عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة ندوة بعنوان “الغاز إلى لبنان عبر سورية.. البعد الاقتصادي والسياسي”، شارك فيها كلّ من الكاتب والصحافي عدنان عبد الرزاق؛ والكاتب والباحث عبد الله تركماني؛ وأدارتها الإعلامية ديمة ونوس.
استعرضت الندوة مشروع تمرير الغاز والكهرباء، من مصر والأردن إلى لبنان، عبر الأراضي السورية، بعد أن أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للبنان للتحرّك بهذا الاتجاه، وتطرقت إلى الجانب الاقتصادي للمشروع، وإمكانية تنفيذه على أرض الواقع، وهل يمكن لسورية التي تعيش حربًا وأوضاعًا اقتصادية متدهورة أن تقوم بأعمال الصيانة والتوسيع في أراضيها لتحقيق هذا المشروع؟ وهل يمكن أن يوافق صندوق النقد الدولي على إقراض لبنان شبه المفلس؟ وما هو المدى الزمني الذي يمكن أن يتم فيه هذا المشروع إن تأمّن تمويله؟ وهل يوجد في لبنان وسورية كوادر وفريق عمل تقني ومعدات قادرة على تنفيذه؟ وهل يحتاج لبنان إلى خطط إسعافية أم إلى مشاريع استراتيجية بعيدة المدى؟ وما هي الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يجنيها النظام السوري من هذا المشروع؟ وهل ستنعشه في حقيقة الأمر؟
وفي هذا الصدد، أوضح عدنان عبد الرزاق أن هناك عدة أطراف مستفيدة من هذا المشروع، وعلى رأسها نظام بشار الأسد، لأنه “سوف يستفيد من الناحية الاقتصادية، وسيأخذ عائدات أكبر من الأردن بحكم الجغرافيا، كون هذا الخط طوله في سورية 365 كم، فالعائدات لسورية ستكون أكبر، كما أن الفائدة الأكبر ستكون سياسية، إذ فتح بشار الأسد نافذة من طوق حصاره من خلال هذا المشروع، وكَسَر حصار قانون قيصر”.
وأضاف أن “إسرائيل مستفيدة أيضًا، كونها ستمرر غازها عبر شريان العرب للوصول ربّما إلى أوروبا، وأيضًا مصر ستسفيد اقتصاديًا، يضاف إلى ذلك أن الأردن ستستفيد بشكل مزدوج، نتيجة رسوم العبور (مال أو طاقة) وستسفيد كذلك من تصدير الكهرباء”.
وفي ردّ على سؤال: “كيف لبلد كسورية يعيش الحرب المدمرة أن يحقق هذا المشروع على أراضيه وعبر أراضيه؟”، أجاب عبد الرزاق: “الحرب على الثورة أنهكت الاقتصاد السوري والبنى التحتية والهياكل الاقتصادية بشكل عام، وآخر التقديرات لتكلفة الحرب في سورية هي 1.2 تريليون دولار، وربما كان لقطاع الطاقة الحصة الأكبر من الدمار، وآخر التقارير من وزارة النفط في حكومة النظام السوري تفيد بأن خسارة قطاع النفط بلغت 91.5 مليار دولار، وخسارة قطاع الكهرباء منعزلة 24.4 مليار دولار، ومن هنا نجد أن قطاع الطاقة في سورية هو من أكثر القطاعات تضررًا”.
وأشار إلى أن الخسائر بالنسبة إلى نظام بشار الأسد ليست في قطاع الطاقة فحسب، بل في وقوع الاقتصاد السوري في عجوزات كبيرة، لأن “الاقتصاد السوري كان يعتمد بشكل كبير على تصدير النفط والغاز والفوسفات، إذ كانت سورية تُنتج نحو 380 ألف برميل يوميًا قبل الثورة، والآن حصة النظام ما بين 20 إلى 30 ألف برميل”.
وأضاف: “أعتقد أن النظام يستطيع تنفيذ هذا المشروع، لأسباب عدة أبرزها: أن هذا المشروع سيعيد تأهيل وإنتاج بشار الأسد، إضافة إلى أن النظام سيستفيد اقتصاديًا بشكل كبير، من خلال الغاز المصري المارّ من الأردن، لتشغيل محطات توليد الكهرباء في سورية، وقد رشح عن نظام الأسد استعداده لمدّ مناطق صناعية بريف دمشق بالغاز”.
