عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، الثلاثاء 7 كانون الأول/ ديسمبر 2020، ندوة بعنوان “اللجنة الدستورية: حل سياسي أم تأهيل للنظام؟”، شارك فيها ميشيل كيلو، الكاتب والمعارض السوري، وبسمة قضماني، المعارضة عضو اللجنة الدستورية، وأدارتها الإعلامية السورية هنادي الخطيب.
ناقشت الندوة مسائل عديدة، تتعلق بواقع اللجنة الدستورية السورية التي عقدت قبل أيام جولتها الرابعة في جنيف: ماذا حققت هذه اللجنة بعد أكثر من سنة على بدء عملها؛ ما الإيجابيات والمحاذير أو المخاطر التي تنتج عن مشاركة المعارضة فيها؛ ما تأثير هذه اللجنة في القرار الأممي 2254؛ ما القضايا الأساسية التي لم تُناقشها أو غضّت الطرف عنها؛ وهل تنازلت عن بعض أهدافها؟ وما هي المبادئ الوطنية للمضامين الدستورية التي تبنّتها؟ وكيف يمكن تصويب المسارات إذا كانت قد انحرفت عن طريقها؟
ركّزت الندوة في بدايتها على الجدل الحاصل بين أوساط السوريين المعارضين، والاتهامات الموجهة إلى وفد المعارضة السورية بفشل اللجنة الدستورية وبعدم حصول أي تقدم في ملف العملية السياسية، منذ عقد أول جولة لها في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وصولًا إلى الجولة الرابعة التي انتهت مساء الجمعة، 4 كانون الأول/ ديسمبر 2020.

وصفت بسمة قضماني اللجنة الدستورية بأنها “عملية عبثية”، وأنها لم تحقق أي تقدّم، منذ انطلاق أعمالها قبل عام من الآن، سواء من حيث إصدار الوثائق، أو من حيث المخرجات الناجمة عن الجولات الماضية، مشيرة إلى أن هذه العملية عبارة عن “اتفاق دولي” على أن هناك ضرورة لأن يجلس كل السوريين كطرفين للتفاوض على الإصلاحات، وقد بدأت عملية ومحاولات التفاوض مع النظام السوري منذ العام 2014، إلا أن النظام كان يرفض كل المسارات السياسية التي تم طرحها، إلى أن تم الاتفاق على اللجنة الدستورية، التي جاء إليها النظام مرغمًا.

ورأى ميشيل كيلو أن النظام يماطل في اجتماعات اللجنة الدستورية، لكونه يرى أن الدستور هو “مسألة سيادية” ولا علاقة بها لأحد، مستندًا إلى الدعم الروسي له والموقف الروسي من اللجنة الدستورية، عقب تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي نفى من دمشق، قبل أشهر، أن تكون هناك فترة زمنية محددة للتفاوض حول الدستور، ولعمل اللجنة الدستورية، حتى إن المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون كرر ذلك الأمر، في إحاطته الأخيرة المقدمة لمجلس الأمن الدولي بخصوص اللجنة الدستورية. وأعرب كيلو عن استغرابه من الأسباب التي لم تدفع وفد المعارضة السورية إلى التوقف عند هذه النقاط الرئيسية ورفض التفاوض، ما دامت الفترة الزمنية للتفاوض غير محددة.
وتحدث كيلو عن غياب الدعم لوفد المعارضة السورية، سواء المقدم من الولايات المتحدة الأميركية أو من الأمم المتحدة التي اختارت الوقوف موقف الطرف المحايد في التفاوض، الأمر الذي جعل وفد المعارضة يخوض عملية التفاوض من دون أي دعم، وهذا الأمر كان يستدعي إعادة النظر من قبل وفد المعارضة، واتخاذ موقف حاسم من عملية التفاوض.
بدورها، تحدثت قضماني عن غياب الآليات اللازمة لتنفيذ الجدول الزمني المحدد بالقرار الدولي 2254، الذي ينصّ على أن تتمّ العملية السياسية بأكملها، بدءًا من تشكيل هيئة الحكم الديمقراطي واللاطائفي والدستور والانتخابات، في 18 شهرًا، مشيرة إلى أنه منذ صدور هذا القرار، لم يوضع للجدول الزمني آليات لتنفيذه وفرض احترامه وسط غياب الإرادة الدولية، ومنذ بداية الثورة في سورية، كانت هناك محاولات لوضع قرارات مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، لكونه الطريقة الوحيدة التي تسمح بإرغام الأطراف وفرض ما يُتفق عليه في مجلس الأمن الدولي، لكن كان هناك رفضٌ قاطع من حلفاء النظام ومن دول أخرى أيضًا.
