عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، يوم الجمعة 22 أيلول/ سبتمبر 2023، عبر تطبيق (ZOOM)، ندوة بعنوان (انتفاضة العشائر ضد قسد: أسبابها الموضوعية ودوافعها الذاتية)، شارك فيها كلّ من مناف الحمد، باحث في مركز حرمون؛ وأحمد الشمام، باحث في العلوم الاجتماعية؛ وأدارتها أسماء صائب أفندي، مديرة منتدى حرمون الثقافي في إسطنبول.
ناقش الضيفان عدة محاور، من بينها الوضع الحالي في المنطقة منذ استقدام النظام لحزب الاتحاد الديمقراطي من قنديل، والتنظيم الإداري الحالي للمنطقة، وتحكّم PYD في السلطة والسلاح والمال، والأسباب المباشرة والعميقة للانتفاضة، وأدوار كلٍّ من النظام وروسيا وإيران وتركيا وأميركا، في المنطقة.
في بداية الندوة، تحدث مناف الحمد عن الأسباب البعيدة والقريبة لانتفاضة العشائر، وقال إن (قسد) مارست العنصرية ضد أبناء المنطقة من العرب، وأهملت القطاعات الحيوية فيها، وأساءت معاملة رمزيات ووجهاء (بيوت المشيخة) والأعراف السائدة، واستفردت بالنفوذ واحتكرت السلطة. وأضاف أن الصراع ليس صراعًا بين العرب والكرد، بل هو صراع بين عشائر عربية تسكن هذه المنطقة منذ مئات السنين، وبين حزب مؤدلج يحاول أن يفرض أجنداته وأفكاره الغريبة، ويستغل ثرواتها من دون أن يقدّم لها أي شيء.
واستعرض أحمد الشمام بدايات تشكيل حزب العمال الكردستاني (PKK)، عندما جاء عبد الله أوجلان، مؤسس وأول قائد للحزب، إلى منطقة عفرين في سورية عام 1979، وحصل على حماية ودعم من حافظ الأسد. وبدأ الحزب منذ عام 1982 في تنفيذ عمليات عسكرية ضد تركيا، واستمر في ذلك حتى عام 1998، حين وقعت سورية وتركيا اتفاقية أضنة.
لفت الشمام النظر إلى أن (قسد) جسم غريب ليس على المكون العربي في المنطقة فقط، بل حتى على أكراد سورية الذين فرض عليهم الحزب إتاوات مالية من أجل تمويل العمليات العسكرية في تركيا، وألزم العائلات بتجنيد بناتهم من أجل القتال في جبال قنديل. وأضاف أن حزب العمال الكردستاني فشل في استقطاب الأكراد في تركيا، فجاء إلى سورية بعد انطلاق الثورة محاولًا إقناع العرب والأكراد بضرورة اتخاذ موقف معادٍ لتركيا، وهذا ما جعل خطاب (PKK) مماثلًا لخطاب النظام السوري في الادعاء بأن الثورة مؤامرة صنعتها دول الخليج وتركيا، وخاض معارك ضد الجيش الحر، بذريعة أنه يقاتل فصائل إرهابية، بالتزامن مع توقيع اتفاقية هدنة مع “جبهة النصرة”.
تطرقت الندوة إلى أسباب امتناع بعض العشائر عن المشاركة في الانتفاضة. وحول ذلك أوضح الحمد أن أكثر من تعرضوا لعسف (قسد) هم العشائر المتفرعة من قبيلة العقيدات، المعروفون برفضهم سياسات (قسد)، وبالتظاهر للتنديد بممارساتها، وكان لهم دور كبير في منع (قسد) من فرض مناهجها التعليمية في المدارس. وتابع الحمد القول: وهناك جملة من العوامل الأخرى، منها الحساسيات العشائرية القديمة، ووجود عشائر تربطها مصالح مع (قسد)، وأخرى اتخذت موقف الحياد وامتنعت عن المشاركة، بسبب نقص التسليح والتمويل، وعدم قدرتها على الصمود أمام جيش منظّم مدعوم من التحالف الدولي.
اهتمت الندوة في الجزء الثاني بمناقشة سياسة (قسد) في التسويق لإقامة نظام حكم فيدرالي في شمال شرق سورية، على غرار كردستان العراق. وحول ذلك، قال الشمام إن رؤية (قسد) تتمثل في قضم أكبر قدر ممكن من الأراضي العربية، والمفاوضة عليها فيما بعد، كي تسحبها إلى منطقة صغيرة في ريف الحسكة، لتكون جزءًا من مخططاتها تجاه تركيا. من جانبه، استبعد الحمد إمكانية نجاح أي مشروع انفصالي بدون حوامل عربية، لأن هذه المنطقة تتغلغل فيها معاني العروبة كمفهوم قد يغلب الانتماء إلى الدين في بعض الأحيان، لافتًا النظر إلى أن العروبة ليست بمعناها العرقي، وإنما بمعنى الانتماء إلى اللغة والدين الإسلامي الذي ينظر كثير من أبناء المنطقة إليه على أنه دين عربي.
ناقش الضيفان في محور آخر الواقع التنظيمي للعشائر في المنطقة، وكيفية تعامل القوى الفاعلة مع هذا الواقع. وقال الحمد إن هذه هي الثغرة التي حاول أن يتسلل منها مَن يريدون أن يستخفوا بما جرى في منطقة القبائل، تحت شعار أنها قبائل متخلفة ومبعثرة لا يربط بينها شيء وليست منظمة وذات رؤية. وأضاف أن هذه الأسباب لا يجوز استغلالها في نسف الحراك وتجريده من قيمته وأسبابه الجوهرية، بل يجب العمل على سد هذه الثغرة، وصياغة خطاب سياسي وطني يساهم في تنظيم الصفوف وتوحيدها.
تطرقت الندوة في الجزء الأخير إلى موضوع مستقبل التعاون بين (قسد) والولايات المتحدة، واحتمالية أن تتطور العلاقات بين الطرفين أو تتقلّص، أو تنسحب أميركا من المنطقة، وموضوع أسباب اتهام العشائر المشاركة في الانتفاضة بالعمالة للنظام السوري وإيران.
يمكن متابعة التسجيل الكامل للندوة على منصات مركز حرمون للدراسات في فيسبوك ويوتيوب: