حلّت الروائية مها حسن، الخميس 3 آذار/ مارس 2021، ضيفة على برنامج “المقهى الثقافي” التابع لمركز حرمون للدراسات المعاصرة، والذي يُشرف عليه ويديره بدر الدين عرودكي.
ناقشت الحلقة التي حملت عنوان “الرواية.. الكتابة.. المنفى“ العديد من الموضوعات، في نتاج الكاتبة الروائي، والكتابة التي تعتبرها صنو حياتها، فضلًا عن تأثيرات المنفى الذي تعيشه، ومصدر وحيها الروائي، وعرى الرابطة العضوية التي تشد كتاباتها إلى سورية الإنسان والمكان والزمان، والحكايا التي ترويها شخوص رواياتها والنساء خصوصًا، وكيف وثّقت الحرب الدائرة في سورية ومعاناة السوريين على مختلف الصعد في أعمالها، وآخر رواياتها “حي الدهشة“، التي عادت من خلالها إلى حلب ما قبل الحرب.
بدأ النقاش بالحديث عن الثيمات المشتركة بين جميع الأعمال الروائية للضيفة، وذكرت حسن أنها تركز على التكنيك أكثر من تركيزها على سرد الحكاية في أعمالها، مضيفة أنها “غير مهمومة بالحكاية” التي تعتبرها جزءًا من العمل الروائي. وفي الحديث عن رواية “الراويات”، أشارت حسن إلى أن هذه الرواية كانت ثمرة رغبة في الحديث عن “فن الكلام” والكتابة عن شخصية المرأة الحكواتية، وأوضحت أن سبب تغيير اسم الرواية، من “الحكواتيات” إلى “الراويات”، هو خشيتها من الوقوع في فخ الحكاية، لأن الرواية تشكل لديها الهاجس الأكبر.
تطرق النقاش إلى المكان بصفته ثيمة مشتركة بين روايات الكاتبة، وعلاقته بالزمان، وعرّج الحديث على رواية “طبول الحب” التي صدرت مطلع عام 2013، وتناولت الأحداث التي جرت في سورية آنذاك، وكانت بمثابة وثيقة أدبية عن بداية الثورة السورية. ووصفت حسن هذه الرواية بالرواية “المريضة”، لأنها كُتبت ضمن الوجع والاحتضار الحاصل وبضغط عاطفي شديد، واعتبرت أن هذه الرواية وثيقة بصرية جسدت أحياء وشوارع حلب التي لم تكن تتخيل أنها ستتعرض للدمار والتخريب، مضيفة أن “حدس الكاتب أو الروائي يدفعه في بعض المرات إلى تسجيل موقف دفاعي مسبق. وبالرغم من أن هذه الرواية مريضة وسريعة وكُتبت بظرف استثنائي، فإني أحبها، لأني لا أستطيع الآن أن أكتب عما حدث في تلك الفترة الذهبية للثورة السورية”.
وتحدثت الكاتبة عن العلاقة الحميمة بين الروائي وشخوصه وعوالمه التي تصل بالكاتب إلى مكان لم يكن يتوقع أو يتخيل أن يصل إليه. وحول طريقة نسج وبناء الروائي لشخوص العمل، ذكرت الكاتبة أنه عندما يكون العمل الأدبي واقعيًا ويتحدث عن أشياء حصلت، يكون لدى الكاتب خوف كبير من مستوى قدرته على أن يكون نبيلًا وديمقراطيًّا مع شخوص العمل، بحيث لا يفرض عليهم وجهة نظره الأيديولوجية ومواقفه السياسية. وأضافت: “أخشى من محاكمة شخوصي لي، أو هزيمتي أمام إحدى الشخصيات التي نسجتها، بطريقة تجعلني أدخل في حالة نقاش وجدل، قد يكون على حساب آرائي ومزاجي الشخصي، وأحاول قدر الإمكان أن أضع نفسي مكان الشخصية وأجعلها تنتصر علي”.
