عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، يوم الثلاثاء 16 شباط/ فبراير 2021، ندوة بعنوان “الدمار المجتمعي السوري“، شارك فيها كلّ من طلال المصطفى الباحث في مركز حرمون، ورهف الدغلي أستاذة العلوم السياسية، وسلام الكواكبي مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس، وأدارها بدرالدين عرودكي الكاتب والمترجم.
ناقشت الندوة أحد الأبحاث التي أنجزها قسم الدراسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، ونُشر في ثلاثة أجزاء، عن “تشخيص الدمار المجتمعي في سورية“، وتعاون في إنجازه كلّ من طلال المصطفى وحسام السعد ووجيه حداد، واستعرض البحث ما أصاب المجتمع السوري من تغيرات على الصعد كافة، في محاولة لتوضيح بانوراما آثار الحرب السورية على مقدرات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ووضع اليد على “الشروخات البنيوية” في الجسد الاجتماعي السوري. وتطرقت الندوة إلى مضمون هذا البحث وتفاصيله، من خلال عملية نقد علمية لا تتناول مضمونه وأغراضه فحسب، بل كذلك منهجه والمفاهيم المستخدمة فيه.
في بداية الندوة، قدّم الباحث طلال المصطفى شرحًا موجزًا عن الدراسة “الدمار المجتمعي السوري”، وبيّن أنها جزءٌ من الخطة البحثية لقسم الدراسات في مركز حرمون، في إطار دراسات إعادة البناء في سورية في المستقبل، وأن الدراسة انطلقت من مقولة إن “سورية ليست الدولة الأولى التي حصل فيها حرب مدمرة، ماديًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا، بل هناك كثير من المجتمعات في العالم مرّت بتجارب الحروب المدمرة، وتمكن بعضها من تجاوز هذه التصدعات والتشققات المجتمعية التي أفرزتها الحرب، وبعضها لم يستطع تجاوز تلك التشققات، وأن التجربة السورية ليست حالة فريدة من نوعها، بل إنها لم تصل إلى المستويات التي شهدتها بعض المجتمعات، من تدمير وتشتت وتصدع للجسد الاجتماعي”.
وبيّن المصطفى أن تغيير ثقافة التدمير المجتمعي السوري تحتاج إلى مزيد من الدراسات، وإلى ورشات عمل من قبل منظمات محلية ودولية، بعد تحقيق الأمن والسلام والعدالة الانتقالية، حتى نستطيع أن نعالج هذا الدمار المجتمعي، ورأى أن الأصعب هو تعديل ثقافة الدمار المجتمعي أكثر من المادي أو الاقتصادي، لأن هناك جوانب ربما هي عميقة جدًا تحتاج إلى فترة زمنية طويلة حتى تندمل هذه الجروح بين مكونات وأفراد المجتمع السوري، وأضاف: “لا نعتقد أن من السهل علاج الدمار المجتمعي والثقافي في سورية، فالأمر يحتاج إلى مساهمة حقيقية من السوريين كافة، ونحن في قسم الدراسات في مركز حرمون لبّينا هذا التوجه بداية في التشخيص، وأتت هذه الدراسة من خلال فريق العمل (أحدهم من الداخل السوري) الذي كان يكتب، وكان يتمتع بخلفية مهنية ووطنية حتى وصل إلى هذه الدراسة، وقمنا بدراسات جزئية وتحليلية، أي تشريحية مقطعية، وتكوّن لدينا أساس نظري يمكن الاعتماد عليه في تصميم برامج ودراسات استشرافية للعلاج”.
وعدّد المصطفى أهم الموضوعات الواردة في الدراسة “الدمار المجتمعي السوري” ومنها: مؤشرات العنف في سورية وعنف الأطراف المتصارعة في سورية ضد السوريين، وإجراءات العنف المنهجي من قبل النظام السوري، وعنف الأطراف المتصارعة مع بعضها البعض، والعنف المستند إلى مرجعيات طائفية، والإخفاء القسري من قبل نظام الأسد ومن قبل تنظيم (داعش)، ومن قبل “هيئة تحرير الشام”، ومن قبل ميليشيا PKK، وعمليات القتل المنظمة من قبل النظام ومن قبل الأطراف الأخرى، والأهم انتهاكات حقوق المرأة من قبل كل الأطراف، وعلى رأسهم نظام الأسد، وتجنيد الأطفال من قبل الأطراف المتصارعة في سورية، وعمليات التهجير والنزوح والتغيير الديموغرافي، ومؤشرات النزاعات الدينية المذهبية الطائفية حتى ما قبل 2011.
