بمشاركة عدد من الباحثين والصحافيين اليمنيين، أقام مركز حرمون للدراسات المعاصرة، السبت 7 آذار/ مارس 2020، في المنتدى الثقافي العربي التابع للمركز في إسطنبول، ندوةً بعنوان (تسع سنوات من التجربة… قراءة في مسيرة الثورة اليمنية)، بهدف تسليط الضوء على الثورة اليمنية التي انطلقت في 11 فبراير/ شباط 2011، ورفعت شعار “دولة المواطنة والمساواة”، وعلى الإرهاصات التي مرّت بها وحالت دون تحقيق جلّ غاياتها، وعلى الثورة المضادة والحرب الدامية التي وصلت إليها اليمن، وكذلك على مستقبل الصراع فيها.
أدار الحوار بشير البكر، رئيس تحرير تلفزيون سوريا، وتحدث في افتتاح الندوة عن سبب انعقاد هذه الندوة، كجزء من سياسات مركز حرمون في الانفتاح على الوضع العربي، ومناقشة القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية في المنطقة العربية. وقال: “سبق أن أقام المركز ندوة حوارية عن العراق، وهذه الندوة اليوم أردناها أن تكون للحديث عن الثورة اليمنية، لأن اليمن كان من الدول السبّاقة في الحراك الثوري منذ انطلاق الربيع العربي”.

في المحور الأول من الندوة، تحدث الكاتب والباحث اليمني نبيل البكيري، عن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشها اليمن قبل انطلاق ثورة 11 فبراير، وكانت سببًا في اندلاع الثورة، وعن التعقيدات التي طرأت على الحراك الثوري. وقال: “ثورة 11 فبراير في اليمن كان لها مقدمات وتداعيات منذ عام 2007، حيث كان هناك حراك في جنوب اليمن، ندّد بنظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، لكن لم يتم تسليط الضوء عليه إعلاميًا، لذا نجد أن الحراك السلمي اليمني قد سبق حراك تونس وباقي العواصم العربية، لكن الانفجار الذي حصل في تونس هو الذي أدى إلى انفجار الوضع بالشكل الذي رأيناه في صنعاء”. وتابع: “أعتقد أن الخصوصية في الحالة اليمنية تكمن في طبيعة الشعب اليمني الذي كان في معظمه مسلحًا، إضافة إلى غياب فكرة ومفهوم الدولة، حيث تكاد تكون الدولة محصورة في مراكز عدد من المدن، كالعاصمة صنعاء وتعز وعدن، أما في الأرياف اليمنية فقد كانت الدولة غائبة بشكل شبه كلي، والمجتمع هناك يدير نفسه بنفسه، لذا كان الوضع في اليمن عبارة عن سلطة حاكمة من دون مؤسسات للدولة، بسبب الحروب الصغيرة التي عاشها اليمن، كالحرب الأهليّة بين الملكيين والجمهوريين، من 1962 حتى 1970، وبعدها قامت حروب المناطق الوسطى، أو ما يسمى بالجبهة الوطنية التي حاربت نظامَ علي عبد الله صالح، وأيضًا حروب الشمال والجنوب، كل هذا أدى إلى عدم استقرار الحالة السياسية في اليمن”.
وأضاف: “المفارقة الغريبة في ثورة 11 فبراير أنها انفجرت بشكل سلمي مدني، وشارك فيها كل قطاعات الشعب اليمني، وربما تكون هذه المرة الأولى، واستمرت سلميّة، بالرغم من أنها ووجهت بالرصاص والسلاح منذ اللحظات الأولى، وخرجت أيضًا في كل المحافظات اليمنية، وربما كان هذا أمرًا مميزًا فيها، وكان للحضور النسائي فيها فاعلية كبيرة أكثر من مصر وتونس وليبيا، لكن القراءة غير الدقيقة للمشهد السياسي حينذاك أدت إلى نوع من الضبابية في قراءة نتائج الثورة، والثوار أيضًا لم يكونوا على مستوى التوقعات، لأنها كانت ثورة شعبية، وهذا ما أدى إلى دخول الثورة في العديد من المتاهات والتعقيدات”.

وفي الجزء الثاني من الندوة، تحدث الصحافي اليمني ماهر أبو المجد، عن تطورات المشهد اليمني منذ عام 2012 حتى الآن، وعن المشكلات التي أعاقت عملية الانتقال الديمقراطي، وهي التركيبة المجتمعية في اليمن وعدم قدرة الدولة على النفاذ إلى مختلف أطياف البنية المجتمع اليمني، حيث ظلت الهويات القبلية والمناطقية موجودة، ولم تستطع الدولة أن تصهر هذه الهويات في مظلة المواطنة المتساوية، وهذا كان أحد أسباب استمرار نظام حكم علي عبد الله صالح مدة 33 عامًا، بسبب قدرته على التحكم في هذه الهويات.
