عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، أمس الثلاثاء، ندوة بعنوان “المحددات السياسية لعودة اللاجئين إلى سورية”، شارك فيها كلّ من الباحث والأكاديمي طلال المصطفى؛ الباحثة نسرين جلبي؛ والمحامي والباحث فراس حاج يحيى؛ وأدارتها الإعلامية ديمة ونوس.
ناقشت الندوة الشروط الآمنة لعودة اللاجئين، وفي مقدّمتها عملية تغيير سياسي وفق بيان جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254، وكذلك خوف غالبية اللاجئين أنفسهم من العودة إلى وطنٍ لا ينتظرهم فيه سوى مزيد من الخطر على حياتهم، أمنيًا ومعيشيًا. وركزت على أن الحديث عن (عودة اللاجئين) لا بدّ أن يكون مرتبطًا بسيناريوهات عدة تُقرّب أو تُبعد اللاجئين من فكرة العودة إلى سورية، ترافقًا مع تباين الظروف التي يعيشونها في دول اللجوء المختلفة.
وتأتي الندوة مع انسداد أفق الحلّ السياسي والعسكري في سورية، خاصة بعد المؤتمر الدولي حول اللاجئين السوريين الذي عُقد بتاريخ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 في دمشق، برعاية روسية، وقد بدت قراراته كأنها حبر على ورق، وتبيّن أن هدفه الرئيس تعويم النظام إقليميًا ودوليًا.
قدّم طلال المصطفى شرحًا مفصلًا عن أبرز النتائج التي خرج بها البحث موضوع الندوة، وبيّن أن الهدف هو وضع تصوّر شامل عن المشكلات التي تواجه عودة اللاجئين دون الاعتماد على “البروبوغندا” التي يعتمدها النظام السوري عادة، في إعلامه وادعاءاته، بأن أبوابه مفتوحة لعودة اللاجئين.
وذكر المصطفى أن الدراسة كانت مرتبطة بمجموعة من المتغيّرات وبسيناريوهات افتراضية، منها سيناريو سقوط النظام، وسيناريو الانتقال السياسي من دون الأسد، وسيناريو استمرار الوضوع الحالي وبقاء الأسد على رأس الحكم، وسيناريو الصعوبات الداخلية والخارجية التي تحول دون عودة اللاجئين. وأكد أن أهمية الدراسة مرتبطة بموضوع الحل السياسي الشامل الذي من الممكن أن يكون عبر صفقة دولية بين أميركا وروسيا، أو بمسألة إعادة البناء المجتمعي لسورية فيما بعد.
ومن أهداف الدراسة، بحسب المصطفى، استشراف أنماط عودة اللاجئين السوريين، وفق سيناريوهات متوقعة الحدوث في المستقبل. وتحدّث المصطفى أيضًا عن المحددات العسكرية والأمنية المتعلقة بعودة اللاجئين، مع تسليط الضوء على الأسباب التي دفعتهم إلى الهرب باتجاه دول الجوار والدول الأوروبية، ومنها الملاحقة الأمنية، الاستدعاءات المتكررة للأفرع الأمنية، الاستدعاء للخدمة العسكرية، الحرب والقصف، التهديد المباشر بالقتل أو الخطف من ميليشيات تابعة للنظام أو من سلطات الأمر الواقع. وأوضح المصطفى أنها “متغيرات تصبّ في خانة المتغيرات الأمنية التي عاناها اللاجئون قبل اتخاذ قرارهم بالخروج”.
وتعدّ المتغيرات الأمنية، بحسب ما ذكر المصطفى، من الشروط التي فرضها اللاجئون للعودة، ومن هذه الشروط: عدم تدخل الأجهزة الأمنية والمخابرات بشؤونهم الحياتية الخاصة، إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وإعادة وظيفتها، كما الحال في الدول الأوروبية، وقف الاعتقال التعسفي الموجود فقط في سورية، إعادة بناء الجيش وعدم تدخله بالحياة المدنية. وأكد المصطفى أن كل تلك المحددات والمتغيرات مرتبطة بحل سياسي حقيقي، وهو الحل السياسي الدولي.
