عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، أمس الثلاثاء، ندوة بعنوان: “الواقع الخدمي والمعيشي في الشمال السوري“، شارك فيها كلّ من المحامي عبد الغني شوبك، رئيس مجلس محافظة حلب الحرة؛ وأناستاسيا الكحالة، الناشطة في مجال العمل الإنساني؛ وجمعة القاسم، مدير الوصول في منظمة “بهار” الإنسانية؛ وأدارتها الإعلامية ديمة ونوس.

تناولت الندوة حالة المدنيين المعيشية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، والواقع الخدمي فيها، ومدى توفر الخدمات الرئيسية للمقيمين في تلك المناطق، وكيفية تعامل الجهات المسيطرة على أرض الواقع -كالحكومة المؤقتة وما يسمّى بحكومة الإنقاذ- مع احتياجات المدنيين.

في بداية الندوة، تحدّث عبد الغني شوبك عن آلية عمل المجالس المحلية وآليّة التنسيق مع القوى المسيطرة على الأرض والمنظمات الإنسانية، وعن الخدمات التي تقدّمها المجالس المحلية لسكان الشمال السوري، من نازحين ومهجّرين وسكان أصليين، على الرغم من ضعف الإمكانات.

وأوضح أن المجالس تقوم بأعباء خدمية وإغاثية تفوق قدراتها وطاقاتها، وتقدّم الخدمات اليومية، من صحة وتعليم وأحوال مدنية، إضافة إلى خدمات الكهرباء والصرف الصحي والإغاثة، وكل ذلك بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني.

وبيّن أن المجالس تقوم بدورٍ خدمي وتنظيمي، وهذا الأمر يشكّل كثيرًا من الأعباء؛ ففي ظل غياب مؤسسات الدولة الحقيقية، يكون للمجالس دورٌ أكبر في تنظيم الحياة الخدمية والمعيشية في المنطقة.

وفي ما يخص الحالة المعيشية للمدنيين في الشمال السوري ومصدر الدخل الخاص بهم، لفت النظر إلى أن الحالة المعيشية صعبة وسط غياب فرص العمل وغيرها من التحديات الأخرى، إضافة إلى أن المنطقة غير مستقرة، بسبب استمرار القصف، حيث ينعكس ذلك على استقرار البنية التحتية والخدمية.

وذكر شوبك أن المدنيين في الشمال السوري ينقسمون إلى ثلاث فئات: الأولى أصحاب الدخل المستقر، والثانية أصحاب الدخل المتقطع، والفئة الثالثة هي المستهلكة التي تنتظر فرصة العمل والسلة الإغاثية.

وتطرقت الندوة إلى مسألة الخدمات التي تقدّمها المجالس المحلية، ومستوى تناسبها مع احتياجات المدنيين في الشمال السوري، وخاصة الشرائح الأضعف.

ورأت أناستاسيا الكحالة أن هذه الخدمات لا تتناسب مع الاحتياجات المتزايدة للمدنيين، وبيّنت أن الاقتصاد السوري يمرّ بتدهور دراماتيكي، من ناحية أسعار المواد الأساسية والغذاء والأدوية والوقود، وكلّها آخذة في الارتفاع، والليرة السورية تتراجع إلى مستوى قياسي منخفض مقابل الدولار.

وأشارت إلى أن ما يقارب من نصف مليون طفل، في شمال غرب سورية، يعانون حالة تقزّم بسبب سوء التغذية.

وذكرت الكحالة بعض الأرقام المتعلقة بالجانب الإنساني شمال غرب سورية، وقالت إن “الاحتياجات كبيرة جدًا، والمدنيون بحاجة إلى مساعدات، وعددهم حوالي 4 ملايين نسمة، من بينهم 2.6 مليون هم من النازحين، ومن بينهم 1.7 مليون نسمة استقروا ضمن المخيمات البالغ عددها 1398 مخيمًا، في منطقة إدلب وريف حلب شمال غرب سورية، في حين يشكل الأطفال 57% من النازحين في المخيمات، وجميعهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية”.

وأشارت إلى أن استجابة المانحين والوكالات الأممية لا تكفي لهذه الاحتياجات المتزايدة للمدنيين شمال غرب سورية، في ظل الأوضاع الصعبة والمتدهورة.

