عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة ندوة بعنوان “الدور الإيراني في إعادة هندسة المجتمع السوري“، شارك فيها كلّ من رهف الدغلي، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة لانكستر في بريطانيا؛ ضياء قدور، الباحث المختص في الشأن الإيراني؛ وعمر إدلبي، مدير مكتب مركز حرمون في الدوحة؛ وأدارتها الإعلامية ديمة ونوس.
ناقشت الندوة البحث الذي صدر عن مركز حرمون للدراسات المعاصرة، بعنوان “الدور الإيراني في إعادة هندسة المجتمع السوري”، الذي أشرف عليه عمر إدلبي بالتعاون مع فريق من الباحثين. وتناولت أسباب التدخل الإيراني، وطبيعة هذا التدخل وميادينه المختلفة: الإلكترونية والرقمية والعسكرية والسياسية، وأهدافه الآنية والاستراتيجية في سورية، وكذلك أدوات التدخل العسكرية والإعلامية والثقافية والاقتصادية، ونتائج سياسات إعادة هندسة المجتمع السوري في مختلف المناطق السورية، على كل الصعد، وسبل مواجهة الوجود الإيراني في سورية ووضع حدٍّ له.
استهل عمر إدلبي الندوة بتسليط الضوء على عوامل وأسباب التدخل الإيراني في سورية، والدوافع التي انطلق منها الإيرانيون، عندما بدؤوا التفكير في مدّ نفوذهم إلى سورية، وهي دوافع تتنوع بين ما هو أيديولوجي وثقافي وديني.
وقال إدلبي: إن “النفوذ الإيراني بدأ منذ انتصار ما تسمى الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وبدأ هذا التأثير مع حكم حافظ الأسد، ولكنه بدا أكثر خطورة وأكثر نفوذًا مع تسلّم بشار الأسد السلطة عام 2000، بالوراثة عن أبيه، إذ بدأ يعتمد أكثر على الدعم الإيراني في مختلف المجالات ولا سيما الاقتصادية منها، بعد أن فشل في محاولة دمج اقتصاد البلاد مع الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة، وظهور مشكلات كبيرة جدًا في مشاريع التنمية التي كان يطمح إلى إقامتها في سورية لزيادة حجم استثمارات عائلته من حصة الاقتصاد السوري”.
ووصف إدلبي التدخل الإيراني في سورية إلى جانب نظام الأسد بـ “العدوان”، وبيّن أن هذا العدوان تجلّى بمظاهر عسكرية، من خلال دعم القوات التي كان يقودها نظام بشار الأسد ضد الثوار في سورية، في محاولة للمحافظة على نظام حكمه ما أمكن، وتجلى أيضًا بأسباب اقتصادية حفاظًا على المكاسب الإيرانية التي تهيأت للإيرانيين من نظام حكم بشار الأسد قبل الثورة السورية.
وقال إن “النقطة الجوهرية في ما يتعلق بأسباب التدخل الإيراني هي موقع سورية ودورها في ما يسمّى (محور المقاومة) الذي عماده الجغرافيا السورية التي تؤمن صلة الوصل ما بين الجغرافية الإيرانية والعراقية وصولًا إلى لبنان”.
وبيّن أن إيران تدخلت في سورية لإنقاذ مشروعها، عبر إنقاذ نظام بشار الأسد، وأوضح أن “من ساهم في تصليب موقف بشار الأسد تجاه الثورة وتجاه مطالب الثوار في سورية هم الإيرانيون الذين أكّدوا له أنهم سيقفون معه حتى النهاية، مهما كان الثمن، وقد تغيّر خطاب بشار الأسد ونظام حكمه بعد هذه التأكيدات الإيرانية، بدعمهم المطلق لنظام بشار الأسد”.
ولفت الانتباه إلى أن إيران كانت حريصة على توريط نظام بشار الأسد في مقاومة الحراك الشعبي في سورية بـ “العنف المفرط”، بمعنى أن “بشار الأسد كلما كان أكثر اعتمادًا على الإيرانيين، فسيكون مطواعًا أكثر في ما يتعلق بتنفيذ مشاريعهم وطموحاتهم الجيوسياسية في المنطقة”.
ونبّه إلى أن “عدم وجود مشروع عربي، أو مشروع أمن جماعي عربي يمكن أن يقف في وجه التغلغل والنفوذ الإيراني في المنطقة، يشكّل أزمة حقيقية”، ورجّح أن “بعض القوى العربية تخدم المشروع الإيراني، من حيث تدري أو لا تدري”.
واستنكر إدلبي، في سياق حديثه، غياب أي مواجهة أو مقاومة حقيقية لجهود إيران الرامية إلى زعزعة بنية المجتمعات العربية، وأضاف أن “الشعب السوري صمد خلال كل هذه الفترة من دون أن يُقدّم له دعم، لا على صعيد حوكمة مؤسساته، ولا على صعيد دعم صموده وتقديم ما يحتاج إليه من أجل البقاء في مناطقه وحمايته من التهجير، ولا على صعيد مواجهة القوى العسكرية الإيرانية الموجودة في سورية”.
