدكتاتورية انقضت على الثورة، ودخلت إلى ساحات التغيير اليمنية، وحرفت الثورة عن مسارها الصحيح، وتحوّلت من ثورة شباب يطالب بالديمقراطية والحرية والحقوق، إلى ساحة صراع سياسي تحول بدوره إلى صراع عسكري.

وتحدث علاية عن بدايات التدخّل الإقليمي في اليمن وأشكاله وانعكاساته، وخاصة التدخل الإيراني في كل من سورية واليمن، ضد إرادة الشعبين، وأشار إلى أن الخيبة الأكبر تمثلت في التدخل الإماراتي، على اعتبار أن نظام الحكم فيها صديق وداعم لنظام بشار الأسد المدعوم من إيران، لكنها في الوقت ذاته حاربت إيران في اليمن، وساندت الجهات الجنوبية وجيوش علي عبد الله صالح، من أجل محاربة الحوثيين الذين تدعمهم إيران أيضًا، وبالتالي دعمت بطريقة غير مباشرة الحراك الجنوبي المدعوم من إيران سابقًا حتى الآن. أما بالنسبة إلى الموقف السعودي، فبيّن علاية أن السياسة السعودية تجاه الثورتين السورية واليمنية متوافقة مع الموقف الإماراتي، ففي الوقت الذي لم تعلن فيه السعودية عن دعمها المباشر لبشار الأسد، وقفت في وجه الحوثيين في اليمن، ودعمت القوى الجنوبية، وقد خلق هذا الأمر حالةً من التخبّط في الموقف السعودي والإماراتي، ولم يعد واضحًا أهما تحاربان إيران أم تدعمان الأنظمة والميليشيات الموالية لها، منبهًا إلى أن هذا التناقض والتخبط كانا في خدمة المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة العربية.

تطرقت الندوة إلى دوافع تدخل كل من الإمارات والسعودية في اليمن، وإن كان هناك قواسم مشتركة بين أجندتي الدولتين، ورأى علاية أن هناك تقاسمًا للأدوار بين السعودية والإمارات برعاية أميركية، وهذا قد يدل على عدم وجود توافق كامل بين سياسات الدولتين، لأن مواقفهما مرتهنة بالرؤية والإستراتيجية الأميركية، مبيّنًا في الوقت ذاته أن هناك أطماعًا ومصالح إماراتية اقتصادية في السيطرة على الموانئ المحيطة بمنطقة باب المندب والبحر الأحمر، من أجل الحفاظ على أهمية ميناء دبي وجعله الأبرز والأقوى في المنطقة، إضافة إلى رغبتها في السيطرة على تجارة وطريق الحرير المرتبط مع الصين، وإبعاد اليمن عن هذا الأمر. أما بالنسبة للسعودية، فأوضح علاية أن لديها إستراتيجية كبيرة وقديمة، تتمثل في إبقاء اليمن عند حد معين، فهي لا تفضّل وجود دولة ضعيفة على حدودها الجنوبية، وتعاني أزمات اقتصادية وإنسانية، لكنها في الوقت ذاته لا تحبذ أن تصبح اليمن دولة قوية، فهي تريدها ضعيفة ومتذبذبة، لكن ليس إلى مرحلة الانهيار التام، مشيرًا إلى أن ما تحاول السعودية فعله هو فرض حزام أمني على الحدود البرية والبحرية، ومن ثم ترك الأطراف الداخلية تتصارع مع بعضها البعض. وحول إمكانية التوصل إلى حل في ظل الانقسامات العديدة في اليمن، أوضح علاية أنه في ظل تفتت القوى وعدم وجود قوة أو جهة قادرة على فرض عملية السلام، سيكون من الصعب أن يكون هناك أي تحاور من أجل التوصل إلى حل، أو إعادة ترتيب الأوراق من جديد.

