عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، الثلاثاء 22 أيلول/ سبتمبر 2020، ندوة بعنوان “المواقف الدولية من القضية السورية“، شارك فيها رجل الأعمال والسياسي السوري فراس طلاس، وأدارتها الإعلامية نسرين طرابلسي.
ناقشت الندوة تطورات الملف السوري، في ضوء الواقع والمواقف والسياسات الدولية والإقليمية، والدعم الروسي ومداه، وتأثّر مواقف إيران في سورية بالعقوبات الأميركية، وعلاقة الملف السوري وتطوراته بمرحلة ما بعد الانتخابات الأميركية، وما يمكن أن يفعله السوريون للضغط على مواقف الدول لإنهاء معاناة الشعب السوري.
استهلّ طلاس الندوة بالحديث عن تطورات الملف السوري في المرحلة الراهنة، وعن أبرز التوقعات المطروحة لمستقبل سورية، مبيّنًا أن ما وصلت إليه الحال في سورية هو نتيجة طبيعية لتطورات ألمّتْ بحقبة تاريخية مهمة يعيشها السوريون حاليًا، وأن هذه التطورات ستؤدي إلى تغيير شكل المنطقة كلها، وليس سورية فقط، ودعا السوريين إلى مراقبة هذه التغييرات التي ستنتج عنها ولادة دول جديدة، وإلى التفكير في سبل التكيّف مع طروحات المرحلة القادمة.
تطرقت الندوة إلى الواقع المعيشي السيئ الذي يعيشه السوريون منذ عشر سنوات، والذي أدى إلى تلاشي آمالهم في حصول أي تغيير، وجعلهم ينصرفون إلى التفكير في تأمين قوتهم فقط، ورأى طلاس أن سياسة إحداث أزمات معيشية، من أجل تحقيق أهداف مستقبلية، هي نهج اتبعه الأسد الأب، من أجل تطويق فكر المواطن وصرفه عن التفكير في أي شيء آخر سوى لقمة عيشه، وهي السياسة التي اتّبعها بشار الأسد أيضًا، في سنوات الثورة، وقد حققت له بعض المكاسب، مع أهمية الإشارة إلى أن بشار الأسد حاليًا لا يملك رؤية للمستقبل، لذا هو مستمر في سياسة القتل والتجويع والتضييق على من تبقى من السوريين في الداخل الذين يعيشون على أمل المغادرة.
وعلى صعيد المواقف الدولية من سورية، أشار طلاس إلى أن كل التصريحات الروسية حول سيادة ووحدة سورية غير صحيحة، إذ لم تكن هذه الأهداف ضمن أجندتها منذ أن تدخلت في سورية، أما بالنسبة إلى أميركا فهي غير معنية بإيجاد حل للأزمة السورية في الوقت الحالي، أما تركيا فلديها مشكلاتها الخاصة ضمن المنطقة ككل، وأكد أن السوريين وحدهم هم المعنيون بصنع التغيير وإسقاط النظام وبناء سورية الجديدة.
كما نفى أن تكون واشنطن مهتمة بالضغط على موسكو، من أجل إبرام اتفاق ينهي الأزمة في سورية، مبينًا أن تعامل أميركا مع جميع الأزمات الدولية، وليس فقط سورية، قائم على النفاق عبر تصريحات إعلامية منافية تمامًا لما تتخذه من إجراءات على أرض الواقع، لافتًا إلى أن لدى أميركا مخططًا إستراتيجيًا لكل دول المنطقة، وأن هذا المخطط قابل للتغيير عند حدوث أي طارئ، ولكنها في المرحلة الحالية على الأقل غير معنية بالضغط على روسيا لحلّ الأزمة السورية.