وأكدت أن العملية السياسية بأكملها ليس لها محرك، كون وفد المعارضة السورية طرفًا ضعيفًا، ولا تريد أن تستقوي بأي طرف عسكري، وبذلك ليس أمامها سوى اللجوء إلى الشرعية الدولية، إذ لا توجد وسائل ضغط أخرى على النظام السوري، وأشارت إلى أن الملف السوري، في حال غياب وفد المعارضة عن المفاوضات أو إعلان تعليقها، سيتمّ نسيانه. وأشارت إلى وجود وسيلتين تمنعان إعادة تعويم النظام السوري بعيدًا عن المفاوضات أو تعليقها: الأولى المسار القضائي وملاحقة المجرمين من النظام، الأمر الذي يزعج النظام ويخيف كل مرتكبي الجرائم في النظام، مؤكدة أن هذا المسار القضائي سينزع الشرعية القانونية والدولية عن النظام من خلال تجريمه؛ والوسيلة الثانية هي فرض العقوبات ومنع تمويل إعادة الإعمار.
وبيّنت أن المحرك الحقيقي للعملية الدستورية هو الإستراتيجية الروسية التي تعلن استعدادها للضغط على النظام من أجل التقدم في العملية الدستورية، مقابل حصولها على بعض التنازلات من الغرب، فإذا حصلت على ما تريد، ضغطت على النظام، أما إذا لم تحصل على تنازلات تخدم مصالحها، فلن تمارس أي ضغط على النظام للانخراط في العملية السياسية.
من جانبه، رأى ميشيل كيلو أن عمل اللجنة الدستورية والعمل التفاوضي بشكل عام، منذ نحو 8 سنوات، لم يحقق أي تقدم، وكان “عائده صفرًا”، وأن المسألة السورية والعملية السياسية برمتها تحولت إلى الالتفاف على القرارات الدولية، بسبب الضغط الروسي والتحولات العسكرية على الأرض وتحولات موازين القوى، وبوجود محورين للتفاوض سياسي وعسكري، ومسارين للتفاوض في جنيف وفي أستانا.
وأشار إلى أن روسيا أصدرت عام 2015 وثيقة عن سياستها الخارجية، تقول إنهم “لا يوافقون على تغيير أي نظام دستوري بالقوة، ويوافقون على إصلاح نظام دستوري بوسائل دستورية”، موضحًا أن النظام السوري يقف ضد المعارضة السورية، لأنه يرى أنها تقاتل نظامًا دستوريًا، وليس لأنه نظام لا يملك دستورًا، ولأنها تريد إسقاط “نظام دستوري”؛ وبذلك ترى روسيا -وفق اعتقادها- أن لا مكان لما تقوم به المعارضة السورية، لأنه ضد شرعية دستورية لنظام قائم، وهذه النقطة في غاية الأهمية، لكنّ الروس يبدون استعدادهم -وفق قولهم- لإصلاح نظام دستوري، في حال تمت الطريقة المطلوبة لإصلاحه بطرق ووسائل دستورية، وتساءل كيلو: “هل يمكن أن نقدّم رؤية للإصلاح تغري الروسَ بتغيير دستوري بسورية في المستقبل؟ باعتقادي هذه نقطة مهمة جدًا، وعلينا أن نفكر فيها، لأنها تعطينا -عمليًا- أفقًا، لنتحرك سياسيًا مع روسيا أو حتى مع أميركا”.
وتناولت الندوة موقف وفد المعارضة السورية، من قرب الانتخابات الرئاسية التي يستعد بشار الأسد للمشاركة فيها، ومن أن الدستور لن يرى النور قبل انتهاء تلك الانتخابات، وأن مشاركة أعضاء المعارضة السورية في محادثات على الدستور هي شرعنة لتلك الانتخابات.