عرّجت الندوة على قضية التدخل الإيراني في سورية واليمن، وفي هذا الخصوص، أشار علاية إلى وجود علاقات سياسية وعسكرية وإستراتيجية بين الحوثيين وإيران، وكذلك ميليشيا “حزب الله” المسيّر الرئيسي للعلاقات ما بين إيران والميليشيات التي تم استحداثها، سواء قبل الربيع العربي أو أثنائه، تمثل ذلك في دعمه لنظام الأسد والميليشيات الموالية له، وعلاقاته القوية مع الميليشيات الشيعية المتشددة في العراق والبحرين واليمن والسعودية، لافتًا إلى أن إيران تسعى إلى تطبيق نموذج ميليشيا “حزب الله” في هذه الدول، من أجل تحقيق ودعم مشروعها التوسعي في المنطقة، في ظل وجود سياسات هشة من قبل الدول والأطراف التي تدّعي محاربة إيران.

وحول السياسات الأميركية المتوقعة تجاه الوجود الإيراني في المنطقة العربية، ذكر علاية أن الموقف الأميركي من إيران لم يتضح بعد، بالرغم من وعود الإدارة الأميركية الجديدة بوقف دعم الحرب السعودية في اليمن، ما قد يمنح إيران قوة ونفوذًا أكبر، خاصة في ظل وجود توجهات للديمقراطيين في إطار المساعي السلمية لحل قضية السلاح النووي الإيراني، مقابل زيادة التدخل الإيراني في المنطقة تحت مظلة ما يسمى بالتوازن الديني، وزياد قدرات الإسلام الشيعي ضد الإسلام السنّي، من أجل محاربة “الإرهاب والتشدد” في الجانب الآخر. وأضاف: “في ظل المتغيرات الأخيرة والتقارب الذي حصل بين بعض الأنظمة العربية وإسرائيل، قد نشهد تغيرات جديدة، خاصة إذا أعلنت السعودية التطبيع مع إسرائيل، من أجل تحقيق مصالح سياسية داخلية تتمثل في الانتقال السلمي للسلطة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وإيقاف توسع إيران في المنطقة”.أمريكي

من جانب آخر، تطرقت الندوة إلى المضاعفات الإنسانية والاقتصادية للحرب في سورية واليمن، خلال السنوات الماضية، وبحسب إحصاءات في كتابٍ سيصدر قريبًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حول آثار الأزمات الإنسانية والاقتصادية في عدد من الدول العربية منذ عام 1960 حتى عام 2019، فإن الحرب في سورية كانت الأكثر دموية في موجة الربيع العربي، حيث بلغت نسبة الضحايا 47 بالمئة من إجمالي عدد الضحايا الذين سقطوا في ثورات الربيع العربي، وأكثر من مليون مصاب وجريح، غالبيتهم بُترت أعضاؤهم، وأدى ذلك إلى وجود نصف مليون معاق، فيما احتلت العراق المرتبة الثانية، وتلتها اليمن بـ 110 آلاف قتيل و250 ألف معاق.  وأشار علاية إلى وجود عجز في توثيق العدد الحقيقي للضحايا في اليمن، بسبب عدم وجود منظمات فاعلة تقوم بعملية الرصد والتوثيق الدقيق، وعدم امتلاك كثير من المنظمات الدولية القدرة على الوصول إلى اليمن. وعلى الصعيد الاقتصادي، أوضح علاية أن سورية تحتاج إلى 400 مليار دولار من أجل عملية إعادة الإعمار، فيما تحتاج اليمن إلى حوال 120 مليار دولار، بالإضافة إلى تراجع النمو الاقتصادي في سورية خلال الحرب 10 درجات مئوية، وفقدان الاقتصاد اليمني 58 بالمئة من قيمته، ما أدى إلى وجود 11 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي.

د. موسى علاية: أستاذ التنمية الدولية وبناء السلام ودراسة الصراعات في معهد الدوحة للدراسات العليا، مدير تحرير مجلة “حُكامة” الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حاصل على شهادة الدكتوراه في إدارة التنمية الدولية وبناء السلام من جامعة لايدن في هولندا، وهو صاحب خبرة واسعة في مجال التنمية الدولية والإدارة العامة، ومتخصص في قضايا الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.