عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، يوم الاثنين 11 أيلول/ سبتمبر 2023، ندوة بعنوان “الاحتجاجات في محافظة السويداء“، شارك فيها كلٌّ من: سمير سعيفان، اقتصادي سوري؛ وليد أبو حسون، ناشط سوري؛ نصر الحريري، طبيب سوري؛ ربا حبوش، إعلامية سورية؛ وأدارتها أسماء صائب أفندي، مديرة منتدى حرمون الثقافي في إسطنبول.

استهلّ الحديث في بداية الندوة الناشط وليد أبو حسون، واستعرض مسيرة الحراك في السويداء، منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة، وما مرّت به سورية، والسويداء خصوصًا، خلال تلك الفترة، من منعطفات كبيرة، مرورًا بمرحلة توريث بشار الأسد السلطة وتعديل الدستور، وصولًا إلى مرحلة اندلاع الثورة السورية عام 2011.

أوضح أبو حسون أن انتفاضة السويداء وطنية، تلتزم بمبادئ الوحدة الوطنية ووحدة مصير الشعب السوري، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 المتضمّن تسليم الصلاحيات إلى سلطة انتقالية تمثّل جميع مكونات المجتمع السوري.

وتعقيبًا على من يرى في احتجاجات السويداء “ثورة جياع”، ذكر أبو حسون أن هذا الأمر لا يعيب الحراك، وأن الدافع الاقتصادي كان محركًا لمعظم الثورات العالمية. وأضاف أن الثوار قاموا بإقفال مقار حزب البعث، وأزالوا صور وتماثيل الأسد الأب ووريثه، ورفعوا لافتات تطالب بإسقاط النظام، وهذا دليل على أن دوافع الانتفاضة ليست ماديّة.

واختتم أبو حسون كلامه بالحديث عن الأساليب التي من الممكن أن يتبعها النظام لقمع الانتفاضة في السويداء، بعد أن أدرك أنه لا يستطيع استخدام القوة لقمع المتظاهرين، ومن هذه الأساليب شقّ الصفوف، وخلق الفتنة، والحصار الاقتصادي، وتسويق تهمة الانفصال، وأن أهالي السويداء يسعون لفتح معابر خارجية كما الحال في شمال شرق سورية.

في السياق ذاته، تحدثت الإعلامية ربا حبوش عن دلالات الحراك في السويداء، وعن مشاركة السويداء في الثورة السورية بشكل متواتر، خاصة بعد أن رفضت إرسال أبنائها إلى الخدمة العسكرية في قوات النظام والمشاركة في قتل السوريين.

وتطرقت حبوش إلى الموقف الدولي من الحراك في السويداء، ووصفته بالخجول، إذ اقتصر على بعض التصريحات العاطفية المؤيدة، سواء من قبل المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو الممكلة المتحدة. وأضافت أن الأسوأ كان الصمتَ العربي حيال ما يحدث في السويداء، خاصة بعد موجة التطبيع الكبيرة التي قامت بها بعض الدول مع النظام السوري، ومحاولة إعادته إلى جامعة الدول العربية.

أوضحت حبوش أن المطالب السياسية هي أهم ماجاء في هذه التظاهرات، حيث تصاعد الحراك، من مرحلة الانتفاضة على الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي، إلى المطالبة بتطبيق القرار الأممي 2254، وتحقيق انتقال سياسي كامل، ورحيل النظام الحالي. وأشارت إلى رمزية وأهمية موقف المرجعية الدينية من مشايخ العقل في السويداء، ووقوفهم إلى جانب أبنائهم ودعمهم على المستوى المعيشي والسياسي، مما ساهم في صمود المتظاهرين حتى الآن.

ناقشت الندوة مخاوف النظام من انتشار رقعة الاحتجاجات إلى باقي المحافظات السورية، وأشارت حبوش إلى أن أكثر ما يخشاه النظام هو فقدان السيطرة على دمشق والساحل السوري، لأنها المناطق الأخطر عليه، وستكون قبضته الأمنية أقسى وأشد في هذه المناطق.

