عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، الثلاثاء 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، ندوة بعنوان “القضية السورية في سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية“، شارك فيها إبراهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، وأدارتهاالإعلامية السورية ناديا كمال الدين.
سلّطت الندوة الضوء على انعكاسات نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية على قضايا الشرق الأوسط والمنطقة العربية بشكل عام، وعلى القضية السورية بشكل خاص، إضافة إلى معرفة طبيعة السياسة الخارجية لكل من المرشحين دونالد ترامب وجو بايدن، وكيف تنظر إدارة كل منهما إلى قضايا ونزاعات الشرق الأوسط، وما هي مقارباتهما لحل كل هذه النزاعات.
في البداية، تحدث فريحات عن الانتخابات الأميركية المرتقبة، وعن فرص نجاح كل من المرشحين دونالد ترامب وجو بايدن، وذكر أن نتائج الانتخابات الأميركية ستنعكس على النظام الدولي ككل، وأرجع ذلك إلى حالة الشلل التي أصابت السياسة الدولية خلال هذه الفترة، مشيرًا إلى حساسية وأهمية هذه الانتخابات بسبب سياسات الرئيس الحالي دونالد ترامب التي ساهمت في تعطيل النظام الدولي، بكل مؤسساته وقوانينه وأعرافه الدولية. وتوقع فريحات أن تكون الخطوة الأولى للمرشح جو بايدن، في حال وصوله إلى البيت الأبيض، هي إعادة الاعتبار إلى النظام الدولي، لافتًا إلى أن هذا ما يجعل من الانتخابات الأميركية محط أنظار جميع دول العالم.
وأشار فريحات إلى أن استطلاعات الرأي أظهرت أن جو بايدن هو المرشح الأقوى للفوز في السباق الأميركي إلى البيت الأبيض، وبيّن في الوقت نفسه أن من يحدد نتائج الانتخابات الأميركية هي ما تسمى بالولايات المتأرجحة، وتحديدًا فلوريدا، أوهايو، بنسلفانيا، وميتشغان، وانضمت إليها في هذا العام ولاية نورث كارولينا، وأكد أن على دونالد ترامب أن يحسم أمر هذه الولايات المتأرجحة حتى يستطيع أن يفوز في الانتخابات.
وناقشت الندوة توجهات وسياسات كل من دونالد ترامب وجو بايدن تجاه الشرق الأوسط، في حال فوز أي منهما، ورأى فريحات أن من المهم فهم الإطار الكلي للسياسة الخارجية لكل من جو بايدن ودونالد ترامب تجاه الشرق الأوسط ككل، مشيرًا إلى وجود مجموعة من المبادئ والقواعد التي ستحكم السياسة الخارجية الأميركية، وأضاف: “من المهم الحديث عن مجموعة المبادئ التي تقود السياسة الخارجية في التعامل مع الشرق الأوسط، ومقارنتها ما بين ترامب وبايدن. أولًا لا يوجد رئيس همّش النظام الدولي كما فعل دونالد ترامب، حيث إن السياسة الخارجية لترامب تجاه العالم العربي قامت على مرتكزات أساسية، وهي تهميش دور النظام والقانون الدولي، ورأينا كيف اجتاز ترامب محرّمات كبيرة في السياس الخارجية، ومنها موضوع الجولان السوري المحتل، إذ لم يسبق أن قام رئيس أميركي بمنح الجولان لإسرائيل كما فعل ترامب، وهذا يعدّ كفرًا في القانون الدولي، بالإضافة إلى موضوع نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وما سمي بـ (صفقة القرن)، وكل هذه السياسيات مخالفة للمبادئ الأساسية للقانون الدولي”. ورأى فريحات أن فوز جو بايدن بالانتخابات سيكون مقدمة للعودة إلى احترام مبادئ القانون الدولي، وهذا الأمر هو جوهر الاختلاف بينه وبين ترامب.
