عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، يوم الخميس 18 شباط/ فبراير 2021، ندوة بعنوان “النخب العربية بعد الربيع العربي.. الدور والممارسة”، شارك فيها كلّ من إليزابيت كساب الأكاديمية والأستاذة في معهد الدوحة للدراسات العليا، وشمس الدين الكيلاني الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وإسماعيل الناشف الأكاديمي والأستاذ في معهد الدوحة للدراسات العليا، وأدارتها الإعلامية ناديا كمال الدين.
ناقشت الندوة الدورَ الذي لعبَته النخب العربية خلال ثورات الربيع العربي، وكيف تعاطت النخبُ مع الثورات، وهل حقًا كان دور النخب مخيّبًا للآمال في صناعة التغيير المنشود؟ وقدّم ضيوف الندوة، وهم من مشارب عربية مختلفة عايشوا تجارب نخبهم وتحولاتها، تحليلًا للمواقف المتباينة للنخب العربية، سواء تلك النُخب التي أيّدت ثورات الربيع العربي ووقفت معها، أو التي اختارت الوقوف مع الأنظمة الحاكمة والثورات المضادة ضد إرادة الشعوب الثائرة، وناقشوا الدور الذي يُفترض أن تلعبه النخب العربية مستقبلًا.
استهلّ شمس الدين الكيلاني الندوة بإجراء مقاربة للمفهوم العام للنخبة، ومفهوم النخب السياسية، وأوضح أن كل المجتمعات فيها نخب، وهذه النخب تأخذ ملامحها من الوظائف التي تمارسها داخل البنية الاجتماعية، ولذلك “لا يمكننا أن ننظر إلى النخبة إلا من خلال التطور التاريخي”.
وأضاف أن العرب جميعهم بعد الربيع العربي دخلوا في تطور جديد هو مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، ولم يكن أمامهم من مفرّ سوى التطور باتجاه الديمقراطية، و”هذا ما أكدته صرخة الشعوب من خلال الربيع العربي، وهذه قضية العصر الآن”. وأوضح أنه قبل الحداثة كان هناك النخب الدينية التي تتمركز في الكنيسة والمسجد، وكان هناك النخب الحرفية التي كانت في زمان العثمانيين، وكان لكل حرفة (شيخ كار)، وأبرز أدوار النخب كانت للتجار أو لـ (زعيم السوق)، ولكن لم يكن لها أدوار عامة سياسية مُحَركة، بقدر ما كانوا يمثلون أنفسهم، في حين أن العصر الحديث فتح تطورًا جديدًا، وأصبح للنخب تطلعات أخرى غير حرفتها، وأصبح لديها وعي عمومي بمشكلات الناس.
وأشار إلى أنه في القرن العشرين ظهرت الأحزاب والتيارات السياسية، أي ظهرت الحداثة وتفصيلاتها، وفي بعض الدول العربية دخلت مؤسسة البرلمان والنقابات الحديثة، و”تبلورت السلطة، وتمحور حولها الناس”، وأصبح هناك نخب حاكمة وتداول للسلطة وحياة سياسية، كما كان في سورية ومصر ولبنان. ورأى أن العصر السياسي الحديث خلق مجالًا سياسيًا للحوار ولتبادل الأفكار وللصراع، وهذا المجال مُنظم عبر “لعبة ديمقراطية”، وهناك أحزاب برزت نستطيع القول إنها كانت نُخبًا مُعارضة، وكان هناك نقابات، وهذه التجربة التي كانت في سورية ومصر ولبنان تم تدميرها، بعد “حكم العسكر الذين صادروا الحياة السياسية”، ولم يعد هناك نقابات أو أحزاب وباتوا ملاحقين، وتوقفت حياة النخب وتجديدها في سورية ومصر بشكل خاص، في حين بقيت نخب تمارس عملها في بعض البلدان.
وتحدث الكيلاني عن وضع النخب السياسية في ظلّ نظام الأسد، ووصف الوضع بالنسبة إلى النخب في سورية بأنه “كارثي”، وقال إنّ النظام “فتّت” الحياة السياسية، وزرع عدم الثقة بين الناس وحتى في داخل دائرة النخب، وأدى ذلك إلى تخبّط داخل النخب السورية، ولم يعد هناك ثقة، ولم يعد هناك تعامل بشكل جدّي أو ممارسة سياسية حقيقة، خاصة أن الديمقراطية تحتاج إلى ممارسة. ولكن بعد الربيع العربي الكلّ استفاد من التجربة الكبيرة، سواء كان بعض الأنظمة التي راجعت حساباتها، رغم أن هناك أنظمة مستمرة في عنادها وتهيئ نفسها للمواجهات دائمًا، أو المعارضة التي تعلمت الدروس من التجارب التي مرّت بها وباتت تبحث عن خطط وأساليب.
