عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة ندوة، بعنوان“عودة الإنتربول إلى سورية.. المخاوف والواقع“، شارك فيها العقيد محمد مفيد عنداني، الرئيس السابق لفرع الإنتربول في سورية، وأدارتها الإعلامية ديمة ونوس.
سلّطت الندوة الضوء على حقيقة قرار المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) إعادة دمج سورية في نظامها لتبادل المعلومات، بعدما علقت العمل معها عام 2012، في سياق العقوبات الدولية ضد دمشق، وناقشت أسئلة عديدة تتعلق بالموضوع: ما العوامل التي أدت إلى رفع القيود؟ وهل سيتمكن النظام السوري من ملاحقة معارضيه حول العالم، وتعريض الذين فرّوا من الحرب للاحتجاز والتسليم؟ وما هي حقيقة “الإخطار الأحمر”؟ وهل يستطيع الإنتربول الذي يُعاني نقصًا في التمويل وفي أعداد الموظفين مراجعةَ الطلبات بشكل صحيح، ورفض ما له علاقة بالبعد السياسي؟ وهل يمكن أن يُطالب الإنتربول بتسليم كبار مسؤولي النظام السوري وضباطه المتّهمين بارتكاب جرائم حرب، والذين صدرت بحقهم مذكرات قضائية من بعض المحاكم الأوروبية؟ وغير ذلك من الموضوعات ذات الصلة.
وفي هذا الصدد، أوضح العقيد محمد مفيد عنداني، دلالات خطوة “الإنتربول” الدولي رفع الحظر عن النظام السوري، وأعرب عن قلقه وخشيته من إفلات النظام السوري الذي ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من العدالة الدولية.
وقال عنداني: “نخشى أن يتحوّل المجرم (النظام السوري) إلى قاضٍ، ونخشى أيضًا من اختلال ميزان العدالة الدولية، ومن أن تعود العلاقات الدولية والدبلوماسية إلى ما كانت عليه مع النظام، وأن يعود النظام إلى ممارساته القمعية السابقة، كونه سيعتبر نفسه حصل على صكّ البراءة بعودة هذه العلاقات”.
واستبعد عنداني أن تكون عودة بعض الدول إلى تطبيع علاقاتها مع النظام، بالتزامن مع خطوة “الإنتربول” الدولي، محض صدفة، وقال: “لا شك في أن العديد من العوامل ترتبط مع بعضها، ولذلك، لم تكن هذه الخطوة مفاجئة كثيرًا بالنسبة إلي، وقد لاحظتُ -منذ سنة تقريبًا- أن هناك تغييرات أمنية داخلية أجراها النظام، إضافة إلى التوجّه الخارجي للنظام وتغيير بعض الوجوه في وزارة الخارجية من أجل تطوير العلاقات الدولية، ومشاركة وفوده في بعض المؤتمرات في جنيف، وخاصة مجلس حقوق الإنسان، إضافة إلى إخضاع أفراد من ضباط الشرطة لدورات تطوير حقوق الإنسان، وقد أثار هذا الأمر كثيرًا من التساؤلات حول كيفية إعطاء منظمة دولية مثل حقوق الإنسان دورات لجهاز الشرطة التابع للنظام السوري، وغيرها من العوامل الأخرى”.
وتطرق عنداني إلى حقيقة المخاوف، خاصة عند المعارضين السوريين، من عودة العلاقات بين “الإنتربول” والنظام السوري، وأضاف أن “هذه العودة تنعكس سلبًا على المعارضين، لأسباب عدة، أهمّها أن النظام في دمشق لم يعد نظامًا حكوميًا، إنما بات نظامًا مافيويًا، سخّر وسيّس القضاء السوري الذي أصبح غير محايد وغير شفاف وأصبح قضاءً موجهًا، وهذا الأمر يثير القلق، وهو قلق مشروع”.
وفي ردّ على سؤال، عن مدى قدرة النظام على ملاحقة معارضيه، بعد فتح مكتب “الإنتربول” الدولي في دمشق، أجاب عنداني: “النظام، منذ بداية الثورة، يراهن على النفس الطويل، وبالتالي سيبدأ خطوة بخطوة، من أجل توسيع علاقاته وتحالفاته وتنشيط نفسه ليصل إلى ما يهدف إليه”.
وأشار عنداني إلى أن هناك عددًا من الدول المرشحة للعب دور في تسليم المطلوبين للنظام السوري، بناء على مذكرات مرسلة عن طريق “الإنتربول” الدولي، ومنها بعض الدول العربية (لم يسمّها)، إضافة إلى دول أخرى مثل: الصين، الهند، كوريا، دول شرق أوروبا، بلغاريا، صربيا، التشيك، بيلاروسيا، وغيرها من الدول التي تتشابها أنظمتها مع النظام السوري.
ولفت النظر إلى أن النظام السوري بارعٌ جدًا في فبركة القضايا والملفات، ولن يكون الملف المرسل إلى “الإنتربول” ذا طابع “معارض سياسي”، إنما سيكون “ملفًا جنائيًا ملفقًا”.