وحول ذلك، قالت قضماني إن “موافقتنا على المشاركة في اللجنة الدستورية تنزع الشرعية عن أي انتخابات، ولو أننا لم ندخل في هذه اللجنة الدستورية؛ كان من الممكن أن تقول الدول إنه ليس هناك عملية سياسية ولا عملية دستورية، وبذلك لا يتم تطبيق القرار 2254، وتكون الانتخابات التي يجريها بشار الأسد، بحسب دستوره، في موعدها، انتخابات شرعية، لعدم وجود غيرها، ولكن عندما نكون منخرطين في عملية دستورية، لن يكون هناك أي مجال لأن تعدّ الانتخابات التي سينظمها بشار الأسد شرعية”.
واستبعدت قضماني أن تكون هناك خطوات فعلية باتجاه دستور جديد، قبل الانتخابات الرئاسية التي ينوي بشار الأسد تنظيمها، وقالت إن “المحرك لهذا الأمر ليس لدى المعارضة، وليس لدى النظام، وليس في جنيف أو لدى المبعوث الأممي (غير بيدرسون)، إنما هو في مكان آخر، وبانتظار إدارة أميركية جديدة، وبانتظار ما ستقدمه إلى روسيا في الملف السوري وملفات أخرى أهمّ من الملف السوري، ونحن -الشعب السوري- نريد، من خلال الصفقات الإقليمية والدولية، أن نجد حلًا لقضيتنا”، وأكدت قضماني أن ليس لدى المعارضة إستراتيجيات بديلة على الأرض، و”لذلك، علينا أن نكون واقعيين، فهناك عملية سياسية تحركها دول، وهناك عقوبات تجعل النظام يدفع الثمن، وهناك مسار قضائي، وهذه المسارات هي التي يتم العمل عليها الآن”.
في ختام الندوة، رأى كيلو أن أوراق الحل السياسي في سورية ليست بيد روسيا، وأن الوجود الإيراني في سورية لن يسمح لروسيا بأن تحقق الهدف الذي وضعه بوتين لدخوله إلى سورية، وهو وضع اليد على سورية بطريقة تمكّنها من أن تستعيد نفوذها العربي الذي كان للاتحاد السوفيتي سابقًا، وأكد أن روسيا، اليوم، لا تنفرد بوضع يدها على الأرض، بسبب منافسة إيران لها، وبذلك تكون أمام مشكلة حقيقية، بعد أن أنجزت على المستوى العسكري مهمة ناقصة، ليس لها ترجمة سياسية على مستوى الحل، لأن لدى القوى المقابلة لها من القدرات والإمكانات ما يمكن أن يؤدي إلى إفشال مهمتها، مشيرًا إلى أن المشكلة التي تعانيها روسيا قد تكون مدخلًا للمعارضة السورية، بأن تعرض على روسيا رؤية إصلاحية، تساعدها في الخروج من وضعها الصعب في سورية.
من جانبها أكّدت قضماني أن وفد اللجنة الدستورية اليوم أمام معركتين: واحدة ضد النظام من أجل البديل الديمقراطي الحقيقي، ومعركة أخرى من أجل استقلالية قرار وفد المعارضة السورية إلى اللجنة الدستورية، مبينة أن النظام السوري لم يعد يملك القرار بيده، وأن القرار بيد طرف آخر، وأضافت: “معركتنا اليوم من كي لا يكون هناك استبداد، وكي لا تكون هناك هيمنة لأي دولة على سورية، وهذا ما يطالب به كل سوري على الأرض أو خارج سورية”.
ميشيل كيلو: كاتب ومعارض سياسي سوري، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات عدة، وترجم كتبًا في الفكر السياسي، وهو عضو سابق في الائتلاف الوطني السوري المعارض.
بسمة قضماني: أكاديمية سورية مختصة بالسياسة الدولية، وعضو قائمة المعارضة في اللجنة الدستورية، والمديرة التنفيذية لـ “مبادرة الإصلاح العربي”، عضو في المجلس الاستشاري لـ “معهد كارنيغي للشرق الأوسط”، وعضو في مجلس أمناء “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”.
اللجنة الدستورية السورية: عُقدت الجولة الأولى للجنة الدستورية في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وفي 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 عُقدت الجولة الثانية، وفي 24 آب/ أغسطس 2020 عُقدت الجولة الثالثة، وأخيرًا عُقدت الجولة الرابعة، في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. تضم الهيئة الموسعة 150 عضوًا، بالتساوي بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني، وتضم الهيئة المصغرة 45 عضوًا، 15 عضوًا لكل طرف.