عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة ندوة، بعنوان “تصاعد الانتهاكات في مناطق سيطرة قسد.. الأسباب والتداعيات”، شارك فيها كلّ من بدر ملّا رشيد الباحث المختص بالشأن الكردي؛ ومنى فريج الناشطة النسوية؛ ورديف مصطفى المحامي والسياسي السوري؛ وأدارتها الإعلامية ديمة ونوس.
تناولت الندوة تصاعد وتيرة الانتهاكات الإنسانية وعمليات القتل والتعذيب بحق المدنيين، في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، إضافة إلى أسباب تزايد حالات الفساد التي تنعكس بشكل سلبي على المدنيين، من خلال حرمانهم من الخدمات الأساسية، فضلًا عن هيمنة القيادات الأجنبية الأمنية والعسكرية وتفردها بصنع القرار داخل “قوات سوريا الديمقراطية”، ومحاولات (قسد) المستمرة فرض التجنيد الإجباري، واستمرارها في هذه السياسة على الرغم من الإدانات الواسعة، بالإضافة إلى عدد من المحاور ذات الصلة.
في بداية الندوة، تحدّث المشاركون عن تداعيات هيمنة قيادات أمنية وعسكرية من غير السوريين على السلطة في “الإدارة الذاتية” شرقي سورية، وعن علاقة “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد” بالمجتمعات المحلية، وعن واقع القطاع التعليمي في مناطقها.
وأوضح بدر ملا رشيد أن “القيادات الأجنبية هي القيادات التي لديها بقاء أكبر في سدة الحكم، في حين أن الكتلة السورية التي كانت داخل حزب العمال لم تكن تستطيع أن تشكل كتلة داخل الحزب في الجبال، لأن هذا الأمر كان يعدّ من المحرّمات، بالنسبة إلى الحزب، إذ يمنع تشكيل كتلة مناطقية أو وجود رابط عائلي بين الأفراد المنضمين إلى الحزب، وهذا ما أدى إلى سيطرة هؤلاء الأشخاص على مواقع القرار”.
وتحدث ملا رشيد عن بدء الثورة السورية، وعودة جزء من عناصر حزب العمال من السوريين إلى سورية، وازدياد العدد بعد عام 2014، مع اتساع رقعة سيطرة قوات (قسد) على العديد من المناطق شرقي سورية. وأشار إلى أن “جميع من عاد من عناصر حزب العمال إلى سورية بقوا على السلسلة الهرمية الحزبية، وقد أدى ذلك إلى استمرار هيمنة هذه العناصر الأجنبية أو العناصر التي لها تاريخ طويل من الانخراط مع الحزب في الجبال، ومن المؤكد أن يكون لهؤلاء سلطة أكبر ونفوذ أكبر داخل الحزب”.
بدورها، أكدت منى فريج أن مناطق “الإدارة الذاتية” لم تشهد أي حالة من الديمقراطية، ولا يوجد هناك أي تحرك لإجراء انتخابات ديمقراطية، وسط رفض أي طلب من أفراد المجتمع أو من المنظمات بإجراء انتخابات، لكن هذا الأمر لا يلقى أيّ تجاوب من إدارة وقيادات (قسد) المتحكمة والمسيطرة على القرار. وذكرت أن هذه القيادات تتذرع بأن “المجتمع غير جاهز للعمليات الانتخابية، وأن المنطقة في حالة حرب مستمرة، وأن القرارات يجب أن تكون بيد سلطة إدارية قائمة”.
وفي ما يخص الجانب التعليمي في مناطق (قسد)، وصفت فريج الوضع التعليمي هناك بأنه “كارثي”، وأنه “لا يوجد أي عملية تعليمية في هذه المناطق”، والسبب -بحسب تعبيرها- هو “تعدد المناهج التعليمية، وفرض مناهج باللغة الكردية، إضافة إلى الاحتجاجات الشعبية على المحتوى التابع لأيديولوجيا معينة في المناهج العربية، وقد قابلتها (قسد) بالقمع والاعتقالات التي استهدفت عددًا من المدرّسين، قبل أن تتراجع عن هذه المناهج تحت الضغوط الشعبية”.
وفي هذا الجانب، أكد رديف مصطفى أن “حزب العمال الكردستاني يمارس في سورية عملية تجهيل منظمة مغلّفة بشعارات قومية ولا تُسمن لا تغني من جوع”.
وتطرقت الندوة إلى الأسباب التي تقف وراء تزايد الانتهاكات من قبل (قسد) ضد المجتمعات المحلية، وعمليات التعذيب التي مورست في الآونة الأخيرة. وفي هذا الجانب، سلّط رديف مصطفى الضوءَ على طبيعة تنظيم حزب العمال الكردستاني الذي يعدّ المحور الرئيس في “قوات سوريا الديمقراطية”.
