عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة عبر البث المباشر، الثلاثاء 25 آب/ أغسطس 2020، ندوة بعنوان “جائحة كورونا في سورية: الواقع الصحي ووسائل المواجهة“، شارك فيها كل من مرام الشيخ، وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، وعامر شيخوني، رئيس تحرير موقع (صحتك) العربي.

سلطت الندوة الضوء على واقع جائحة كورونا في سورية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والمناطق التي يسيطر عليها النظام، والإجراءات المتبعة في هذه المناطق، وما يواجهه السوريون من صعوبات في مواجهة هذه الجائحة، وما يحمله المستقبل من أخطار واحتمالات.

وتحدّث الدكتور مرام الشيخ في بداية الندوة عن الوضع الصحي في الشمال السوري، وعن آخر الاحصائيات المتعلقة بفيروس كورونا، مبيّنًا أنه تمّ إجراء أكثر من 5000 اختبار حتى تاريخ 24 آب/ أغسطس 2020، وبلغ عدد الإصابات 61 حالة، شُفي منهم 52 شخصًا، وما يزال 8 مرضى قيد العلاج، فيما تم تسجيل حالة وفاة واحدة لسيدة تبلغ من العمر 80 عامًا. ولفت الشيخ إلى أنه لا توجد أي حالة فعالة في ريف حلب حتى الآن، وعدّ ذلك مؤشرًا جيدًا يساعد على احتواء انتشار الفيروس في المنطقة، ريثما يتمّ السيطرة على عدد الإصابات في محافظة إدلب خلال المرحلة المقبلة.

وتطرّق الشيخ إلى مدى جاهزية الكوادر الطبية في الشمال السوري لمواجهة جائحة كورونا، مبيّنًا أن هناك نقصًا حادًا في الكوادر الطبية المتخصصة والكوادر العاملة أيضًا، حيث يبلغ عدد الأطباء الموجودين في إدلب حاليًا 535 طبيبًا فقط، و107 فنيًّا يعملون كفنيي أشعة، و1085 ممرضًا وممرضة، وعدد قليل جدًا من أجهزة التنفس. وأضاف: “لا نستطيع القول إن لدينا قطاعًا طبيًا قويًا، بسبب ما تعرضت له المشافي والمراكز الصحية من قصف ممنهج من النظام وحلفائه منذ انطلاق الثورة السورية، وبسبب هجرة عدد كبير من الأطباء إلى الخارج، وكل هذه العوامل لا تسمح بوجود قطاع صحي قادر على الوقوف على قدميه، وعلى مواجهة هذه الجائحة، لكن على الرغم من كل ذلك مازال لدينا كوادر تعمل بجدّ ضمن إمكانيات محدودة، وهذا يُعدّ إنجازًا كبيرًا في ظل هذه الظروف السيئة التي تعيشها المنطقة”.

وفي سياق مختلف، تحدث الدكتور عامر شيخوني عن حالة التعتيم التي يمارسها النظام ومؤسساته الإعلامية بخصوص الإفصاح عن الأعداد الحقيقية للمصابين بفيروس كورونا، وهناك حديث تم تداوله أخيرًا عن وفاة 64 طبيبًا سوريًا، فيما تقول مصادر من داخل نقابة الأطباء إن الأعداد أكبر من ذلك، بالإضافة إلى إعلان نقابة المحامين وفاة 17 محاميًا بسبب الجائحة أيضًا. وقال إنه من المؤسف ما يحدث من تناقض بين ما تصرّح به السلطة وما يحدث على أرض الواقع. وأضاف: “كان النظام الصيني أول من بدأ بهذه الممارسة، ولم يصرّح بشكل دقيق وصحيح عن تاريخ بدء انتشار الفيروس والإصابات الموجودة، وأدى ذلك إلى انتشار المرض في كل الدول، وإلى تحوله إلى جائحة عالمية. نحن الآن أمام أزمة حقيقية في سورية، والوضع هناك صعب جدًا، ويرى النظام السوري كغيره من الأنظمة الشمولية أنه لا يجب الإفصاح عن الحقائق المتعلقة بهذا المرض، ربما لأسباب سياسية أو اقتصادية، وهذه مشكلة حقيقية، فإذا لم يتم إدراك أبعاد المشكلة بشكل صحيح سيكون من الصعب مواجهتها بشكل فعال”.