وأعرب عن اعتقاده بأن بشار الأسد ليس مهمومًا بشكل كبير بإيصال الكهرباء إلى السوريين، ولا بتوصيل الغاز إلى المنشآت الصناعية، بل سيأخذ حصة مالية (ولو بسيطة) ليستر عورة الاقتصاد وعورة الخزينة والاحتياطي النقدي لديه، خاصة أن نظام الأسد يعاني حالة إفلاس حقيقي، على حد تعبيره.
وتطرّقت الندوة إلى العقوبات الأميركية والحصار على سورية: هل ستعيق الجوانبَ الفنية المتمثلة بصيانة خطوط استقبال الكهرباء التي تضررت أصلًا على الأراضي السورية؟
وذكر عبد الرزاق أن “الأردن هو عرّاب هذه الفكرة، وهو من أخرج بشار الأسد من العزلة، وهو من فتح ثغرة في قانون قيصر بشكل خاص، وهو من تمنّى على واشنطن أن توافق على منح لبنان قرضًا من البنك الدولي”.
وقال أيضًا: “نلاحظ الآن أن التعاطي الدولي مع نظام بشار الأسد أسقط عنه تغيير النظام وجميع المقولات العريضة والشعارات التي رفعتها واشنطن، والآن ما يقال في العالم هو (تغيير سلوك بشار الأسد)، وهي المقولة التي جاء بها ملك الأردن، بعد زيارته الأخيرة لواشنطن، وبالتالي فإن الرئيس الأميركي جو بايدن لا يريد أن يُفعّل قانون قيصر، وبنفس الوقت لا يريد أن يُلغيه، وربما هناك حالة تجميد (للقانون) واختراقات بالتدرج”.
ورأى أن “خط نقل الغاز من مصر إلى لبنان هو فتح ثغرة في هذا القانون، وربما نرى لاحقًا ثغرات أخرى، وبخاصة أننا مبشرون بإعادة الإعمار، والآن بشار الأسد سيكسر العزلة (الدولية والعربية)، أي بدأ بكسر طوق الحصار، لكن بإيعاز دولي”.
وحول المقصود من اعترافات النظام السوري بأنه ستحدث مشكلات أمنية وأخرى فنية متعلقة بهذا المشروع، ستعيق استقرار تدفق الكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية، قال عبد الرزاق: إن “هذا يعني أن بشار الأسد يريد دعمًا دوليًا ليسيطر على كامل الأراضي السورية وليس على درعا فقط”. وتابع: “هو بذلك يلمّح إلى درعا، لأن خط الغاز سيمرّ من ريف دمشق وجنوب سورية، وسيستمر بشار الأسد في هذه المعزوفة، لأن نقل الغاز لا يحتاج إلى استقرار سياسي واقتصادي، بل سيحتاج إلى استقرار أمني فقط، وبشار الأسد سيتذرع دائمًا بوجود الإرهابيين والمعارضة والدول الخارجية، وهو ما سيعيق تنفيذ المشاريع الإقليمية، فبشار الأسد انتقل من مقاوم إلى مقاول، ويمكن أن يأخذ أدوارًا مهمة في المرحلة المقبلة في المنطقة، فثمة اجتماعات وتحضيرات تجري في المنطقة للمرحلة المقبلة، إذ إن جميع دول العالم والإقليم تناسوا قتل وتهجير السوريين وكلّ ما ارتكبه بشار الأسد من انتهاكات، والمطلوب من بشار الأسد فقط تغيير السلوك”.
وسلّطت الندوة الضوء على صندوق النقد الدولي وموافقته على إقراض لبنان دعمًا لهذا المشروع، والأسباب التي تقف وراء ذلك في ظلّ ما يعانيه لبنان من أزمات اقتصادية ومعيشية.
وقال عبد الرزاق: “أعتقد أن قرارات المؤسستين الدوليتين صندوق النقد والبنك الدولي، تخضع لقرارات سياسية أكثر منها اقتصادية، فعادة هي تفرض شروطًا لها علاقة بتغيير الواقع الاقتصادي تسمّى وصفات اقتصادية قبل منح القروض، وأيضًا تنظر إلى واقع البلاد الاقتصادي (الناتج المحلي الإجمالي ودخل الفرد.. إلخ)، وأعتقد أن جميع هذه الفرص غير متوفرة في لبنان، يضاف إلى ذلك التعطيل الحكومي الذي نشهده في لبنان منذ أكثر من عام”.
