عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة عبر البث المباشر، الخميس 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020، ندوة بعنوان: “اندماج العرب في تركيا: ضد الانصهار ومع التأقلم”، شارك فيها أحمد أويصال، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط “أورسام” (تركيا)، محمد صادق أمين، الباحث المتخصص في الشؤون الإقليمية (العراق)، ونزار كريكش، الكاتب والمفكر (ليبيا)، وأدارها حسام السعد، الدكتور في علم الاجتماع (سورية).
ناقشت الندوة العديد من المحاور الهامة منها وضع المقيمين العرب في تركيا وإن كان اندماجهم في المجتمع التركي حقيقي أو وهمي، وأهم الصعوبات التي يواجهونها وتحول دون اندماجهم اجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا، وطبيعة علاقتهم بسوق العمل التركية، ومدى تقبلهم للثقافة التركية ومستوى تقبل الأتراك للتواجد العربي بينهم، وإلى أي حد كانت اللغة عامل تباعد أو تقارب بين الطرفين، وأخيرًا دور الحكومات العربية في تسهيل الاندماج، وغيرها من التحديات التي تواجه ملايين العرب في المجتمع التركي الذي يعيشون فيه.
وفي المحور الأول من الندوة، تم نقاش الصعوبات التي تواجه العرب المقيمين في تركيا، وحول ذلك، رأى نزار كريكش أن موضوع الاندماج في المجتمع التركي مرتبط بعوامل عدة أهمها الشعور بأن الاندماج في المجتمع المضيف يحقق للاجئ قيمة مضافة. وأشار إلى أن إحدى أهم الصعوبات التي واجهت العرب في تركيا هي أن تركيبة العقل العربي وتركيبة العقل التركي لم تجد صيغة حقيقية لضرورة وقيمة التحاور مع الآخر، وبقيت الرغبة في التمايز موجودة عند العرب والأتراك، بالإضافة إلى الصعوبات اللغوية والفروق الحضارية. ونوّه كريكش إلى أن السوريين هم أكثر اندماجًا مع المجتمع التركي مقارنة ببقية الجاليات العربية، وأرجع ذلك إلى عدة عوامل منها اللغة والقرب الجغرافي، فيما رأى أن علاقة الليبيين بالمجتمع التركي يغلب عليها الطابع التجاري فقط، ولا ينظرون إلى تركيا كموئل للتعليم.
بدوره، تحدث محمد صادق أمين عن طبيعة الوجود العراقي في تركيا كثاني أكبر جالية بعد الجالية السورية، وإلى أي حد استطاع العراقيون التكيف مع المجتمع التركي، وبيّن أمين أن صورة تركيا في الذهنية العراقية وخاصة لدى السنّة، تجسد الحاضنة أو الأب التاريخي، ما جعل من تركيا ملاذًا للعراقيين الهاربين من العنف الأمني والاغتراب الاجتماعي. وأشار إلى أن الأنظمة العربية ساهمت في اضعاف اندماج العرب في تركيا بسبب محاولتهم تشويه الصورة التركية في الذهنية العربيةعلى امتداد عقود طويلة، وتكريس النظرة العدائية لتركيا كدولة مستعمرة، وفي المقابل، كان هناك نظرة عدائية لدى الأتراك تجاه العرب ترسخت وتكرست عبر التاريخ.
من جانبه، تحدث أحمد أويصال عن موقف الأتراك من التواجد العربي في بلدهم، والمخاوف من احتمالية حدوث تغير في البنية الديموغرافية أو الهوية التركية، وبيّن أن هناك علاقات تاريخية قديمة تربط بين العرب والأتراك، لكن هذه العلاقات تراجعت بعد تقسيم الدولة العثمانية، وتكونت صورة ذهنية لدى كل طرف تجاه الآخر. وفيما يخص السوريين، ذكر أويصال أن موقف الشعب التركي متباين تجاههم، حيث أظهرت دراسات تركية أن الطبقة الوسطى ليس لديها أي مشكلة مع السوريين، لأنها أكثر احتكاكًا بهم من الطبقة الغنية التي ليس لديها أي فكرة عن الشعب السوري، ويتأثرون بالمواقف السياسية للأحزاب والتيارات المعارضة الذين يستغلون التواجد السوري لتحقيق مكاسب سياسية.
وفي المحور الثاني، ناقشت الندوة الأوضاع القانونية للعرب والسوريين بشكل خاص في تركيا وأهم المعوقات التي تواجههم في هذا المجال، وفي مقدمتها عدم وجود إطار قانوني واضح من قبل الحكومة ينظم وجود العرب في تركيا سواء في سوق العمل و الإقامات ودوائر الهجرة و المؤسسات التعليمية.
