عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، يوم الثلاثاء 4 أيار/ مايو 2021، ندوة بعنوان “مآلات الربيع العربي والثورات المضادّة”، شارك فيها كل من الكاتبة والباحثة دلال البزري؛ الكاتب والمترجم بكر صدقي؛ الباحث والأكاديمي سيف الإسلام عيد، وأدارتها الإعلامية السورية ديمة ونوس.
تناولت الندوة مآلات الربيع العربي ومواجهته بثورات مضادة من قبل الفئات المستفيدة من النظام القديم، خصوصًا في مصر وليبيا واليمن، ودور القوى الإقليمية والدولية في دعم هذه الثورات المضادة.
وطرحت الندوة أسئلة حول مسارات الربيع العربي: هل هذا الانفجار موجة أولى ستتلوها موجات؟ وما هي دروس التاريخ في هذا المجال؟ وسلّطت الندوة في بدايتها الضوء على الحالة المصرية، وفكرة الثورة المضادة التي بدأت فيها مقارنة ببلدان الربيع العربي.
وقدّم سيف الإسلام عيد شرحًا عن الثورة المضادة في مصر التي بدأت منذ أول يوم لثورة 25 كانون الثاني/ يناير، على يد نظام حسني مبارك، الذي قام بتجييش النظام وآلياته لدحر فكرة الثورة من نفوس المصريين.
وبيّن أن فكرة الثورة المضادة بدأت منذ ذلك الحين، لكنها كانت فقط تستجمع قواها، بالرغم من أنها كانت ضعيفة، بسبب ضبط النفس الجماعي لدى كثير من القوى السياسية التي اجتمعت على هدف إسقاط “رأس النظام مبارك” ومن معه.
وذكر عيد أن الثورة المضادة ربّما تسلمت الراية من حسني مبارك نفسه، إلى المجلس العسكري، الذي فُوض لاستخدام السلطة كحاكم وكرأس للسلطة التنفيذية ومن ثم التشريعية.
وكان المجلس العسكري، بحسب عيد، يمثل النظام نفسه، لكنه استغل عددًا من النقاط من أجل أن يستجمع قواه مرة أخرى، من أجل أن يعود بالثورة المضادة أو بتجلياتها، التي أعادت إنتاج “نظام مبارك” ولكن بشكل جديد، في إشارة إلى نظام السيسي.
وتحدث عيد عن الأسباب الرئيسة التي تقف وراء ظهور الثورة المضادة في مصر، وأوضح أن الثورة المضادة استطاعت أن تظهر في مصر من خلال انقسام النخبة السياسية وانقسام القوى السياسية أيضًا، إضافة إلى التململ الحاصل ما بين المجلس العسكري، والانقسام الإسلامي العلماني الذي فتك بالسياسة المصرية، ومن بعد ذلك تسلمت (الثورة المضادة والممثلة بالمجلس العسكري) السلطة على طبق من ذهب، في 3 تموز/ يوليو 2013.
ولفت عيد النظر إلى الأسباب التي وقفت وراء عدم تمكن المعارضة المصرية من التخفيف من وطأة الثورة المضادة أو عدم المساهمة في التأسيس لها. وبيّن في هذا الجانب أن القوى المُعارضة المصرية أو القوى السياسية لم تكن على قدر من المسؤولية أو الواقعية السياسية آنذاك (بعد العام 2013)، أو على قدر من الرغبة في إرساء نظام ديمقراطي حقيقي في مصر، أو إتمام مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، فبدؤوا في مرحلة الاستقطاب السياسي، إضافة إلى أن القوى الإسلامية حاولت التقرب بشكل كبير من المجلس العسكري في بداية الثورة، وعقد صفقات سريّة معه، وإقصاء القوى العلمانية.
وأشار إلى أنه لم تكن هناك نخب سياسية حقيقية (إسلامية وعلمانية) على قدر كبير من الوعي أو على قدر كبير من تأييد عدد من المطالب الديمقراطية، بل كانت تختلف بين بعضها ولم تتفق حول أن “المطلوب هو الديمقراطية في هذا الوقت”.
وتناولت الندوة الحالة اللبنانية وموجة الربيع العربي الثانية التي يعيشها، ودور الثورة المضادة هناك.
ورأت دلال البزري أن الحالة اللبنانية تشبه الحالة المصرية، ولكنّ لبنان لا يعيش موجة ثانية من الربيع العربي بل يعيش “حالة قتل” بكل أشكاله.
وأضافت أن ما جرى في لبنان 2019 هو أن الثورة، لأول مرة في تاريخ لبنان، تمكنت من جمع جميع الطوائف تحت شعار واحد، وهو النزول إلى الشارع، بالرغم من تمكن الثورة المضادة من اختراقهم. ورأت أن “الثورات المضادة بمختلف الربيع العربي كانت تعتمد على فكرة القتل بكل أشكاله”.