في الجزء الثاني من الندوة، تحدث الدكتور نصر الحريري عن مستقبل الحراك في السويداء ومآلاته، خاصة بعد أن وصل إلى نقطة غليان، بسبب عجز النظام عن تقديم أي حلول لتحسين الوضع المعيشي، وتدهور الليرة السورية، وشحّ المحروقات، وانهيار القطاع الزراعي والصناعي والتجاري والسياحي، وارتفاع الأسعار بشكل كبير.

وأشار الحريري إلى أن الحراك في السويداء مستمرٌّ في التمدد بوتيرة متسارعة، إذ انتقل مبكرًا من المطالب الاقتصادية والاجتماعية، إلى المطالب السياسية بأعلى سقف، مدعومًا من المرجعية الدينية، منذ بداية الحراك حتى هذه اللحظة.

وتطرّق الحريري إلى عدد من الحِيَل التي اتبعها النظام لمواجهة الانتفاضة في السويداء، في ظل غيابه المرحلي عن استخدام حل عسكري أمني واسع، ومنها تشويه الحراك عبر ادعاء الانفصال والإدارة الذاتية، وبث الفرقة بين المرجعيات الدينية، إضافة إلى بث المخاوف من احتمال عودة تنظيم “داعش”، وأخيرًا الحصار الاقتصادي. وأضاف أن هذه الحيل أو الحلول لن تمنع النظامَ من استخدام العنف والقوة العسكرية، في حال فشله في احتواء الحراك.

وفي ختام حديثه، تحدث الحريري عن تجربة الإدارة المؤقتة في السويداء، بعد أن قام الأهالي بإغلاق مقار القيادة والمكاتب الحزبية والجيش من المحافظة، وبدؤوا تسيير أمورَهم بأنفسهم، ورأى أن وجود مثل هذه التجربة في السويداء وفي مناطق شمال غرب سورية سيُعزز مفهوم اللامركزية الإدارية، ويُعطي نظرة أعمق حول كيفية تطبيقها في المستقبل.

في الجزء الأخير من الندوة، تحدث سمير سعيفان عن مستقبل القضية السورية، بعد حراك السويداء بشكل خاص، حيث فقد النظام السيطرة على زمام الأمور، بسبب عدم امتلاكه الحلول لتحسين الوضع المعيشي، وبدأت أدواته المستخدمة في السيطرة على البلد تتآكل.

وأشار سعيفان إلى أن السويداء، وسورية عمومًا، تعيش اليوم حالة من الاستعصاء، نظرًا لأن الوضع الحالي غير قابل للاستمرار. وأكّد أهميّة البحث في سيناريوهات ما بعد انفجار السويداء، وفي طُرق مواجهة النظام الحراكَ: هل سيستخدم العنف، أم سيلجأ إلى أدوات الضغط الناعمة، أم يلتزم الصمت حتى يتعب الناس وتنتهي الاحتجاجات؟! وفي حال استخدام النظام للعنف، هل سيُؤدي ذلك إلى حدوث تدخلات دولية من نوع آخر؟

لفت سعيفان النظر إلى نقطةٍ عدّها في غاية الأهمية، وهي غياب السوريين أصحاب القضية عن مناقشة الملفات المطروحة للتوصل إلى حل. وأضاف أن جميع اللاعبين الدوليين والإقليميين يجتمعون لمناقشة مصير شعب السوري، من دون أن يكون لنا -السوريين- أي دور فاعل. ورأى أن السبيل الوحيد كي يمتلك السوريون حق تقرير مصيرهم هو العمل بشكل منظم، مع وجود رؤية واستراتيجية واضحة وممثلين للشعب السوري.

وفي ختام الندوة، أشار سعيفان إلى أن المشكلة الأساسية، منذ عام 2011 حتى الآن، هي عدم قدرة المعارضة السورية على أن تكون بديلًا للنظام، الأمر الذي جعل بعض مكونات المجتمع السوري يقول لا لسقوط النظام، ولا لانتصاره أيضًا، وهذا ما أدى إلى تدمير سورية.

أعقب الندوة أسئلة ومداخلات من قبل الحضور للمشاركين في الحوار.

يمكن متابعة التسجيل الكامل للندوة على منصات مركز حرمون للدراسات على مواقع التواصل الاجتماعي.