وناقش المحور الثالث من الندوة، دور النخب العربية في تعريف المجتمع التركي بالثقافة العربية وفتح جسور التواصل بينها وبين الثقافة التركية، وفي هذا الخصوص، أشار كريكش إلى أن هذه المسألة تتطلب وجود نظام غير قومي يستوعب جميع الأطراف والأعراق، على عكس النظام التركي الذي بُني على أسس قومية، وبالتالي لن يكون قادرًا على تنظيم علاقة جميع المكونات ببعضهم البعض، ولفت إلى أن التقارب والاندماج بين الثقافتين العربية والتركية لن يحدث إلا إذا شعر المكوّن التركي بوجود قيمة مضافة للانصهار في العالم العربي. وبدور، ذكر أويصال أن الانغلاق الذيعانت منه تركيا سابقًا، وانفتاحها على أوروبا فقط، ساهم في اتساع الفجوة بين الشعب التركي والشعوب العربية في العموم، بالإضافة إلى أن انفتاح تركيا السريع على المنطقة العربية بعد الربيع العربي، جعل الأتراك يشعرون ببعض المخاوف والقلق تجاه العرب، مؤكدًا أنه لابد للعرب والأتراك أن يبذلوا جهودًا مشتركة من أجل تعزيز التقارب والاندماج فيما بينهم.
وفي السياق ذاته، ناقشت الندوة دور اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد بين المجتمع العربي والتركي في مسألة الاندماج في المجتمع التركي، ورأى صادق أنه من الضروري أن يتعايش العرب مع الثقافة التركية دون أن يتنازلوا عن هويتهم، وأن يحاولوا إثبات أنفسهم كجزء من المجتمع التركي دون التخلي عن ثقافتهم العربية.
وفي المحور الرابع، تطرقت الندوة إلى دور المؤسسات العربية الفكرية والطبية والتعليمية في توعية العرب المتواجدين في تركيا، وتذليل العقبات التي تشوب علاقة العرب بالأتراك، وبيّن كريكش أن أول دور يجب أن تلعبه هذه المؤسسات هو عدم السماح للتجارب والانطباعات الشخصية بأن تكون هي القاعدة وتتحول إلى مزاج أو انطباع عام، وأن يكون هناك مخطط حقيقي لهذه المؤسسات يتضمن سياسات معينة تؤدي إلى النتائج المرجوة، بالإضافة إلى ضرورة التشبيك وإعادة صياغة المفاهيم التي يختلف حولها العرب والأتراك. وعلى صعيد التركي، أشار أويصال إلى وجود بعض المحاولات من المؤسسات والمثقفين الأتراك للانفتاح والتعرف على الآخر، مؤكدًا على ضرورة زيادة التشابك الذهني والمعرفي بين الطرفين.
وعقب ذلك، استعرضت الندوة نتائج بعض الدراسات التركية والعربية التي أظهرت وجود مسافة اجتماعية كبيرة بين المجتمع التركي والعرب المقيمين في تركيا، والسوريون منهم بشكل خاص، كما تحدثت دراسة تركية أعدتها جامعة كادير هاس في إسطنبول عن تزايد النفور التركي من السوريين والرغبة في عودتهم إلى بلادهم، وأرجعت الدراسة أسباب ذلك إلى الاستقطاب الانتخابي والتجاذب السياسي في تركيا، والخوف من تغيير التركيبة الديموغرافية بسبب تزايد أعداد العرب، وتعميم التصرفات السلبية الفردية على جميع العرب.
وسلطت الندوة الضوء، في المحور الأخير، على العلاقة بين القواعد الاجتماعية التركية والعربية ومستوى الاختلاف بينهم، وتأثير ذلك على مسألة الاندماج، ومساهمة التفكير التعميمي والتجاذبات السياسية في تعميق الفجوة بين الطرفين، وتقصير الهيئات السياسية العربية والسورية منها بشكل خاص في السعي نحو التقارب مع الأحزاب التركية المعارضة ومخاطبتها وتقريب وجهات النظر، ودور الحكومة التركية في تنظيم العلاقات بين الطرفين خاصة في الجانب القانوني وفي سوق العمل، وضرورة أن تخضع علاقات العرب والأتراك فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والمالية للقانون، بالإضافة على أهمية التركيز على الجوانب الثقافية والتاريخية المشتركة من أجل تعزيز الاندماج والتشابك.