وتابعت أن “ما لفت نظري هو أن القتل لم يكن جسديًا فقط بل كان معنويًا، وبفضل جهود ثقافية قامت بها الثورة المضادة، أصبح هناك ربط شبه أتوماتيكي ما بين الثورة والإرهاب، الثورة المدعومة من الإمبريالية والصهيونية، والثورة التي تزعزع الاستقرار وأمن البلاد.. إلخ”.
ولفتت النظر إلى أنه لا يمكن للثورة المضادة أن تنجح بدون تدخل خارجي، والأمثلة كثيرة ومنها الحالة المصرية، التي كانت بحاجة إلى دعم خارجي لتثبيت الثورة المضادة.
وأشارت إلى أن “التداخل الحاصل ما بين لبنان وما بين سورية جعل الثورات المضادة واحدة، وعندما دخل حزب الله إلى سورية في العام 2013 لحماية عرش بشار الأسد، دخل بثورة مضادة”.
وأوضحت أن “الثورات لها ثلاثة احتمالات: إما ثورة مضادة سريعة تقضي عليها نهائيًا، وإما أن الثورة تنجح، وإما لاحقًا تخرج ثورة مضادة على الثورة وتزيلها نهائيًا، وما حصل في الربيع العربي أن الاعتقاد كان معممًا، مع بعض الحذر لدى أقلية ضئيلة، بأن هذه الأنظمة مهترئة وسوف تسقط، لكن هذا التوقع لم ينجح”.
وتطرقت الندوة إلى الثورة المضادة في الحالة السورية، ودور الأطراف الإقليمية والدولية في دعم الثورة السورية، إضافة إلى دور المعارضة السورية منذ انطلاقة الثورة.
وأوضح بكر صدقي أنه يُفضل استخدام تعبير “القوى المضادة للثورة”، بدلًا من مصطلح “الثورة المضادة”، وبيّن أن هذه القوى هي مجموعة من الدول والقوى الاجتماعية والطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة، سواء داخل البلد الواحد أو على مستوى إقليمي ودولي.
وأضاف أن هناك قوى مضادة لثورات الربيع، ويمكن القول إنها نجحت -مرحليًا- في كسر موجة الثورات، ولكن في عام 2019، عندما عادت في العراق ولبنان والسودان، أصبح هناك أمل جديد بأن الثورات لن تتوقف عند 2011، وبخاصة أن المطالب التي خرجت الشعوب من أجلها لم يتحقق منها شيء.
ورأى أن الوضع في الحالة السورية كان أكثر تعقيدًا، حيث إن هناك قوى اجتماعية متمسكة ببقاء النظام، وهي من مكونات اجتماعية مختلفة، وهناك قوى إقليمية لا تريد موجة الثورات أن تعمّ وأن تصل إليها، ويضاف إلى ذلك أن المجتمع الدولي منحاز إلى الاستقرار، مهما كان شكله، ولا يريد فوضى، كونه ينظر إلى الثورة بأنها “فوضى”.
وأشار صدقي في سياق حديثه إلى أن القوى الإقليمية والدولية دعمت الثورات المضادة، في حين أن الدول ذاتها لم تدعم ثورات الربيع العربي، خاصة ما يتعلق بالقضية السورية، يضاف إلى ذلك أن الدعم المحدود الذي كان يصل إلى المعارضة السياسية والعسكرية كان لخدمة أجندات تلك الدول، وقد اندفعت إليه المعارضة مضطرة، بسبب عنف النظام اللامعقول وعدم انفتاحه على أيّ حلّ وسط.
وختم صدقي قائلًا إن “موجة الثورات من الممكن أن تنكسر في مرحلة ما، لكن ما دامت أسباب قيامها موجودة ففي المستقبل ستستمر، ولا يمكن للسلطات القمعية أو أي حكم دكتاتوري أو ديمقراطي أن يسود بفعل القوة فقط، بل يجب أن يكون هناك أدنى حد من رضا المحكومين، وهذا الرضى لا يمكن أن يتوفر لا في سورية ولا في مصر ولا حتى في أي مكان قامت فيه ثورات أو لم تقم فيها ثورات”.
دلال البزري: كاتبة وباحثة لبنانية، دكتوراه في علم الاجتماع السياسي، لها العديد من المؤلفات والدراسات، وكتاب سيصدر قريبًا: “يساريون لبنانيون في زمنهم”.
بكر صدقي: كاتب صحفي سوري في الشؤون الثقافية والسياسية، له مقالات في الشؤون السورية والعربية والكردية والتركية. مترجم لعدد من الكتب الأدبية والسياسية من التركية إلى العربية.
سيف الإسلام عيد: باحث وأكاديمي مصري، ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من معهد الدوحة للدراسات العليا، له العديد من الدراسات، وصدر له كتاب “عند الامتحان: من ذكريات طالب معتقل”.