وقال: “في عام 2003، بعد الأزمة التي حصلت بين تركيا ونظام حافظ الأسد، وإخراج عبد الله أوجلان من سورية؛ صرّح أوجلان بأن على الأكراد السوريين التابعين له في سورية التوجه إلى جبال قنديل، وإنشاء تنظيم موال لحزب العمال الكردستاني، وفي 2003 تم تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي PYD في جبال قنديل، وفي بداية الثورة السورية، حدث اتفاق بين النظام وملالي طهران وحزب العمال الكردستاني، على عودة عناصر الأخير إلى داخل سورية وتسلّمهم المناطق الكردية، وهذا يعني أن مجيء هؤلاء الأشخاص تم بقرار سياسي من حزب العمال الكردستاني، وباتفاق مع النظام السوري، وبرعاية من ملالي طهران”.
وأضاف أن “حزب العمال الكردستاني هو تنظيم عسكري شديد المركزية، لا يؤمن بالسياسة، ولا يخوض العمل العسكري، وطوال أربعين عامًا مضت استخدم الأكرادَ السوريين كخزانات بشرية لعملياته المسلحة ضد تركيا أو حتى ضد بعض القوى في إقليم كردستان العراق”.
وتحدث مصطفى عن بداية دخول هذا الحزب إلى سورية واتباعه نهجًا شبيهًا بنهج النظام السوري، ورأى أن تجربتهم في الإدارة لا تختلف عن تجربة النظام السوري كثيرًا، وتحدث عن ممارسة التعذيب المنهجي، في سجون “قوات حماية الشعب” وفي معتقلات “قوات سورية الديمقراطية”، وهي تجري على نطاق واسع وبأشكال متعددة، وقال إن “الإعلام الغربي، في فترات زمنية محددة، غضّ الطرف عن انتهاكات تلك القوات، وكان يركز على حربها ضد (داعش) وعلى صور المقاتلات الكرديات اللواتي يظهرن وهن يقاتلن، من أجل الديمقراطية ومن أجل الحرية”.
وعدّد مصطفى الانتهاكات التي مارستها تلك القوات في مناطق سيطرتها على نطاق واسع، حيث “استهدفت ناشطي الثورة بالدرجة الأولى، إضافة إلى استهداف تنسيقيات الشباب، إضافة إلى اتباع سياسة الاغتيال السياسي، كأداة إرهابية ضد العديد من الناشطين”، وقال: “إن سياسة الاعتقال وارتكاب الانتهاكات هي وسيلة أساسية يتبعها الحزب في نشر الإرهاب وبثّ الرعب في قلوب الناس”.
وتطرقت الندوة في أحد محاورها إلى طريقة تعاطي (قسد) مع موضوع التجنيد والإدارة المحلية في مناطق سيطرتها، وإلى سيطرتها على الموارد الطبيعية للمنطقة والمعابر التي تربط مناطق (قسد) بمناطق المعارضة السورية أو مناطق النظام السوري.
وأشار المشاركون في الندوة إلى أن “التجنيد” أصبح أداة لاستمرار ضمّ الشباب إلى القوى العسكرية المشاركة في معارك “الإدارة الذاتية” أو حزب الاتحاد الديمقراطي.
وقال بدر ملا رشيد: إن “موضوع التجنيد الإجباري لاقى انتقادات واسعة، سواء من المجلس الوطني الكردي أو من قبل منظمات حقوقية وحتى من قبل السكان، وقد أدى إلى هجرة عدد كبير من الشباب من المنطقة”.
وبخصوص الموارد الطبيعية والثروات، في منطقة “الإدارة الذاتية”، قال ملا رشيد : “لا يوجد هناك أي آلية شفافة لمتابعة أين تذهب هذه الموارد والثروات، وبخاصة النفط، والإجابة عن هذا الموضوع مستحيلة، إضافة إلى أن المعلومات، عن موارد الإدارة الذاتية من المعابر أو عن آلاف الأطنان من المحاصيل التي يتم زراعتها في المنطقة وإنتاجها، تكاد تكون معدومة، إضافة إلى آلاف براميل النفط اليومية”، وأضاف: “لا يمكن تتبع كمية الأموال، ولا تتبع مصيرها ومصير الموارد القادمة إلى مناطق الإدارة الذاتية بشكل واضح”.
من جانبه، وصف رديف مصطفى الوضع المالي لهذه القوات أو لـ “الإدارة الذاتية”، بأنه “صندوق أسود غير متاح”. وذكر أن “هناك تسريبات غير مثبتة بأدلّة معينة، بأنّ قسمًا من هذه الأموال يذهب إلى القيادات المسيطرة في جبال قنديل”. وأضاف: “على الرغم من كل هذه الموارد الطبيعية والأموال، فإنّ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والصحية للسكان في هذه المناطق سيّئة جدًا”.
وفي ختام الندوة، ردّ الضيوف المشاركون على بعض الأسئلة التي وجّهها المتابعون للندوة عن طريق “البث المباشر على (فيسبوك)”، والمتعلقة بـ (قسد) وممارساتها وانتهاكاتها في المنطقة الشرقية.