ورأى شيخوني أن النظام هو من يتحمل مسؤولية التقصير الذي أدى إلى وفاة هذا العدد الكبير من الأطباء السوريين، بسبب انعدام وسائل الوقاية الخاصة بالطواقم الطبية، ونقص المعدات الطبية في أغلبية المشافي، مشيرًا إلى أن هذه المشكلات ليست جديدة في سورية، فالقطاع الصحي يعاني من أزمات كثيرة منذ السبعينيات، لكن الأمر ازداد سوءًا خلال السنوات العشرة الأخيرة بسبب الحرب.

من جانب آخر، تحدث وزير الصحة عن التحديات التي يواجهها سكان المخيمات في ظل انتشار فيروس كورونا، نظرًا لكثرة أعداد النازحين، وصعوبة تطبيق قواعد السلامة والتباعد الاجتماعي والعزل المنزلي، لافتًا إلى أن وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة عملت جاهدة من أجل وضع خطط حول كيفية التعامل مع المخيمات في ظل انتشار هذه الجائحة، وتم اقتراح إقامة مراكز عزل مجتمعي في إدلب وشمال حلب، وقد أُنشئ 30 مركزًا يتسعون لـ 1400 شخص، من أجل إيواء وعزل الأشخاص المخالطين أو المصابين حتى لا ينقلوا الفيروس لغيرهم. كما تمّ التركيز على زيادة المخصصات المائية والغذائية للنازحين في المخيمات، والتشديد كثيرًا على إقامة حملات توعية. وبخصوص الالتزام بقواعد الحماية، ذكر الشيخ أن وزارة الصحة أصدرت قرارًا بضرورة الالتزام بارتداء الكمامات، ونظرًا لصعوبة تأمين المعقمات والكمامات في الداخل، فقد أطلقت وزارة الصحة أخيرًا، بالتعاون مع شركاء لها، مشروعًا بعنوان “5 مليون كمامة” من أجل تأمين 5 مليون كمامة وتوزيعها مجانًا على المواطنين وخصوصًا في المخيمات.

وتطرقت الندوة، إلى كيفية رفع مستويات الوعي المجتمعي لدى السوريين بخصوص خطورة فيروس كورونا، في ظلّ الأزمات الكثيرة التي عاشها الشعب السوري خلال 10 سنوات من الحرب، وقد تركت آثارًا نفسية شديدة لدى معظم السوريين الذين اعتادوا على كل أشكال الموت، وأدى ذلك إلى تراجع ردة فعلهم نحو هذه الجائحة، معتبرين أنها لن تكون أسوء من القصف والقتل والحصار وكل المخاطر التي عاشوها خلال الحرب. وذكر الشيخ أن نسبة التقيّد أو التجاوب مع حملات التوعية في الشمال السوري كانت ضعيفة جدًا ومخيبة للآمال، وأرجع أسباب ذلك لأمرين: الأول هو الجانب النفسي الذي يعاني منه معظم السوريين بسبب الظروف الكارثية التي عاشوها، والثاني هو الفقر وانعدام مقومات الحياة الكريمة. وأضاف: “استخدمنا وسائل عدة للتوعية بخصوص فيروس كورونا، منها نشرُ بوسترات توعوية في جميع الأماكن العامة والأسواق والمخيمات، بالإضافة إلى عدد من الحملات قام بها فريق من الناشطين يتألف من 1500 شخص قاموا بزيارات للمنازل والمخيمات، ونفذوا عددًا من الندوات والمحاضرات في هذا الخصوص، إضافة إلى إرسال رسائل نصية للهواتف، وفي وسائل التواصل الاجتماعي”. وفي ختام الندوة، قدّم الدكتور عامر شيخوني نصائح للأهالي والمؤسسات التعليمية والمدارس للحد من انتشار فيروس كورونا، وذلك مع قرب بدء العام الدراسي الجديد، وما يرافق ذلك من أخطار بسبب اكتظاظ الصفوف بالطلاب، وصعوبة تقيّد الأطفال بقواعد التباعد الاجتماعي، وهذا قد يحوّل المدارس إلى بؤرة لانتشار المرض.