وعرّج على الموقف الإيراني من الأزمة السورية، وبيّن أن لطهران برنامجًا مختلفًا عن الأجندات الأميركية والروسية والتركية، فهي تسعى للتوغل في عمق المجتمع السوري، من أجل السيطرة على سورية، دينيًا واجتماعيًا، وسعت منذ عام 2011 إلى إدخال ميليشيا “حزب الله” إلى سورية، وقامت بعد ذلك بإدخال الميليشيات الشيعية والحرس الثوري الإيراني، ودعمت انتشار التشيع الذي تجلت مظاهره بالاحتفالات الشيعية في العاصمة دمشق.
بخصوص التوقعات بمدى إمكانية حدوث تغيّر في السياسة الأميركية، بعد الانتخابات، تجاه الصراع الدائر في سورية، أشار طلاس إلى أن القرار الأميركي مبني دائمًا على مراكز دعم اتخاذ القرار والوزارات ومراكز الأبحاث والدراسات، وأن تغيير السياسة الأميركية غير مرهون بقرار الرئيس فقط، وهو بحاجة إلى إقناع دوائر ومجمعات اتخاذ القرار في أميركا التي تستطيع أن تعرقل أي قرار للرئيس، إذا لم تجده متوافقًا مع المصالح الإستراتيجية الأميركية.
من جانب آخر، أشار طلاس إلى عدم وجود رغبة، لدى الدول العظمى اللاعبة في سورية، في إحداث تغيير في المشهد السوري الحالي، إلى جانب سعي النظام إلى عرقلة المساعي التي تُبذل في هذا المجال. وأضاف: “أنا أراهن على الاقتصاد الداخلي، ولا أراهن على ثورة جديدة، إلا إذا اندلعت شرارتها من السويداء والسلمية ومصياف والقامشلي، بسبب ما تمتلكه هذه المناطق من خصوصية وأهمية قادرة على إحداث تغيير في المشهد السوري. وفي ظل الأوضاع الحالية، إذا لم تكن هناك نخبة سياسية تؤمن بانتمائها إلى سورية فقط بعيدًا عن الانتماء الديني والإثني؛ فلن يكون هناك أي تغيير”.
وتطرّقت الندوة إلى آخر التطورات في منطقة شرق الفرات، والتوقعات بانسحاب أو بقاء القوات الأميركية فيها، وذكر طلاس أن أميركا تولي أهمية كبيرة لمنطقة شرق الفرات، ومن المستبعد أن تنسحب منها، وأرجع أسباب هذا الاهتمام الأميركي إلى رغبتها في فرض نفوذها على الشريط الحدودي بين سورية والعراق، كي تضمن قدرتها على إحداث خلل في المنطقة في الوقت الذي تريده.
وفي سياق مختلف، ناقشت الندوة مسار مفاوضات اللجنة الدستورية السورية ومآلاته، واستبعد طلاس أن يتمخض عن هذه المفاوضات نتائج فاعلة وإيجابية، لأن النظام غير جاد في هذه المباحثات، وكان وجوده فيها نوعًا من أنواع إغراق الطرف الآخر في التفاصيل بدون الوصول إلى أي نتيجة، مؤكدًا أن النظام غير معني بتغيير الدستور أو أي شيء آخر، بقدر ما هو معني بإطالة فترة بقاء بشار الأسد في السلطة.
عرّجت الندوة على موضوع الانتخابات الرئاسية التي يعتزم النظام إجراءها، في صيف العام القادم، بدعم روسي، في مناطق سيطرته ومناطق سيطرة (PYD) بالتوافق مع النظام، وتوقع طلاس أن تجري هذه الانتخابات، ما لم يحدث حدث طارئ يغيّر المشهد كله، وقد يختار النظام أي منافس وهمي لخوض الانتخابات أمام بشار الأسد، أو يرفض مجلس الشعب أي مرشح، ويبقى بشار الأسد في السلطة.
وفي الجزء الأخير من الندوة، أجاب الضيف عن أسئلة المتابعين، في العديد من القضايا المتعلقة بالشأن السياسي والاجتماعي لسورية الآن ومستقبلًا.