ومن الموضوعات التي عدّدها المصطفى أيضًا، مؤشرات التفكك الأسري، ومنها زواج القاصرات، والعنوسة، وظاهرة الأرامل، وتعدد الزوجات، وارتفاع نسبة الطلاق، وظاهرة تعاطي المخدرات، وارتفاع عدد الأطفال مجهوليي النَسب، والفقر، والبطالة، وتفشي الفساد، والتسول، والتشرد، وتنامي الجريمة المنظمة، وخسارة الكادر التعليمي، وانهيار التعليم، والمناهج التعليمية، والدمار الصحي، والتراجع الدوائي، وتفشي الأمراض المزمنة، ومرض كورونا وتعامل النظام معه، وانخفاض منسوب الدعم الاجتماعي الخارجي والداخلي، وغيرها من الموضوعات تتعلق بالتصدعات والشروخ الاجتماعية.
من جهة ثانية، قدمت رهف الدغلي رأيها بالدراسة “الدمار المجتمعي السوري”، وبيّنت أن الدراسة كانت غنية وقدّمت استعراضًا شاملًا لكثير من الجوانب الاجتماعية، ومن الجوانب الإيجابية فيها أنها اعتمدت على مصادر محلية، وهذا دعمٌ واضحٌ لها. وأكّدت أن ما يقوم به مركز حرمون -من خلال إصدار هذه الدراسات- هو نقل وجهة نظر الباحثين السوريين وتقوية الاطلاع على مصادر محلية، ومن إيجابياتها أنها شخّصت بالفعل أسباب الدمار المجتمعي، وأنها بيّنت أن عنف نظام الأسد لم يبدأ في عام 2011، بعكس الأكاديمية الغربية التي تصور الأزمة السورية على أن العنف بدأ من العام 2011، في حين أن الدراسة تؤكد أن العنف بدأ منذ العام 1963، عندما استلمت عائلة الأسد السلطة.
ووجّهت الدغلي بعض الملاحظات حول هذه الدراسة، وقالت: “إن هذه الدراسة -بهذا التوسع الذي شمل العديد من المواضيع والجوانب- تعطي صعوبة للباحثين أن يقدّموا منهجًا نظريًا مُحكّمًا، كان من الممكن اتباعه في هذه الفصول”، وأوضحت أن الدراسة إيجابية في العموم، لكونها تناولت مواضيع مختلفة ومتعددة. وأضافت أن من المهم التركيز على إعادة بناء الثقة بين السوريين، بعد كل أشكال العنف التي تعرضوا لها، سواء المذهبية أو الطائفية أو العرقية، وإجراء دراسة تفصيلية معمقة حول هذا الموضوع مستقبلًا.
في سياق الندوة، قدّم سلام الكواكبي وجهة نظره حول الدراسة “الدمار المجتمعي السوري”، وقال: “هذه الدراسة ملأت -بحجمها الكبير- كثيرًا من الأمور والاحتياجات، ولكنها فتحت الشهية على معرفة المزيد، وربما يفتح هذا البحث مجالات، بالنسبة إلى مركز حرمون، لإطلاق بحوث تفصيلية في كل باب من أبواب وموضوعات تلك الدراسة”.
واقترح الكواكبي عددًا من النقاط لإغناء الدراسة مستقبلًا، ومنها تخصيصُ بوابة أو فصل للحديث عمّا يمكن أن يقوم به أبناء الشتات، في ظلّ وجود أكثر من 7 ملايين سوري في دول الشتات، في عملية إعادة البناء المجتمعي، خاصة أن الحوار بين أبناء الشتات يتم في أوضاع صحية أكثر من الحوار الذي لم يتم حتى الآن في الداخل السوري، والتركيز على موضوع العدالة الانتقالية، كونه موضوعًا أساسيًا جدًا لإعادة البناء، والتركيز أيضًا على العدالة المجتمعية التي يمكن من خلالها الاستناد إلى التكوين المجتمعي السوري، وتخصيص بحث أو فصل يركز على ثقافة الحوار وكيفية إعادة الحوار بين السوريين، وذلك لوجود شرخ كبير بين السوريين، ومن المهمّ الوصول إلى تقارب بين السوريين الذين هم ضحايا من أي فئة ومن أي تكوين كانوا.
طلال المصطفى: باحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق، دكتوراه في الدراسات الفلسفية والاجتماعية، له العديد من الكتب والدراسات والأبحاث المنشورة.
رهف الدغلي: أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة لانكستر في بريطانيا، دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، نشرت أبحاثًا أكاديمية محكمة في مواضيع عدة.
سلام الكواكبي: كاتب وباحث، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس، أستاذ مشارك في جامعة باريس الأولى، قسم الدراسات العليا.