وردًّا على مسألة أن هناك معلومات مؤكدة بأنّ مكتب “الإنتربول” في سورية عمّم أرقام جوازات، مُنحت من قبل الهجرة والجوازات في سورية لمعارضين سوريين، وادّعى أنها مزورة أو مسروقة من الرقة عندما سيطر عليها تنظيم “داعش”، وعن كيفية التواصل مع “الإنتربول” لوقف هذا الإجراء غير القانوني ووقف استغلال “الإنتربول” لخدمة عصابة الأسد في ملاحقة معارضيها؛ ذكر عنداني أن هذا الكلام سليم مئة في المئة؛ وأكد أن هناك حوالي 2000 جواز سفر صادرة من الرقة، ولكن النظام هو من سهّل تسليمها إلى الطرف الآخر، في أثناء سيطرة “داعش”، إذ كان بإمكانه إعطاء التعليمات بنقلها أو حرقها، وهناك 8000 جواز سُرقت من أحد المستودعات بدمشق، والنظام هو من سهّل عملية سرقتها.
وأضاف أن “هناك إمكانية للتواصل مع الإنتربول الدولي، ولكنّ هناك مشكلة كبيرة لا حلّ لها، إذ لا يوجد أي إثبات أن النظام تركها وسهّل عملية السيطرة عليها، والمثبت هو أنها عند الطرف الآخر، في حين أن كثيرًا من الأشخاص اضطروا -بحسن نية- إلى الحصول على هذه الجوازات، من دون علم ودراية بمصدرها، فالمشكلة إذًا هي في الجواز نفسه”.
وفي ما يخص اللجنة التي شكّلها الائتلاف الوطني السوري لمواجهة ما ستقوم به منظمة الإنتربول الدولي من تعاون مع المكتب التابع لها في سورية، بيّن العنداني أنه عضو في هذه اللجنة، وأنه مستعد للتعاون مع أي طرف سوري معارض، في سبيل وقف تمدد النظام مع هذه المنظمة. وأضاف أن “هناك مجموعة من الخطط سيتم طرحها للإعلام قريبًا، وستكون هناك بوادر إيجابية مع عدد من الأطراف السورية المعارضة”.
وتناولت الندوة أنواع المذكرات والنشرات التي تصدر عن منظمة “الإنتربول” الدولية، في سبيل مكافحة الجريمة، بموجب اتفاقيات موقعة بين الدول. وعدّد عنداني أنواع تلك المذكرات والنشرات وفق الآتي: (المذكرات الحمراء): أي طلب توقيف شخص مرتكب لجريمة ريثما يتم تسليمه، وهناك “المذكرات الخضراء والزرقاء”: أي النشرات التحذيرية من أشخاص هم خطرون، ولكن لم تصدر بحقهم أي مذكرات، ويطلب من الدول مراقبة هؤلاء الأشخاص والإعلام عن تحركاتهم. وهناك المذكرات المتعلقة بالبحث عن الأشخاص المفقودين والمخطوفين، وهناك أيضًا “النشرة البرتقالية”: وهي نشرات تحذيرية أيضًا من إمكانية وقوع جرائم في دولةٍ ما. ولكن أخطر هذه النشرات، بحسب عنداني، هي “النشرة الحمراء”، وتعني “التوقيف”، وهي التي صدرت عن منظمة الإنتربول الدولي، وتم توزيعها على كلّ دول العالم تقريبًا.
وركّزت الندوة على آلية مواجهة قلق ومخاوف المعارضين السوريين خارج سورية، من خطوة الإنتربول الدولي وعودتها إلى سورية. وقال عنداني: “إن مستوى العلاقات بين النظام السوري والإنتربول قبل الثورة السورية كان جيدًا جدًا، بدليل عشرات المشاركات الخارجية وعشرات المؤتمرات والنشاطات التي نظمتها سورية لصالح الإنتربول، وكان ذلك إحدى الأدوات لتقوية العلاقة مع هذه المنظمة”.
وتابع: “الأمر يتطلب جهدًا مشتركًا من جميع المعارضين في الدول العربية وفي أوروبا، وفي أي مكان توجد فيه المعارضة السورية، لوضع خطة باتجاه المسارين العربي والدولي للتواصل مع منظمة الإنتربول، من أجل شرح سيئات عودة هذه العلاقة وتبعاتها على كثير من المعارضين، وتوضيح أساليب النظام: كيف يعمل على فبركة الجرائم في ملاحقة المعارضين، لذا يجب أن يكون العمل على مسارات عدة، وبالتعاون والتنسيق مع المنظمات الدولية ومع حكومات الدول نفسها، لتشكيل مجموعات ضغط ضد هذه الخطوة”.
وفي ختام حديثه، أكد عنداني أنّ أول خطوة عملية يجب القيام بها هي التواصل مع منظمة الإنتربول الدولي بالذات، ويجب التوجه إليها بشكل مباشر وتنظيم لقاءات لتوضيح الصورة وتبيان خطورة الخطوة على عشرات الآلاف من المعارضبن خارج سورية، كونها خطوة ستؤدي إلى التضييق عليهم والتأثير على إقامتهم في تلك الدول، حسب تعبيره.