تلا ذلك نقاش حول رواية “عمت صباحًا أيتها الحرب” التي جسدت كل التقلبات التي عاشها السوريون خلال السنوات العشرة الأخيرة، بشكل يجعل من هذا العمل، إلى جانب بقية أعمال الكاتبة، وثيقة أدبية مهمة توثق ما حصل في سورية. واعتبرت الكاتبة أن فن الرواية هو الوثيقة الأصدق لما يحدث في أي مجتمع، لأن التاريخ يكتبه المنتصرون عادةً. وسلّط الحوار الضوء على علاقة الكاتبة بالمكان، وبنائها لشخوصها وأحداث رواياتها في مكان مختلف عن المكان الذي تعيش فيه، وذكرت حسن أن وجود الكاتب في المكان الذي تدور فيه أحداث روايته، يجعله أكثر قسوة وانتقادًا للمكان، غير أن وجودها في فرنسا بعيدًا عن المكان الذي تدور فيه أحداث رواياتها في مدينة حلب وسورية بالعموم، جعلها تتعاطى مع المكان بشكل أكثر حميمية وتعاطفًا.
في السياق، تحدثت الكاتبة عن المنفى، وعن انفكاك ارتباطها بالمكان الذي أدى إلى تخلصها من المنفى، لأن كل ما يحدث حولها يصب في خدمة روايتها، مشيرة إلى أن أي مكان في العالم يمكن أن يكون الوطن الفكري والإبداعي للكاتب، لأن الحكايات موجودة في كل مكان، وعلى الكاتب أن ينظر حوله بتمعن ويلتقطها.
من جانب آخر، عرّج الحوار بعجالة على قضية الهوية، وبيّنت الكاتبة أن هويتها الكردية هي جزء من تكوينها العاطفي، وأرجعت سبب الاختلاف حول موضوع الهويات إلى وجود التنميط، مضيفة أنه من الخطأ أن يكون هناك هوية واحدة وانتماء واحد، لأن التعدد يؤدي إلى الغنى والثراء، أما صراع الهويات فهو مفهوم سياسي، يختلف عن مفهوم الأدباء لفكرة الهوية.
ودار نقاش حول موضوع اللغة وعلاقتها بهوية الكاتب، وبيّنت حسن أن اللغة العربية هي تكوين ونمط تفكير بالنسبة إليها، ووسيلتها للتعبير عن مشروعها الأدبي، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن اللغة العربية كانت مفروضة لأسباب سياسية، لكن اللغة الكردية التي كانت حاضرة في حكايات جدتها والبيئة الكردية التي عاشت فيها، إلى جانب إتقانها للغة العربية، جعلت منها كاتبة، على حد تعبيرها.
وفي الختام، دار نقاش حول رواية “حيّ الدهشة”، التي عُنونت فصولها بعناوين روايات عربية وغير عربية، واستوحت الكاتبة من كل عنوان من هذه العناوين دلالة الرواية الأصلية أو حدث ما فيها، وعلاقته بالفصل الذي نسجت أحداثه الكاتبة، الأمر الذي أكسب الرواية تميزًا ونكهة جديدة جدًا، وأتاح للكاتبة الفرصة كي تلعب مع القارئ لعبة الاختباء والعودة. وفي سؤال عن أسباب وظروف ولادة هذه الرواية، ذكرت حسن أنها في كل مرة تبدأ بكتابة عمل روائي جديد، يكون لديها طموح وشغف لتقديم شيء غير مسبوق. أما في رواية “حي الدهشة” فتقول الكاتبة إن رغبتها في “لعب لعبة العناوين سبقت ولادة فكرة الرواية، وكانت الصعوبة تكمن في ضرورة أن ينسجم محتوى كل فصل مع العنوان الذي يحمله”، مضيفة أنها حاولت من خلال هذه العناوين التعبير عن ولائها لروايات الأشخاص الذين تحبهم.
مها حسن: روائية سورية، ولدت في مدينة حلب، وحصلت على الإجازة في الحقوق، وغادرت سورية عام 2004 واستقرت في فرنسا، واقتحمت عالم الرواية. وصلت رواية “حبل سري” ورواية “الراويات” إلى القائمة الطويلة في جائزة الرواية العربية “بوكر”، كما وصلت روايتها “حيّ الدهشة” إلى القائمة القصيرة في جائزة نجيب محفوظ لهذا العام. ومن أعمالها “اللامتناهي – سيرة الآخر”، “جدران الخيبة أعلى”، “تراتيل العدم”، “حبل سري”، “بنات البراري”، “الراويات”، “نفق الوجود” و”مترو حلب”.