عقد منتدى حرمون الثقافي – إسطنبول، الخميس 2 كانون الأول/ ديسمبر 2021، ندوة بعنوان: “نظرة على التعليم في سورية – الواقع والتحديات“، شارك فيها كل من فاتح شعبان، الأكاديمي ومعاون وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة؛ وطلال المصطفى، الأكاديمي وأستاذ علم الاجتماع والباحث في مركز حرمون؛ وأدارتها الإعلامية السورية ديمة ونوس.
استعرضت الندوة نتائج دراستين صدرتا حديثًا عن مركز حرمون للدراسات المعاصرة، بإشراف طلال المصطفى ومشاركة فريق بحثي، بعنوان “التعليم ما قبل الجامعي في سورية“، و”التعليم العالي في مناطق النظام السوري – الواقع والمستقبل“. وناقشت الندوة أهم التحديات التي تواجه هذا القطاع، والحلول التي يمكن أن تعالج هذه التحديات.
استهل الدكتور فاتح شعبان الندوة بالحديث عن واقع التعليم ما قبل الجامعي، في مناطق سيطرة المعارضة السورية، وأوضح أنه متدهور جدًا ويحتاج إلى كثير من الدعم المحلي والدولي، مبيّنًا أن هناك كثيرًا من الصعوبات التي يواجهها هذا القطاع، أهمها النزوح المستمر والوضع المعيشي السيئ، والحالة الأمنية السيئة، وضعف الدعم المادي الذي أثّر في أداء المعلمين، حيث انخفضت جودة التعليم في العديد من المناطق، إضافة إلى أن هناك صعوبات أخرى تتعلق بالموقف الدولي من منطقة الشمال السوري، وقد أدت إدارة جهات متعددة للملف التعليمي إلى تعقيد الأمور أكثر، ومن ثم إلى ارتفاع أعداد الطلاب المتسربين من المدارس.
وفي ما يتعلق بالتعليم الجامعي، أوضح شعبان أن الوضع في الجامعات لا يقلّ سوءًا عن وضع التعليم المدرسي، وأنه يعاني إشكالات عدة. فعلى الرغم من وجودة عدة جامعات في الشمال السوري، فإن الطلاب يواجهون كثيرًا من التحديات، وأهمّها عدم وجود أي اعتراف بالشهادات الصادرة عن هذه الجامعات خارج المناطق المحررة، حتى من قِبل الحكومة التركية.
من جانب آخر، وصف طلال المصطفى واقع التعليم في مناطق سيطرة النظام السوري بأنه “كارثي”، مشيرًا إلى أن هذا الوضع السيئ للعملية التعليمية بدأ منذ وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة، الذي استخدم سياسة (تدجين) الطلبة والأساتذة، بدلًا من صنع أشخاص مبدعين وقادرين على التحليل والتفكير والنقاش. وأضاف أن العملية التعليمية منذ السبعينيات حتى الآن ظلّت موجّهة عبر أيديولوجيا عقائدية وقومية وبعثية، وتمجيد حافظ الأسد كقائد أول وأوحد للبلاد، وضرب مثالًا على ذلك “مادة القومية” التي تُدرّس في كل المراحل الدراسية، منذ المرحلة الابتدائية حتى نهاية الجامعة. ثم تابع قائلًا إن النظام استكمل تخريب القطاع التعليمي بعد عام 2011، من خلال استهداف المؤسسات والمرافق التعليمية بالطائرات والبراميل المتفجرة.
وأوضح المصطفى أنه على الرغم من الحصار الأيديولوجي الذي مارسه النظام على الطلاب، فإن الانفتاح والتطور التكنولوجي وانتشار وسائل الإعلام والاتصال الذي حدث منذ بداية عام 2000، منع النظام من الاستمرار في سيطرته على الشباب السوري، وهناك العديد من الطلاب غير الراضين عن الوضع التعليمي والشهادات التي سيحصلون عليها، بسبب المناهج الدراسية القديمة وغير المواكبة للتطور في العلوم الطبيعية والاجتماعية والتكنولوجية، ما دفع كثيرًا منهم إلى التفكير بالسفر خارج سورية.
من جانب آخر، سلطت الندوة الضوء على أسس ونتائج الدراستين اللتين أصدرهما مركز حرمون للدراسات المعاصرة، حول التعليم الجامعي وما قبل الجامعي في مناطق سيطرة النظام السوري، خاصة خلال السنوات العشر الماضية. وحول ذلك، قال المصطفى إن الدراسة كانت بانورامية وشاملة لكل قضايا القطاع التعليمي، وقدمت تشخيصًا لحجم الدمار الذي لحق بجميع جوانب العملية التعليمية، كعدد المدارس والمرافق التعليمية المدمرة، ونسبة الأطفال المتسربين من المدراس، ونقص أعداد الكادر التعليمي. كما قدمت الدراسة تصورات لوضع القطاع التعليمي في مرحلة ما بعد الحل السياسي.
وعن الدعم الدولي للقطاع التعليمي في المناطق المحررة، أوضح شعبان أن هناك دعمًا أوروبيًا للتعليم ما قبل الجامعي، لكنه لا يغطي سوى 40 بالمئة من الاحتياجات، في المقابل لا يحظى التعليم الجامعي بأي دعم خارجي إطلاقًا، سواء على الصعيد المادي أو الأكاديمي، مُرجعًا ذلك إلى أسباب متعددة ومتداخلة فيما بينها، أهمها أسباب سياسية، لأن العملية التعليمية هي جزء من إعادة الإعمار، التي تتبنى الولايات المتحدة وبقية الدول الداعمة موقفًا واضحًا وصريحًا منها يتمثل بضرورة حدوث تغيير أو انتقال سياسي كشرط أساسي للبدء بإعادة الإعمار. وأضاف شعبان أن العقوبات الأميركية المفروضة على سورية تعوق بشكل كبير إيصال الدعم المالي، وأن هناك دولًا تعتبر دعم التعليم ليس أساسيًا وجوهريًا في الوقت الحالي، ويحتاج إلى استثمارات طويلة المدى.
تطرقت الندوة إلى التحديات التي تواجه القطاع التعليمي في سورية ضمن مناطق سيطرة النظام، وانعكاس ذلك على الطلاب وعلى سورية المستقبل. وذكر المصطفى أن التحدي الأهم هو البعد التنموي للجامعات السورية، إذ ليس هناك جامعات تقوم بعمل برامج تخصصية بما تحتاج إليه سورية أو يحتاج إليه سوق العمل، إضافة إلى عدم تمتّع الأكاديميين بالحرية الكاملة في ما يتعلق بطرق التدريس ونوعية المنهاج.
وأوضح شعبان أن موضوع التبعية السياسية، في المناطق المحررة، من أهمّ التحديات التي تواجه القطاع التعليمي، وزاد من تعقيد المسألة، لأن هناك جهات عدة تشرف على الملف التعليمي، وأدى ذلك إلى حدوث خلل و فوضى، إذ ظهرت العديد من المناهج في المناطق غير التابعة للحكومة السورية المؤقتة، وفيها كثير من الإشكاليات، إضافة إلى إيلاء أهمية كبيرة للتعليم الشرعي.
وفي الختام، أجاب الضيفان على أسئلة المتابعين. وستبقى حلقة الندوة متاحة للمشاهدة، على صفحتي المنتدى الثقافي ومركز حرمون، في (فيسبوك).