ورأى أن خطوة البنك الدولي تجاه لبنان تأتي لاعتبارات سياسية واقتصادية منفعية، ولوجود إسرائيل في الموضوع. وأضاف: “علينا ألا نتجاهل أن الغاز المصري سيُغذي عروق دول الممانعة، وربما الغاز المصري في الفترة المقبلة سينتقل إلى أوروبا، ويمكن لخط الغاز أن يُسعف إسرائيل، ويمكن أن يُسهل على مصر كونها دولة منتجة كبيرة، وفي نفس الوقت، يمكن أن يعوق تطلعات إيران وروسيا، ونحن أمام معسكر تقوده واشنطن. ولهذه الأسباب السياسية، يوافق البنك الدولي على إقراض لبنان”.
وتطرقت الندوة إلى الجانب السياسي لهذا المشروع، واللغط الشديد الذي رافق الإعلان عنه، بداية من رفض بعض القوى السياسية اللبنانية له، ممن عدّه تطبيعًا مع النظام السوري، وصولًا إلى المعارضة السورية التي افترضت أن ما جرى في درعا هدفه السيطرة على المدينة، لتمرير خط الغاز المشار إليه، إضافة إلى أسباب موافقة الإدارة الأميركية على هذا المشروع، على الرغم من أنه يُعدّ نظريًا خرقًا لقانون قيصر، واعتبار البعض أن المشروع محاولة لعرقلة جهود إيران في دعم لبنان بالمحروقات عبر “حزب الله”، ومحاولة أميركية لإحراج الحزب وزيادة الضغط الشعبي عليه، خاصة أنها تعرف صعوبة تنفيذ هذا المشروع، على الصعيد الأمني والمالي واللوجستي والتقني، وأخيرًا، هل يمكن أن يكون مثل هذا المشروع جسر عبور لسورية إلى العلاقات العربية والدولية من جديد، أم أنه جزء من عملية واسعة تقودها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟
وفي هذا الجانب، لفت عبد الله تركماني الانتباه إلى أن موارد الطاقة وأنابيب إمدادها وطرق وصولها، منذ القرن الماضي، كانت تلعب دورًا في التحولات الاستراتيجية في العالم. وأضاف: “لا شك أن ما حصل في الفترة الأخيرة، في ما يتعلق بأنبوب الغاز (من مصر والأردن)، مسألة مهمة لا يفوّتها نظام الأسد، إذ إن المبدأ الذي قام عليه نظام الأسدين هو توظيف الجغرافيا السورية والموارد السورية من أجل استمرار سلطته، والآن هي فرصة كبيرة، في ظل العزلة التي يعانيها بشار الأسد ونظامه، وهي فرصة لا يمكن تفويتها من أجل نسج العلاقات ليس مع العرب فقط، بل مع دول الإقليم أيضًا، وعلى الأقل تتيح لبشار الأسد أن يكون له موطئ قدم في التحولات الإقليمية التي تشهدها المنطقة”.
وتوضيحًا للقول بأن هذا المشروع هو عرقلة لجهود إيران في دعم لبنان عبر “حزب الله”، لأنه يوفر بديلًا عن خدمات إيران، قال تركماني: “المسألة الأهم أن إيران تطمح إلى أن تمدّ خطوطًا تنطلق من أراضيها باتجاه العراق وسورية ولبنان، وليس خطوط غاز فقط، بل طرق إمداد لحزب الله ونفوذ لها في منطقة المشرق”.
وقال: “أميركا وإسرائيل شجعتا مشروع نقل الغاز العربي، وذلك لقطع الطريق على إيران، ومن أجل الضغط على موسكو التي تعتمد على تصدير الغاز إلى أوروبا، بمعنى أن هذا الخط هو بداية الآن، ومن الممكن أن يتطور فيما بعد”.
وبخصوص مدى استطاعة هذا المشروع أن يعطل أو يمنع الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري، ويجبره على وقف عمليات القصف والاستهداف، رأى تركماني أنه “يمكن للنظام، جزئيًا، أن يضطر إلى الالتزام بالاتفاق الذي تم في درعا، أما في المناطق الأخرى، كمنطقة إدلب في الشمال السوري، فليس بالضرورة أن يلتزم بذلك، في ظل وجود الروس والميليشيات الإيرانية التي تمارس الانتهاكات أيضًا”. وختم قائلًا: “أعتقد أن النظام سيعمل على تبريد ساحة درعا، لأنّ الشروط الأمنية مهمة لتمرير أنبوب الغاز، لكن في المحصلة لا يوجد أي ضمانة لتعهدات هذا النظام”.