وتابع فريحات الحديث عن نقاط الاختلاف بين السياسات الخارجية لكل من ترامب وبايدن تجاه العالم العربي، وأشار إلى أن نقطة الخلاف الثانية بينهما هي تحالف ترامب مع الدكتاتوريات العربية بشكل مباشر وصريح، فيما ترتكز السياسة الخارجية لبايدن على مراعاة حقوق الإنسان والحريات ودعم القيم. وأضاف: “في السياسة الخارجية، هناك دائمًا صراع بين المصالح والقيم، وتاريخيًا كانت أميركا تميل دائمًا لتفضيل مصالحها، والديمقراطيون يحاولون دائمًا التركيز على المصلحة الأميركية، مع مراعاة موضوع القيم إلى حدٍ معين، ولهذا كانت هناك تصريحات لبايدن حول إعادة النظر في العلاقات مع المملكة العربية السعودية، على اعتبار أن أوضاع اليمن تعدّ من أكبر الفضائح الأخلاقية بالنسبة للولايات المتحدة، بسبب موضوع بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية”. ونفى فريحات في الوقت ذاته أن يكون هناك قيادة حقيقية من قبل جو بايدن لمبادئ الحرية والديمقراطية والقيم في العالم العربي، وأن يكون هناك تدخل فعلي في الشؤون الداخلية للدول العربية من أجل نصرتها، ورأى أن الأمر سيقتصر على الحد من هذه الانتهاكات التي ارتكبها ترامب فقط، منبهًا إلى أن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية هو النقطة الوحيدة التي يتفق فيها جو بايدن ودونالد ترامب.
وأشار فريحات إلى أن سياسة إدارة الظهر التي تتبعها أميركا تجاه قضايا العالم العربي، لن تُنفذ بشكل كلي يؤدي إلى بروز لاعبين آخرين على الساحة كروسيا والصين، وفي الوقت نفسه سيكون هناك مراعاة واهتمام بعدم دعم الدكتاتوريات على حساب مبادئ حقوق الإنسان، لافتًا إلى أن أميركا باتت تشعر أنه لم يعد هناك ما يستوجب تدخلها في العالم العربي؛ بسبب تراجع أسواق النفط من ناحية، وإيمانها بأن العرب أصبحوا لا يشكلون خطرًا على إسرائيل التي باتت قادرة على حماية نفسها من ناحية أخرى، ورجح أن يكون التدخل الأميركي انتقائيًا، ضمن ملفات معينة فقط.
تطرقت الندوة إلى السياسات المتوقعة لكل من الديمقراطيين والجمهوريين تجاه مسألة إيجاد حل في سورية، ورأى فريحات أن هناك انقسامًا في الرأي السوري نفسه، حول أي مرشح سيكون أفضل للمعارضة السورية، مشيرًا إلى أن هناك تفضيلًا لترامب على اعتبار أنه يحاسب إيران بعد أن فرض أقصى أنواع العقوبات عليها، وقام باغتيال قاسم سليماني، مبيّنًا في الوقت ذاته أن ترامب استخدم الملف السوري من أجل تحقيق المصالح الأميركية، وعلى رأسها إعادة النقاش حول ملف ايران النووي وإضعاف قدرتها العسكرية في المجال الجوي. وتوقّع فريحات أن يكون هناك اتفاق أميركي – إيراني، في حال فاز ترامب في الانتخابات، وستكون سورية أول ما سيضحي به ترامب في هذا الاتفاق، وسيقدّمها إلى إيران على طبق من ذهب، في سبيل أن يحصل على اتفاق مع إيران يلبي شروطه ومصالحه. وفي السياق ذاته، قال فريحات إن سورية والعالم العربي ليست من أولويات جو بايدن مطلقًا، لأن لديه العديد من الملفات والقضايا الأخرى التي يسعى للتركيز عليها وحلّها، منها قضية جائحة كورونا التي ضربت الولايات المتحدة بقوة، والعلاقات العرقية ما بين البيض والسود التي تأزمت كثيرًا في عهد ترامب، إضافة إلى إعادة العلاقات مع الصين، وهذه الملفات عند بايدن هي أهمّ من العالم العربي كله.
