عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، يوم الخميس 30 كانون الأول/ ديسمبر 2021، ندوة بعنوان “العشائر في سورية بعد 2011.. أدوراها الحالية ومستقبلها”، شارك فيها كل من مناف الحمد، باحث في مركز حرمون؛ والصحفي عمر الشيخ إبراهيم؛ وأدارتها ديمة ونوس، إعلامية سورية.
سلّطت الندوة الضوء على الدور الذي أدّته العشائر بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، وكيف تغيّر ولاء شيوخها بين مؤيد للنظام ومعارض له، بين مشارك في الحراك ومعرقل للتظاهرات، بين محايد وحليف لـ (قوات سوريا الديمقراطية).
استهلّ مناف الحمد الندوة بالحديث عن التغيرات التي أصابت البنية القبلية العشائرية في شرق سورية، في إبّان حكم حافظ الأسد. وقال إن من الضروري معرفة ظروف المرحلة التي سبقت حكم الأسد الأب، للوقوف على التغيرات التي شملت المجتمع العشائري خلال فترة حكمه، لأن الكيان العشائري ليس ساكنًا، بل هو كيان متبدل ومتغير مع حفاظه على نقاط ارتكاز معينة يصعب تبديلها. وأضاف الحمد أن الأسد انقلب على أنظمة البعث السابق، وجعل القبائل أكثر تقبّلًا لنظام الأسد، لأن نظام البعث الذي سبق حكم حافظ الأسد تعامل مع القبائل بطريقة استعلائية، وجاء حافظ الأسد وأعاد لرموز القبائل مكانتهم، من منطلق براغماتي، وثبّت مقاعد في البرلمان لكبار شيوخ العشائر، وجعل الصف الثاني من أبناء القبائل يمتلكون وصولًا إلى بعض مراكز السلطة.
تطرّقت الندوة إلى مدى إمكانية حفاظ القبائل على سيادتها، ومقاومة محاولات التفكيك ونزع هذه السيادة من قبل نظام الأسد. وحول ذلك، قال عمر الشيخ إبراهيم: إن القبيلة لعبت دورًا كبيرًا في مرحلة الاستعمار العثماني في النزوع نحو الاستقلال، انطلاقًا من مفاهيم الكرامة الوطنية والسيادة ورفض الرضوخ للاستعمار الأجنبي. وأضاف أن ما حصل منذ بداية الثمانينيات، من استمالة للقبائل وترغيبها، كان ذا بُعد رمزي فقط، وكانت الخطوة الأولى في القضاء على دور القبيلة، في ما يخص مفهوم السيادة والكرامة.
سلّطت الندوة الضوء على الدراسة الموسّعة التي نشرها مركز حرمون للدراسات المعاصرة أخيرًا، بعنوان: “القبيلة والسياسة في سورية”، واستعرض الحمد أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة، وأهمّها تعرّض البنية القبلية لإجهاد يفوق طاقتها، دفعها إلى سلوك مختلف عن سلوكها السابق، بسبب كثرة القوى التي تحاول التدخل في الواقع القبلي.
من جانب آخر، تحدث عمر الشيخ إبراهيم عن موقف العشائر بعد انطلاق الثورة السورية، ومدى مشاركتها في هذا الحراك، وأوضح أن الانقسام الذي خلقه نظام الأسد في المجتمع القبلي أدى إلى تباين مواقف أبناء العشائر من الثورة السورية، حيث خرج بعضهم من عباءة المشيخة القبلية، وحافظ آخرون على ولائهم للنظام.
عرّجت الندوة على موضوع الانقسامات التي شهدتها البنية القبلية والخلاف بين أبناء العشيرة وزعماء وشيوخ العشائر، ورأى الحمد أن هذا الخلاف لا يمكن فصله عن السياق التاريخي، وكانت بدايته منذ ما قبل فترة الستينيات، أي أن التحوّل، من النظام الإقطاعي إلى الرأسمالية التجارية، أسهم في إحداث شرخ بين الشيخ وأبناء قبيلته، وأصبح الشيوخ أكثر اهتمامًا بالمنفعة الشخصية، لأن هذه المنفعة تتطلب تواصلات وعلاقات مع من هم خارج القبيلة. في المقابل، رأى عمر الشيخ إبراهيم أن علاقة شيخ القبيلة بالنظام والسلطة أو بفصائل المعارضة وكياناتها السياسية هي فقط لخدمة مصالحه الشخصية، وترسيخ سيادته في المنطقة التي هو فيها.
ناقش المتحدثون أيضًا موضوع تأثير العامل الاقتصادي على التحالفات والولاءات التي أقامتها العشائر مع القوى المختلفة على الأرض، وشكل التحالفات التي تمت بين بعض العشائر و “قوات سوريا الديمقراطية”، وطبيعة العلاقة بين العشائر والدول الفاعلة في الملفّ السوري، كروسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة ودول الخليج، ودور العشائر في الهوية الوطنية لسورية المستقبل.
ستظلّ الندوة معروضة على منصات التواصل الاجتماعي التابعة للمركز، لمن يرغب في المشاهدة.