وأكدت أن هناك تقصيرًا من الدول المانحة، وبدلًا من أن تتوجه المنطقة إلى الاستقرار، وبدلًا من زيادة المساعدات الأممية، نرى أن هناك تخفيضًا حتى بالمواد الإغاثية والسلع الأساسية.

وتطرقت الندوة أيضًا إلى التأثيرات المتوقعة على القطاعات الحيوية، وعلى المدنيين في شمال غرب سورية، في حال فشل مجلس الأمن في تجديد القرار الذي ينصّ على إرسال المساعدات عبر الحدود.

وفي هذا الجانب، حذّرت الكحالة من مغبة إغلاق معبر باب الهوى ومنع إدخال المساعدات الإنسانية من خلاله، ومن أن كثيرًا من المشاريع الإغاثية لن يتمّ تنفيذها، لكون معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا هو الشريان الأساسي، والكلّ يترقب اجتماع مجلس الأمن الدولي في 10 تموز/ يوليو المقبل، وما سينتج عنه من قرارات تتعلق بتمديد آلية إرسال المساعدات عبر الحدود إلى الداخل السوري.

وتناولت الندوة في أحد محاورها موضوع الخدمات المتوفرة وإمكانية دعم البنية التحتية وتحسينها والنهوض بها في شمال غرب سورية.

وذكر جمعة القاسم أن البلدات والمدن شمال غرب سورية غير مؤهلة، من ناحية التخطيط العمراني والبنى التحتية، لاستضافة أعداد كبيرة جدًا من النازحين تفوق طاقاتها بمئات المرات، وهذا يخلق شرخًا بين المجتمع المضيف والنازحين، وحالة عدم اندماج أو حالة خلاف ونزاعات.

ونبّه إلى أن الناس يحتاجون إلى دعم سبل العيش، وخلق فرص عمل في المجتمع، وصيانة للطرق ومضخات المياه والكهرباء وتوفير خدمات أساسية، معتبرًا أن كل ذلك مطروح، ولكن هناك معوقات خارجية، على رأسها سياسة المانحين.

وأوضح قائلًا: “دائمًا التوجّه من قبل المانحين هو الاستجابة الطارئة للحاجات الطارئة للنازحين، ولا يوجد هناك مشاريع ضخمة متعلقة بالبنية التحتية”.

وأكد أن المساعدة في إيجاد فرص العمل للنازحين أو العاطلين عن العمل هي التحدي الأكبر، بالنسبة إلى العاملين في المنظمات الإنسانية والإغاثية، وأن المنطقة بحاجة إلى مشاريع ضخمة على مستوى استجرار المياه، على سبيل المثال، لتوفير المياه للمنطقة.

ورأى أنه لا يوجد تناسق بين الحاجة والخدمة المقدمة للمنطقة، على الرغم من أن كثيرًا من المنظمات تعمل، وهناك جهود قوية في هذا الإطار، وهناك دور حيوي جدًا للمنظمات في التخفيف عن معاناة الأهالي في سورية (اقتصاديًا ومعيشيًا وإنسانيًا)، لكن المشكلة ما تزال موجودة ولا يمكن حلّها.

وسلّطت الندوة الضوء على الحالة الأمنية وتأثيرها على الحياة اليومية لملايين السوريين، من نازحين ومهجرين وسكان أصليين، إضافة إلى الخوف من استمرار التصعيد العسكري، ومن موجات جديدة من النزوح.

وفي هذا الجانب، قال القاسم: إن “كلمة (مزرية) هي أقلّ تعبير عن الواقع الأمني شمال غرب سورية، وفي كل لحظة، لدى الأهالي في الشمال السوري قلق أمني من حالة عدم الاستقرار الموجودة في المنطقة”.

وأضاف أن حالة القلق المزمنة لا تدع للأهالي أي راحة عيش وهناء، حتى في مكان إقامتهم في المخيمات، وأن آثار هذه الحالة الأمنية كارثية على السكان، وبيّن أن 90% من السكان في الشمال السوري يرغبون في الخروج خارج سورية، بسبب حالة عدم الاستقرار التي سبّبها الوضع الأمني الذي تعيشه المنطقة.