وقارن الكيلاني بين النخب الموجودة في سورية اليوم، والنخب الموجودة في أوروبا، على سبيل المثال، وأوضح أن “هناك نخبًا في سورية، ولكنها ضعيفة، وأن النخب في أوروبا مؤطرة بأحزاب ونقابات ولها وجود، بينما في سورية نحتاج إلى البحث عن النخب بـ (المجهر) رغم أنها موجودة”.
وتطرقت الندوة في أحد محاورها إلى العوامل التي أسهمت في انحسار دور النخب في حراك الربيع العربي. وفي هذا الجانب، أوضح إسماعيل الناشف أن النخب يمكن قياسها بأشكال مختلفة، ولكنها ليست واحدة وغير متجانسة، سواء في سورية أو فلسطين أو لبنان أو مصر. وأضاف أن النخب المُعارضة في اللحظة التاريخية التي كانت هي فرصة لكي تأخذ زمام الأمور فشلت، وأن “من تسلّم الحكم في الدول العربية (كمعارضة) تصرفوا وكأنهم يديرون لجنة طلاب في جامعة وليس دولة، إذ لم يكن هناك تقاليد لتداول الحكم، فنجد مثلًا في مصر معارضة استمرت 100 عام، ولكن هي لديها تقاليد مُعارضة ولا يوجد لديها تقاليد حكم، بمعنى تداول السلطة، ولذلك هي فشلت، ولكي نفهم هذه المسارات، علينا بداية أن نقوم بتفكيك مفهوم النخب، وكيف وصلت إلى هذه المرحلة؟ وما هي تلك النخب؟”.
وتناولت الندوة الأسباب التي تقف وراء تراجع أو انحسار دور “النخبة النسوية”، ولماذا لم تستطع أن تجد لها قاعدة شعبية؟ وما الأسباب وراء تراجع دور المرأة في التمثيل السياسي؟
وقالت إليزابيت كساب إن “المرأة هي من ضحايا الظلم في مجتمعنا، ولكن كان للمرأة وجود في هذه الثورات التي شهدناها، وعندما يقوم الناس ضد الظلم، فليس هناك مجال للانتقائية، ولكن النساء تحارب على أكثر من جبهة، ونضال المرأة صعب جدًا، وأعتقد أن النساء لن تستلم وستتابع النضال، ولكنه نضال مرير وطويل”، وأوضحت أن التمثيل السياسي للمرأة غير موجود بعد ثورات الربيع، ومن أجل ذلك تناضل النساء.
في المحور الأخير، تناولت الندوة العوامل التي من الممكن أن تسهم في تفعيل واستعادة دور النخبة، وكيف يمكن مساعدة الشباب لكي يكونوا قدوة أو نخبة، وكيفية الاستفادة من تجارب النخب القديمة؟
وفي هذا الصدد، قال إسماعيل الناشف: بالنسبة للنخب القديمة، كان هناك دائمًا “فجوة” ما بينها وبين سائر المجتمع أو فئات محددة من المجتمع، وكانت العلاقة يمكن أن يطلق عليها “علاقة زبائنية” إلى حد بعيد، حتى داخل المؤسسات التي كنا نفترض أنها تقدمية أو أنها تجاوزت “البنية الزبائنية”.
وأضاف: “الآن، مع تعاقب الأجيال وتغيّر حركة الاقتصاد ووسائل الاتصال، إضافة إلى جائحة (كورونا) وتبعاتها، ظهرت جيوب من المجموعات التي تعمل على مواضيع محددة أو تلتقي على قضايا محددة عينية، كما يحصل في لبنان أو فلسطين أو مصر، ولكن هذه المجموعات لم تفرز بعد شبكات بمستوى الهوية العامة، فالوضع الحالي يخلق جيوبًا أو مجموعات منفصلة تلتقي على قضايا محددة، وأنا أرى أن من وظيفة الفئات النخبوية أو المخضرمين من الأجيال السابقة، توفير فضاءات ومصادر لهذه المجموعات”.
إليزابيت كساب: درست الفلسفة في الجامعة الأميركية في بيروت وفي جامعة فريبور فيسويسرا، شغلت منصب أستاذة زائرة في عدد من الجامعات الأميركية والألمانية، تعمل الآن أستاذة للفلسفة والفكر العربيّ الحديث والمعاصر في معهد الدوحة للدراسات العليا.
شمس الدين الكيلاني: باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، له العديد من الكتب، أحدها حول “تحولات في مواقف النخب السورية”، تتركز اهتماماته البحثية في قضايا علم الاجتماع السياسي وتاريخ سورية المعاصر.
إسماعيل الناشف: أستاذ مشارك في برنامج علم الاجتماع وعلم الإنسان، عمل في جامعات عربية وأجنبية عدة. وإضافة إلى عمله كباحث جامعيّ، فهو يعمل كناقد أدبي وفني، وله نصوص أدبية عدة، وشارك في تأسيس مشاريع ثقافية وفكرية مختلفة.