أقام مركز حرمون للدراسات المعاصرة عبر البث المباشر، الثلاثاء 11 آب/ أغسطس 2020، ندوة بعنوان “تفجير بيروت… الدلالات والمآلات“، شارك فيها من باريس زياد ماجد، وأدراها بدر الدين عرودكي.
ناقشت الندوة أهمية هذا الحدث الذي يلقي بكل ثقله، لا على المنظومة السياسية والحكومية في لبنان، التي تعاني من أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة فحسب، بل على المنطقة بأسرها، ولا سيّما في ما يتعلق بوضع وكيل إيران في لبنان، وهيمنته على مفاتيح دولة تعاني من آفات الطائفية والفساد والانقسام.
وتحدث الباحث زياد ماجد في بداية الندوة، عن دلالات الانفجار الذي وقع في ميناء بيروت في الرابع من آب/ أغسطس الجاري، وعن الوضع السائد في لبنان حاليًا، على الصعيد السياسي والاقتصادي، معتبرًا أن ما حدث هو تكثيف لكل علامات الانهيار الذي وصل إليه المشهد اللبناني، نتيجة سنوات طويلة من التمزق والاضطرابات والفساد السياسي والإداري. وحمّل ماجد الطبقة السياسية في لبنان مسؤولية تفجير ميناء بيروت الذي يُعدّ الرئة التي يتنفس من خلالها لبنان. وأضاف: “أمام ثورة 17 تشرين الأول/ سبتمبر، التي قامت ضد ما تجسده هذه السلطة من تحالف مافيات وفساد وطائفية وسلاح غير شرعي، الكثير من التحديات، من ضمنها التخطيط لشكل مرحلة ما بعد سقوط حكومة حسان دياب، ومتابعة تبعات أي تحقيق جرى أو سيجري فيما يخص حادثة المرفأ”.
وتطرق ماجد إلى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان عقب الانفجار الذي حصل، ورأى أنها تنطوي على دلالتين أو مستويين: الأول مرتبط برموز السياسة التي تتحكم بالسيادة الوطنية للبنان وتقوّضها بأكثر أشكال التقويض عنفًا وفجورًا، ويتجلى ذلك في ارتهان بعض من الأحزاب السياسية لأجندات خارجية مثل “حزب الله” التابع لإيران وسياساتها في المنطقة، وفقدان الحكومة اللبنانية أي مستوى من التمثيل الوطني، والمستوى الثاني هو انكشاف لبنان ماليًا واقتصاديًا وبحثه الدائم عن مساعدات من أي بلد أو جهة في العالم، فمفهوم السيادة اللبنانية، خارج إطار البحث خلال زيارة ماكرون.
أما فيما يتعلق بدعوة الرئيس الفرنسي إلى تشكيل “حكومة وحدة وطنية” في لبنان، رأى ماجد أن السياسية الفرنسية في العموم تميل إلى تحقيق الاستقرار والإصلاح البطيء، بدلًا من التغيير الجذري والاستمرار في الانتفاضة والتصعيد في مواجهة ما يحدث في لبنان. ونوّه ماجد إلى التصريحات التي أطلقها الرئيس الفرنسي أخيرًا، عبّر من خلالها عن عدم رفضه لأي حلول أخرى يقترحها اللبنانيون، في حال لم تكن “حكومة الوحدة الوطنية”، بوجوهها السابقة مع بعض التغييرات، كافيةً لاحتواء الأزمة وإطلاق مسيرة الإصلاح. وأضاف: “الخلفية التي يرتكز إليها الطرح المتعلق بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية مرتبط بالمساعدات المالية التي يحتاجها لبنان في المرحلة المقبلة، والتي تتطلب، بحسب وجهة النظر الفرنسية، تجميع القوى السياسية كافة من أجل الوصول إلى استقرار يسهّل وصول المساعدات وصرفها بالتوافق مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى فتح المجال لبعض الوجوه الإصلاحية للمشاركة في الحكومة”.