وتناولت الندوة في أحد محاورها أبرز المحددات القانونية والتشريعية لإمكانية عودة اللاجئين إلى سورية، والآليات القانونية لتحقيق ذلك. وفي هذا الصدد، أوضح فراس حاج يحيى أن وجود البيئة الآمنة والمحايدة هو من أهمّ الشروط القانونية لعودة اللاجئين، ومن دونها لا يمكن الحديث عن عودة للاجئين. ولفت حاج يحيى في سياق حديثه النظر إلى أن المشكلة الأخرى في سورية هي القوانين القديمة التي تحتاج أصلًا إلى الإصلاح.
وبيّن أن المحددات القانونية لعودة اللاجئين تنقسم إلى قسمين: الأول مجموعة القوانين التي أصدرها النظام السوري قبل الثورة السورية (في زمن الأسد الأب والابن)، وكانت تعمل على ترسيخ نظامه الاستبدادي؛ والقسم الثاني الحرب القانونية التي شنها النظام بعد الثورة السورية، سواء الحرب على العقارات السورية أو الحرب على الهوية السورية، ورأى أن من المهم تعطيل كلّ القوانين التي صدرت بعد عام 2011، أو إعادة النظر فيها، وذلك خلال مرحلة الحل السياسي.
واعتبر حاج يحيى أن من أهم شروط العودة أيضًا رفع القبضة الأمنية، والحد من دور الأجهزة الأمنية في سورية، وذلك بقوة القانون، وأكد أنه من دون ذلك لن تكون هناك بيئة آمنة تسمح بعودة السوريين، وإنْ كان هناك حل سياسي شامل. وأشار إلى أن هذه الشروط لا يمكن تحقيقها إلا بحلّ سياسي شامل يتضمن تغيير النظام الحالي في سورية، وإرساء سيادة القانون وتعزيز استقلال السلطة القضائية، وخلق عقد اجتماعي جديد.
وناقشت الندوة أهم المحددات الاجتماعية اللازمة لعودة اللاجئين، ومدى اختلافها بالنسبة إلى مكان اللاجئ أو اختلاف البلد المضيف له. وأوضحت نسرين جلبي أن من أهم تلك المحددات “تغير التوزع الديموغرافي” الذي حصل بسبب الحرب وموجات النزوح والتهجير المتكررة، وهو من الأسباب المهمة التي من الممكن أن تؤثر في اتخاذ اللاجئين قرارًا بالعودة.
وذكرت جلبي خلال حديثها محددات أخرى، ترتبط بتوافر الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية، خاصة أن أبسط مقومات الحياة مفقودة اليوم في سورية، يضاف إليها المحددات المتعلقة بالبنى التحتية، وهي مفقودة أيضًا في سورية، وتحول دون عودة اللاجئ السوري إلى منزله.
ورأت جلبي أن جميع المحددات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية مكمّلة لبعضها البعض، وأضافت أنه عندما نتحدث عن محددات سياسية أو تغيير دستوري، فإن ذلك سيغير في التشريعات وفي القوانين التي ستضمن حقوق الفرد وتضمن عيشه الكريم، وهذه القوانين نفسها ستؤثر في المؤسسات والهياكل التي بدورها ستؤثر في المنظومة الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي جميعها ستنعكس بشكل إيجابي على قرار اللاجئين بالعودة إلى سورية، ومن هنا فإن المحددات السياسية هي نقطة البداية، حسب تعبيرها.
طلال المصطفى: باحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، دكتوراه في علم الاجتماع، أستاذ الخدمة الاجتماعية في جامعة دمشق سابقًا، له العديد من الكتب والدراسات المحكمة في المجلات السورية والعربية.
نسرين جلبي: باحثة في مجال البحوث السياسية والاجتماعية.
فراس حاج يحيى: عضو نقابة محامي دمشق، طالب ماجستير في كلية الحقوق/ جامعة ليموج في فرنسا، لديه أبحاث ومقالات قانونية منشورة في مواقع عربية وسورية.