وتطرقت الندوة إلى الأدوات التي استخدمتها إيران في اختراق المجتمع السوري، ومحاولة التغلغل فيه، وإلى أهداف إيران الأيديولوجية البعيدة، وإلى التغيير الديموغرافي، وتأثير هذا التغيير على المجتمع السوري.
وقالت رهف الدغلي: إن “إيران استخدمت إحدى أدوات الحرب والنزاع، وهي التهجير القسري للسوريين إلى مناطق أخرى، كما فعلت في حمص وداريا والغوطة الشرقية، واستخدمت هذه الأداة للهيمنة داخل المجتمع السوري”. ورأت أنّ ما تقوم به إيران من دعوات تبشيرية في المجتمع السوري سيبقى خطره محدودًا، “خاصة أن من يتشيع اليوم يتشيّع للحصول على ميزات على الصعيد الشخصي، أو للتماهي مع السلطة والقوة”.
وذكرت الدغلي أن هذه الدعوات التبشيرية إلى التشيّع بدأت قبل العام 2011، وذلك عندما وجد بشار الأسد، بسبب العزلة التي شهدتها سورية بعد اغتيال رفيق الحريري 2005، نفسه بحاجة إلى الورقة الخارجية من خلال تحالفه مع إيران، وكانت تلك الورقة بمنزلة “ورقة بقاء له”. ورأت أن “وجود المكوّن السنّي في الشمال السوري ربما تعتبره إيران أنه يشكل خطرًا على امتداد نفوذها في سورية”. وتابعت أن “هذا التوغل الإيراني هو آني، ويمكن التغلب عليه من خلال وجود خطاب وطني عابر ومتجاوز للطائفية أو للانتماءات الطائفية”.
وتناولت الندوة بداية التدخل الإيراني في سورية ضد الثورة السورية عام 2011، عندما لم تكن الثورة مسلحة، ودور قاسم سليماني الزعيم السابق لميليشيا “فيلق القدس” في هذا التدخل.
وقال ضياء قدور: “منذ بداية الثورة السورية، ومنذ بداية ظهور أول تظاهرة سلمية تنادي بالحرية؛ هرع قاسم سليماني إلى التدخل بأوامر من الخميني، وقدّم لقوات الأمن والشرطة المعدات والتجهيزات وأفرادًا من القناصة، وإن قاسم سليماني كان سعيدًا باندلاع الثورة في سورية، لأنه كان يعلم أن هناك فوضى ما ستحصل، نتيجة التنوع الطائفي والتعصب الدكتاتوري لنظام الأسد، ما سيفتح مجالًا للتدخل الإيراني الأوسع داخل سورية”.
وأشار قدور إلى أنه بعد اشتداد حرب النظام على السوريين حدثت اتفاقيات التهجير واتفاقيات خفض التصعيد، وأضاف أن “هذه الاتفاقيات كانت عونًا ومساعدًا لإيران، لتنفيذ مخططاتها والتغلغل بشكل بطيء (سياسة خطوة بخطوة) في سورية”. وتحدث عن عمليات شراء العقارات ومصادرة الأراضي التي تقوم بها إيران، وأكد أنه “لا توجد أي تقارير موثقة تبيّن أنه تم شراء عقار أو أرض سورية لصالح الإيرانيين، ولكنها تقوم بذلك عبر وكلاء لها من السّنة أو الشيعة”.
وعدد قدور الأسباب التي تعيق إيران عن الحصول على نتائج من جراء تدخلها وتغلغلها في سورية، وأوضح أن من بين هذه الأسباب “طبيعة النظام الدكتاتوري الذي لا يقبل أن يتدخل أحد في سلطته، أو أن يشاركه في السلطة، وهذا يتعارض مع التركيبة الإيرانية التي ترغب دائمًا في تشكيل ميليشيات ومؤسسات دينية وميليشيات عقائدية، للعمل خارج نطاق الدولة، لتحقيق المصالح الإيرانية”.
ومن العوائق الأخرى التي تمنع إيران من تحقيق أي نتائج، بحسب قدور، أن “نسبة الشيعة الموجودين في سورية ضئيلة جدًا، وهي عبارة عن أقلية متناثرة ضمن الأراضي السورية”. ورأى أن “التدخل الروسي هو أحد العوائق بوجه إيران، بالرغم من أن الإيرانيين يدّعون أنهم هم من تحدّث مع بوتين للتدخل في سورية لحماية بشار الأسد”، وأشار إلى أن التدخل الروسي أسهم في الحدّ من المشروع الإيراني في سورية، ولكنه لم يكن معرقلًا له بشكل كامل.