ورأى ماجد أن تشكيل حكومة وحدة وطنية بوجود السياسيين الذين أداروا لبنان منذ عام 2006 حتى الآن، لا يمكن أن يؤدي إلى أي انفراج أو توسّع لهامش الخطوات الإصلاحية، وأن إدخال بعض الأفراد ممن يمثلون المجتمع المدني أو جهات مستقلة لن يكون له أي تأثير أو وزن في حكومة تديرها أقطاب طائفية أساسية في البلد، ووصف المقترح الفرنسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية بـ “الطرح المرتبك”، مشيرًا إلى أنه كان من الأفضل لو بقي ماكرون على الحل القائم على دعم لبنان من دون دعم الطبقة السياسية، ورجّح أن يكون الهاجس الفرنسي فيما يخص أميركا وإيران والرغبة في لعب دور الوسيط، يقف وراء دعوة الرئيس الفرنسي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وناقشت الندوة إمكانية تجاوز “حزب الله” في أي حل يمكن أن يوجد في حال لم يتم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وتحدث ماجد عن مخططات “حزب الله” طوال السنوات الماضية من أجل نسف مفهوم النظام التوافقي المعمول به في لبنان، والقائم على جمع كل الأقطاب السياسية والدينية في حكومة واحدة، وفقًا لمبدأ الحكم بالإجماع وليس بالأكثرية، وكيف استغل الحزب قوته العسكرية، والتعبئة الشعبية لدى الطائفة الشيعية في لبنان، والدعم المالي المباشر من إيران، من أجل القضاء على مفهوم الديمقراطية التوافقية، مبيّنًا أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية سيصبّ في مصلحة “حزب الله” لأن وجود الأقطاب السياسية والقوى الطائفية الأخرى المخاصمة له، لن يشكل أي تهديد لقوته العسكرية ولعلاقته مع إيران.
وأكد ماجد على أن أغلبية الشعب اللبناني المنتفض في الشارع هم ضد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، أو العودة إلى ما قبل عام 2019، كما تُعرّف هذه الحكومة بحجة إنقاذ البلد والحاجة إلى التفاوض مع المؤسسات الدولية والمحافظة على الاستقرار والسلم الأهلي، لافتًا إلى أن “حزب الله” سيراهن في المرحلة المقبلة على تعب اللبنانيين نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي لم يسبق أن عاش لبنان أزمات مشابهة لها، وعلى وجود جميع الطبقات السياسية في الحكومة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى استخدام أجهزة الأمن والجيش اللبناني في قمع المتظاهرين من دون أن يضطر إلى استخدام ميليشياته، أو إلى اللجوء إلى شبان الأحياء الشيعية المتضررين أيضًا من الأزمة، لكن التعبئة الطائفية هي التي تحركهم و تزج بهم في مواجهة المتظاهرين.
وعن الدور الذي من الممكن أن يلعبه النظام السوري وإيران في الأزمة اللبنانية خلال المرحلة القادمة، أشار ماجد إلى أن النظام السوري ما زال يمتلك حلفاء وعملاء له في لبنان، غير “حزب الله” الذي لم يعد يتعامل مع النظام كحليف أو وسيط بينه وبين طهران، بسبب علاقته المباشرة مع إيران، والتزامه بما تراه مناسبًا، لكن يبقى للنظام السوري حضور لدى بعض الطوائف وضمن بعض الأجهزة الأمنية التي مازالت تدين بالولاء له، ولديه القدرة الدائمة على تهديد الاستقرار وزعزعة الأمن من خلال تنفيذ تفجيرات أو اغتيالات، لكنه لم يعد قادرًا على التدخل في القرار السياسي. وفيما يخص إيران، قال ماجد إن إيران ستخوّل حسن نصر الله اتخاذ القرارات على النحو الذي يريده بالتوافق مع شركائه فيما يتعلق بالأزمة اللبنانية، وستترك إيران مسألة البت في القبول بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية أو رفضها لـ “حزب الله”، شريطة أن يكون جاهزًا دائمًا لتحقيق وتمرير ما تريده إيران، ليكون ذراعًا عسكريًا لها في المنطقة.
من جانب آخر، أشار ماجد إلى عدم إمكانية تجميع جميع الأطراف السياسية في بوتقة واحدة، ولن يكون هناك طرف واحد قادرًا على تمثيل جميع اللبنانيين المشاركين في الانتفاضة، وسيبقى هناك تعدد لمراكز القوى، مع احتمالية أن تشهد المرحلة القادمة تفوق أحد الأطراف على البقية، ويصبح هو القطب الأساسي، لكن ذلك سيتطلب وقتًا طويلًا في حال حدوثه.
وفي نهاية الندوة أجاب الضيف على أسئلة المتابعين وتعليقاتهم.
زياد ماجد: مفكر سياسي وأستاذ جامعي وباحث، له كتاب “الثورة اليتيمة” عن الثورة السورية، ومئات المقالات والأبحاث حول الإصلاح والتحولات الديمقراطية والانتخابات والمجتمع المدني والمواطنة في لبنان وسورية والمنطقة العربية.