وأضاف أبو المجد: “المشكلة الثانية هي النظام السياسي، فعندما اندلعت الثورة اليمنية، كان مفهوم الدولة غائبًا، وكانت هناك سلطة لها مصالح تسعى لتحقيقها، وهذه نقطة في غاية الأهمية، فعندما تقوم ثورة على سلطة ليس فيها مؤسسات مدنية؛ تصبح احتمالية الانزلاق إلى حرب أهلية كبيرة وواردة، لأنه لا توجد مؤسسات دولة قادرة على ضبط المجتمع في لحظة الانهيار، وكان من السهل على الجيش أن ينقسم، لأننا لا نملك بنية مؤسساتية، وأن يستخدم النظام الجيش في ضرب الثورة والثوار، لأن الجيش لم يكن ملكًا للدولة، بقدر ما كان خادمًا لمصالح النظام السياسي”.
أما المشكلة الثالثة، بحسب أبو المجد، فكانت طبيعة المعارضة والأحزاب السياسية اليمنية، إذ كانت أطياف المعارضة السياسية التي التحقت بالثورة لا تختلف في درجة الوعي عن تفكير النظام، وكان للأحزاب السياسية اليمنية مشروع واحد هو الوصول إلى السلطة، لكنها لم تملك أي تصوّر لمرحلة ما بعد السلطة، ولذلك قبلت هذه الأحزاب بنصف ثورة، إن صحّ التعبير. وأضاف: “السبب الأخطر والأهم، لإعاقة عملية الانتقال الديمقراطي، هو التدخل الإقليمي أو ما يسمى بالمبادرة الخليجية التي عملت على احتواء الثورة اليمنية واختطافها من الساحات، وتحويلها إلى الأروقة السياسية، وحاولت أن تفرغ حالة الغليان التي كانت موجودة في الساحات والذهاب نحو مشاريع أخرى، وحيّدت القوى الجديدة التي ظهرت خلال ثورة 11 فبراير، وكانت تملك خطابًا مختلفًا، وأعادت توزيع السلطة بين أركان النظام القديم”.
وتحدث محمد المقبلي، أمين عام مجلس شباب الثورة اليمنية، في الجزء الثالث من الندوة، عن القوى المدنية في الثورة ومساراتها، وطبيعة النسيج المدني الذي تبنى خطاب الثورة، والصعوبات التي واجهت هذه القوى المدنية الجديدة المتمثلة بتدخل المملكة العربية السعودية في المشهد السياسي اليمني. وقال: “أول العراقيل التي واجهت القوى المدنية الجديدة كانت من قبل القوى السياسية و(اللقاء المشترك) على وجه التحديد، الذي حرص على إضعاف هذه القوى وتفكيكها، ربّما أكثر من حرص النظام ذاته على إضعافها، وبالذات بعد المبادرة الخليجية التي تضمنت بندًا ينصّ على ضرورة أن تُجري حكومة الوفاق حوارًا مع القوى المدنية والشباب في الثورة اليمنية، لكن تم إجهاض هذه الفكرة، لكيلا يُسمح للقوى الجديدة بالظهور والنجاح، وبأن يكون لها وجود سياسي”.
وتابع: “على الرغم من كل الضغوطات، استعطنا -كقوى مدنية جديدة- أن نثبت أنفسنا في العملية السياسية من خلال المؤتمر الحوار الوطني، وتم تمثيل القوى المدنية الجديدة بـ 120 مقعدًا، شملت الشباب والمرأة وممثلي المجتمع المدني، ووجدنا أمامنا فرصة تاريخية لتحويل أهداف الثورة وهتافاتها إلى نصوص وتشريعات، وهذا هو الهدف الأساس لكل الثورات”.
واختتمت الندوة الحوارية بنقاش مفتوح، أجاب خلاله المشاركون عن أسئلة وتعليقات الحضور.مركز حرمون للدراسات المعاصرة هو مؤسسة بحثية ثقافية تُعنى بشكل رئيس بإنتاج الدراسات والبحوث المتعلقة بالمنطقة العربية، خصوصًا الواقع السوري، وتهتمّ بالتنمية الاجتماعية والثقافية، والتطوير الإعلامي وتعزيز أداء المجتمع المدني، واستنهاض الطاقات البشرية السورية وتمكينها، ونشر الوعي الديمقراطي، وتعميم قيم الحوار واحترام حقوق الإنسان.