عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، يوم الاثنين 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في مقرّه بالعاصمة القطرية الدوحة، ندوة حوارية بعنوان “الحرب على غزّة.. ومحاولة إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية“، شارك فيها كل من ماجد عبد الهادي، الإعلامي في شبكة الجزيرة؛ وسمير سعيفان، مدير مركز حرمون للدراسات المعاصرة؛ وأدارها عمر إدلبي، مدير مكتب الدوحة في مركز حرمون للدراسات المعاصرة.
ناقشت الندوة محاور عدة، من بينها دلالات ونتائج عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وتداعيات الحرب على غزة، وأبعاد ودلالات الدعم الأميركي والغربي غير المسبوق لعدوان الاحتلال، ومساعي إسرائيل لاستغلال التطورات الحالية لتهجير الفلسطينيين من غزّة وتصفية القضية الفلسطينية، وغيرها من المؤشرات والأبعاد المتعلقة بهذه التطورات.
استهلّ ماجد عبد الهادي الندوة بالحديث عن المؤشرات التي توحي بها الإخفاقات الواسعة التي تكبّدها جيش الاحتلال الإسرائيلي، على المستوى الاستخباراتي والأمني والعسكري، وما يقابلها من نجاح حققته فصائل المقاومة الإسلامية على المستويات المذكورة. وقال عبد الهادي إنه بالرغم من استشهاد وجرح آلاف الفلسطينيين، وتدمير مئات المباني، لم يقدّم أي مواطن غزاوي، حتى من الذين فقدوا جميع أفراد عائلاتهم، تبريرًا لما حدث، أو ما يعزز الرواية الأميركية والأوروبية بأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تستخدم المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية. وأضاف أن ثمة إجماعًا فلسطينيًا على أن هذه الحرب جزءٌ من صراع مع الاحتلال الإسرائيلي الذي دأب على قتل الفلسطينيين، سواء نفذت المقاومة عمليات ضدّه أم لا لم تنفذ.
وفي موضوع العملية التي نفّذتها المقاومة، أوضح الهادي أنه لم يكن أحد يتوقع أن تُحدث فصائل المقاومة هذا الاختراق الصادم غير المتوقع، ولذلك جاء الردّ قويًا من إسرائيل التي شنت حربًا شعواء على قطاع غزة. وأضاف أن أسئلة هذه الحرب وأسرارها ربّما ستظل بدون أجوبة خلال الفترة القادمة، وأن هناك تحليلات تتحدث عن تعطيل للاتصالات الإسرائيلية، بالإضافة إلى قدرة المقاومة على بناء قوة وعقيدة دينية وقتالية خلال السنوات الماضية.
بدوره، تحدث سمير سعيفان عن أهمية عملية (طوفان الأقصى)، وانتقد المشككين بجدوى هذه العملية، والفائدة التي حصدتها، خاصة في ظل التفوّق العسكري الإسرائيلي. وقال سعيفان إنه من غير المنطقي أن نقيس نتائج أي عملية عسكرية صغيرة تنفذها المقاومة بميزان الربح والخسارة، فهذا ليس منطق من يتمسك بحقه وأرضه، خاصة إذا ما وضعنا نصب أعيننا جذر المشكلة، وكلّ ما تعرّض له الشعب الفلسطيني منذ عشرينيات القرن الماضي حتى الآن، من احتلال لوطنهم ومحاولة اقتلاعهم من جذورهم، واقامة دولة الكيان الصهيوني.