وتحدث فريحات عن ملامح السياسة الخارجية لجو بايدن في سورية، وأشار إلى أن هذه السياسة تقوم على نقاط عدة: الأولى هي التوقعات بإعادة العلاقات مع إيران، وإعادة الحوار بشأن الملف النووي بالرغم من التحديات التي تواجه هذا الأمر، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن بايدن يأخذ موضوع سورية بعين الاعتبار من الجانب الإنساني، وسيتدخل في موضوع إعادة الاعمار في سورية، ونبّه إلى أنه لن يكون هناك تغييرات بخصوص قانون العقوبات قيصر، على الأقل ضمن الرؤية الحالية، وسيضغط بايدن على النظام السوري، بطريقة دبلوماسية لا عن طريق التدخل العسكري، فهو سيقوم بإدارة النزاع من دون أن يفرض حلًا جذريًا.
ناقشت الندوة التوقعات بشأن سياسة بايدن تجاه الوجود العسكري الأميركي شمال شرق سورية، وموقفه من دعم الولايات المتحدة لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، وبيّن فريحات أن هناك اتفاقًا ما بين الجمهوريين والديمقراطيين على ضرورة وأهمية هذا الوجود العسكري شمال شرق سورية، والسبب في ذلك هو العداء الأميركي لتنظيم (داعش)، والخوف من إعادة تنظيم صفوفه، وتوقع فريحات أن يستمر الوجود العسكري الأميركي في سورية بحوالي 2000 جندي، من أجل الرصد والتحرك المبكر فيما يتعلق بموضوع الإرهاب عمومًا وتنظيم (داعش) على وجه التحديد. وفيما يتعلق بالعلاقات مع الأكراد والدعم الأميركي لهم، قال فريحات إن جو بايدن تربطه علاقة قوية وقديمة مع الأكراد، وذلك منذ أيام الحرب في العراق، ومن المتوقع أن يكون هناك دعم قوي للأكراد شمال شرق سورية، خاصة في ضوء العلاقات المتوترة مع تركيا، وسيكون هناك اطمئنان كردي بأن لن يكون هناك تخلٍّ أميركي جديد عنهم، كما حصل في عهد ترامب.
من جانب آخر، ناقشت الندوة موقف كل من المرشحين ترامب وبايدن، تجاه مسألة الوجود الإيراني في سورية، وأكد فريحات مجددًا أن ترامب لا يكترث للعالم العربي كله وليس فقط سورية، وفي حال حصل اتفاق جديد بخصوص الملف النووي، فمن المتوقع أن يطلق ترامب يد إيران في سورية، وفي مناطق أخرى أيضًا. أما جو بايدن فمن المتوقع أن يدخل في مفاوضات مع إيران بشأن الاتفاق النووي، وسيفاوض على مسألة الوجود العسكري للميليشيات الإيرانية في سورية، ولكن ضمن الخطوط العامة التي تتميز بها سياسته من ناحية مراعاة الجانب الإنساني ومسألة إعادة الإعمار والضغط على النظام ضمن الحدود الدنيا.
تطرّقت الندوة إلى مسألة مصير “صفقة القرن” في حال فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية، وبيّن فريحات أن هذه الصفقة ستنتهي، ولن يكون هناك ضغط على الفلسطينيين من أجل القبول بخطة ترامب، وسيقوم بايدن بإعادة دعم (أونروا)، وسيعيد فتح السفارة الفلسطينية في واشنطن، لكنه لن يعيد السفارة الأميركية إلى تل أبيب، مشيرًا إلى أن ما سيبقى من هذه الصفقة هو موضوع تحسين العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية، وليس الضغط من أجل التطبيع، وبالشراسة التي تحدث في الوقت الحالي، كابتزاز السودان إن لم توقع على اتفاق التطبيع. أما بالنسبة إلى الجولان السوري المحتل، فتوقع فريحات أن تكون هناك مراجعة في هذا الموضوع، بسبب الخرق الواضح للقانون الدولي الذي تم في عهد ترامب بخصوص هذه المسألة.