في السياق ذاته، ذكر سعيفان أن عملية (طوفان الأقصى) فاجأت الاحتلال الإسرائيلي والعالم بأسره، وأنها استطاعت وضع القضية ككل أمام خيارين: إما أن يُتاح لإسرائيل أن تُصفّي الفلسطينيين أو تهجّرهم من أراضيهم وتلحق بهم ضررًا كبيرًا، وإما أن تدفع إسرائيل والمجتمع الدولي لإعادة التفكير في هذا الصراع، انطلاقًا من كونها قضية احتلال ضد مقاومة وحق مشروع، وفي مسألة حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
سلّط سعيفان الضوء على موقف الحكومات العربية من الحرب على غزة، ووصفه بالموقف المشتت، خاصة بعد موجة التطبيع مع إسرائيل التي بدأت منذ فترة وجيزة. وتحدث عن تركيبة الأنظمة العربية التي تربط مصالحها بمصالح الغرب، الذي عمل بدوره على تكريس مناخ التخويف لدى الحكام العرب، ودفعهم إلى تقديم ما تطلبه أميركا، وعن قدرة إسرائيل على استقطاب الغرب وتجنيدهم لصالح تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
ناقشت الندوة مشروع تهجير سكان قطاع غزة، ومدى توافر شروط تنفيذ هذا المخطط من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وحول ذلك، قال عبد الهادي إن مسألة التهجير من الأرض هي جوهر القضية الفلسطينية التي نشأت بسبب تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وإحلال الإسرائيليين مكانهم، في أواخر أربعينيات القرن الماضي، مضيفًا أن الحديث عن التهجير يجري للتغطية على المذابح التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. واستبعد عبد الهادي أن تنجح إسرائيل في تنفيذ مشروع التهجير، بسبب ضغط الشارع العربي والانتفاضة العالمية ضد المجازر الإسرائيلية.
من جانبه، علّق سعيفان على الموضوع، وذكر أن اجتياح قطاع غزة لن يكون بالأمر السهل، بالنسبة إلى الاحتلال الإسرائيلي، لأن الحكومة الإسرائيلية تُولي أهمية لتأثير هذا الاجتياح على الرأي العام العالمي بشكل عام، وعلى الرأي الأميركي والأوروبي بشكل خاص، لافتًا النظر إلى حجم المظاهرات التي خرجت ضد التصعيد الإسرائيلي العسكري على قطاع غزة، على الرغم من الحصار الإعلامي الذي فرضه الغرب، والقيود التي فرضها على المتضامنين مع فلسطين. وأضاف سعيفان أن الحكومة الإسرائيلية مترددة، بين الرغبة في استعادة هيبتها التي سقطت على يد المقاومة المحاصرة منذ 17 عامًا، وبين مخاوفها من تأثير عملها العسكري في قطاع غزة على الموقف الدولي تجاهها، وعلى حساباتها السياسية في المنطقة على المدى البعيد.
في محور آخر، ناقشت الندوة محاولة وسائل الإعلام الغربية إلصاق تهمة “داعش” بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتشبيه أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، بأحداث عملية (طوفان الأقصى). وعن هذه النقطة، قال عبد الهادي إنّ ما يفعله الإعلام الغربي هو استبدال للسياقات، فهو ينظر إلى هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر بمعزل عن سياقه المتمثل في حق الفلسطينيين في النضال والمقاومة، وعن تاريخ القضية الفلسطينية، ويروّج لفكرة أن ما فعلته فصائل المقاومة هو الأسوأ لليهود منذ الهولوكوست. وأضاف أنه في الوقت الذي يُظهر الغرب تعاطفهم تجاه ما حصل مع اليهود منذ 80 عامًا، يتسامحون مع ارتكاب محرقة جديدة ضد الشعب الفلسطيني.
بدوره، تحدث سعيفان عن فشل الإعلام العربي في مخاطبة الرأي العام العالمي، في الوقت الذي استطاعت فيه إسرائيل أن تسيطر على منابر الإعلام الدولية وأن تروّج روايتها الكاذبة والمضللة، وتقدّم نفسها على أنها الضحية. وأوضح أن هناك قصورًا في إدارة المؤسسات الإعلامية العربية، وتقديرًا متدنيًا لما يستطيع العرب فعله على المستوى الإعلامي.
في المحور الأخير، ناقش المتحدثون دلالات الدعم الأميركي والغربي لإسرائيل في حربها على غزة، وموقف محور المقاومة من تطورات المشهد في غزة، وتأثيرها عليه، واحتمالية أن يضطر حزب الله إلى التدخل في الحرب على غزة، والسيناريوهات المحتملة لمعركته مع إسرائيل.
اختُتمت الندوة بنقاش مفتوح بين المتحدثين والحضور حول الدراسة. والندوة متاحة للمشاهدة على منصات مركز حرمون في فيسبوك وإكس ويوتيوب.